قنوات فضائية تنويرية لنتخلص من ثقافة العبيد
1- الاسلام اليوم فى مأزق . هو دين الديمقراطية والحرية والعدل والاحسان والسلام والتسامح ، وقد أرسل الله تعالى محمدا عليه السلام ليكون رحمة للعالمين ، فأصبح الاسلام متها بأنه لارهاب العالمين وقتل الابرياء والمدنيين.
المسلمون أيضا فى مأزق ، هم بالفطرة يؤمنون بأن الاسلام هو دين الرحمة والتسامح والقيم العليا والخير، ومع ذلك فهم يتعرضون لغسيل مخ ينصب على عقولهم من دعاة التطرف مما يجعل بعضهم يقع فى براثن التعصب والتزمت والتطرف ثم يسهل تجنيده للقيام بأعمال ارهابية يقتل بها أبرياء ، ويصبح هو أول ضحية لهذا الفكر، بينما يكون الاسلام العظيم – نفسه – هو الضحية الحقيقية التى يقع عليها اللوم والاتهام الظالم .
دعاة التطرف والارهاب ليسوا فقط شيوخا وأئمة ومقدمى برامج دينية ، ولكن أخطرهم هم كاتبو الدراما العادية والدراما التاريخية الاسلامية ، اذ يتم الترويج لأفكار التطرف وثقافة الارهاب بطريق فعال – وغير مباشر – من خلال الدراما التى تتسلل الى عقل المشاهد ووعيه الباطنى وتصيغه وتؤثر فيه وهو مستمتع لما يشاهد دون مناقشة أو احتجاج .
2- كان المفروض أن يهب المسلمون فى المهجر – خصوصا فى الولايات المتحدة الأمريكية -لمواجهة هذا الخطر ولتبنى اصلاح المسلمين من داخل دينهم. فالمسلمون الامريكان يتمتعون بحرية وثقافة وتقدم تقنى وامكانات يحسدهم عليها بقية المسلمين فى العالم العربى والاسلامى . ولكن الذى حدث أن المتطرفين كانوا هم الأسبق فى السيطرة على معظم المساجد والمدارس الاسلامية وانشاء الجمعيات والمنظمات التى تحمل لافتة الاسلام . ثم بادر بعضهم فى نيويورك لاقامة قناة فضائية أيضا. كل ذلك مما يدعم الصورة السلبية للاسلام فى أعين الغرب ويجعل المسلمين الامريكيين فى موقع الشبهة والاتهام حتى لو كانوا متسامحين متنورين.
3- معظم الدول العربية تحتكر الاعلام والقنوات التليفزيونية المحلية والفضائية ، وتوجهها لخدمة الحاكم الديكتاتور – كما فى مصر – أو لخدمة الاسرة الحاكمة و ايدلوجيتها الدينية الداعية للتطرف والتزمت والتعصب – كما فى السعودية. عندما أقدمت دولة قطر الصغيرة على انشاء قناة الجزيرة بهامش معقول من الحرية والاستقلالية أصبحت قناة الجزيرة مثل " الأعور وسط العميان " زادت شهرتها العربية والعالمية ، وأصبح اسمها يتردد حتى فى حوار الأفلام الدرامية الأمريكية وتتناولها معاهد الأبحاث الامريكية بالتحليل . فاقت شهرة الجزيرة وتجاوزت حتى الدولة التى تملكها بحيث يمكن أن يقال أن قناة الجزيرة هى التى تصدر دولة قطر وليس العكس . هذا مع ان هامش الحرية الى تلتزم به الجزيرة يجعلها تنقد كل العرب ما عدا حكام قطر.
نجاح قناة الجزيرة دفع الولايات المتحدة الأمريكية لانشاء قناة الحرة الناطقة بالعربية. الا أن الحرة أصبحت مكروهة لا لشىء الا لأنها أمريكية ، والشارع العربى يموج بكراهية أمريكا -كاحدى ملامح ثقافة العبيد - ولم تفلح الحرة فى تخفيف هذا العداء لأمريكا بل وقعت – مع الأسف – ضحية له ، اذ أصبحت مقاطعة الحرة شعارا يرفعه اليساريون والقوميون والسلفيون . وبهذا فشلت الحرة الأمريكية فى منافسة الجزيرة القطرية.
فشل الحرة فى منافسة الجزيرة دفع بعض السعوديين لانشاء قناة العربية بهامش حرية أعلى يفوق ما لدى القنوات الفضائية السعودية الأخرى ولكن يقل عما تتمتع به الجزيرة . لذا تخلفت قناة العربية عن قناة الجزيرة.
4- فى السنوات القليلة القادمة وفى ظل الدعوة الى اصلاح الشرق الاوسط وتدعيم ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان والتسامح سيتم تحرير الاعلام العربى من السيطرة الحكومية لينطلق معبرا عن الشعوب وليس الحكام المسمستبدين . بل لقد بدأ هذا بالفعل فى العراق بعد خلع صدام حسين، اذ – أنه برغم عدم الاستقرار - يزدحم الفضاء العراقى بعشرات القنوات الفضائية الخاصة . ولكن تظل هناك مشكلة رئيسية من المنتظر أن تزداد حدتها ؛ هى كيفية ملء كل هذه القنوات - ما ظهر منها وما سيظهر - بأعمال درامية وتليفزيونية تصب فى اتجاه التنوير وثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان. تعانى القنوات الفضائية العراقية من نقص حاد فى تغطية ساعات ارسالها مما جعلها تلجأ الى حشو ساعاتها بمايعرف بتليفزيون الواقع أو Real T.V. الذى ينقل مشاهد مباشرة من الحياة الواقعية العراقية ليجعل العراقيين يتمتعون بمشاهدة أنفسهم بعد أن ظلوا سنين طوالا يحملقون – مجبرين - فى صورة الزعيم الملهم صدام حسين.
5- المستفاد مما سبق انه أصبحت ضرورة اسلامية واصلاحية انشاء المزيدمن القنوات التليفزيونية الحرة المستقلة تخاطب العالم الاسلامى تدعوه الى ثقافة التسامح وحقوق الانسان والديمقراطية بطريقة مدروسة تبتعد عن الغوغائية والوعظ المباشر ، بل تتسلل الى عقل المشاهد فى سهولة ويسر تقنعه بالتى هى أحسن .
وحين عملت استاذا زائرا فى الوقفية الأمريكية للديمقراطية ( NED) فى أواخر عام 2002 كتبت لهم بحثا باللغة الانجليزية بعنوان " ديمقراطية الاسلام وطغيان المسلمين " يؤكد التناقض بين ديمقراطية الاسلام المباشرة وطغيان الحكام المسلمين وكيف صادر المسلمون بالتدريج تلك الديمقراطية الى أن تحولت الى ديكتاتورية عسكرية قبلية عنصرية فى العصر الأموى ثم الى ديكتاتورية كهنوتية دينية فى العصر العباسى – وهو عصر تدوين حضارة المسلمين – فتم تثبيت معنى الشورى بمفهوم الراعى والرعية وأهل الحل والعقد لتسويغ تسلط الخليفة العباسى - ثم العثمانى – على الناس بحجة أنه يستمد سلطته السياسية من الله تعالى ،وأنه مسئول امامه فقط عن الرعية يوم القيامة ، وأنه يملك الأرض وماعليها ومن عليها ومن حقه أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين الى آخر ذلك من تشريعات تفنن فيها فقهاء العصر العباسى لارضاء فرد واحد واغضاب رب العالمين . وللتخلص من هذه القافة الدينية – ثقافة العبيد - أكدت على أهمية انشاء قنوات فضائية حرة مستقلة لارساء ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان.
6- هذه القنوات تستطيع أن تلعب دورا هاما فى :
أ- التآلف بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم أوطانهم ومجتمعاتهم وطوائفهم من سنة وشيعة وصوفية وفقهاء وعلمانيين وتقليديين ،والتآلف أيضا بين كل المواطنين على أساس المواطنة المتساوية - بعدل الله تعالى – لكل المواطنين مهما اختلفت الأديان والأعراق واللغات والثقافات. وأن يتم هذا التآلف على قاعدة التسامح باعتباره قيمة اخلاقية اسلامية.
ب - تدعيم التواصل الثقافى والانسانى والعائلى بين المسلمين فى المهجر وعائلاتهم فى بلدانهم الأصلية .
ب – التعبير عن الفئات المهمشة والمحرومة فى بلاد المسلمين بغض النظر عن الدين والمذهب والعرق والثقافة كمظهر من مظاهر التسامح الايجابى الذى لا يكتفى بالأمنيات الطيبة والمشاعر النبيلة بل يترجمها الى موقف عملى يواسى المظلوم والمحروم ويخفف من مشاعره الانتقامية ويقنعه أن الخير فى الدنيا هو الأصل وهو الذى يمكث فى الأرض حتى بعد فناء فاعله.
ج- تدعيم التواصل الثقافى والانسانى بين المسلمين والغرب عبر ارسالها المترجم للانجليزية ومستقبليها فى المهجر فى مجتمعات الغرب، والأهم من ذلك عبر رسالة التسامح التى تحملها وهى ثقافة يؤمن ويدافع عنها الغرب ويحترم من يدعو اليها.
د – باعتبارها قناة مستقلة حرة غير حكومية وغيرخاضعة لاتجاه سياسى أو ايديلوجى خادع فان القناة الجديدة تستطيع ان تخاطب المشاهد بكل حرية متخففة من أى قيود سياسية ومتحررة من أى شبهات ايديولوجية مما يعطيها الحق فى التأكيد على ثقافتها الانسانية ويمنحها القدرة على اجتذاب المواطن العادى والأغلبية الصامتة التى لم تجد الى الآن من يعبر عنها بصدق ومثالية وبدون غرض أو منفعة أو هدف سياسى.
ه- لأنها تضم الى همومها المهاجرين العرب والمسلمين فى الغرب وأمريكا فان هذه القنوات ستجد شعبيتها لدى المشاهد العربى والمسلم فى أمريكا وكندا، و ستكون ميدانا جديدا للمواهب والطاقات والكفاءات العربية والاسلامية فى الجالية العربية والاسلامية فى أمريكا الشمالية . وستمكن للكفاءات العربية المحجوبة ان تعمل وتنبغ فى اصلاح الوطن العربى ونشر ثقافة حقوق الانسان والديمقراطية والتسامح فيه.
و – وبما أن هذا العصر الذى نعيشه هو عصر الديمقراطية وحقوق الانسان والتسامح فان هذه القناة تأتى متفقة مع عصرها متناغمة معه. لذا تجد القنوات العربية الأخرى صعوبة حقيقية فى التوفيق بين ثقافة الاستبداد والاستعباد والتطرف والتعصب والتزمت من جهة وثقافة حقوق الانسان والديمراطية والتسامح من جهة أخرى ، وتحاول المواءمة والتوفيق بين الثقافتين المتعارضتين حتى تتمكن من معايشة العصر الراهن مع عدم المساس بثوابت الثقافة البالية المتخلفة . هذه المواءمة لا تنجح الا فى تقديم مزيج باهت هلامى غير متكامل لا يسمن ولا يغنى من جوع.
لذلك تظل نواحى كثيرة مسكوتا عنها فى ثقافتنا – ثقافة العبيد - لم يتم طرحها ومناقشتها بصراحة وأمانة ووضوح بهدف المكاشفة والمصارحة وصولا الى اصلاح حقيقى للموروثات المقدسة أو ما يسمونه بالثوابت .
ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان والتسامح هى أهم مجال تفشل فيه القنوات الفضائية الأخرى اما لأنها مملوكة بأيدى نظم مستبدة متطرفة متخلفة، واما انها مثل بعض القنوات الفضائية العراقية واللبنانية تريد ذلك ولكن ليس لديها طاقم من المفكرين المسلمين المتبحرين فى الاسلام وعلومه وتاريخه وتشريعاته والذين لهم باع أيضا فى ثقافة حقوق الانسان ولهم تاريخ نضالى فى الدفاع عن هذه الثقافة تعرضوا بسببها الى الاضطهاد. هذا الصنف من المفكرين المناضلين فى سبيل الاصلاح وحقوق الانسان موجود بكثرة وان تعرض للتهميش والتشويه أوأرغمته الظروف على الاختفاء . هذا الصنف هو وحده الذى يمكن أن يكون مرجعية اسلامية فى هذا المجال ويمتلك المقدرة على ولوج هذا الحقل الشائك الملىء بالألغام. ومن حسن الحظ ان تتمتع هذه القنوات بوجود من يملأ هذا الفراغ بما يمكنها من مباشرة دورها فى ثقافة التسامح وحقوق الانسان والديمقراطية، وأن تتخصص فى مجال مطلوب بشدة عالميا واقليميا ومحليا، وان تقتحمه بجرأة فى نفس الوقت التى تقف فيه القنوات الأخرى على شاطئه عاجزة خائفة.
ز - خلاصة ما سبق ان القنوات المرتجاة لا بد لها من شركات انتاج تغذيها وتملأ ساعات ارسالها بما يعزز رسالتها ويحقق الغرض منها.
انشاء شركات للانتاج الدرامى والتليفزيونى
1- اذا كانت هذه القنوات الفضائية متفردة فى رسالتها فلا بد لها من شركات انتاج للدراما والبرامج الثقافية تكون أيضا متفردة فى نوعية انتاجها ، بمعنى آخر فان هذه الشركات رغم أن انتاجها يروج لفضيلة( التسامح ) الا أنها لا يمكن أن ( تتسامح ) فى نوعية الانتاج الذى تقدمه، لا بد أن يكون عالى الجودة. الجودة هنا تبدأ بالنص المكتوب ، ثم بتنفيذه ، ثم عرضه . وفى كل مرحلة لا بد أن يكون على أعلى مستوى .
2- التسامح هو القيمة الأخلاقية الرئيسية التى يدور حولها انتاج الشركة، ولكن لا بد من اصطحاب بعض القيم الأخرى المؤكدة للتسامح والمعضدة له مثل العدل والديمقراطية والحرية والسلام والمحبة والايثاروالكرم والشهامة والرجولة والشجاعةوالرحمة.. وحقوق الانسان .
3- يتم التعبير عن هذه القيم والفضائل الانسانية والاسلامية بالدراما والبرامج الدينية والثقافية.
أ- الدراما
هى أخطر وسيلة فى التأثير فى المشاهد. سواء كانت دراما عصرية من حياتنا الاجتماعية الراهنة ، أو كانت دراما تراثية تنقل جوانب من تاريخ المسلمين . من السهل أن تعبر الدراما العادية بكل أنواعها من الاجتماعية والسياسية وحتى البوليسية عن القيم العليا سواء كان ذلك فى صلب الموضوع أو عبر تعليقات مقصودة فى حوار شخصيات السيناريو. الدراما التاريخية مليئة بآلاف الجوانب التى يمكن من خلالها تأكيد القيم الفاضلة وتنوير المشاهد وتوعيته. حتى القصص القرآنى يمكن تحويله الى دراما ، لا أقصد قصص الانبياء وانما الامثال المذكورة فى القرآن واللمحات القصصية الموجزة البليغة والتى لم تنل حقها من العناية والتدبر. فى كل انواع الدراما - تراثية أو عادية – يمكن اثارة قضايا نقاشية لتوعية المتلقى ، المهم مراعاة الحرفية فى وضع هذا النقاش بحيث لا يبدو مقحما على السياق بل يتدفق طبيعيا مع سريان الاحداث منسجما معها معبرا عنها ، وبطريقة تلقائية تبدو عفوية منطقية. بغير ذلك تسقط الدراما فى مستنقع الخطابية والوعظ المباشرفتفقد صدقيتها وتأثيرها.
ان الدراما السينمائية هى فن الصورة كما أن المسرح هو فن القول والحوار. الحوار فى الدراما السينمائية جزء فرعى لخدمة الصورة يلجأ اليه السيناريست المتمكن عند الحاجة فقط ، الا ان الدراما التليفزيونية تخففت بعض الشىء من قيود الكتابة للسينما فأصبح مسموحا به استخدام الحوار بصورة أعمق الى جانب الصورة ، وهذا يعطى فرصة أكثر للانتاج الدرامى التليفزيزنى ليقوم بالتوعية عبر مناقشات فكرية بشرط ان تكون فى سياق الأحداث متناسقة معها وبحيث يصبح حذفها اخلالا بالتدفق الدرامى. هذا هو مقياس الجودة فى العمل الدرامى التليفزيونى الهادف للتوعية والتعليم ونشر ثقافة التسامح و الديمقراطية وحقوق الانسان.
ب – البرامج التليفزيونية
لها جمهورها وتأثيرها، الا أن الواقع يشير الى هبوط شعبيتها بسبب تكرار نفس الموضوعات وتكرار نفس الوجوه. للخروج من هذه الأزمة تلجأ قناة الجزيرة – مثلا - الى اثارة نفس القضايا ولكن بصورة تجعلها متوافقة مع حدث راهن، ويقوم ما يسمى " بصراع الديكة " حيث يستضيف البرنامج اثنين مختلفين فى الرأى ليتشاجرا امام الكاميرا ثم يطلب مقدم البرنامج من المشاهدين الاشتراك فى المشاجرة.
نحن لا نحتاج الى هذا الشجار لأن لدينا موضوعاتنا التى لم يتم طرحها والتى لا تجرؤ القنوات الأخرى على مناقشتها، وحتى اذا جرأت على خوضها فليس لديها المقدرة العلمية على الامساك بدفتها.
ثقافة حقوق الانسان من داخل الاسلام لم يتم حتى الآن مناقشتها بصراحة وموضوعية خوف المساس بما يسمونه الثوابت. أحيانا - لمجرد ابراء الذمة ولمسايرة الغرب ونفاقه – يتعرضون لقضية حقوق الانسان بصورة سطحية ومرتعشة ومن خلال منهج ملفق دعائى مبتذل يتحدث فى العموميات دون أن ينفذ الى جوهر المشكلة.
جوهر المشكلة المسكوت عنه يمكن التعاطى معه – مثلا – خلال تلك الأسئلة : اذا كان الاسلام دين السلام فعلا فلماذا نبتت فى المسلمين ثقافة الارهاب وكيف تم الصاقها بالاسلام ؟ اذا كان الاسلام صالحا لكل زمان ومكان لماذا وقع المسلمون فى التخلف ولماذا تنتشر الدعوة السلفية الماضوية ؟ اذا كان الاسلام دين الحرية والتسامح والديمقراطية والرحمة فلماذا يوجد لدى المسلمين هذا الاستبداد ورفض الديمقراطية ، والشدة والتعصب والتزمت ؟ مئات الاسئلة من هذا النوع تحتاج الى نقاش موضوعى حر متحرريديره مفكرون حقيقيون ويناقشه مثقفون واعون بعيدا عن مروجى الخرافة والجهل والتعصب والتبذل والتخلف .
باختصار : لا بد من طرق المسكوت عنه من التراث والفتاوى والأحاديث وكل ما أسنده المسلمون من تشريعات وأقاويل وتفسيرات وفتاوى تخالف جوهر الاسلام وقيمه وفضائله. مناقشة هذه الموضوعات بجرأة واسلوب علمى يكفل النجاح السريع لبرامج تلك القنوات خصوصا اذا تم على قاعدة الايمان بحرية الرأى والفكر والعقيدة والتسامح الدينى واحترام حق الخلاف والاختلاف دون تكفير أو تخوين أو تحقير.
غير الموضوعات الفكرية المثيرة للجدل هناك موضوعات جديدة غير مثيرة للجدل ولكن اتفقت الفضائيات العربية على اهمالها حرصا على عدم المساس بالاستبداد العربى العريق والثوابت العربية الظالمة وثقافة العبيد. منها الواقع الحقيقى لتطبيق حقوق الانسان فى المجتمعات العربية. مثلا لدى النخبة جدل حول حقوق المرأة فى الاسلام ولماذا لها فى الميراث نصف ما للرجل – من السهل الرد على ذلك بطريقة قاطعة وغير معروفة للفقهاء المقلدين – ولكن القضية الحقيقية ان المرأة فى الواقع الاجتماعى – فى الأغلب - لا تأخذ ميراثها أصلا ، بل ان الأخوة الصغار الذكور غالبا ما يأكل حقوقهم الأخ الأكبرطبقا لما تعارف عليه الواقع العربى والمصرى . ان الواقع المعاش ملىء بما يجب نقاشه بعيدا عن الجدل الفقهى النظرى ووجوه المتحدثين المكررة وردودهم المعروفة المحفوظة.
أكثر من ذلك هناك الأغلبية المحرومة من حقوقها الانسانية والسياسية ، من فقراء مطحونين ، وأقليات مستضعفة ، وهناك مئات الألوف من الابرياء دخلوا السجون ظلما بدون محاكمة بسبب قوانين الطوارىء والاشتباه ولمجرد تصفية حسابات أو لسادية السادة الضباط . هناك من يتعرض للتعذيب ويصل صوت صراخه أحيانا لمنظمات حقوق الانسان وقد لا يصل. وظيفة تلك الشركات والقنوات ان تحتضن أولئك المظلومين ، وأن تتشرف بأن تكون اللسان الناطق باسمهم والمدافع عنهم . هنا يكمن التسامح الحقيقى الايجابى، فليس التسامح فقط فى أن تغفر لمن أساء اليك بل قبل ذلك وبعده ان تهب لنجدة المظلوم وأن تقف الى جانبه فى محنته . لا بد من انتاج برامج تتحدث بأدلة واقعية عن المعذبين فى الأرض ؛ ضحايا التعذيب والظلم والتجاهل ، فقد آن الأوان لكى يسمع العالم لصراخهم ويسعى لانصافهم.
ج -هناك برامج تجمع بين الدراما والمنوعات والكاريكاتير واللقاءات ، تتضافر فيها الفكاهة مع الثقافة والمتعة مع الفكرة .بأفكار جديدة وجريئة يمكن أن تجد لها مجالا فى هذه الشركات وتلك القنوات .
أخيرا :-
1- لا يمكن أن تواجه فكرا دينيا مسيطرا الا من داخل الدين الذى ينتسب اليه ذلك الفكر. من حسن الحظ أن الله تعالى قد حفظ القرآن الكريم حجة على المسلمين وغيرهم ، ومن حسن الحظ ان هذا الكتاب العظيم المحفوظ يؤكد على قيم الاسلام العليا من حرية المعتقد والعدل المطلق والسلام والتسامح والاحسان والرحمة والكرم والعفة والشجاعة. وعليه يمكن دعوة المسلمين الى الاسلام الحقيقى بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن عاند فحسابه عند ربه . المهم ألا يقوم باكراه الآخرين فى دينهم أو الدعوة لقتلهم أو قتالهم.
2- لقد كتبت " كفاية " المصرية نعيها فى بيانها الأخير الذى علقت به على ذبح السفير المصرى فى العراق . أن كفاية وأخواتها لا تزال اسيرة لثقافة العبيد حين تصف الارهابيين القتلة فى العراق بالمقاومة الشريفة . لقد علقت آمالا كبيرة على " كفاية " واخواتها ، وقدمت لهم النصح ، فلم اجد استجابة ، ثم حذرتهم آملا فى الاصلاح فى مقالى السابق " ثقافة العبيد " ولكن ضاع أملى بالبيان الذى يجعلون فيه الارهاب الأعمى مقاومة شريفة.
اذا كان بعض قادة المظاهرات بهذا المستوى فلا لوم على العوام المساكين. وبشرى للنظام المحتضر فسيعيش أكثر مما يحلم مستمتعا بثقافة العبيد !
3- لتنوير النخبة والعوام معا أرفع هذا النداء لكل من يهمه الأمر بالبدء فورا فى أكبر حركة للجهاد السلمى لتنوير المسلمين وتعليمهم ثقافة التسامح والديمقراطية وحقوق الانسان باستخدام القنوات الفضائية الحرة المستقلة. هذه هى لغة العصر ونلك هى وسائله .ان تكلفة قناة فضائية واحدة مع شركة انتاج خاصة بها لا تبلغ ثمن طائرة حربية، ولكنها ستنقذ آلافا ممن ستقتلهم تلك الطائرة الحربية .هى مهمة صعبة أن تواجه ثقافة العبيد التى تأصلت وترسخت عبر أحاديث مزورة وفتاوى مصنوعة، ولكن الفكر الحر الحق سيغلب فى النهاية، ثم – وهذا هو الأهم – لا بديل لنا الا الجهاد السلمى العقلى لانقاذ الضحايا الذين يفجرون أنفسهم – وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا – والضحايا الآخرين الذين يموتون بلا ذنب فى الأسواق والطرقات ووسائل المواصلات.. أمامنا الاختيار بين الجهاد السلمى أو الحروب الأهلية كما حدث فى افغانستان ، وكما يحدث الآن فى العراق ، وكما سيحدث فى بقية البلاد العربية اذا تأخرنا وماطلنا وتلكأنا .
4- لا يمكن اقامة الديمقراطية بدون ارساء ثقافة الديمقراطية والتسامح بديلا عن ثقافة العبيد..
اجمالي القراءات
17935