فى اصلاح الثمارالسامة لثقافة التطرف الوهابية فى مصر
بسم الله الرحمن الرحيم
السبت 20 اكتوبر 2007
فى اصلاح الثمارالسامة لثقافة التطرف الوهابية فى مصر
أولا ـ مقدمة
هناك حقائق نبدأ بها ، منها
1 ـ نحن لسنا ضد الاخوان المسلمين كافراد ، أو كفصيل سياسى . نحن ضد ثقافتهم الدينية التى تناقض الاسلام وحقوق الانسان وحقوق المواطنة ، ونحن ضد منهجهم السياسى فى استغلال الدين فى الطموح السياسى .
2 ـ حين نقول (ثقافة الاخوان المسلمين ) فاننا نقصد العقيدة الوهابية وشريعتها ـ وهى تناقض الاسلام وقيمه العليا وشريعته . ولقد أثبتنا أن الوهابية هى المرجعية الدينية للاخوان حتى مع وجود اختلاف سياسى راهن بين الاخوان و نظام الحكم السعودى الوهابى .
3 ـ وحين نقول (ثقافة الاخوان المسلمين ) فاننا لا نحصرها فى الاخوان وانما نعنى بها كل تلك الثقافة السنية الوهابية المعتمدة على احاديث ضالة تخالف القرآن الكريم و تشرع الارهاب باسم الاسلام . وقد أتاح السادات لهذه الثقافة ان تسيطر على الاعلام و التعليم و الأزهر و المساجد والشارع فى مصر باسم الاسلام . واصبح من يناقشها فى ضوء الاسلام و القرآن متهما بازدراء الدين ـ كما يحدث لنا نحن القرآنيين .
هذه الثقافة الاخوانية تشكل خطرا داهما على مصر و المصريين من الإغلبية الصامتة الى المفكرين و المثقفين والعلمانيين والأقباط و البهائيين و الشيعة..
ثانيا : توصيف المشكلة
هذا الخطاب الاخوانى الوهابى المسيطر لم يعد الخطر الوحيد لأنه أنتج ثلاثة أنوع أخرى من الخطاب المتعصب:
1ـ خطابا قوميا متعصبا يخلط القومية العربية والانتماء المصرى بالهوس الدينى و العداء المزمن لأمريكا والأقباط . ويتزعم هذا الخطاب جريدة الاسبوع .. ومعها جريدة الشعب .
2 ـ خطابا شبابيا مستقلا كارها للأقباط وكارها لأى اجتهاد دينى من داخل الاسلام ، بعد أن تربى على تعليم فاسد و اعلام فاسد أنتج عنه عقلية تؤمن بان الغرب يتآمر علينا فلا حاجة بنا الى الاصلاح لأن المشاكل تاتى من الغرب و عملائه واهمهم القرآنيون و اقباط المهجر .
3 ـ خطابا مسيحيا متعصبا متنوع الدرجات و النغمات :
3 / 1
أشده تعصبا هو ذلك الخطاب الذى يهاجم الاسلام نفسه كدين ، ولا يتورع عن الهجوم على المصلحين المسلمين القرآنيين انفسهم كراهية فى الاسلام نفسه.
3 / 2
يليه خطاب يهلل أويدافع عن ضحايا الفكر من المسلمين الملحدين الذين يطعنون فى الاسلام بينما يتجاهل ضحايا النظام المصرى من المسلمين المصلحين القرآنيين الذين يدافعون عن الأقباط وغيرهم من داخل الاسلام. هذا الخطاب قاتل دفاعا عن الشاب عبد الكريم سليمان ولم يتحرك دفاعا عن القرآنيين وتعذيبهم فى مباحث أمن الدولة ، مع ان معظم التعذيب الذى لاقاه عبد اللطيف سعيد فى مبنى مباحث أمن الدولة فى شبرا الخيمة والذى استمر 37 يوما كان بسبب آخر مقال له يدافع عن حرية ذلك القبطى الذى أسلم ليطلق زوجته ثم أراد العودة لدينه.
3 / 3
ثم هناك خطاب مغرق فى الطائفية لا يرى سوى معاناة الأقباط وحدهم ، ويتجاهل معاناة اخوانهم المصريين المسلمين ، وخير مثال على ذلك سقوط إثنين من الشهداء قتلى ، كلاهما يحمل نفس الاسم (ناصر )، وكلاهما ضحية لتعذيب الشرطة ، ولكن أحدهما قبطى والاخر مسلم ، فما كان من موقع الأقباط متحدون إلا أن هلل صارخا للضحية القبطى و تجاهل الضحية المسلم .
ثالثا :العلاج
1 ـ هذه الخلطة من الخطابات المتطرفة و المتعصبة جاءت نتيجة للفكر الوهابى السائد و بترويج اعلامى اشد فسادا . وهذه الخلطة من الخطابات المتطرفة و المتعصبة لن تثمر إلا دمارا لمصر ، وسيدفع ثمنه الأقباط قبل المسلمين .
وبالتالى فان العلاج لا يكون إلا بمواجهة هذا الخطاب فى عقر داره .
لا بد من المواجهة السلمية الاسلامية لثقافة التطرف الوهابية الاخوانية التى سممت المناخ المصرى . ان التطرف الوهابى الاخوان يستمد قوته من نسبته الى الاسلام . أنه مثل القنبلة التى لا تستغنى عن المفجر ، فاذا جردتها من المفجر اصبحت مجرد لعبة أطفال. وهكذا الفكر السلفى الوهابى الاخوانى ـ إذا أثبتنا تناقضه مع الاسلام سقط وانتهى .
وهذا ما يفعله القرآنيون منذ ثلاثين عاما بجهودهم الذاتية ، ومن اجله تعرضوا لثلاث موجات من الاعتقال و القبض عليهم ( 1987 ) ( 2000 ـ 2001 ) ( 2007 ) .
2 ـ لقد وصل نفوذ الاخوان فى مصر الى استقطاب بعض القياديين المسيحيين الى صفهم، بينما يترك اقباط المهجر أكبر سلاح ضد الاخوان والوهابية مهملا ، وهو المركز العالمى للقرآن الكريم.
3 ـ انصرف جهد الأقباط الى الاحتجاج طيلة الفترة الماضية ، و أثمر هذا الجهد على تعريف العالم بالمشكلة القبطية. الان لا بد من الدخول فى مرحلة جديدة هى العمل الايجابى لعزل الاخوان و القضاء علي ثقافتهم . وتلك مهمة اسلامية لا يقوم بها الا مسلمون.
4 ـ لا تستطيع أمريكا ولا يستطيع الأقباط علاج مشكلة التطرف داخل المسلمين .
المشكلة هى فى المسلمين، وإذن فالعلاج لا بد أن يتجه للمسلمين ومن داخل المسلمين وبسلاح الاسلام نفسه. وذلك هو تخصص المركز العالمى للقرآن الكريم ، وهو جهاده و تاريخ القائمين عليه. لا يستطيع الاخوان أو الأزهر أو الوهابيون أن يزايدوا على المركز العالمى للقرآن الكريم فى اسلاميته أو فى تخصص قادته فى العلم بالاسلام، ومن هنا فان تحالفه معكم أكبر طعنة توجهونها للمتطرفين الوهابيين من اخوان و سعوديين.
من التجربة الأمريكية فى العراق فان التدخل الخارجى المسلح ينجم عنه تدمير الوطن والمواطنين. وأمريكا فى فشلها فى العراق لا تستطيع أن تغادره ولا تستطيع أيضا الاستمرار فيه وتحمل فاتورة الدماء و الأموال. وبالتالى فمن المستحيل أن تجرب نفس الغلطة فى مصر ، واذن لا يبقى الا الاصلاح السلمى و السياسى من داخل الاسلام وعن طريق المسلمين المخلصين لدينهم ووطنهم.
5 ـ لا ابالغ حين أقول أنه لا يمكن المواجهة إلا بطريقتنا ، فنحن مسلمون متمسكون باسلامنا حريصون عليه ـ و لم نضعف أو نتراجع طيلة ثلاثين عاما وقفنا فيها بمفردنا ، ونجحنا ـ برغم الاضطهاد وقلة الامكانات ـ فى إحراز تغيير حقيقى فى الثقافة الدينية للمسلمين ـ وتم بجهودنا تعرية الفكر السلفى وأحاديث البخارى وفتاوى التطرف، و لولانا لظلت قدسية ذلك الفكر سائدة كما كانت طيلة 12 قرنا من الزمان .
نحن الذين كشفنا المستور و المسكوت عنه من التراث السنى المقدس ، ونحن الذين ناقشناه فى النور وفى ضوء القرآن فأحدثنا صدمة مروعة ليس للأغلبية الصامتة التى لا تقرأ ذلك التراث ـ ولكن أيضا لعلماء ذلك التراث الذين يحملونه على ظهورهم دون أن يجرءوا على قراءته أو مناقشته .
نحن الذين قرأنا ـ ولأول مرة ـ القرآن الكريم قراة موضوعية وفق مصطلحاته ومفاهيمه ـ و احتكمنا اليه فى الخطاب السلفى الوهابى الاخوانى فأثبتنا الاتناقض بينهما . وهو تناقض لا علاج له إلا برجوع السلفيين والاخوان المسلمين الى مبادىء حقوق الانسان وحقوق المواطنة مع نبذ كل ما يخالفها من التراث..
ما أحدثه القرآنيون خلال ثلاثين عاما من الاجتهاد الدينى لم يحدث خلال تاريخ المسلمين الفكرى طيلة 14 قرنا ـ وأقولها كمؤرخ اسلامى و مفكر اسلامى , وأتحدى بها كل الناس ..
اكبر دليل على نجاحنا الساحق أنهم انهزموا أمامنا بكل معاهدهم وجامعاتهم وأئمتهم و جماهيرهم و دعاتهم و أتباعهم و اعلامهم المرئى و المسموع و المقروء وتنظيماتهم العلنية و السرية .. انهزموا فلم يجرءوا على مواجهتنا بالحجة فلجأوا الى القوة و السجن و التشريد والتعذيب واتهامات العمالة و فتاوى التكفير و إباحة قتلنا. وبذلك سجلوا على انفسهم الخزى و الهزيمة . وكل وقت نزداد عددا وينضم الينا الكثيرون من المثفقين المسلمين .
وبسبب وقوفنا وحدنا فلم نتمكن حتى الآن من عقد مؤتمر واحد للقرآنيين يجمعهم من شتى أنحاء العالم ، ولم نستطع حتى الان تنفيذ واحد فقط من مشاريعنا الاصلاحية لأن السبب لا يزوال هو هو .. ذلك الاستقطاب بين السلفيين و العلمانيين ، وانحياز الأقباط و الأمريكان الى العلمانيين والملحدين المسلمين وتجاهلهم للقرآنيين ليصبح القرآنيون ضحية مزدوجة للاضطهاد السلفى الوهابى الاخوانى ونظام الحكم المصرى من ناحية ، والتجاهل العلمانى القبطى الأمريكى من جهة أخرى .
والأقباط هم ـ عاجلا أو آجلا ـ فى مقدمة الضحايا إن لم يتعاونوا مع القرآنيين فى جهادهم السلمى و الفكرى والاصلاحى .
هذا هو العلاج .. ولكنه علاج مرفوض من معظم الأقباط .!!
رابعا : مشكلة هذه العلاج
مشكلة هذا العلاج أنه لا يحظى باهتمام معظم الأقباط ، لأن معظمهم لا يزال ضحية للتطرف الوهابى ، وبعض المتعصبين من الأقباط يرفض أى مواجهة للاخوان ينتج عنها تبرئة الاسلام من تهم التطرف والارهاب .
وهنا ندخل على أهم ملمح من ملامح المشكلة ، والتى يترتب عليها أكبر انتصار للاخوان يهديه لهم الأقباط .
خامسا : مؤتمرات الأقباط .. وحائط المبكى :
1 ـ فى مواجهة الثقافة الاخوانية يظل رد الفعل القبطى مجرد احتجاجات فى مؤتمرات خارجية لا ينتج عنها سوى المزيد من الاحتقان الطائفى فى مصر ـ بل يستغلها البعض فى الهجوم على دعاة الاصلاح تملقا للسلطة ، مما يدفع ببعض الأقباط فى الداخل الى الانغلاق اكثر بل والاحتجاج على اقباط المهجر و التبرؤ منهم إيثارا للسلامة.
2 ـ حضرت مؤتمرين للأقباط من قبل ، أحدهما فى واشنطن والآخر فى نيوجيرسى .
لم أشارك فى صيحات العويل و حفلات الصراخ والاحتجاجات ، بل قدمت خططا عملية للاصلاح ، ونشرتها على موقعنا ( أهل القرآن ) .
مثلا فى ورقتى ( يسألونك عن الاخوان ؟ من هم ؟ وكيف نواجههم ؟ ) والتى نشرتها فيما بعد فى موقعنا :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=68
حددت طبيعة الحركة الاخوانية من جذورها الى تجلياتها السياسية و الثقافية و الدينية و حددت كيفية مواجهتها عمليا ثقافيا و سياسيا و اعلاميا ،بل واوضحت محاذير المواجهة لتظل سلمية فكرية داخل المسلمين انفسهم . وانتظرت أن يتحرك أحد من الأقباط لتبنى الخطوات العملية بالتنسيق مع المركز العالمى للقرىن الكريم فلم اجد أحدا.
ورفضت بعدها حضور أى مؤتمر للأقباط طالما لا يوجد أمل فى الدخول فى مرحلة الاصلاح الواقعى و تجاوز حالة الصراخ و البكاء على الاطلال. واستمررت فى كفاحى منفردا من خلال المركز العالمى للقرىن و موقعنا (أهل القرآن )..
3 ـ نشرت كتابا فى الموقع يحلل حركة الاخوان الدينية و السياسية وجذور العنف فيها و جذورها الوهابية وأعلنت عن مشروع فكرى لنشر كل مؤلفاتى بالمجان على موقعنا كخطوة للتنوير و الوعى ومواجهة الفكر السلفى الاخوانى فلم يلتفت لنا أحد ـ سوى أجهزة الأمن المصرية التى اعتقلت أخى عبد اللطيف و رفاقه وعذبتهم لأنهم كانوا يقومون باعادة كتابة مؤلفاتى ليتم نشرها على الانترنت . وايضا لم يرتفع صوت من الأقباط للدفاع عن القرآنيين المستضعفين فى الأرض سوى مقال للاستاذ كميل حليم ..
4 ـ عرضت على قادة اقباط المهجر مشروع (أسلمة المواثيق الدولية لحقوق الانسان ) أى أن يعقد مؤتمر اسلامى لدراسة مواثيق حقوق الانسان الصادرة عن الامم المتحدة ، وإثبات تطابقها مع مبادىء الشريعة الاسلامية للمناداة باحلال تلك المواثيق الدولية فى الدستور المصرى محل المادة الثانية المثيرة للجدل . ومع أهميته للأقباط إلا أنهم رفضوا المشروع ..
5 ـ هناك مشاريع اخرى كثيرة لاصلاح الثقافة المصرية و تطهيرها من الفكر الوهابى ، ذكرتها بعضها من قبل وأضيف اليها الان المزيد ، مثل مشروع (تعليم الحقبة القبطية لشباب المسلمين ) و (اصلاح قانون العقوبات المصرى ليتطابق مع حقائق الاسلام وثقافة حقوق الانسان ) و ( حرية العقيدة و اقامة الشعائر وتشييد الكنائس بدون شروط وفقا لشريعة الاسلام ) ومشروع احلال الود و الصداقة بين المسلمين و المسيحيين فى القرى و الأحياء الشعبية ، تحت عنوان : ( جارى القبطى ) و قناة تليفزيونية لارساءثقافة المواطنة بديلا عن ثقافة التطرف الوهابى و التعصب القبطى ، وشبكة من مواقع الانترنت لتعزيز الايجابيات فى التعايش المشترك بين المسلمين والأقباط ، وادراة حوار صحى فى المتفق عليه بين المسلمين المصريين والمسيحيين المصريين ، مثل حقوق الانسان و حقوق المواطنة و قيم التسامح و السلام والصبر والرحمة و المودة و الكرم حرية الفكر والمعتقد وممارسة الشعائر الدينية لكل انسان ، و الانتماء للوطن و الديمقراطية و العدل و المساواة و اكرام المرأة ورعايتها و الشفافية ومحاربة الاستعباد و الاستبداد و الفساد ..
وحتى الان لا صدى و لا استجابة .. ولكن عقد المزيد من المؤتمرات لكى تصبح حائط مبكى نبكى فيها و نلطم الخدود ونشق الجيوب ، دون حل عملى واقعى يقوم بتغيير الواقع سلميا الى الأفضل .
6 ـ لو ان مسافرا وجد أمامه جبلا شامخا يسد عليه الطريق ، فان هذا المسافر عليه أن يختار واحدا من ثلاثة : إما أن يرجع ، وأما أن يصمد ويواصل طريقه ويجتاز عائق الجبل مستغلا ما لديه من امكانات للنجاح ، وإما أن يلقى بنفسه على حائط الجبل يبكى و يستغيث ..
والبكاء هو ما يفعله الأقباط فى المهجر حتى الان ..
انه البكاء امام حائط المبكى الى أن يضيع الوطن ..ويصبح الوطن كله حائط مبكى ..!!
7 ـ ان لم يسفر هذا المؤتمر عن تبنى خطط عملية للاصلاح السلمى الواقعى فى مصر فلن أحضر أى مؤتمر آخر يبكى فيه الأقباط على الأطلال ..
فلم يعد فى العيون دموع ..
ملاحظة :
كانت هذه هى الورقة التى قدمها المؤلف الى مؤتمر الأقباط فى شيكاغو
اجمالي القراءات
17595
أعانك الله أستاذى الفاضل على بلوغ أهدافك السامية لاصلاح ما فسد فى العقول والاوطان والاديان .
مع خالص تحياتى وتمنياتى بالتوفيق لكل ما تتمناة