المجتمع المصرى القديم فى قصة يوسف
التأريخ الاجتماعي لعصر ما أشق أنواع التأريخ ، وتزداد صعوبته كلما تباعد ذلك العصر وندرت مصادره ، وينطبق ذلك على التاريخ المصري القديم خصوصا وقد دارت مصادره حول الفراعنة والحكام وتوارت الطبقات الاجتماعية الدنيا ـ على الأخص ـ في زوايا الإهمال والنسيان.
وفترة الهكسوس بالذات كانت أكثر غموضا، حتى أن تاريخ الملوك الهكسوس أنفسهم أكثر غموضا ،وبالتالي فإن أحوال المجتمع المصري في ذلك العصر كانت أشد في الغموض ، وذلك يزيد من أهمية الإشارات القرآنية عن الحياة الاجتماعية في قصة يوسف الذي عاصر الهكسوس ، خصوصا وأن الحقائق القرآنية التاريخية حق مطلق وليس نسبيا ً .
ومن خلال قصة يوسف نتوقف مع بعض اللمحات القرآنية عن أحوال المجتمع المصرى في عصر الهكسوس..
الطبقية
1 ـ المفهوم أن المجتمع المصري وقتها أنقسم إلى طبقتين أو أكثر , كان الحكام الهكسوس وأعوانهم في الطبقة العليا في الهرم الاجتماعي ، وينظرون باستعلاء على من هم دونهم . ونحن نحس بذلك حين نرى موقف النسوة المترفات واعتراضهن على عشق امرأة العزيز لفتاها يوسف "وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ : يوسف 30 "
لم يكن موقفهن مبنيا على أسس أخلاقية حين قلن " إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ " وإنما قام على أسس طبقية اجتماعية ؛ فكيف تتدنى امرأة العزيز إلى مغازلة فتاها أو خادمها يوسف. وهناك أكثر من دليل على ذلك:
فالقرآن يقول تعقيبا على ذلك " فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ.. " فوصفت احتجاج النسوة بأنه " مكر " ولو كان اعتراضا أخلاقيا ساميا ما وصفه القرآن بذلك . ونستشف من وصف القرآن له بالمكر أنهن أحيانا كان يقعن في علاقات من نفس النوع ويدعين العفة والأنفة , لذلك أجرت امرأة العزيز لهن اختبارا فضحتهن فيه عندما رأين يوسف .
وامرأة العزيز " أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً. " أي جهزت لهن حفلة رائعة فيها كل وسائل الترف ومستلزمات الحياة الأرستقراطية التي اعتدن عليها وزيادة ، ثم أدخلت يوسف عليهن ،
أي أنها أجرت مقارنة بين جمال يوسف الذي اذهب عقلها وبين مفردات الحياة الأرستقراطية وثقافتها ، ففاز جمال يوسف وتناست النسوة تلك القشرة الملونة الأرستقراطية اللاتي يتخفين تحتها ، وذهلن بجمال يوسف عن كل الزخرف الأرستقراطي الى درجة أنهن : (أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ ) أى تسامى فى نظرهن وعلا فوق مستوى طبقتهن العليا فلم يعد يناسبه إلا أن يكون فوق مستوى البشر أى من الملائكة المكرمين .
وطالما أصبح في أعينهن في منزلة أكبر وأعظم من الطبقة الراقية نفسها فأنهن انضممن إلى امرأة العزيز في طلب الفاحشة من يوسف , وقد قالت لهن امرأة العزيز تشير إلى يوسف وجماله: (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ) واعترفت فخورة بذنبها لأن يوسف يستحق (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) ثم هددته (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ ) والنسوة وافقن على الاقتراح .. وبالتالي طمعن في أن يكون لهن نصيب في يوسف ، وفهم يوسف ذلك فدعا ربه تعالى :(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ) أي تكلم عن جميع النسوة وليس عن امرأة العزيز وحدها ..
والملك فهم ذلك أيضا وقال للنسوة : ( مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ )( يوسف 51 )..
2 ـ وعرفت مصر في ذلك العهد السحيق الرقيق والخدم في البيوت، وكان من مظاهر الجاه وقتها ، وكان يوسف واحدا منهم ، حملته قافلة من الشرق ، حيث بيع في مصر للرجل الذي صار عزيز مصر ، وحرص على أن يرعاه رعايته لابنه أو يتبناه ، وذلك تقدم حضاري في التفكير تجاوز عقلية لنكولن محرر العبيد في أمريكا ، والقرآن يقول : (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ )( يوسف 21 )، أي أن القرآن يعتبر نشأة يوسف رقيقا في هذا البيت من التمكين له في الأرض . والتاريخ يثبت أن مصر كانت جنة الرقيق والمماليك ، وقد أتى عليها حين من الدهر كان فيها السلاطين والأمراء من المماليك الذين كانوا رقيقا .
إذن خطط الرجل لكي يكون يوسف ابنا له أو يكون مصدر نفع له، وفي الحالتين أمر زوجته بأن تكرم مثواه ، وذلك يعطينا لمحة عن مكانة الرقيق في مصر وقتها .
ولكن كانت لامرأة العزيز رأي آخر في يوسف ، والواضح انه لم يكن لها ولد ولم تنجب ، وشب يوسف أمامها بعد سنوات رجلا ً فتيا ً وسيما ، وكان منها ما كان .
ونستدل من التجربة التي أجرتها امرأة العزيز للنسوة في بيتها أن النسوة لم يرين يوسف من قبل ، ولعل ذلك يرجع إلى حواجز كانت تمنع النساء من الطبقة الراقية من الاختلاط بالرقيق الذكور فى البيوت الأخرى ، وربما لم يكن مباحا ليوسف بالذات أن يغادر البيت إلى الشارع أو إلى بيوت أخرى ، و إلا فأن حسنه كان سيصير مشهورا في المدينة ولا حاجة حينئذ للتجربة التي أقامتها زوجة العزيز .
ومن الملاحظ أيضا أن انتشار قصة مراودة إمرأة العزيز لفتاها سرعان ما انتشرت مع أنها من أسرار البيوت ، وهذا يشير الى أن من قام بنشر هذا السر كان من الخدم . وبالتالى كان للخدم فى البيوت دور فى سريان الشائعات فى العاصمة المصرية وقتها ، والتى وصفها القرآن الكريم بالمدينة: (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ )
نفوذ المرأة :
كان واضحا نفوذ المرأة في ذلك العصر .
صحيح أنه من الناحية الرسمية كان الرجل هو السيد للمرأة ، والقرآن يقول عن الوضع الرسمي للزوج في ذلك الوقت:(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ) ( يوسف 25 )، أي كان الزوج سيدها ، وصحيح أن الحكيم المصري ( بتاح حتب ) يقول – عن معاملة الزوجة " أسعد قلبها ما دامت حية لأنها حقل طيب لمولاها " فالزوج هو مولى الزوجة وسيدها ، والزوجة هى حقل وحلرث مملوك للزوج .
هذا صحيح من الناحية الرسمية – ولا يزال – ولكن الواقع الذي أيضا – لا يزال ـ يؤكد أن بعض النسوة لا يترددن في السيطرة على الزوج طالما كان ضعفه يسمح بذلك.
واستقراء الآيات في سورة يوسف يعطينا تأكيدا على أنه كان " عصر المرأة الحديدية ".
فالرجل الهام الذي اشترى يوسف قال لزوجته:(أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) ، ولو كان رجلا مستبدا لقال فقط :(أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) واكتفى بإصدار الأوامر ، ولكنه قدم لها تبريرا يقنعها ، ثم لم يقل لها في ذلك التبرير " عسى أن ينفعني أو أتخذه ولدا " وإنما جعلها تشاركه وجعل لها أهمية تساوي أهميته في البيت ..
والقرآن يقول عنها : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ ) وهو تعبير بليغ تكثفت فيه المعاني التي تؤكد تحكم تلك المرأة في البيت وسلطانها على ما فيه ومن فيه ، وبالتالي فإن يوسف " فتاها " كما قالت النسوة(تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ) ، أي تملكه، ولا تسأل بعد ذلك عن قيمة الزوج المحترم الذي هو خارج البيت " عزيز مصر " ..
وحين ضبطها الزوج المحترم وهي تراود يوسف فأنها لم تفقد رباطة جأشها وهي في ذلك الوضع الشائن أمام زوجها ، بل بادرت تقول للزوج في ثبات وتسلط : ( مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ،أي بادرت بالاتهام ثم عجلت بالحكم والعقاب وليس على الزوج إلا أن يسمع ويطيع ، وقد سمع وأطاع ، " بورك فيه ...!!
ولأنها تحب يوسف ولا يزال لديها أمل في إغوائه فأنها لم تقل " إلا أن يقتل أو عذاب أليم " أي أرادت له السجن أو العذاب لتنتقم لكرامتها المجروحة ، أما الزوج المحترم فليس له اعتبار في الموضوع إلا مجرد التنفيذ لأوامر السيدة الحديدية ..
ويأتي الشاهد – وهو قريب للمرأة – (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا ) ليحكم في الموضوع بعد أن تمسك يوسف بحجته في أنه لا ذنب له. والملاحظ هنا وصفه بالشاهد ، مع أنه لم يشهد شيئا ، ولم يؤت به للشهادة ،وإنما للحكم بعد سماع حجة كل من الطرفين وقد حكم بالحق. المراد هنا أن مكانة إمرأة العزيز كانت أكبر من أن يأتى (حكم ) أو ( قاض ) ليحكم ، فجىء به كشاهد يقوم بدور الحكم أو القاضى . ويتبين للشاهد ( القاضى )براءة يوسف ، وأن الزوجة هي الجانية المذنبة ، ومع ذلك فلم يقل لها الشاهد أو القاضى إلا كلمة قصيرة : (إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ )، ثم يقول ليوسف كأنه يعتذر له:( يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا).
وكل ما نالته الزوجة من عقاب هو مجرد وعظ من قريبها :(وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِين ). ولو حدث هذا فى عصرنا لانتهى بجريمة قتل للزوجة.
ولم نسمع تحركا ايجابيا للزوج المحترم ، بل أنه حتى لم يوبخ زوجته ، ولم يفصل بينها وبين يوسف ، وأكثر من ذلك ترك يوسف فريسة لها مما شجعها على خطوتها التالية .
فقد انتهزت المرأة تلك الإشاعة النسائية عنها فأعدت الوليمة الفاخرة وفاجأت النسوة بيوسف ففقدن وعيهن أمام جمال يوسف وضمنت تأييد النسوة لها ..
وتبدو سيطرة امرأة العزيز على يوسف وتحكمها فيه – برضي زوجها أو سكوته أو خنوعه – في أنها تأمر يوسف بأن يدخل على النسوة فلا يسعه إلا الطاعة : (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) .
وآتت المفاجأة ثمرتها وأصبح الرأي النسائي يطالب بافتراس يوسف ، ولم يجد يوسف نصيرا بين الأزواج المحترمين ، وامرأة العزيز تهدده علنا أمام النسوة بالسجن والاذلال إن لم يستجب لها:(وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ )،أى إنها تملك مفتاح السجن بنفس ملكيتها للزوج وبيت الزوج . كل هذا والرجال ـ آسف ـ الأزواج صامتون متخاذلون كأن الخيانة المرتقبة لا تعنيهم ،لذا لجأ يوسف إلى ربه لينقذه من النسوة المفترسات: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ). واستجاب له ربه فحماه من النسوة المفترسات: (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ) .
لقد هددت امرأة العزيز يوسف أمام زوجها بأن تسجنه بتهمة أنه راودها عن نفسها ، وظهر افتراؤها وأنها هي التي راودته ، وأعلنت ذلك أمام النسوة في جرأة ، بل وأعادت تهديد يوسف بالسجن إن لم يفعل بها الفحشاء ، وانضم إليها في هذا التهديد باقي النسوة وأصبحت الفضيحة جماعية، وبدلا من وجود حياء لدى النساء وكرامة لدى الأزواج فأن رأي النساء هو الذي انتصر في النهاية،وقرر الرجال المحترمون عقوبة يوسف بالسجن لأنه لم يرض زوجاتهم .. !!
يقول تعالى عنهم: (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ )( يوسف 35 ).
إذن كشفت قصة يوسف عن نفوذ هائل للمرأة في عصر الهكسوس ..
نعوذ بالله جل وعلا من ذلك النفوذ .
الرقي الحضاري والعمراني
وفي قصة يوسف أشارات عن الرقي الحضاري الذي كان عليه البيت المصري في الطبقات العليا ، فقد كان يتكون من حجرات شتى وأبواب متعددة وأجنحة مختلفة ، بدليل أن امرأة العزيز حين أرادت أن تخلو بيوسف " غلقت الأبواب ".
والقرآن يقول:(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) ، والمتوقع أن تكون قد عملت على إتمام الخلوة بأن تغلق باب الجناح الذي تقيم فيه مع باب حجرتها الخاصة , وأبوابا أخرى بينهما،ومما يدل على كثرة الأبواب التي ينبغي غلقها في تلك المساحة ( بين باب الجناح وباب حجرة النوم ) إن القرآن يستعمل لفظ الجمع فيقول :(وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ). وكثرة الأبواب دليل على تقدم العمران والحضارة في ذلك الوقت ..
ولم يقل القرآن " وأغلقت الأبواب " وإنما قال: (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ)،أي تعبير مبالغة ـ أى إن الأقفال في ذلك الوقت كانت لها درجات في الإغلاق ، وقد استعملت المرأة أقصى درجة فيها لإحكام الغلق , لذلك كان تعبير القرآن :(وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) بالمبالغة في الغلق .. أي إلى هذه الدرجة وصل الرقي الحضاري في العمران ...
والقرآن يقول :(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ). أي أنها أحكمت إغلاق باب حجرة النوم عليها ، وقبل ذلك أحكمت إغلاق الأبواب كلها من باب الجناح إلى الأبواب الأخرى حتى باب المخدع ، وحاولت إغراءه ولكنه قفز إلى الباب ليفتحه، وقفزت هي لتسبقه ومزقت قميصه ، وانفتح باب المخدع فظهر الزوج المحترم لدى الباب .. فكيف اجتاز فضيلته تلك الأبواب الأخرى التي أحكمت المرأة إغلاقها ؟ الجواب أنه كان يحتفظ هو الأخر بمفاتيح إضافية للأبواب ، أي كانت الأقفال تفتح من الداخل وتفتح من الخارج أيضا ، وذلك تطور معماري هائل في ذلك العصر السحيق ..
ونتجول في بيت عزيز مصر ونتخيل الرفاهية فيه من خلال قوله تعالى : (فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ )(يوسف 31 ). إذن ففي البيت مساحة واسعة تكفي لأن تعد فيه السيدة حفلا لنساء المدينة المترفات ، والمتكأ المناسب لبيت مثل هذا لا يمكن أن يكون حصيرة بل أرائك ناعمة تتكئ عليها الأجساد الناعمة المترفة . بينما تطوف عليهن الخادمات بأطباق الفاكهة وسكاكين يأكلن بها .. وفى هذه الصالة المتسعة الذى أعدت فيه إمرأة العزيز حفل استقبال للنسوة المترفات ، كانت هناك حجرات جانبية تؤدى اليه كأى فندق متعدد النجوم . ونتذكر أنه حين كانت النسوة المترفات منشغلات فى الثرثرة والأكل كان يوسف ـ بأمر من إمرأة العزيز ـ ينتظر فى حجرة مغلقة ينفتح بابها على الصالة المتسعة ، وحين أمرته خرج عليهم فجأة.
وذلك الرقي الحضاري كان في أحد بيوت المصريين الكبار ، من الطبقة العليا ، فكيف بقصر الملك نفسه ..؟
لا يمكن أن نتصور أن الهكسوس الرعاة الرّحل قد عرفوا هذه الرفاهية ،بل إنهم تعلموها من العمران المصرى بعد أن تمصّروا وتعلموا من المصريين ترف الأكل بالسكين ، وليس لعق الأصابع بعد الأكل المباشر باليد كما يفعل أصحاب الدين السّنى حتى الآن ، وفق شعائر دينهم الأرضى ..!!
المهم هنا سبق القرآن الكريم فى الاشارة الى أن النسوة المترفات في مصر كن يأكلن بالسكين منذ أربعين قرنا من الزمان ..
وفي ذلك الوقت السحيق كان الأوربيون لم يهبطوا بعد ....من فوق الأشجار . !!
اجمالي القراءات
5002
تحليل منطقي رائع لقصة يوسف سواء من الناحية الاجتماعية والطيقات الاجتماعية المختلفة في ذاك العصر أو من ناحية التحليل المعماري الموجود في عصر الهكسوس أو من ناحية ثالثة وهي إيضاح مدى سيطرة المراة على المجتمع وعلى البيت حتى في بيوت من ينتمون للطبقات العليا أو الارسطقراطية من المجتمع ، وهذا التحليل والتوضيح الذي تناولته حضرتك من خلال سرد الآيات القرآنية في سورة يوسف عليه السلام يوضح أسبقية القرآن الكريم في كل شيء ، وكما تفضلت حضرتك أن الطبقة الأرسطقراطية في مصر كانت تعيش هذه الحياة الراقية الحضارية بمزيد من الرفاهية منذ أربعين قرنا من الزمان فهل بعد ذلك يمكن أن يصر البعض أن الأروبيون هم أصحاب كل شيء من المؤكد أن القرآن الكريم كتاب الله جل وعلا ما فرط في شيء كما قال رب العزة جل وعلا ، ولكن هناك درس يجب أن يتعلمه كل قاريء للقرآن وكل باحث عن كلمة حق وهذا الدرس دائما ما يؤكد عليه الدكتور منصور وهو يجب على الانسان الدخول على القرآن دون وجهة نظر مسبقة يريد فرضها على كتاب الله جل وعلا ، أو رأي قد قرأه في كتاب او صحيفة أو أو إحدى كتب التاريخ القديم او الحديث ويصر كل الاصرار أن يفرض هذا الرأى على كلام الله أعتقد ان أن من يفعل هذا لن يصل إلى شيء على الاطلاق