الخوارج
يمكننا أن ننسب كل أشكال التعصب الديني والفكري الذي ظهر لدى المسلمين وان كان في فترة متأخرة إلى ما يسمى بحروب الردة و الفتوحات الإسلامية لم تكن تلك الحروب لتترك أثرا على معتقدات الناس وتصوراتهم لو لم تصطبغ بالصبغة الدينية فلو تركها من قام بها على أساسها السياسي الذي انطلقت منه لما آل حال المسلمين اليوم إلى هم عليه من صراعات طائفية ونزاعات عصبية وأعمال تخريبية وقتل بالجملة وكل ذلك تحت ما يسمى بالجهاد لإعلاء كلمة الله ولا أرى غير علو للطغاة ونصر للمجرمين كمحصلة لما يفعله هؤلاء ولا اريد ان القي اللوم كاملا على من قام بحروب الردة والفتوحات فلعله لم يصبغها هو بتلك الصبغة المقدسة ولكن صبغها من بعده ممن نقلوا التاريخ مشوها كما نقلوا عن الرسول الكريم ما لم يقله وهو منه براء
لم يكن مألوفا لدى المسلمين في عهد النبي الكريم ما يسمى بالحروب المقدسة بل عرفوا الجهاد والذي وصفه القرآن وصفا دقيقا كما وصف تبريره
سأقف عند الآية الكريمة التي وردت في القرآن الكريم وباعتراف الجميع هي أول ما ورد من آيات تحث على الجهاد (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير *الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا ان يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز)
القتل محرم والقتال محرم النفس البشرية مقدسة والحياة مقدسة ولا يحق لنا ان نسلبها من بشر إلا بإذن من الله هي حرمة من حرمات الله أغلظ القرآن بالقول لفاعلها وتوعده بعذاب اليم وبخلود في جهنم وغضب من الله ولعنة
إذن هي حرمة من حرمات الله ويأتي هنا الحض على القتال بشكل إذن بعد أن قتل المشركون من المسلمين ما قتلوا وأخرجوهم من ديارهم وسلبوهم ما يملكون أذن للمؤمنين بالقتال ولئن كان فيمن قبلنا من الأمم يأتي عذاب الله للمشركين بقدرة إلهية كخسف أو مسخ أو ريح صرصر أو صاعقة أو غرق فان الله عز وجل جعلها ببعثة الرسول محمد على أيدي المؤمنين (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف قلوب قوم مؤمنين )
لا أريد الإسهاب في هذا الموضوع لئلا أطيل واخرج عن المراد من هذا النص لكن كان مما لابد منه التعريج عليه لنبين أسباب ظهور تلك الفرق على الساحة الإسلامية
ساقف عند حروب الردة بعض الشيء لان لها ارتباطا وثيقا بنشأة الخوارج
فالخوارج كانوا من أعراب تميم وحنيفة وربيعة, وكان لهم شأن كبير بين العرب. وقد أعجبوا بمبادئ الإسلام التي تلائم فطرتهم فاعتنقوه، وقد ساءهم أن تدعى أرستوقراطية مكة والمدينة حقها في الحكم وحصره فيهم من دون المسلمين فكان أول ظاهرة لإستيائهم حركة الردة حين امتنعوا عن دفع الزكاة لقريش مع بقائهم على الإسلام فحاربهم أبو بكر وأخضعهم وألزمهم بالزكاة، غير أنهم ظلوا متمسكين بعقيدتهم السياسية وهي أن الخلافة ليست للقرشيين وحدهم وإنما هي حق للأفضل من جميع المسلمين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.
وقد إنضم إليهم الأنصار والموالي وغيرهم من الناقمين على الحكم الأموي والعباسي كما إنضم إليهم كثير من أعراب البادية ممن ظلوا على سذاجة تفكيرهم ولم يتجردوا من النزعات القبلية التي ظلت تسيطر عليهم، وهم بطبيعتهم يعيشون في بواديهم أحرارا لم يتعودوا الخضوع للسلطان ولم يألفوا الحكم المفروض عليهم، ولهذا نجد فريقا من الخوارج يرى أن الإمامة (الخلافة) ليست من الضرورات التي لا بد منها وإنها غير واجبة في الشرع ويمكن الاستغناء عنها لأنها مبنية على معاملات الناس وعلاقة بعضهم ببعض، فإذا تعادلوا وتناصفوا وتعاونوا على البر والتقوى واشتغل كل واحد من المكلفين بواجبه فإن تشابك مصالحهم وتقواهم يحتم عليهم أن يعدلوا ويتبعوا الحق وبذلك يستغنون عن الإمام. غير أنهم يرون الحاجة إلى الإمام إذا احتاج المسلمون إلى من يحمي ديار الإسلام ويجمع شمل الناس، وفي هذه الحالة يشترط في الإمام العدل، فالعدل عندهم حق أمر الله به في قوله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) فإذا حاد الخليفة عن العدل فجار وظلم وفرض طاعته بالقهر والغلبة فيكون معاندا لأمر الله مخلا بأحكامه، والإخلال بأمر فرضه الله خروج عن الدين وكفر به وكبيرة تبيح خلع الخليفة أو قتله إذا أبى أن يخلع نفسه.
كما إنهم لا يعترفون بشرعية السلف إلا لأبي بكر وعمر وست سنوات من خلافة عثمان، لأنه حاد عن الطريق المستقيم الذي سلكه الشيخان من قبله، فآثر قرابته وولاهم الأعمال وأغدق عليهم الأموال من بيت المال، كما لا يعترفون بشرعية خلافة علي ابن أبي طالب إلا ابتداء من مبايعته بالخلافة حتى قبوله التحكيم، وقد أباحوا قتل من لا يرى رأيهم، ومن يقول بشرعية خلافة عثمان بعد السنوات الست وشرعية خلافة علي بعد قبوله التحكيم، فهو عندهم يستحق القتل هو ونساؤه وأولاده.
وقف الخوارج أنفسهم لنصرة العدل ومقاومة الظلم وحماية المستضعفين، وفي ذلك فجروا الثورات ضد الأمويين وضد عمالهم، وانضم إليهم الموالي من الفرس والأمازيغ من أهالي شمالي إفريقية. وكان الخوارج يشترطون في زعمائهم الشجاعة والتقوى ويبايعونهم على الموت ويلقبونهم بأمير المؤمنين. وكان قتالهم لمخالفيهم من الأشواق التي كانت تجذبهم إلى مزيد من التضحية والاستشهاد وهم يعتبرون أنفسهم المسلمين حقا دون سواهم أما من عاداهم فكفار يبيحون قتل رجالهم ونسائهم وأطفالهم
وأما عقيدتهم الدينية فإنهم لا يعتبرون الإيمان بالقلب كافيا بل لا بد أن يقترن بالإيمان عمل صالح عملا بقوله تعالى (مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) وقوله (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). فالله تعالى يقرن الإيمان بالعمل، فمن آمن بقلبه ولم يقرن إيمانه بعمل صالح فهو كافر. والعمل الصالح هو الذي يفرضه الدين، ولذلك كفّروا علي ابن أبي طالب لأنهم طلبوا إليه أن يتوب توبة مقرونة بالعمل، والعمل المطلوب منه أن يرفض وثيقة التحكيم ويعود إلى قتال معاوية فأبى فاعتبروه رافضا العمل بأحكام الدين لأنه بقبوله وثيقة التحكيم يكون قد خلع نفسه من إمارة المؤمنين وسوى نفسه بمعاوية، وهو وال من ولاة الدولة، وأن الحكمين حكما برأيهما ولم يحكما بحكم الله، وحكم الله يقضي بتأييد حق علي في الخلافة لأنه هو الخليفة الذي بايعه المسلمون، فكان رفض طلبهم كبيرة أحلوا من أجلها قتال علي وقتله.
والخوارج خلافهم الأساسي مع أهل السنة بالإضافة إلى قتال علي هو في تكفير فاعل الكبيرة وبخروجهم على الحكام لأدني محالفة شرعية وبعض فرق الخوارج تحرض على الخروج على الحكام ولا يخرجون
يبدو ان المسلمين بدأ من الخوارج ومن قبلهم ممن جاؤوا بعد النبي إلى يومنا هذا لم يستطيعوا التفريق بين حساب الله وحساب البشر وكأنهم نصبوا أنفسهم مكان الله عز وجل فحكموا على الناس بالموت لان الله قال فيهم أنهم كافرون أو قال إنهم في جهنم خالدون فأرادوا أن يسدوا خدمة لرب العزة( تعالى عما يعملون) فعجلوا بموت الناس بقتلهم ليتسنى لله عز وجل إدخالهم في جهنم ونسوا أو تناسوا بالأحرى حلم الله عليهم هم بالذات وتأجيل عذابه لهم رحمة منه وفضلا علهم إلى ربهم يتوبون
من هنا نستطيع القول ان الخوارج هم اول من احدثوا خللا سياسيا اتبعه خلل عقائدي وفقهي في صفوف المسلمين بشكل واضح بقي المسلمون على فريقين(من الناحية الفقهية والعقائدية) فريق من المتساهلين إلى درجة ترك الامور تجري وفق ما يشتهي حكامهم وولاتهم وأراذلهم وفريق من المتشددين الى درجة اباحة دماء الناس وأعراضهم وأموالهم لأدنى سبب حتى ظهور فرقة المعتزلة ولعلها هي الفرقة التي أعادت التوازن نوعا ما إلى المجتمع الإسلامية وأطلقت للعقل حريته بعد تقييده على يد علماء الحكام من جهة والخوارج من جهة أخرى
البحث القادم المعتزلة
محمد مهند مراد
عن عدة مصادر بتصرف
اجمالي القراءات
42252
قبل أن نجد تفسيرا مقنعا للكثير من النصوص و آيات القتل والجهاد وخاصة التي وردت في سورة التوبة فسيظل فكر الخوارج هو المسيطر علي عقول الكثيرين في العالم الاسلامي ..و سيظل بن لادن والظواهري أبطالا ..مثلما يعتبر الكثيرون في عالمنا الشيخ عبد الله عزام أستاذهما والذي ترك الجهاد في فلسطين ليجاهد علي بعد آلاف الأميال في أفغانستان بطلا ..فماذا يقول عبد الله عزام :
,,رفع عبدالله عزام صوته عاليا ليعلن للعالم الإسلامي, بل للعالم أجمع دون مواربة ولا تردد.. نعم إن ديننا قد قام بالسيف وإن راية التوحيد لا يمكن أن تعود خفاقة عالية في ربوع العالمين إلا بالسيف, إن السيف هو الطريق الوحيد لإزالة العقبات, وبناء دولة الإسلام.
فالجهاد فرض عين منذ (2941م) عندما سقطت غرناطة بيد الكفار النصارى- وإلى يومنا هذا, سيبقى الجهاد فرض عين حتى نستعيد كل بقعة كانت إسلامية إلى أرض الإسلام, وإلى يد المسلمين
: الجهاد تنظم نهائيا وقطعيا بعد غزوة تبوك;.. أصبحت الأحكام نهائية بعد نزول سورة التوبة; فنزلت آية السيف فنسخت كل آية قبلها; نسخت آية السيف كل أمر.. مثل:
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)
(النحل: 521)
فاصفح الصفح الجميل..
(الحجر: 58)
آيات السيف في سورة التوبة; قال تعالى:
فإذا انسلخ الأشهر الحرم..
(التوبة: 5)
يعني: الأربعة أشهر التي أعطيت للمشركين مهلة فسيحوا في الأرض أربعة أشهر يعني: سيروا آمنين أربعة أشهر; وهي من (01 ذي الحجة سنة 9ه- إلى 01 ربيع الثاني سنة 10هـ) فإذا جاء (01 ربيع الثاني في سنة01هـ) بدأ السيف:
فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين
(التوبة: 5)
أي إذا جاء (01 ربيع الثاني سنة 10هـ)...
فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم, وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد
(التوبة: 5)
واعملوا لهم كمائن...
فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم
(التوبة: 11)
يبقى السيف يعمل في رقاب الكفار حتى يدخلوا الإسلام ... فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم
وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين (التوبة: 63)
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله
(الأنفال: 93)
فآية السيف نسخت ما قبلها .. فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم .. وكذلك وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ... بعد آية السيف أصبح أهل الأرض ثلاثة; كما يقول ابن القيم: مؤمن آمن, ومعاهد مسالم, وكافر خائف , إما أن يدفع الجزية, وإما يؤمن, وإما يقاتل, فلذلك كان المسلمون يعرضون هذه العروض الثلاثة .. إسلام أو جزية أو سيف, منذ أن نزلت آية السيف حتى يومنا هذا.. انتهى الأمر.. أما مشركوا جزيرة العرب فلا يقبل منهم إلا الإسلام, أي جزيرة العرب لا يقبل منها الجزية; إما الإسلام وإما القتل, ,,
ان لم يجد علماؤنا الافاضل تفسيرا لهذه النصوص غير تفسير عبد الله عزام لها يقنع عامة المسلمين ويسحب البساط من تحت أقدام جماعات التطرف الاصولي فسيبقي الارهاب سيفا مسلطا علي رقاب الجميع تغذيه الحالة الاقتصادية والسياسية المتردية لمجتمعاتنا وتؤيده نصوص دينية لم يستطع انصار الاسلام المعتدل تقديم تفسيرا لها يدحض حجج الاصوليين ويكسب قلوب عامة المسلمين .. هذه هي الحقيقة المرة يا سادة ويجب ان نعترف بتقصيرنا وتقصير علماؤنا الافاضل الذين يصرخون ليلا نهارا ويعلوا صوتهم عن وسطية الاسلام واعتداله وتقبله للآخر دون ان يقدموا تفسيرا واجتهادا يستطيع ان يتصدي لتفسير واجتهاد عبدالله عزام وما اعتمد عليه من فكر من سبقوه و جاءوا بعده من فقهاء ومفكرين اسلاميين وزعماء أرهابيين وعلي رأسهم سيد قطب و أسامة بن لادن.
هذه هي الحقيقة يا سادة ولنا الله ان لم نعترف بها .
إنها صرخة ..نحتاج تفسيرا مقنعا لسورة التوبة ..
ولا يخفي علي أحد أنه لم يجرؤ قاضي في مصر أن يحكم علي الشيخ عمر عبد الرحمن مفتي جماعات العنف الاسلامي في مصر رغم تحريضه علي العنف بناء علي تفسيره لسورة التوبة والتي حصل بها علي الدكتوراه .. وهو كان يدافع عن نفسه في المحكمة .. في عدة قضايا حصل الشيخ عمر عبد الرحمن علي البراءة ولم يحكم عليه الا بعد أن وقعت أعمال عنف شديدة ..