العراق: من انتخابات 1923 إلى 2010
د. شاكر النابلسي
Ýí
2010-03-03
تتسم الانتخابات التشريعية العراقية بأهمية قصوى في 7/3/2010 القادم. وهي أهمية ليست كغيرها من الانتخابات الماضية في تاريخ العراق، منذ أن أُجريت أول انتخابات عام 1923، وذلك بحكم تغيُّر الزمان، والمكان. وبحكم المتغيرات العراقية، والعربية، والدولية المتسارعة، في عصر ثورة المعلومات، وعصر السرعة القصوى، والثورة العراقية 2003 المتفردة في التاريخ البشري من حيث ظروفها، وأسبابها، ونتائجها، وتكلفتها البشرية والمالية.
-2-&o:p>
في كتابه المهم "المجتمع والدولة في المشرق العربي"، يستعرض لنا غسان سلامة وزير الثقافة اللبناني السابق، والأكاديمي، والباحث التاريخي السياسي، جزءاً من تاريخ الانتخابات العراقية، منذ 1923. ونقرأ في هذا التاريخ كيف أن الانتخابات التشريعية العراقية عام 1923 كانت أول انتخابات تجري في العالم العربي في التاريخ الحديث، بعد قدوم الملك فيصل الهاشمي إلى العراق عام 1921، الذي تعهَّد في خطاب التتويج، بأن أول عمل سيقوم به هو الانتخابات وجمع المجلس التأسيسي (البرلمان). وكان هذا التعهد إضافة إلى إقرار دستور للعراق، من جراء ضغط من بريطانيا التي جاءت بفيصل ملكاً على العراق، تعويضاً له عن فقدان مُلكه في سوريا، وبتدبير من المعتمد البريطاني (بيريس كوكس) الذي ربط - بوضوح - المسار الديمقراطي العراقي بالقبول المسبق للمعاهدة البريطانية العراقية 1924. وكان ذلك بمثل ما قام به دوغلاس مكارثر في اليابان 1945، من حيث أن الإرادة السياسية لفرض الديمقراطية والحكم الدستوري هي إرادة غربية، ما دام الشعب غير قادر على التغيير. وهذا ما قاله خالد محي الدين زعيم "حزب التجمع" اليساري المصري – كما أوردته صحيفة "نهضة مصر" في 6/10/2004 - في خطاب له في مؤتمر شعبي في"القليوبية" من أن "أحزاب المعارضة في مصر ضعيفة، والحزب الوطني، ومن ورائه النظام الحاكم عنيد، ولا يريد الإصلاح السياسي، ولا أمل في ديمقراطية حقيقية إلا بضغوط خارجية. ولا مانع لدي من ضغط أمريكي، لتحقيق الديمقراطية في مصر".
-3-
ولكن النتائج كانت مختلفة تماماً بين ما تمَّ في العراق 1923 ، وما تمَّ في اليابان 1945.
ففي العراق تمَّ تزوير أول انتخابات عام 1923. وأصبح العراق منذ ذلك الوقت المُعلِّم الأول للعرب في كيفية تزوير الانتخابات، وتحويل الديمقراطية إلى شعوذة سياسية. وبذا، يعتبر هذا التاريخ (1923) تاريخ التزوير للديمقراطية والشعوذة الديمقراطية التي انتابت العراق، وانتابت أجزاء مختلفة من الوطن العربي مع ظهور حكم العسكر، والديكتاتوريات العسكرية والحزبية.
ومنذ ذلك التاريخ، وقف أعيان العراق، وزعماء العشائر، ورجال الدين، من السُنَّة والشيعة ضد هذه الانتخابات، وما بعدها من انتخابات تشريعية أخرى. بل وصدرت فتاوى دينية ضد هذه الانتخابات، كتلك التي صدرت في 3/11/2003 من الشيخ صالح الفوزان (عضو هيئة كبار العلماء السعودية). وقوله: "الانتخابات المعروفة اليوم عند الدول، ليست من نظام الإسلام، وتدخلها الفوضى، والرغبات الشخصية. وتدخلها المحاباة، والأطماع، ويحصل فيها فتن، وسفك دماء، ولا يتم بها المقصود. بل تصبح مجالا للمزايدات، والبيع، والشراء، والدعايات الكاذبة." فنقل لنا أحمد الكاتب في كتابه "تجربة الثورة الإسلامية في العراق 1920-1980" فحوى الفتوى التي أصدرها عام 1923 الفقيه العراقي أية الله محمد الخالصي، وقال فيها "إن هذا الانتخاب يُميت الأمة الإسلامية. فمن انتخب بعدما عَلِمَ بحُرمة الانتخابات، حرُمت عليه زوجته وزيارته، ولا يجوز ردّ السلام عليه، ولا يدخل حمام المسلمين."
-4-
واستمر رفض رجال الدين للانتخابات منذ ذلك الوقت حتى وقتنا الحاضر، كما قرأنا في فتوى الشيخ الفوزان الأخيرة. كما استمر العراق ومعظم العالم العربي تزوير الانتخابات، واعتبار هذه الانتخابات من آليات الديمقراطية الحقيقية والنظيفة، التي تطالب بها بعض النخب السياسية والفكرية من الانتلجنسيا العربية.
ففي العراق – مثالاً لا حصراً - استمر إجراء الانتخابات والاستفتاءات، ولكن التزوير كان لُحمتها وسداها. ففي الانتخابات العراقية 1925، جرى تزوير واضح. كذلك جرى التزوير وعروض الديمقراطية المشعوذِة في انتخابات عام 1933 بقيادة رئيس الحكومة العراقية آنذاك جودت الركابي، ونَجَمَ عن ذلك، حركة عصيان واسعة في الريف حرّض عليها ياسين الهاشمي الذي سقط في الانتخابات نتيجة التزوير. وأصبح التزوير في انتخابات عام 1933 سُنَّة رسمية للسلطة الحاكمة، اتبعتها كافة السُلط فيما بعد، وخاصة سلطة حزب البعث(1968-2003). فقام جميل المدفعي بتزوير انتخابات 1937، وقام نوري السعيد بتزويرها عام 1939. واستمر التزوير طوال العهد الملكي وحتى سقوط النظام عام 1958.
-5-
ومن يقرأ تاريخ العراق السياسي الحديث، يلاحظ أن مزوري الانتخابات كانوا لا يخفون، ولا ينكرون التزوير. بل كانوا يبررون هذا التزوير بمبررات يمكن أن يكون لها قسطٌ وافرٌ من الواقعية السياسية. فهذا جودت الركابي رئيس وزراء العراق عام 1933 يعترف بتزوير الانتخابات، ولا ينكر هذا التزوير، ولا يدعي نزاهتها، ولا شفافيتها، كما كان يفعل صدام حسين، ومعظم الحكام العرب الآن. ويبرر الركابي ذلك – كما يروي عبد الرزاق الحسني في كتابه "تاريخ الوزارات العراقية" - بقوله: - مؤيداً ما رفعه الزعماء العراقيون ورؤساء العشائر العراقية للملك، من أن "مجلس النواب لا يُمثِّل الشعب" - "إن الانتقادات في محلها. لكن الحق، أن الفكرة النيابية غير مناسبة للعراق!"
فمن يملك الآن جُرأة جودت الركابي في العالم العربي، ويعترف بذلك، بحجة أن الفكرة النيابية ما زالت غير مناسبة للعرب؟
-6-
نأمل أن لا تُصاب انتخابات 2010 بعد أيام، بفيورس التزوير الذي أُصيبت به الانتخابات العراقية منذ 1923 وحتى 2005. فاللقاح الأمريكي لهذه الانتخابات في 2005، كان فعالاً إلى درجة كبيرة، وأكثر تأثيراً من اللقاح البريطاني عام 1923 ضد فيروس التزوير الانتخابي. وتبقى الديمقراطية العراقية هي الرائدة في المنطقة، في معناها ومرماها، وتتمثل في قدرة الشعب العراقي على التغيير.. تغيير الوجوه والسياسات، وليس مجرد ناخبين، وصناديق اقتراع.
اجمالي القراءات
10186
شكرا دكتور لهذا التنبيه الذى يأتى فى وقته .. بمناسبة الانتخابات العراقيية التى نأمل منها أن تكون مفتاح النزاهة للانتخابات العربية الاخرى , وكما نأمل أن يتفطن اخوتنا الناخبين العراقيين للعبة المتاجرة بالدين والعواعطف كما عودتنا جل الانتخابات العربية الاخرى , والتى كتب عنها معلمنا الراحل الصادق النيهوم فى كتابه الاسلام فى الاسر . أن أقصر طريق يسلكه الحزب السياسي لكسب المعركة على السلطة، هي أن يلبس جبة الدين، ويطالب الدولة بتطبيق قوانين الشريعة. لكن مشكلة هذا الطريق القصير، أن قوانين الشريعة بالذات، لا تطبقها الدولة بل يطبقها المواطن. فإذا مرّت المغالطة، ونجحت الأحزاب الدينية في مسعاها، وتمّ تطبيق قوانين الشريعة في دول الوطن العربي، حتى صار لكل حكومة بوابة رسمية على الجنة، فإن المواطن العربي شخصياً، سوف لن يشارك في هذا العرس، ولن يؤدي فيه دوراً نافعاً، سوى أن يحمل الطبل والحطب. إنه لا يستطيع أن يطبق الشريعة حتى بمعونة من فقهاء الحزب. فالمشكلة من أساسها، ان المجتمع العربي نفسه، مجتمع غير شرعي، خلقته مؤسسات اقطاعية معادية لمعظم مبادىء الإسلام، من مبدأ المساواة والشورى، إلى مبدأ تحريم الحكم الفردي، وضمان حرية الحوار والقضاء.