محمود دويكات Ýí 2008-07-05
إن المتابع لمعظم النقاشات التى تحدث في المواقع و النوادي forums العربية يلحظ نوعا من التشابه الجيني فيما بين المتحاورين (و الذين هم في معظمهم مسلمون عرب). هذا التشابه الجيني يكاد يكون متأصلا لدينا ، لدرجة أنه بات مؤسفا كيف تتحول معظم النقاشات من نقاشات بناءة و فعالة الى نقاشات هدامة و ساحات لتصفية الخلافات الشخصية و الطائفية و الثقافية و غيرها بعيدا عن اي منطق متصل بالموضوع تحت النقاش. و يمكن إرجاع هذه الظاهرة الى عدة أسباب أهمها فشل عرض الافكار و فشل مناقشتها ، و من ثم تدخل العواطف و الاهواء إما للاشتباكات الفكرية أو لفض الخلافات التي تبقى لعدم معالجة السبب من الاصل. و بالتالي بات واضحا كيف أن النقاشات سرعان ما تتحول الى جدل عقيم لا يولد إلا المزيد من الاختلافات و التنازعات.
في هذا المقال (الذي سيكون طويلا نوعا ما) سأحاول أن أتطرق الى نظريات و أساليب النقاش الأصح و المفروض اتباعها بغية نقاش سليم و صحّي ، و في الطريق نعقد مقارنات فيما بين ما يجب أن يكون عليه النقاش و بين الطريقة العربية البارعة في تشعيب النقاش الى نواحي لا علاقة لها بالموضوع الاصلي ، و بالتالي فشل تلك النقاشات بالوصول الى نتائج ملموسة مرضية.
المعلومات و المعارف المذكورة في هذا البحث مستمدة من أبحاث مجموعة و مقارنة عبر الانترنت (و التي في معظمها لا يعود للعرب للأسف) ، و هذه تشمل نظريات المجادلة و فن الكلام التحاوري و نظرية المعرفة ، و لمن يريد البحث عن هذه المعلومات المفصلة يستطيع البحث عن Argumentation Theory و Speech Act وPragma-dialectics.... بالاضافة الى المغلوطات المنطقية Logical Fallacies. و لمن يريد الاستزادة في موضوع فن المجادلة و النقاشات الفلسفية أنصح له هذا الكتاب المختصر (و الذي اعتمدت عليه كثيرا) لشوبنهاور على الرابط http://coolhaus.de/art-of-controversy
أنواع النقاشات
النقاشات نوعان : نقاشات منطقية logical و نقاشات جدلية dialectic ، و النوعان تم ذكرهما في القرءان من خلال أمثلة في الغالب. النقاش المنطقي يتسم بوجهين ، أحدهما عرض البينات ، و ثانيهما منهج متسق يتم على بصيرة. و البصيرة هي وضوح الهدف النهائي و الطريقة المتبعة. و قد بين الله ذلك في قوله ( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ .... قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي) يوسف 105/108 ففي هذه الايات من قصة يوسف يظهر لنا الحق أن أساس النقاش و الدعوة المنطقية هو الاتيان أو تبيان الايات و الحقائق و من ثم اتباع منهج أو سبيل على بصيرة واضحة. بمعنى أن يكون سبيلا واضحا لا لبس فيه ، و في هذا يقول الله ( أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ «22» ) تبارك – مما يعني أن افضل الطرق في النقاش هي اتباع خط مستقيم ما بين الموجود (المعلوم) و المراد الوصول إليه . و من تلك الاية نفهم أن تشعيب النقاش في الغالب يؤدي الى الجدل الذي لا طائل منه في النهاية .
أما نقاش الجدل dialectic فهو نقاش يتم فيه عرض معلومات أو حقائق و لكن لا يتسم بسبيل واضح ،- لأن الهدف أساسا لا يكون للوصول الى الحقيقة و لكن إما لفرض رأي أو إضعاف رأي. و قد بين الله ذلك بقوله (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ«8» ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)حج/8 .أي هدف المجادل (في الغالب) هو الاضلال عن السبيل السوي. فالمجادل قد يعرض بعض الحقائق لكنها في الغالب لا تؤدي هدفها في النقاش إما لأنها ليست ذات صلة بالموضوع أو لأن السبيل المتبع ليس على هدى ً واضح أو منير. و المشكلة الابرز في الجدل في الغالب هي اتباع عدة طرق غير مترابطة مما يؤدي الى الانحراف تدريجيا و البعد عن الموضوع الاساس .. فيؤدي الى التفرق و الاختلاف المتكرر .. مما يجعل الجدل جدلا بيزنطيا لا نهاية له ، و هذا واضح في قوله تعالى (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أنعام/153. إذن يمكن تلخيص مجمل مشاكل النقاش الجدلي بأنه تشتيتي و تفريقي للهدف و الفكرة الاساس. و يتم ذلك عادة عن طريق عدة أساليب كما سنلاحظ لاحقا.
مكونات النقاش الصحي
ضمن بحوث تجريدية جرت في نهاية القرن الماضي/بداية هذا القرن بأمستردام ، حاول بعض طلاب الفلسفة و مشرفوهم وضع طريقة عملياتية لتقييم أي نقاش فلسفي (أو حتى غير فلسفي). و قد تمكنوا من وضع نقاط عشر لو اتبعها المتحاورون فإنهم من المتوقع جدا أنهم سيقودون نقاشا صحيا و مثمرا. هذه النقاط هدفها تقييم طريقة النقاش و الجدل ، في حين تنصب معظم محاولات التقييم الفلسفية السابقة على تقييم نتائج الحوارات التي تحدث – بدلا من تقييم طريقة الحوار نفسه كما فعل هؤلاء الطلبة. فحسب ما ذهبوا إليه ، فإن النقاش عليه أن يتمتع بالمزايا التالية حتى يكون نقاشا صحيا و نافعا:
1- الحرية: على طرفي النقاش عدم منع الاخر من تفسير و تحليل ما قد طرحه. و ذلك يكون بعدم إشعار الطرف الاخر أنه عليه المدافعة عن ما يقول بسبب أنها تسبب حرجا أو ضيقا لدى البعض – و هم (واضعوا النقاط) بهذا يريدون تخليص الطرفين من الارهاب الفكري المتبادل (مهما كان طفيفا) – لأنك شخصيا عندما تعلم أن كلامك يثير مشاعر عند آخرين فإنك حتما سوف تتأثر و تغيير من طريقة عرضك أو انتقائك للأفكار.
2- عبء الاثبات: إذا ادعى أحد ما شيئا فإن عليه اثباته إذا طلب منه ذلك. و الاثبات يكون بالاتيان بمزيد من المعلومات أو الادلة ، أو عن طريق إعمال الاجتهاد لاستقراء النتائج مما هو موجود.
3- مناقشة الفكرة: على المناقشين أن يناقشوا الافكار المطروحة و ليس الشخوص أو ربط أمور خارج نطاق الافكار.
4- الملائمة: باستطاعة المناقش الدفاع عن أفكاره عن طريق تحسين و تعزيز الفكرة نفسها – لا أن يشعب النقاش ، و لا أن يلعب على مبدأ تكثير النقاط لصالحه بتكثير الافكار المقبولة.
5- توخي الوضوح في طرح الفكرة الاساسية و الفروض المرتبطة بها : و ذلك لمنع حدوث نفي لبعض المقدمات أو الفروض التي وضعها المجادل (ضمنيا).
6- نقطة البداية: يجب على كل طرف تحديد نقاط الاتفاق مع الطرف الاخر
7- التبادل: يجب تبادل النقاش سلبا أو إيجابا – بمعنى يجب على الطرف البوح للطرف الاخر بأنه قد اقتنع أم لم يقتنع ..(لانه عند العرب يتحول معظم النقاش الى تراشق أسئلة دونما أن يدري الطرفان هل اتفقا أو اختلفا - و هذا ما يسمى اصطلاحا بحوار الطرشان)
8- الصلاحية: يجب على الطرفين الاعتماد على قواعد منطقية سليمة و صالحة – و قد يتفق الطرفين على منهجية لتبرير صلاح ما يذهبون إليه (كما هو الحال في هذا الموقع فإن الكل يتفق على تحقيق النص القرءاني كأحد أهم مبررات صلاحية ما يذهب اليه أي طرف)
9- الختام: في الختام (نهائيا أو مرحليا)، على الطرف الذي يفشل في الحفاظ على رأيه (أو بعض أفكاره المطروحة في النقاش) أن يعيد صياغة طروحاته أو أفكاره بحيث تصبح صالحة في ظل نتائج الحوار. (يعني عدم التعنت!) ، و ذلك حتى يفهم الطرف المقابل الى أي مدى تم التقدم في النقاش.
10- الاستخدام: على الطرفين عدم استخدام مسائل في طور البحث و التنقيب في سبيل أثبات وجهات نظرهم ..
أساليب الجدل
ولأنه المشكلة الابرز في النقاشات فسنركز كلامنا هنا على الجدل و بعض أساليبه و كيفية العمل على تجنبه ما امكن . و أيضا سوف نسير من باب إنه إذا عرفنا العلة و مسبباتها و أعراضها فإنه من السهل اجتنابها و اتقاء الانجرار وراء الجدل الباطل:
1- التعميم
في هذا الاسلوب يقوم المجادل بتعميم ما طرحه المناقش ، و السبب أنه بتعميم الامر المطروح تكثر نقاط الاخذ ضد المناقش و بالتالي يصبح المناقش (إن لم ينتبه لذلك) في وضع حرجة محاولا الرد على كل ما يعتبره شبهات ، و هو لا يعلم أنه يحارب خارج المنطقة التي طرحها أصلا في البداية. هذا الاسلوب من الاساليب الاكفأ في تشتيت الحوار وبالتالي صعوبة الوصول الى نقطة اتفاق بخصوص الامر الاساس. و الامثلة زاخرة في هذا الموقع و غيره.
2- التخصيص
في هذا الاسلوب ينتقي المجادل حالة خاصة من الموضوع المطروح و يفرضه على المناقش. و في الغالب فإن الحالة الخاصة تحمل بذارا ً سلبية ضد الموضوع المناقش.. و خير مثال على ذلك ما حدث في مناقشة موضوع توفير فرص التعليم للبهائيين، حيث أخذ المجادل حالة خاصة تتمثل في الفاسدين من اولئك القوم ـ و عمّمها على الكل منهم. الحل الامثل لتلك المشكلة هي إجبار المجادل على إثبات عمومية الحالة الخاصة التي فرضها. أو إثبات أن تلك الحالة الخاصة هي ناتج ضروري من الموضوع العام .فإن حاول تجنب ذلك و بدأ يستطرد بناء على تلك الحالة الخاصة فاعلم انه يجادل لفرض رأيه.
3- تعليق النتيجة على شرط من ذات الامر المطروح
في هذا الاسلوب يقوم المجادل بتعميم طرحه لكنه في نفس الوقت يعلق صحته على شرط أو عدة شروط خفية تكون من داخل الطرح نفسه ـ و مع ذلك يستمر المجادل يجادل بعمومية طرحه. و لتبسيط ذلك نأخذ مثال أرسطو: (الزنجي لونه أسود ، لكن من ناحية أسنانه فهو أبيض .. إذن الزنجي أبيض و أسود في نفس الوقت) ...من الواضح أن هذا الكلام سفسطة و جدل بالباطل.. لأنه يحتوي شرطا ينسف العمومية التي يدعيها لاحقا .. لكن دعنا نذهب الى مثال أكثر انتشارا في عالمنا الواقع و يسير خلفه خلق كثير للاسف... فمثال أرسطو هذا موجود عند أهل الاحاديث... حيث تراهم يصفون الراوي بأنه : صدوق له أوهام ... أو حافظ مقرأ يلحن .. لاحظ التناقض هنا: كيف يكون صدوقا و له أوهام ؟؟ هذا بالضبط كقول أرسطو أبيض و أسود عن الزنجي. .. و يمكن أن نسحب هذا المثال على كافة الاحاديث المنسوبة للنبي الكريم لأنها من عينة الزنجي الأسود و الأبيض على رأي أرسطو (أي في أحسن أحوالها ظنية لكنها صحيحة أو صحيحة لكنها ظنية).
و في النقاشات العادية يدخل هذا الاسلوب لا شعوريا في الغالب عندما يستدرك المجادل بقوله (أنا لم أقصد كذا.. أو كان قصدي كذا.. أو يكون كلامي صحيحا إذا كان كذا....الخ ) ، و مع ذلك يستمر بالمجادلة بعمومية ما يقول... لاحظ هنا أن المجادل قد يعني ما يقول و لكنه في الغالب إذا كان مدركا لتلك التخصيصات و كانت مهمة فلماذا لم يذكرها من البداية؟ و أنت كمحاور تستطيع معرفة مدى صدق المجادل من عدمه عن طريق وزن و تقييم الشرط الذي وضعه المجادل لصحة كلامه.. فهو إن كان جزءا أساسيا من كلامه و ما يفتأ يتجاهله..فعندها المجادل هدفه فقط السفسطة أو فرض رأيه على الآخر.. و من ذلك أن يعطي أحدهم مقولة (على سبيل المثال فقط) : البهائيين كلهم شر مستطير.!! فنجد أحد ما يرد عليه قائلا: و لكن ماذا عن الاطفال البهائيين و النساء البهائيات و غيرهم ممن لا حيلة لهم و لا قوة؟ فترى المجادل ينسحب و يقول (لا!! لم أكن أقصد كلهم..الخ) لاحظ هنا أن المجادل قد يعني ما يقول لكن عندما يعود لك بعدها مرة اخرى بالتعميم أن البهائيين (بالتعميم) يجب تهميشهم..متناسيا ذلك الشرط الثقيل فهذا هو الجدل بعينه – أو هذا هو المقصود بفرض رأيه على الاخر.
4- استغلال المفاهيم العامة أو النسبية
في هذا الاسلوب يقوم المجادل باستغلال مفهوم عام لصالحه و يكون هدفه في هذا الحالة هو تركيز النقاش نحو جهة واحدة ـ هذه الجهة الواحدة تؤدي الى تغيير نتائج الحوار بشكل عام. و لأعطي مثال على ذلك دعونا نأخذ بعض ما يقال عن البهائيين (كمثال لاغير) فتجد المجادل يصر على تكرار مقولة أن: البهائيين شر مطلق ، ومن ثم يستخدم هذه المقولة لإطلاق أحكامه عليهم! لاحظ هنا ان مفهوم كلمة "شرّ" هو مفهوم مطاط جدا و يمكن جره لأي اتجاه ، كما يمكن تخفيف أو زيادة قيمته حسب ما يتم ربطه به. و لذلك عليك كمحاور ان تضغط بهدف معرفة ماذا يقصد المجادل بقوله (شر!) ، لأنه من الممكن أن تعريف الشرّ عند ذلك المجادل يختلف كلية عن ما تفكر أنت به كمحاور ـ و بالتالي يبقى الجدل دائرا حول أشياء مبهمة.
هذا الاسلوب يحدث كثيرا عندما يظنان أنهما يتكلمان عن نفس الشيء في حين كل منهما يحصر تفكيره في اتجاه مخالف. و في الغالب يكون سبب المشكلة هو عدم تعريف أحد المفاهيم المطاطة أو النسبية ، أو حتى من الممكن أن يتكلم الاثنان عن مصطلح لكن كل منهما يحمل تعريفا مختلفا عما عند الاخر. لذا و لكي نتجنب هذا الجدل فإنه يفضل عدم استخدام المفاهيم العامة ((كقوله -أعني المجادل- انهم شر!! أو قوله أنهم متطرفون!! أو مخالفون! أو انتقائيون! أو متحيزون! أو حتى كافرون!! .. الخ)) .. فهذه كلها من المفاهيم الفضفاضة و التي لا تعني شيئا إن تم إطلاقها هكذا سوى الجدل بالباطل .. و بالتالي يجب المطالبة بتوضيح و تعريف (الافضل مع أمثلة ) ماالمقصود بتلك الكلمات المطاطة – لأن ما يعتبره هو متطرف قد لا تعتبره أنت متطرف.. الخ ).
5- الاختلاف على أهداف داخلية قد تؤدي الى الهدف النهائي
في كثير من الاحيان قد يتفق المتحاوران على طريقة الجدل لكنهما يختلفان في بعض الاهداف الداخلية (أو المرحلية) و التي قد تكون ضرورية للهدف الاخير... و الحل الامثل لهذه الحالة هو إلغاء الهدف النهائي أصلا و عدم التقدم قدما حتى يتم الاتفاق على الاهداف المرحلية.. لأن ما يحدث في الغالب هو ان المتحاورَيـْن يتقدمان نحو الهدف النهائي ، فإن بدا أن أحدهم قد أحرز نصرا هناك، يقوم الاخر بالتذكير بهدف مرحلي كان عليه اختلاف ، و من ثم يدعى أن النتيجة كلها كان من الممكن أن تتغير إن حصل اتفاق آخر على ذلك الهدف المرحلي.. و هكذا دواليك يتم الدوران في حلقة مفرغة من الجدل الباطل.
و لإعطاء مثال على ذلك .. إفرض أن الهدف النهائي هو تقرير ما إذا كانت الاحاديث جزء من الدين أم لا.. و أحد الاهداف المرحلية للوصول الى ذلك هو تبيان أهميتها في الحياة.. فقد يدعي المجادل أن "الحديث مهم لأنه يعطي تفاصيل" ...و يكون الرد بنفي "أصلا لأن الحديث بعطي تفاصيل فهو مش مهم." .. هذا الهدف المرحلي بحاجة الى نتيجة لإنه لا نستطيع أن نحكم على الهدف النهائي دون نتيجة لهذا الهدف المرحلي.. و المشكل هنا هو الاتفاق على معنى الاهمية (لأن كلمة مهم هي مفهوم فضفاض كما بينا في نقطة سابقة ) فعند البعض قد يجدها رعاية إلهية له أنه وفر له كتالوج يعلمه كيف يستحم مثلا.. في حين أن الاخر يجدها تضييق على النفس بسبب كثرة التعليمات.. الخ. إذن ، يجب الاتفاق قبل الحوار على معنى الاهمية و علاقتها بالتشريع الالهي للبشر...و هل كل شيء مهم يستوجب تشريعا أم ليس بالضرورة!...الخ... و قد يتفق المتحاوران على تنحية جانب الاهمية من أساسه في حوراهما.
6- البدء بمعلومة هي أصلا محل خلاف
من أشهر طرق الجدل هو البناء على معطيات من الصعب أو المستحيل اثباتها ، و تكون محل خلاف أو عدم اتفاق بين المتحاورين.. و خير مثال على ذلك الحوار الذي دار حول قضية صلب المسيح و قتله . و المشكلة في ذلك الحوار (و ما شابهه) أن المجادل يفترض أن الاخرين ملمّين و متفقين معه على "حقيقة" ما.. و بناء عليه يستطرد في اشتقاق النتائج من تلك الحقيقة المفترضة. و لكن بما أن الاخرين لا يثقون و لا يعتدون بتلك المعلومة تراهم يناقشون المجادل من باب النفي أو التشكيك .. و هذا يتسبب في فشل النقاش لاحقا.. لذا فالحل الامثل لتلك المشكلة هو مطالبة المجادل بإثبات تلك المعلومة المفصلية التي جاء بها ( وفق مصادر او مراجع متفق عليها) قبل التقدم في النقاش... فإن حاول المجادل تجنب ذلك ، فاعلم أنه يجادل بالباطل عندها أو لفرض رأي عنده.
7- التراشق بالاسئلة
في هذه الحالة قد يطرح أحدهم مسألة غير واضحة المعالم.. فيرد المجادل حينها بمزيد من الاسئلة و في عدة اتجاهات بحيث يجعل الطرف الاخر محتارا كيف يبدأ الاجابة ، فيضطر الى سؤال المجادل مرة أخرى فيرد المجادل بمزيد من الاسئلة باتجاه آخر.. و هكذا دواليك..يستمر الجدل بلا طائل. و الملاحظ أن المجادل قد ينتقي بعض الاسئلة التي تروق له ، و يبدأ ببناء و نسج إجاباته بهدف سحب و جر الطرف الاخر لذلك الاتجاه. .. و الدافع الاساس وراء ذلك أن المجادل يستشعر ضعفا عند الطرف الاخر إن جاء رده بأسئلة بدلا من تفصيلات.. فالمجادل يركن الى أن التفصيلات كثيرة الكم مما يجعل الطرف الاخر يجنح مضطرا الى أسئلة تركيزية قد تفضي لمصلحة المجادل بحرف و تحوير الموضوع تحت النقاش من أساسه.
8- نسف النقاش باصطناع غاية غير مقصودة
في الغالب.. بدلا من أن يناقش المجادل في الحجج المطروحة أمامه ، تراه يصطنع و يخترع هدف(أو غاية) ينسبه(ـا) للمحاور و من ثم يلزم المحاور به و يلصقه به كتهمة.. ونظرا لأن ذلك الهدف أو الغاية قد يبدو منطقيا (وحساسا) ، فعندها يضطر المحاور الى الدفاع عن نفسه يائسا لتبيان أنه لم يكن يقصد ذلك. الامر الذي يغير مجرى النقاش كليا.
من أبرز الامثلة على ذلك هو ما يحدث عند نقاش العلمانية و الحريات الشخصية و كيف أنه يجب أن تصان من خلال قوانين.. فعندها يقوم المجادل باختراع تهمة مفادها ان غاية الطرف الاخر هو تشجيع الزنا و شرب الخمر .. الخ لأنه يندرج تحت مسمى الحرية الشخصية... فعندها (و نظرا لوقع هذه التهمة على الاسماع) يضطر المناقش الى بيان أن هدفه ليس ذاك! و أنه من الممكن إيجاد حلول و تشريعات لتلك المشاكل..الخ....الامر الذي يؤدي الى إزاحة النقاش الى اتجاه آخر. و من مثله أيضا في النقاش الذي جرى في الموقع بخصوص قضية صلب و قتل عيسى المسيح.. كان الجدل في معظمه هو إثبات/ عدم اثبات "تهمة" الانتماء للمسيحية أو تهمة "تقديم تنازلات عن المباديء" ((كلمة تهمة هنا تعني غاية مفترضة من قبل المناقش يكون وقعها شديد على السامعين)) ، في حين أن النقاش كان أساسا هل صلب المسيح أم لم يصلب. الامر الذي أدى الى تشتيت النقاش في عدة محاور غير مترابطة (بغض النظر عن النوايا).
و في الختام – فإن ما عرضته هو مجرد تذكير بجعل النقاش نقاشا حيا ملتزما نحو تحقيق هدف و تثبيت معلومة مفيدة تنفع الطرفين .. و ليس مجرد جدل هدفه الوحيد هو تحقيق النصر أو الفوز ضد فلان أو علان.
و ندعو الله أن ينفعنا بما علمنا و أن يعلمنا ما ينفعنا..و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
لا فض فوك على هذه المقالة الرائعة والله حتى انا صرت اقلل كتاباتي خوفا من هذه الاساليب التي تنزل بنا الى قاع سحيق اشبه بالافكار التي ندعى اننا خرجنا منها واتمنى على الادارة طرد كل من يستعمل اساليب الشتم والتهجم وسيلة للتعبير كما اطلب منها السماح لكل من يكتب فكرا حرا حتى لو كان مخطئا فلنناقشه بدلا من ان نتهجم على شخصه ونشتمه ادعاء للغيرة على الدين ونحن بهذه الطؤيقة نهدم فى الدين الذي ندعى الغيرة عليه وننفر الناس منه
أقدم شكرى للأستاذ المفكر محمود دويكات على هذه المقالة الممتازة والتى أسعدتنى إلى حد كبير ، وأرجو له دوام التوفيق والسداد على طريق الحق والهدى والنور ، وأتمنى من الجميع قراءة هذه المقالة المفيدة للإستمتاع بها وتنفيذ ما جاء بها من علم قيم حول الجدال المفيد والنقاش المثمر
مرة أخرى أحييك
هذه مقالة ممتازة بل اكثر من ممتازة, فشكرا على كتابتها للجميع, كما اود ايضا ان اشكرك على امانتك ككاتب عندما اشرت الى بعض المراجع التى اعتمدت عليها فى كتابة المقالة, لأن هناك من يكتب ويلخص ما يكتبه عن كاتب اخر دون الإشارة اليه سواء عن اهمال او سهو, او سواء عن محاولة ان يخدع القراء ويوهمهم بأنه صاحب الفكرة الأول والأخير, وكما تعرف هنا فى امريكا, يمكن لمرشح لمركز رئيس الجمهورية ان يسقط وان يعامل اسوأ معاملة من الجمهور ومن الصحافه ان ( اقترض) ولو حتى جملة واحدة من إنسان اخر دون ان يشيرالى ذلك عند قولها.
ثانيا, ان ذلك الوباء الذى ينتشر بين شعوبنا والذى ينشر دخانا فى عيونهم فلا يروا او لا يعرفوا ان الحوار بين طرفين اصلا وفرعا هو ((لتبادل الأفكار) , وأنا اقول الحوار مرة اخرى, فعندما يبدأ ( أ) بعرض فكرة ما على ( ب او ب و ج و غيرهم) فهو يعرض فكرة ليس إلا, ولأنه يعتقد ان فى عرضها على الأخرين ربما تكون هناك فائدة, أذ ليس من المعقول ان يعرض احدهم فكرة لأن غرضه الواضح هو الإضرار بهم, ومن ثم فإما ان يقبلها الأخرون, او لا يقبلونها, وهذا هى كل الإحتمالات, فإن قبلوها كما هى , فيا دار ما دخلك شر, وإن لم يقبلوها فإما ان ينتهى الأمر عند ذلك وإما ان يبدوا اسباب رفضها, وبالتالى تعود الكرة الى صاحب الفكرة , فإما ان يقتنع بأن فكرته لم تكن بتلك الجودة التى كان يعتقدها او يحاول ان يفسر لهم ما قد يكون قدغاب عنهم......الخ, حتى ينتهى الأمر إما برفضها او قبولها او برفضها جزئيا وقبولها جزئيا...........وهذا هو المنطق. غير اننا فى عالمنا العربى للأسف, بمجرد ان تختلف وجهات النظر, يتحول المكان الى مسرح وكل يتنافس على دور البطوله, او الى ساحة للحرب وكل ينظر الى من امامه على انه العدو الذى يجب القضاء عليه, وفى مثل تلك الحرب عادة ليس هناك قواعد ولكن هناك اهداف, وهى تدمير العدو تماما للفوز. فى المناقشات ( الحية) وجها لوجه, تلاحظ ان لا يعطى احدهم الفرصة للأخر ليكمل جملته, وكثيرا ما يتحدث اكثر من واحد فى آن واحد فلا يسمع ايهم مايقول الأخر ويبدو كأنه يود فقط ان يتحدث ويستمع الى نفسه وهو يتحدث, وبالطبع تكون النتيجه فى النهاية صفر من حيث ( تبادل الأفكار), وكان من البديهى ان فى حالة النقاش عبر الإنترنيت ان يكون الوضع مختلفا, لأن فى حالات المناقشة (الحية) إن اخطأ احدهم او قال شيئا لم يكن من حقة ان يقوله, فليس هناك طريقة لإستعادته, او مسحه, ولكن مع الإنترنيت, يتصور الإنسان المنطقى ان هناك فرصة للمتحاورين ان يفكروا فيما يقولونه لأنهم يكتبونه, ولأنهم من الممكن ان يراجعوه قبل ان ( ينطقوا به) او يرسلوه, وبالطبع من الممكن عند المراجعه ان يحذف المحاور ما قد يراه غير مناسبا, ولكن للأسف أيضا نرى ان البعض, لا يستغل تلك الفرصة لكى ينقح وجهة نظره وكيفية الحوار, ونرى بالرغم من ذلك ال( buffer ) من لا يحسنون استغلاله. شكرا مرة اخرى على مقالة هادفة وأدعو الله ان يكون فيها فائدة للبعض .
و أرجو أن يوفقنا الله لما فيه خير من إصلاح الانفس و العقول... و كلنا يتعلم من الاخر... فرحم الله امرءا عرف قدره نفسه .. كما روي عن ابن الخطاب: رحم الله امرءا أهدي إلي عيوبي...و أؤكد على كلام أخي فوزي..في ان النقاش أساسا هو لتبادل الافكار و ليس كما هو مشهور في مواقع العرب على أنه سجال و حرب يدخل فيها المحاور يا أما غالب يا إما مغلوب...فالاصل في الحوار هو إما زيادة فكرة الى أفكارك أو تحسينها .
و الله من وراء القصد
مقلدٌ مُتَبِعْ ومفكرُ مُتَبَعَ
فهم القرآن من خلال القرآن صحيح ولكن بحاجة إلى بيان
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ
دعوة للتبرع
حوار: حوار أول : أول كلامى سلام على الناس الكرا م ....
أضغاث أحلام: رأيت في المنا م جنازة محمد عليهم السلا م و...
أربعة أسئلة: السؤ ال الأول : يقو ون إن السلط ان ( أنعم )...
الأخطاء النحوية : كثيرا ً ما يرد كلام أن في القرآ ن أخطاء نحوية...
ابو لؤلؤة المجوسى: علي بن ابي طالب يمدح ابو لؤلؤه في كتب الشيع ه ...
more
تحية مباركة طيبة وبعد
دائما تتحفنا بالمبادئ التي يجب أن نسير عليها ، وجازاك الله خيرا لما تفعله .
أخي الفاضل شكرا جزيلا على مقالتك هذه الأكثر من رائعة ، وكنت قد كتبت سابقا في موضوع إشكالية الاختلاف عن أسباب الاختلاف وهو ما يتوافق تماما مع ما ذهبت إليه سيادتك تفصيلا .
وهى لا تخرج عن أربعة أسباب كما جاء ذكرها في الموضوع المشار إليه وهى :
1. قلة المعلومات
2. خطأ المعلومات أو عدم دقتها
3. إتباع الهوى
4. عدم تحديد معاني الألفاظ بدقة .
وعليه كلما عالجنا أحد هذه الأسباب أزلنا أحد أركان هذا الاختلاف .
دمتم دائما في عمل الخير وتقديم كل ما هو مفيد .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .