طوبى للمضطهدين فى الأرض
بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
الثلاثاء 20 نوفمبر 2007
طوبى للمضطهدين فى الأرض
(على هامش سلسلة مقالات العلمانى الضحية .. )
اولا
بعضهم أغضبه قولى لدكتور كامل النجار فى المقال السابق (سأعطى اسمه شرف الخلود فى المستقبل ، فنحن نكتب فكرا جديدا سابقا لعصره ، وأن كان يعانى الاضطهاد والمطاردة اليوم فهو سيكون بعون الله جل وعلا هو السائد غدا ، وبه ستحتفل الأجيال القادمة . وبالتالى فان من سأكتب عنهم بالاشادة او حتى بالنقد سيتمتعون بالخلود . هنيئا لك بالخلود يا كامل النجار ..). اعتبر البعض ما قلت نوعا من الغرور ، وليس هذا صحيحا باى حال لأن ما قلته هو استشراف للمستقبل مبنى على قراءة للتاريخ تؤكد أن الفكر الذى يتعرض للاضطهاد لا بد أن ينتشر فى المستقبل .
إن الأصل فى صراع الأفكار وحوارها أن يكون مجرد فكر يقابل نظيره الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان ، مع حرية للفرقاء المختلفين فى الرأى و للجميع فى ان يعتنق ما يشاء ويرفض ما يشاء ، مع احترام المختلف فى الرأى ، وعدم تحول الصراع الفكرى الى مهاترات شخصية و اتهام لصاحب الفكر المخالف فى دينه وكرامته ،أو مطاردته وسجنه وتعذيبه.
بالحرية ينجح الفكر الصحيح ويتوارى الفكر الفاسد خجلا. أما إذا أوتى الفكر الفاشل سيطرة بالجاه والمال والأتباع وسلطة الدولة المستبدة ـ أو كان ذلك الفكر السائد معبرا عن دين أرضى متحكم فى السلطة والشعب فالعادة أنه يدارى فشله باضطهاد أصحاب الرأى المخالف . هنا يكون المستقبل للفكرالذى يتعرض أصحابه للاضطهاد حتى لو كان خاطئا أو منحرفا .
ثانيا : من منكم يعرف ابن ابي ليلة وابن شبرمة وابن ابي هند ؟
كان اولئك هم فقهاء السلطة وأصحاب المشورة للخليفة أبى جعفر المنصور . وبسبب نفوذهم ودسائسهم أمر المنصور العباسى بسجن أبى حنيفة ، ثم قتله بالسم عام 150 هجرية. كان المنصورقد اصطنع مجموعة من الفقهاء تفتي له بما يريد ،منهم ابن ابي ليلة وابن شبرمة وابن ابي هند.ولم يكن أبوحنيفة من هذا الصنف فانتهى به الأمر الى السجن و القتل. وبسبب الاضطهاد الذى تعرض له أبوحنيفة فقد ذاع اسمه ، ومع أن الثابت أنه لم يؤلف كتابا فى الفقه فقد أصبح إماما لأول مذهب فقهى سنى ، بل حصل بعد مقتله على لقب الامام الأعظم ، أى كوفىء على الاضطهاد الذى تعرض له ظلما.
هذا بينما اختفى فى صندوق زبالة التاريخ اولئك الفقهاء الذين كانوا فى وقتهم أصحاب أسماء رنانة وطنانة. .. نقولها ثانيا : من منكم يعرف ابن ابي ليلة وابن شبرمة وابن ابي هند ؟ ثم نقول : من منكم لا يعرف الامام أبا حنيفة النعمان ؟؟
ثالثا : من منكم يعرف ربيعة الرأى ؟
حسنا ..أنه فقيه المدينة الذى كان شيخ الامام مالك بن انس والذى كان أعلم من مالك. أى جاء مالك أقل علما من شيخه ربيعة، لقد مات ربيعة الرأى عام 136 وقت أن اشتهر تلميذه مالك فى المدينة ، ويروى ابن الجوزى فى ( المنتظم ) فى ترجمة ربيعة هذا أن بعضهم قال ( أتينا مالك ابن أنس فجعل يحدثنا عن ربيعة الرأي فكنا نستزيده من حديث ربيعة فقال لنا ذات يوم: ما تصنعون بربيعة هو نائم في ذاك الطاق ، فأتينا ربيعة فأنبهناه فقلنا له: أنت ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: نعم .قلنا: ربيعة بن فروخ؟ قال: بلى .قلنا: ربيعة الرأي ؟ قال: نعم ، قلنا: الذي يحدث عنك مالك بن أنس؟ قال: نعم. قلنا: كيف حظي بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك ؟ قال: أما علمتم أن مثقالًا من دولة خير من حمل علم ) ( المنتظم 7 / 351 ـ )
سألوه لماذا اشتهر مالك بالعلم الذى أخذه من ربيعة بينما لم يحظ ربيعة نفسه بما يستحق من شهرة ، وأجاب ربيعة بتلك الكلمة القصيرة التى أوجزت الموقف كله : فالنفوذ السياسى والاجتماعى فى عصور الاستبداد هو الذى يرتفع بمتوسطى العلم الى درجة الشهرة بينما يعانى العلماء الحقيقيون من النسيان والاهمال.
حاز مالك الشهرة دون شيخه لسببين 1 ـ الأول : إن ربيعة كان من الموالى ، أى أقل درجة فى السلم الاجتماعى من العرب ، لذلك احتفل اهل المدينة بوجود تلميذ عربى لربيعة الرأى فارتفعوا به فى الشهرة فوق شيخه، ومات ربيعة الرأى مجهولا بينما نعم مالك بالشهرة و الصيت لأنه امتاز عن ربيعة بشىء وحيد أنه عربى من الأنصار.
2 ـ الثانى إن مالك تعرض لاضطهاد الدولة العباسية وتعذيبها . لذلك كوفىء بأن صار فيما بعد إماما لمذهب المالكية ـ بينما ذهب شيخه ربيعة الرأى الى ظلمات النسيان ..
رابعا : وماذا عن ابن حنبل ؟
ربما يعرف القليلون زعيمى المعتزلة : ابن أبى داود وابن الزيات ، وربما لولا دورهما فى اضطهاد وتعذيب احمد بن حنبل ما سمع عنهما أحد . انها فتنة او محنة القول بخلق القرآن التى كان ابن حنبل أشهر ضحاياها . وقد وقع الخليفة المأمون (813-833)في هوى ذلك التيار المعتزلىالجديد ، اذ كان شغوفا بمجالس العلم، واقتنع بمقولة المعتزلة ان القرآن مخلوق، واستعظم ان يعارضهم الفقهاء المحافظون ، فصمم علي فرض رأيه علي الدولة ، وتحت الضغط تراجع كبار الفقهاء ـ ومنهم المؤرخ المحدث محمد بن سعد ـ ووافقوا السلطة العباسية علي القول بخلق القرآن ، وكان يمكن أن تنتهى المسألة عند هذا الحد ولكن صمد ابن حنبل ومحمد بن نوح فوضعا في السجن تحت العذاب ومات المأمون وقد اوصى ولي عهده المعتصم بالله بالاستمرار بالقضية ، فأمر المعتصم بتعذيب ابن حنبل ، وظل ابن حنبل بالسجن الي ان افرج عنه في رمضان سنة 220هـ،واستمر اثر الضرب في جسده يتوجع منه الي ان مات سنة241 ه (ابن الجوزي:مناقب ابن حنبل 339،346بيروت ط1،تحقيق محمد ومصطفى عبدالقادرعطا.. المنتظم : لابن الجوزى 11/43 ،تاريخ الطبري 8/ 631:645 (
إبن حنبل الان لا يزال حيا فى قلوب الملايين حتى الآن ، وكل ذلك بسبب نعمة الاضطهاد التى أوقعه به غباء المعتزلة وقتها .لقد صمم ابن حنبل على رايه وتحمل السجن والتعذيب فصار اسطورة بعد موته ، وهو الذى لم يكن فى حياته سوى واحد من أصحاب الحديث الذين يمتلىء بهم الشارع العباسى فى النصف الأول من القرن الثالث الهجرى.
ومن الطريف أن ابن حنبل كان رفيقا للمؤرخ الفقيه المحدث محمد بن سعد المشهور صاحب (الطبقات الكبرى ) . ولقد جاءت ترجمة ابن حنبل فى الطبقات الكبرى لابن سعد مجرد بضعة أسطر بينما افرد ابن سعد صفحات لمشاهير عصره مما يدل على ان ابن حنبل فى ذلك الوقت لم يكن مشهورا ، ولولا اضطهاده ما سمع به احد .
بعدهذه الترجمة القصيرة التى قالها رفيق احمد بن حنبل بدأت الأساطير تقال فى مناقب أحمد بن حنبل بعد موته ، وأخذت تزداد بمرور السنين مع تعاظم جماهير تابعيه الذين أصبح اسمهم ( الحنابلة ) ، وفى القرن السادس الهجرى جمع المؤرح ( الحنبلى ) عبد الرحمن بن الجوزى هذه الأساطير فى كتاب ضخم فى مناقب الامام أحمد بن حنبل ، وصار كتابه هذا الملىء بالمدح والتمجيد مصدرا لمن يكتب فى تاريخ ابن حنبل.
بالاضطهاد تحول ابن حنبل من صاحب حديث الى إمام كبير لأحد المذاهب الفقهية للدين السنى ، مع أنه لم يكن فقيها حقيقيا ، ولم يصل الى عشر (بضم العين ) معشار استاذه الشافعى .. بل اصبح اتباعه ( الحنابلة ) أهم قوة مؤثرة فى الشارع العباسى فى عصره الثانى ، ثم فى عصرنا السعيد. إنها نعمة الاضطهاد التى جعلت ابن حنبل حيا ومؤثرا حتى الآن من غزوة مانهاتن فى نيويورك الى كهوف تورا بورا وبيشاور.
خامسا : لا أظن أنكم تعرفون محمد بن داود الظاهرى
إنه ليس داود بن على فقيه العراق ومنشىء المذهب الظاهري الذي يقف عند ظاهر النصوص ويمنع تأويلها والاجتهاد فيها ، بل هو ابنه محمد .
ورث محمد هذا شهرة أبيه فجلس يفتى منذ صغره ، واصبح زعيم الحنابلة ، وكانوا المسيطرين على الشارع العباسى فى عهده .واشتهر محمد بن داود بالشذوذ الجنسى فاستحسنوا ذلك منه وحفل شعره والروايات عنه بوقائعه مع عشيقه الوسيم محمد بن جامع . وحين جاء الطبري إلى بغداد فى أخريات عمره وقمة شهرته رأى فيه محمد بن داود منافسا خطيرا فكانت محنة الطبري على يديه ، وبدلا من الحوار مع الطبرى ومقارعته الحجة بالحجة فان عشرات الألوف من صعاليك ـ أو فقهاء ـ الحنابلة بزعامة محمد بن داود الظاهرى هاجموا الطبرى وكادوا يفتكون به فهرب الى بيته فحاصروه داخل البيت. كان السبب هو راى الطبرى فى مسألة الاستواء على العرش واتهامه بأنه خالف رأى الإمام ابن حنبل الذى تحول الى اله مقدس لدى جحافل الحنابلة الذين ظلوا يحاصرون الطبرى فى داره سنوات إلى أن مات تحت أنقاض بيته ، بل ومنعوا الخروج بجنازته فكان قبره حطام بيته .
فى حياته كان محمد بن داود الظاهرى ملء السمع و البصر الى أن مات عام 297 فى الثانية والاربعين من عمره ( الصفدى . الوافى بالوفيات 3 / 58 ـ ) ومع ذلك انتهى به الأمر مجهولا بين سطور المصادر التاريخية مثل : (تاريخ بغداد ) للخطيب البغدادى و( المنتظم ) لابن الجوزى و( تاريخ ابن كثير ) و( الوافي بالوفيات ) للصفدى و( العبر ) للذهبي و( وفيات الأعيان ) لابن خلكان و( شذرات الذهب ) لابن العماد الحنبلي و( الفهرست ) لابن النديم .. إندثر محمد بن داود الظاهرى بينما لا يزال الطبرى ملء السمع و البصر حتى الان، وهذا هو الفارق بين الضحية المظلوم المتمكن من علمه و زعيم غوغاء من المتطرفين ..
سادسا :
كلنا يعرف الحلاج ؟ ولكن هل تعرفون من قتل الحلاج ؟
كان التصوف وأربابه ضحية الحنابلة فى القرن الثالث الهجرى، إذ كان يخطو خطواته الاولي تطارده جماعات الحنابلة بنفوذها فى الشارع و القصور العباسية . وبسبب نفوذ الحنابلة فقد لاحقت الدولة العباسية رواد التصوف بالمحاكمات ،واشهرها محاكمة سمنون الذي اعتقل فيها كل ارباب التصوف فأظهروا التقية وأنكروا عقائدهم خوف القتل . الا ان الدولة العباسية اعتقلت الحلاج سنة 301 فظل رهن المحاكمة يتعرض للتعذيب الى أن قتلوه عام 309 في خلافة المقتدر العباسي الذى حكم ربع قرن من الزمان :(295-320) .
اشتهر المقتدر العباسى بالعجز والانغماس فى المجون ، وترك مقاليد الدولة لأمه (شغب ) فتحكمت ام المقتدر فى الخلافة العباسية حتى لقد عينت وصيفتها قاضيا للقضاء . وكان الذى سعى فى اعتقال الحلاج ثم قتله مشاهير هذا العصر من الحنابلة ، منهم ابو الحسين الراسبى الذى اعتقل الحلاج عام 301 ، ثم على بن عيسى الذى أحضر القضاة للتحقيق معه ، وفى النهاية كان الوزير حامد بن العباس الذى أمر بقتله بعد تعذيب هائل . يقول عنه ابن الجوزى( وضرب الف سوط ، ثم قطعت يده ثم رجله ، وحز راسه ، واحرقت جثته ، وألقى رماده فى دجلة ) (المنتظم13/201 ـ 206.)
لم يكن الحلاج زعيما للصوفية فى عهده ، ومؤلفاته خليط من الرموز والخزعبلات ، ولا يرقى للمستوى العلمى لمعاصريه من رواد التصوف،ولكن الحلاج تفوق عليهم جميعا فى الشهرة ، وهو الآن من أشهر الصوفية ومعلما بارزا فى تاريخ الدين الصوفى الأرضى .. والسبب هو أنه عوقب على عقيدته بالسجن و التعذيب والقتل .
مرة اخرى نسأل : من منا لا يعرف الحلاج ؟
ثم : من منكم يعرف المقتدر العباسى وشغب والراسبى وعلى بن عيسى وحامد بن العباس ؟ ابتلعتهم هاوية النسيان ..
سابعا : وماذا عن ابن تيمية ؟
وبسبب اضطهاد الحنابلة للتصوف واربابه انتشر التصوف ، ثم تسيد وتحكم ، و جاء دوره ليضطهد الفقهاء الحنابلة بعد انتهاء العصر العباسى وقيام الدولة المملوكية ( 648 ـ 921 )
وكان ابن تيمية (الحنبلى ) ومدرسته الفقهية السنية أبرز ضحايا الاضطهاد الصوفى المملوكى. وبدأت محاكمة ابن تيمية حين احتج علي كتاب الفصوص لابن عربي الذي يصرح بعقيدة الصوفية في وحدة الوجود أو انه لا فارق بين الله والكون ،وكان ذلك في شهر رجب 705هـ في الشام ، وكان الشام تابعا للسلطنة المملوكية ،وكان السلطان الفعلي وقتها بيبرس الجاشنكير الذي اغتصب الحكم من السلطان الشرعي محمد بن قلاوون ،وكان ابن تيمية باعتباره اكبر فقهاء عصره يؤيد حق الملك الشرعي ومن هنا كان الجاشنكير غاضبا عليه فأيد الصوفية في اضطهاده .
ثم عقدت لأبن تيمية محاكمة اخرى في مصر حيث اعتقلوه في جب القلعة وارادوا الحكم بقتله ،وانصبت محاكمته حول امور فقهية لأن خصومه منعوه من مناقشة عقائد ابن عربي خوف الفضيحة، ومع ذلك ارادوا الحكم بقتل ابن تيمية في تلك الخلافات الفقهية اليسيرة . واثناء اعتقاله في السجن حاولوا الحصول علي اعترافه بعقائدهم ويعرضون عليه الصلح والافراج ولكنه رفض ، وفي النهاية افرجوا عنه ونفوه الي الاسكندرية علي امل ان يقتله اعداؤه فيها ، الا انه صار له اتباع في الاسكندرية ، ثم اطلق بيبرس الجاشنكير سراحه . واستمرت المناوشات بينه وبين الصوفية حتي انهم عادوا لمحاكمته وسلطوا عليه سفهاءهم فضربوه والحوا علي السلطان في سجنه فسجنه.
واسقطت ثورة شعبية مصرية السلطان الجاشنكير و قد تخلى الصوفية والجند عن الجاشنكير فهرب وجئ بالسلطان الشرعي محمد بن قلاوون صديق ابن تيمية، وكان وقتها ابن تيمية معتقلا . وأعدالصوفية العدة لإستقبال السلطان الناصر محمد الذي سبق وان تخلوا عنه من قبل ليستعيدوا مكانتهم عنده وليكفروا عن تخليهم عنه من قبل.
وصحيح ان السلطان الناصر محمد بن قلاوون افرج عن ابن تيمية واتباعه واكرمه وجعل ابن تيمية مستشارا له ، الا ان السلطان الجديد استجاب لدسائس شيوخ الصوفية ، وكانت لديه هواجسه من شخصية ابن تيمية وكثرة اتباعه وشدته فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر،فصدق الاشاعات الصوفية عن الطموح السياسى لابن تيمية. وكان الناصر محمد بن قلاوون قد تعلم الكثير من عزله مرتين من السلطة ، ويريد الاحتفاظ بسلطنته الثالثة مستبدا بدون أى نقد لذا انحاز الي الصوفية مضحيا بصديقه القديم ابن تيمية ، فاقام للصوفية اكبر خانقاه وهي خانقاه سرياقوس وافتتحها في حفل جامع سنة 725هـ ، وفي السنة التالية امر باعتقال صديقه القديم ابن تيمية بسبب فتوي سابقة له عن تحريم زيارة القبور.
وحمل الاعتقال الاخير لابن تيمية كل الحقد الصوفي عليه ،اذ كان يفرح بالسجن حيث يتفرغ للعبادة والتأليف ، الا ان خصومة الصوفية في سجنه الاخير منعوه من الكتابة، مما اثر تأثيرا سيئا علي نفسيته فمات بعد عامين من السجن سنة 728هـ ( ابن ايبك الداودار:سيرة الملك الناصر 133:138،143،154،146،150:151القاهرة1960)
ونسأل الان : ألا يزال ابن تيمية حيا حتى الان بكتبه ومؤلفاته وفتاويه ؟ وإذا كان لا يزال حيا فاين أصحاب الجاه والسطوة الذين اضطهدوه ؟
ونتساءل : كم عدد المفكرين المسلمين الذين يعرفون السلطان بيبرس الجاشنكير الذى اضطهد ابن تيمية؟ ولقد نسيت ان أذكر اسم الشيخ الصوفى الذى سيطر على الدولة المملوكية وقتها . إنه الشيخ نصر المنبجى .. فهل يعرفه منكم أحد ؟..
ثامنا : الامام محمد عبده
وقد بدأت النهضة الدينية الحديثة على يدالامام محمد عبده بمؤلفاته واصلاحاته ومدرسته. ولقد قاسى الامام محمد عبده من مشايخ الأزهر حتى كان يلعنهم وقت الاحتضار ، وهو الذى سمى الأزهر بالمخروب والمارستان والاسطبل.. ولا يزال محمد عبده بعد وفاته ـ عام 1905 م ـ ملء السمع والبصر .. فهل يعرف أحد أسماء شيوخ الأزهر الذين ضايقوه وطاردوه ؟
ولقد عاشت بعد الامام محمد عبده مدرسة فكرية عانت بعض معاناته ، كان منهم د. طه حسين. وبالمناسبة : من هم شبوخ الأزهر الذين اضطهدوا طه حسين وأسقطوه فى العالمية ؟
ماتوا وهم أحياء بينما لا يزال حيا .. طه حسين .
تاسعا : افسحوا الطريق لأهل القرآن
وبدأ القرآنيون بالبناء على ما تبقى من مدرسة الامام محمد عبده ، ولا يزالون ماضين فى طريقهم برغم الاضطهاد الحنبلى السنى السلفى.
وبالمناسبة .. هل سمع أحد عن عبد الرحمن الكردى وعبد اللطيف خليف والسعدى فرهود ؟ هؤلاء هم الذين عانى منهم أحمد صبحى منصور خلال سيطرتهم على جامعة الأزهر خلال السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضى ، ولكن من يسمع بهم الآن ؟ هل قرأ لهم أحد ؟ وكم عدد من يقرأ لأحمد صبحى منصور ؟ وإذا كان هذا هو الحال اليوم فماذا بعد مرور قرون حين يتسيد فكر القرآن وتقرؤه الأجيال القادمة ؟ وهل ستعرف الأجيال القادمة اسماء أصحاب السطوة الان من الزعماء العرب و شيوخ الفكر السلفى ؟ وهل إذا قرأت عنهم بالصدفة فماذا ستقول عنهم ؟.
إن الفكر السلفى بعجزه وتخلفه وارهابه وتزمته يقدم أكبر خدمه للفكر القرآنى . لقد أدخل الفكرالسلفى المسلمين فى نفق التدين السطحى الزائف الذى اضحى كل شىء فيه محتاجا الى فتوى. وامتدت الفتاوى لتشمل كل شىء فى عصر تميز بالتغيرات المتلاحقة المتسارعة والجديدة والتى تحتاج الى فكر فقهى معاصر يجتهد وفق حقائق القرآن الصالح لكل زمان ومكان وليس مما قاله الأسلاف فى عصرهم . إلا أن الفقهاء السلفيين الذين دسوا انوفهم فى كل شىء يفتون فيه ـ عجزوا عن ملاحقة نبض العصر ، لذا اكتفوا بالمنع والحظر لأنه الأسهل لهم والقرب لطبيعتهم ، ولأن الفقه التراثى القديم ليست فيه حلول لتلك المستجدات العصرية. ومن هنا يكرر الفقه السلفى نفسه فى فتاويه و أدلته وأقاويله ..وفى كل مرة يؤكد عجزه .. وفى النهاية سيفلس ويتراجع الى الماضى الذى جاء منه تاركا الطريق لأصحاب الفكر القرآنى الجديد والمتجدد والذى يؤطر للثقافة المعاصرة من الديمقراطية وحقوق الانسان و العلمانية من داخل القرآن الكريم نفسه.
نقول هذا مع افتراض جدلى بأن السلفيين لا يضطهدون القرآنيين ، فكيف إذا اضفنا نعمة الاضطهاد التى تجعل الفكر المضطهد يفوز بالمستقبل حتى لو كان فاسدا ؟
أى أن الرؤية المستفادة من التاريخ تؤكد انه بعون الله جل وعلا سيسود الفكر القرآنى الداعى لاصلاح المسلمين من داخل القرآن الكريم .
وبالتالى فان من اذكرهم ـ ولو بالنقد ـ سيتمتعون بالخلود فى المستقبل .
ولهذا اقولها ثانية لكامل النجار : هنيئا لك بالخلود .. مع حلقاتنا القادمة التى ترد عليك ..
أما الكائنات العضوية اياها فلقد رضيت لها أن تستمر فى النباح ..
عاشرا :
انبحوا ..
اجمالي القراءات
16879
اما النجار فما قولتة كلام منطقي جدا وهو انة بالطبع سيخلد فى كتاباتك لان مكتوب على المستقبل ان يقرأ التاريخ ليميز الطيب من الخبيث وطالما تقدم الطيب فيجب ان تظهر الخبيث حتي يعي الفرق اولوا الالباب .. تقبل كل التحية لشخصك الكريم وفكرك المستنير