أسباب أمراض القلوب و علاجها:
الا من أتى الله بقلب سليم (2)

نورالدين بشير Ýí 2009-05-27


أن القلب يسير إلى الله عز وجل والى الدارالآخرة ويكشف عن طريق الحق ونهجه والعمل بنور الله وقوة الأيمان والعزم ومن لا شعور له بهذا فأنه ميت القلب أو مريضه ، فإنه لا نعيم إلا بمعرفة الله والطمأنينة بذكره. و من أسباب أمراض القلوب ما يأتي:


التمنى :وهو زاد كل نفس خسيسة سفلية ليست لها همة تنال بها، فعوضت الحقائق بالأماني كتمني القدرة و السلطان أو تمني الأموال أو النسوان ، أما صاحب الهمة العلية فأمانيه حائمة حول التدبر في القرآن و العلم و الإيمان و العمل الذ ي يقربه إلى الله فأماني هذا إيمان ونور وحكمة وأماني أولئك خدع وغرور . قالى تعالى (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشيطان إِلاَّ غُرُوراً)
وقال (فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)


التعلق بغير الله 
وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق فليس عليه أضر من ذلك فإنه إذا تعلق بغير الله وكّله الله إلى ما تعلق به وخذله وفاته تحصيل مقصده من الله عز وجل بتعلقه بغيره والتفاته إلى سواه فلا على نصيبه من الله حصل ولا إلى ما أمله ممن أو ما تعلق به وصل.
قال الله تعالى : ( واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) مريم
و قال تعالى :( واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون )يس
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله ، ومثل المتعلق بغير الله : كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت وهي أوهن البيوت ، فأساس الشرك وقاعدته التي بنى عليها : التعلق بغير الله.
قال تعالى ( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا) الإسراء ، مذموما لا حامد لك مخذولا لا ناصر لك .

 
فكيف يحول الله بين العبد وقلبه؟

 
قالى تعالى ( يحول بين المرء وقلبه ) أي يتركه لا يعقل فلا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر إلا بإذنه و هو كقوله ( ونحن أقرب اليه من حبل الوريد )

العلاج: 


 كيف نقى قلوبنا المرض؟

 
يكفى ان تتذكر هذا القول البسيط فى كتاب الله تعالى ( آلا بذكر الله تطمئن القلوب) والذكر يكون بالمواظبةعلى الصلوات فى وقتها (واقم الصلاة لذكرى) والذكر يكون بالتفكر في عظمة الله وجلاله والتدبر في آياته والعمل بمنهج القرأن الكريم لان القلب الذى ليس فيه من كتاب الله شىء خرب كخراب البيت الذى لاساكن له.
 

صلاح القلوب


وصلاح القلب والذى خلق من أجله هو ان يعقل الاشياء لا أن يعملها فقط فقد يعلم الشيء من لا يكون عاقلا له بل غافلا عنه ملغيا له والذى يعقل الشيء هو الذى يقيده ويضبطه ويعيه ويثبته فى قلبه فيكون وقت الحاجة إليه غنيا فيطابق عمله قوله وباطنه ظاهره وذلك هو الذى أوتى الحكمة ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) و من الناس من يؤتى علما ولا يؤتى حكما.


و الذى في قلبه شيئ من أمراض الشبهات والشهوات ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والادراك بحيث يرى الاشياء على ما هي عليه وفي القرأن من الحكمة والموعظة الحسنة و الترغيب و الترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب فيرغّب القلب فيما ينفعه ويمنعه عما يضره فيبقى القلب محبا للرشاد مبغضا للغي بعد أن كان مريدا للغي مبغضا للرشاد فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ويعود إلى فطرته التي فطر عليها و يتغذى القلب من الإيمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده.

 
القلب سمع وبصر

 
من نظر الى الاشياء بغير قلب او استمع الى كلمات اهل العلم بغير قلب فإنه لا يعقل شيئا وعند هذا تستبين الحكمة فى قوله تعالى ( افلم يسيروا فى الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او آذان يسمعون بها) حتى انه لم يذكر هنا العين كما فى الآيات السوابق فإن قياس الكلام هنا فى امور غائبة وحكمة معقولة من عواقب الامور لا مجال لنظر العين فيها ومثل ذلك قوله تعالى ( ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون) وتتبين حقيقة الامر أكثر فى قوله تعالى (ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القي السمع وهو شهيد) فإن من يؤتى الحكمة وينتفع بالعلم على منزلتين اما رجل رأى الحق بنفسه فقبله فاتبعه ولم يحتج إلى من يدعوه فذلك صاحب القلب او رجل لم يعقله بنفسه بل هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه له ويعظه ويؤدبه فهذا اصغى و القى السمع و هو شهيد اى حاضر القلب ليس بغائبه، او أوتي العلم وكان له ذكرى وتبين قوله تعالى ( ومنهم من يستمع اليك افأنت تسمع الصم)


تزكية القلب

لزكاة القلب معنى زائد على طهارته من الذنب قال الله تعالى فى سورة التوبة (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وكذلك ترك الفواحش و المعاصي يزكو به القلب فالقلب إذا تاب من الذنوب كان استفراغا من تخليطاته حيث خلط عملا صالحا و آخر طالح، فاذا تاب من الذنوب خلصت قوة القلب و إراداته للأعمال الصالحة واستراح من تلك الحوادث الفاسدة التي كانت فيه قال تعالى فى سورة النور (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم احد)

فالتزكية وإن كان أصلها النماء و زيادة الخير فإنما تحصل بإزالة الشر فلهذا صار التزكي يجمع هذا وهذا وقال تعالى فى سورة فصلت ( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة ) وهي هنا بمعنى التوحيد والإيمان الذي به يزكو القلب به فإنه يتضمن نفي  ما سوى الحق من القلب وإثبات الحق في القلب وهو حقيقة لا إله إلا الله وهذا أصل ما تزكو به القلوب. و التزكية جعل الشيء زكيا إما في ذاته وإما في الاعتقاد والخبر كما يقال عدلته إذا جعلته عدلا في نفسه أو في اعتقاد الناس قال تعالى فى سورة النجم( فلا تزكوا أنفسكم) أي تخبروا بزكاتها وهذا غير قوله تعالى فى سورة الشمس( قد افلح من زكاها) ولهذا قال تعالى فى سورة النجم (هو أعلم بمن اتقى ) وأما قوله تعالى فى سورة النساء( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء) أي يجعله زاكيا ويخبر بزكاته كما يزكى المزكي الشهود بعدلهم و العدل هو الاعتدال والاعتدال هو صلاح القلب كما أن الظلم فساده ولهذا جميع الذنوب يكون الرجل فيها ظالما لنفسه والظلم خلاف العدل فانه لم يعدل على نفسه بل ظلمها قالى تعالى (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ..إن الشرك لظلم عظيم ) 13 سورة لقمان، وعليه تعود ثمرة العمل من خير وشر قال تعالى فى سورة البقرة ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) و العمل له أثر في القلب من نفع وضر ،قبل أثره في الخارج فصلاح النفس عدل لها وفسادها ظلم عليها قال تعالى فى سورة فصلت ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها)  

 
الاحسان


قال تعالى فى سورة الإسراء (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها)
إن للاحسان نورا في القلب وان الاساءة لظلمة في القلب وقال تعالى فى سورة الطور ( كل امرئ بما كسب رهين)
وقال تعالى فى سورة المدثر ( كل نفس بما كسبت رهينة)
وقال تعالى فى سورةالأنعام ( وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا ) و تبسل أي ترتهن وتحبس وتؤسر فصحة القلب وصلاحه في العدل و مرضه من الزيغ والظلم والانحراف والعدل المحض في كل شيء متعذر علما وعملا ولكن الأمثل فالأمثل، قالى تعالى (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى).


أحياء القلوب


وأصل صلاح القلب هو حياته واستنارته قال تعالى فى سورةالأنعام ( أو من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منه) لذلك ذكر الله حياة القلوب ونورها وموتها وظلمتها في غير موضع في القرأن كقوله فى سورة يس ( لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين) وقوله تعالى فى سورةالأنفال ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ثم قال ( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) وقال تعالى فى سورةالروم ( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ) و قال تعالى في سورة الأنعام ( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات)


وذكر سبحانه آية النور وآية الظلمة فقال تعالى فى سورة النور ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور) فهذا مثل نور الايمان في قلوب المؤمنين ثم قال تعالى ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده وفوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور)


و قال تعالى فى سورة الأعراف (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) وهذه بصيرة القلب وقال تعالى فى سورة يوسف (و لقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) وهو برهان الإيمان الذي حصل في قلبه فصرف الله ما كان به من شهوة.

 
وقال تعالى فى سورةالأنعام (ومنهم من يستمع إليكم وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يفقهون بقلوبهم ولا يسمعون بآذانهم ولا يؤمنون بما رأوه من النار)
و قال تعالى فى سورة فصلت ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب) فذكروا الموانع على القلوب والسمع والأبصار وأبدانهم حية تسمع الأصوات وترى الأشخاص لكن حياة البدن بدون حياة القلب من جنس حياة البهائم لها سمع وبصر وهي تأكل وتشرب وتنكح ولهذا قال تعالى فى سورة البقرة ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) فشبههم بالغنم التي ينعق بها الراعي وهي لاتسمع إلا نداء.

الأنابة و الاسراع بالرجوع الى الله:

 
مما لا شك فيه ان ترك المعصية حبا لله تعالى وخوفا منه من صفات المؤمنين الحقة و الإيمان بالله تعالى يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ولكن المؤمن من ينيب ويرجع الى ربه حتى بعد المعصية قالى تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) فتلك دعوة صؤيحة للتوبة
وقالى تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِم) والانابة سرعة الرجوع الى الله بعد ارتكاب الذنب قالى تعالى في سورة ص (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ)
يقول تعالى: "الله يجتبي إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب". سورة الشورى 13


من هذا فالقلب السليم كما قلت هو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لامره ولم تبق فيه منازعة و القلب السليم الذي ينجو من عذاب الله هو القلب الذي قد سلم لامره ولا معارضة لخبره فهو سليم مما سوى الله وأمره لا يريد الا الله ولا يفعل إلا ما أمره الله فالله وحده غايته وامره وشرعه وسيلته وطريقته لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره و لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم انه لا قرار لها فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه ومتى كان القلب كذلك فهو سليم من الشرك وسليم من البدع وسليم من الغي وسليم من الباطل.

 وحقيقته انه القلب الذي قد سلم لعبودية ربه حياء وخوفا وطمعا ورجاء ففنى بعبادته عن عبادة ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبرجائه عن رجاء ما سواه وسلم لامره .


هذا وان اصبت فبنعمة من الله و ان أخطأت فأرجوا من الله أن يهديني سواء السبيل.


و أرجوا من أساتذتي و اخوتي بالموقع أن يدلوا بتعليقاتهم حتى أتمكن من المتابعة أو أصلاح ما بدر مني من أهطاء، لأنني لم أتلقى أي تعليق على مقالي الأول ( الا من أتى الله بقلب سليم ) وأنا أتحسر شوقا لقراءة تعليقاتكم ،
وأذكر أن الله قد جمعنا بهذا الموقع بالقرأن وحده، ولم نكن نعرف بعضنا بعضا، ولكن الله أنار قلوبنا لطريق الحق، فأصبحنا بنعمته أخوانا. ( ربنا آمنا بما أنزلت و اتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ..).

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )

اجمالي القراءات 12710

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (1)
1   تعليق بواسطة   Baby DEBB     في   الجمعة ٢٩ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[39542]

بارك الله فيك أستاذي العزيز نور الدين بشير

نعم أستاذي المحترم نور الدين بشير لم أكن اتوقع أن يكون لتساؤلي السابق في موضوع القلب النافع أثر كبير عليك إلى درجة الإنشغال والتفرغ الكلي من أجل فك غموضه و أسراره من طرفكم, ولكن من خلال تمعني مع ما أفدتنا به في بحثك الذي أجده ممتازا ومشوقا أظن انك خطوت خطوة كبيرة في طريقك نحو إدراك الحقيقة , فأملي دائما ان يكون الإجابة على  مثل هذه التساؤلات المختلفة بهذه الطريقة ,لا بتلقائية وعشوائية...أحسنت أستاذي الكريم وزادك الله و إيانا علما....واصل , أنتظر بفارغ الصبر ما قد تجود به لاحقا.

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2009-04-14
مقالات منشورة : 0
اجمالي القراءات : 0
تعليقات له : 17
تعليقات عليه : 77
بلد الميلاد : afghanistan
بلد الاقامة : afghanistan

احدث مقالات نورالدين بشير
more