لماذا لا تقوم في مصر ثورة؟

محمد عبد المجيد Ýí 2009-03-05


أوسلو في 5 مارس 2009

سحر الطاغية لا يعادله في قوته أي نوع آخر من القوى الخارقة، فإذا أضفت إليه نَسَباً فرعونيا يمتد لآلاف السنين فكأنك أصبحت على أعتاب وادي الملوك، أو تتفحص مومياءً لا تعرف إنْ دبّتْ فيها الروحُ من جديد أو نَزَعتْ منك الروحَ لتستبدل بالضيغم فأرا، وبالفهد أرنباً!


والطاغية ليس فقط صورةً معلقة فوق رأس موظف حكومي، أو فلقة تضغط عليها يد غليظة لمخبر جلف، أو خطبة ساذجة ومناهضة للعقل تقوم وسائل اعلامه بتلميعها، وتشذيبها، وتأهيلها لتطارد أذنيك وعينيك في كل مكان، إنما هو معبود في صورة مختلفة عن العبادة التي يعرفها أصحاب الديانات بكافة أنواعها، السماوية والأرضية، الراقية والبدائية، الصنمية والطوطمية!

والعبادة هنا تختلف من شخص إلى آخر، ومن جماعة أو طبقة أو حزب إلى عامة الناس، فالمسميات كثيرة، وأنت قد تعبد الفرعونَ بالصورة التي تحفظ لك مكانتك الاجتماعية، وتتحايل بها على الآخرين، وتقوم بتزييف الركوع والسجود والطاعة والمذلة والمهانة ولعق التراب الذي يسير فوقه الطاغية، لكنك تظل في دائرة التسامح الاجتماعي تجاه ما تقوم به من عمل مخالف للقيم الانسانية الرفيعة، ولكرامتك، ولنفخة الروح التي جعلتك خليفة في الأرض.

قد تلجأ إلى الدين، وتستقطع منه بمساعدة فقهاء السلطة الصورة التي ترضيك، فيوحون إليك أن طاعة ولي الأمر من طاعة الله، وأن الواجب الذي يرضي خالق الكون يحتم عليك الصمت، والسكوت، والصبر، وانتظار الحل السماوي، وعدم اتاحة الفرصة للغوغاء في تفكيك رباط الأمة المقدس، لكن الحقيقة أنك انخرطت في عضوية العبيد الذين يستعذبون الذل، ويتلذذون بالهوان، ويستمتعون بالسوط فوق ظهورهم.

وقد تلجأ بحكم ثقافتك إلى عقل هرب منه الفكر لتحل محله خرافات وخزعبلات وهراء وأمية ذهنية لا تطمح بأكثر من سد الثغرات في جمجمة لو عريّتها أمام الناس لخجلت من نفسك ما بقي لك من عمر، فأنت تبرر للطاغية سطوته، وتدّعي أنَّ العقل يدعوك لعدم المجازفة في مناهضة سيّد القصر خشية وثوب الغوغاء على كرسي الحكم، وتظن نفسك محللا مستنيرا ومسالما تنقذ الوطن بهدوء رؤيتك، والحقيقة أنك تُغرق الوطن عندما تعطل جهازك العصبي المفترض أنه قد انفجر منذ وقت طويل بعد متابعة جرائم سيدك وزعيمك وطاغيتك ضد الانسانية وضد أبناء شعبك.

وقد تلجأ لتبريرات أرنبية تتوهم بها أن عصا الشرطي تكاد تلمس ظهرك، وأن هاتفك مراقَب، وأن زائر الفجر في الطريق إليك ليطرق باب منزلك، وأن الخوف يحميك ويحمي أهلك وأولادك من مصير مجهول، وأن عذاب جهنم أخف من عذاب أجهزة قمع فرعونك، وأن ثمانين مليونا من البشر يعرف أحلامَهم في مناهضة السلطة عدةُ مئات يربطهم من رقابهم رجل وزوجته وابناهما!

وقد تلجأ في العبودية المختارة إلى أحقر الحلول، وأسفل التبريرات، وأحط صور المهانة الانسانية وذلك عندما تجد عذرا لفرعونك، وتراه حكيما أنقذك من خصوم الوطن، وعادلا إنْ لجأت إليه أنصفك، ووطنيا اشترك في حرب بحكم منصبه وليس له فضل يعلو على جندي بغير رتبه قفز فوق النيران ليرفع علم مصر في عبور بطولي رائع، ثم تتسلل رأسُك تحت حذاء ابنه الوارث قبل أن يجلس علي كرسي السلطة، وتتعفر جبهتك ترابا، وتكذب على السماء والأرض مَُّدعيا أن ثمانين مليونا من مواطنيك لا يستطيعون صناعة وريث كالذي وضعه والده فوق رؤوسنا جميعا!

سحر الطاغية لم تبطله آلاف المقالات الصارخة من ابرهيم عيسى والدكتور عبد الحليم قنديل والدكتور أحمد صبحي منصور والدكتور أسامة رشدي والقزاز ومجدي أحمد حسين وفهمي هويدي وعبد الله السناوي والراحل عبد الوهاب المسيري ومئات غيرهم كتبوا بدماء قلوبهم ما لو تم نشر قطرة منه على شعب من شعوب الأرض لانفجرت ثورة شعبية يصغر بجانبها هروب الشاه وتشاوشيسكو وبينوشيه وعيدي أمين دادا ومحمد سياد بري وجعفر النميري وغيرهم ...

وسحر الطاغية لن تبطله أضعافها مقالات ومنشورات ومظاهرات متفرقة تتخلف عنها الأحزاب الكبرى بعد انطلاقها بعدة دقائق، وليس أمامنا لتحرير مصر، وابطال سحر واحد من أكبر مجرمي العصر غير قوة تعادل قوته أو تتفوق عليها!

إنها قدرنا، سواء كانت لنا تحفظات على أحذية العسكر التي يضعها كثيرون منهم في عقولهم بدلا من أقدامهم، لكن الأمل الوحيد هو جماعة وطنية عاشقة لأرض الكنانة، تخرج من ثكناتها، وتنهي عصر مبارك وأسرته وورثته إلى الأبد.

كلنا نعبد الشيطان بصورة أو بأخرى، الصامتون منها، والمبررون لجرائمه، والخائفون من البديل، والمطيعون لولي الأمر، والباحثون عمن يَصلح لحكم مصر غير جمال مبارك، والساخرون من رفض المناهضين لحكمه، ودعاة الصبر وانتظار النصر السماوي قبل الانتصار الأرضي.

كلنا تحت أحذية مبارك وزوجته وابنيهما ولو أقسمنا بأغلظ الايمانات أن ما باليد حيلة، وأننا نَمْلٌ تسحقه أقدام أجهزة القمع، وأننا حشرات لا تساوي عند فرعوننا بصقة واحدة فتغرق فيها.

من لا يعرف من جرائم مبارك غير مئات فقط فهو لا يعرف مصر، ولو أن محكمة الجنايات الدولية استدعته فأحسب أن قضاتها يحتاجون لسبعين شهرا ليقرأوا على مسامعه، وعلى العالم الأصم والأبكم ما تهتز له ضمائر الجماد!

سحر الطاغية صناعة في النفس الانسانية، ولو تعاقب على القصر أسياد و .. وأسياد، فلن يستطيع مستبد واحد أن يجد لنفسه موقعا ثابتا بين أضلع عبيده دون أن يفتحوا له الأبواب، ويعفروا جباههم قبل السجود له!

كلنا، إلا القلة النادرة، نعبد الشيطان، ويسحرنا طغيانه، ونرفض عبادة الواحد القهار ولو بدا ظاهريا أننا نركع ونسجد ونصلي في مساجدنا وكنائسنا، لله العزيز الرحيم.

لن يتطهر المصريون من رجس عبادة الشيطان قبل التمرد، والغضب، والرفض، واعتبار كل واحد منا في حالة ثأر مع الطاغية حسني مبارك!

أيها الأبطال في جيش مصر العظيم، لقد طال انتظارنا لكم، فهل اقتربتم من إذاعة البيان رقم واحد؟

نعترف لكم بأننا عاجزون عن تحرير مصرنا و .. مصركم، ونبحث عن عشاق لمصر في ثكناتكم، فلا تجعلونا نفقد الايمان بأنكم حماتنا، ولستم حُماته، وأن جيش مصر جيشنا، ولاتنسحب عليه مفاهيم السخرة والعبودية والاذلال لفرعوننا، فأنتم أملنا الباقي في إذاعة بيان الكرامة رقم واحد !

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com

اجمالي القراءات 13254

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (5)
1   تعليق بواسطة   نورا الحسيني     في   الخميس ٠٥ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[35351]

ولكن نريدها بيضاء.

الأستاذ / محمد عبد المجيد شكراً لك على هذا المقال ، لقد قامت الثورة بالفعل ولكن ليست كما تريدونها، نراها متمثلة في سخط الناس، أصبح الجميع يشعرون بالاختناق والمرارة. ولكن ليست الثورات التي تهدرالدماء وتخلف الدمار وتجعلنا نرجع إلى الوراء أكثر هذا ليس بالمطلوب،نريد ثورة ثقافية تعلم شعوبنا ثقافة حقوق الإنسان تعلمهم معنى الحرية والديمقراطية التي نفتقدها في بلداننا العربية،تعلمهم سيادة القانون نريد ثورة تجعل المفسدين خلف القضبان،  والشرفاء خارج المعتقلات، لكن لا نريد دماء فكفانا الدماء التى نفقدها في العبارات وطوابير الخبز والقطارات.


2   تعليق بواسطة   أنيس محمد صالح     في   الخميس ٠٥ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[35371]

أمة مردت على الشقاق والنفاق

أشكرك أخي الأستاذ محمد عبد المجيد على جهودكم المتواصلة لشحذ همم الأمة المُغيبة المُضللة المُجهلة المُخدرة المُتبلدة المُبرمجة بفعل القمع والبطش والمهانة والإذلال منذ أكثر من 1300 عام. هذه الأمة وقد تكيفت على المهانة والإذلال والشقاق والنفاق, وتحتاج إلى وقت لتصحوا من حالة غيبوبتها وسباتها العميق والمشوار لا يزال طويلا.


نسأل الله العلي القدير أن يرفع عنا هذا البلاء والمحن, والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, والتركة ثقيلة وتتطلب هكذا خطابات تنادي ضمائر الأمة.


تقبل تقديري وإحترامي لجهودكم


3   تعليق بواسطة   أيمن عباس     في   الجمعة ٠٦ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[35405]

ثورة التحول نحو معرفة الحقوق والواجبات

الأستاذ الكبير محمد عبدالمجيد


إن كلمة ثورة أصبحت تصيبنا بإكتئاب ، فلقد قامت ثورة يوليو منذ ما يزيد عن نصف قرن قبلها  كان هناك نظام ديمقراطي وتداول سلطة ودستور محترم  يحترم من الجميع  بالطبع كان هناك سلبيات لا يمكن تجاهلها  ..، كان هناك إقتصاد قوي ، كانت إنجلترا مدينة لمصر ، ولتسمع سيادتك شهادة الدكتور البرادعي عن المقارنة بين فترة ما بعد الثورة وما قبلها ،


قامت الثورة الميمونة وتفاءل المصريين خيرا حيث أن عبدالناصر كان أول رئيس مصري من أيام الفراعنة ( المصريين أهمه ) وضعت الثورة أهدافها وعلى رأسها كان إقامة حياة ديمقراطية سليمة ، فما الذي حدث أتضح لنا أن إقامة حياة ديمقراطية سليمة عند معظم رجال الثورة  كانت تعني إلغاء الحياة الديمقراطية من أساسها ، فتمت إلغاء الحياة السياسية من أساسها ، وقامت أجهزة الأمن بتعقب كل من له هوى سياسي بالاعتقال والتشريد إلا أن رسب في إحساسنا أن العمل السياسي يؤدي إلى الموت ، والكلام في السياسة يؤدي للمعتقل ،  .. فبعد المصريين عن السياسة إلا أقلية من المنافقين الذين أعجب المستبد بتصفيقهم فجعلهم مصفقين دائمين وانشأ لهم وزارة التصفيق أقصد الإعلام ...   وإستعان بهم كمساعديه ووزارئه الصوررين وأكمل بهم الديكور اللازم ...


إلا أن استيقظنا على إنهيار المعسكر الشرقي ، وبدأت العديد من دول العالم تتحول تدريجيا نحو الديمقراطية فبدأت تهب علينا رياح الحرية والتغيير  وأصبح العالم ينقسم إلى دول ديمقراطية واخرى غير ديمقراطية ، ولسنا ببعيد عن هذا التغيير شئنا أم أبينا فنحن جزء من العالم والعالم أصبح متداخل ، وأي مشكلة عندك من الممكن أن تؤثر على كل العالم  وخذ على سبيل المثال أنفلونزا الطيور ، التي لابد لها من حل عالمي ومقاييس عالمية وإن لم يحدث ذلك فإنها ستؤثر على العالم كله لأنه أصبح قرية واحدة صغير ..وخذ مثلا موضوع الإرهاب وكيف أن الغرب وأمريكا بدأ بالمطالبة بتغيير المناهج التي تحض على الإرهاب والكراهية ، لإنها تخلق إرهابيين ، وبدأت الدول تستجيب لذلك لإنها وجدت أن فيه مصلحتها ، إذا أن الإرهاب يبدأ فكرة وينتهي بحزام ناسف .


4   تعليق بواسطة   أيمن عباس     في   الجمعة ٠٦ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[35406]

تابع

وبدأت دولنا يظهر فيها جمعيات وجماعات تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان ودعم المشاركة ، وإصلاح الدستور ، وإلغاء التمييز بين الجميع وبدأت تظهر حركات مناوئة للسلطة تدفعها دفعا نحو الإصلاح السلمي ، ورغم ما تعانيه هذه الجمعيات والمنظمات من حرب شعواء تديرها أجهزة الأمن لصالح الإستبداد إلا أنها أثبتت نجاحات ، وبدأت تعطي بعض النتائج .. وأصبحت قاطرة الإصلاح ذات دفع ذاتي ، وستستمر حتى تزيح المستبدين أو يستجيبون لثقافة العصر ، ويتغيرون ، وجميع المعطيات تؤدي إلى ذلك وستؤدي له حتما . ..


وبالتالي فلا داعي مطلقا إلا أن تكون ثورة بيضاء وليست حمراء بلون الدم وليست بلون لبس العسكر حيث أننا لانريد أن نعيد الكرة مرة أخرى فما أدرانا أن الكرسي وما يوضع عليه من مواد لاصقة ستجعلنا لا نستطيع أن ننزع من سيجلس عليه


...............  تحياتي


5   تعليق بواسطة   أيمن عباس     في   الأربعاء ١١ - مارس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[35670]

بل التغيير السلمي هو الهدف والآخر يفتح الطريق للإستبداد ..!!

الأخ العزيز محمد عبدالمجيد  .. بل التغيير السلمي هو الهدف المنشود ، وليس التغيير بالقوة فهذا أثبت فشله في جميع الحركات التحررية ، وهو أقصر طريق للإستبداد ، بل هو بداية الاستبداد ..


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-07-05
مقالات منشورة : 571
اجمالي القراءات : 6,230,839
تعليقات له : 543
تعليقات عليه : 1,339
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Norway