مقال تكريمي للمرحوم الفقيه سيدي امحمد العثماني باعتباره جامع بين الامازيغية و الإسلام في عهد الراحل الحسن الثاني
مقال تكريمي للمرحوم الفقيه سيدي امحمد العثماني باعتباره جامع بين الامازيغية و الإسلام في عهد الراحل الحسن الثاني
مقدمة متواضعة
قلما يهتم الباحثين في الثقافة الامازيغية في عصرنا الحالي باستحضار او برد الجميل للذين ناضلوا من اجل الامازيغية ببعدها اللغوي و بعدها الثقافي في أواسط السبعينات من القرن الماضي حيث ان الكل يعرف ان المغرب في ذلك العقد قد شهد احداث سعيدة او سيئة في نفس الوقت من قبيل محاولتان للانقلاب على الراحل الحسن الثاني من تدبير الضباط الامازيغيين أوائل ذلك العقد البعيد و الحساس بالنسبة للامازيغية بشموليتها بحكم موقف السلطة و حركتها الوطنية المزعومة بالنسبة لنا كجيل جديد من الحركة الامازيغية الذي لم يعش او لم يعاصر تلك المرحلة الاستثنائية.
ان المعتاد لدى الحركة الامازيغية بعد سنة 1983 على اقل الى حدود الان مع بعض الاستثناءات القليلة ان نخبتنا الدينية الرسمية من الفقهاء و العلماء تمارس التهميش و الاحتقار ضد هوية المغرب الاصلية أي الامازيغية بشموليتها انطلاقا من أيديولوجية الظهير البربري و انطلاقا من الوهابية الخ من رواسب الشرق العربي لان السلطة وقتها قد خططت جيدا للفصل التام بين الامازيغية و الإسلام على مستوى الحياة العامة بشكل عمومي و على مستوى الحقل الديني الرسمي بشكل خصوصي تحقيقا لسياسة التعريب الأيديولوجي و تهميش ما نسميه بالإسلام الامازيغي الان....
ان الحركة المسماة بالاسلامية ببلادنا قد تجاهلت الامازيغية بشموليتها باعتبارها حاملة لثقافة إسلامية اصيلة و باعتبارها خدمت الإسلام طيلة 14 قرن من الجهاد و الاجتهاد في منطقة شمال افريقيا و جنوب الصحراء الافريقية و الاندلس أي ان الحركة المسماة بالاسلامية لم تستطيع الى حد الان الاعتراف بان الامازيغية هي ثقافة إسلامية في كل تفاصيلها بما فيها العرف الامازيغي أي القوانين الوضعية الامازيغية و هذه الحركة المسماة بالاسلامية في مغربنا العزيز لها مشروع أيديولوجي خطير يستهدف هويتنا الامازيغية بغية ابادتها نهائيا من ارض المغرب من اجل تأسيس ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية او تطبيق الشريعة الإسلامية على اقل حسب فهم سلفهم الصالح.
لكن العجيب هو ان الرسالة الإسلامية قد جاءت أصلا لتحارب الأحادية التي كانت في شبه الجزيرة العربية و جاءت أصلا لنشر المدنية و التعدد الديني الخ من هذه المعاني الرفيعة التي قتلت على يد الدولة الاموية المارقة بصريح العبارة بالنسبة لي لان الإسلام كما قدمه الأستاذ محمد شحرور رحمه الله في كتبه المثيرة يختلف ب180 درجة عن اسلام السبي و الإرهاب الخ من قيم الوهابية المعاصرة و اخواتها .....
الى صلب الموضوع
أولا اشكر الأستاذ سعد الدين العثماني الغني عن التعريف داخل الوطن و خارجه بدون الدخول في التفاصيل .
و خلاصة القول انني اتصلت به عبر الايميل كما هي عادتي في كل مناسباتنا الدينية منذ سنة 2011 و قد اقترحت عليه منذ بداية رمضان الماضي ان اكتب مقالا تكريما لفائدة والده المرحوم امحمد العثماني فقبل بدون أي تردد و ارسل لي معلوماته القيمة حول هذه الشخصية النضالية في زمن الراحل الحسن الثاني الاستثنائي بكل المقاييس الدينية و السياسية و اتحدث هنا عن عقد السبعينات أي بعد من 20 سنة من الاستقلال الشكلي كما نسميه باعتبارنا فعاليين امازيغيين....
و ظهور البوادر الأولى لتهميش الامازيغية بشموليتها من طرف المخزن مثل الغاء العرف الامازيغي و التعامل به في محاكم المغرب و توظيف الإسلام لتعزيز العروبة كايديولوجية مشرقية لا علاقة لها بهذه البلاد الامازيغية كما يقوله الأستاذ عبد الخالق كلاب باعتباره مؤرخ مغربي في دروسه الرفيعة على مواقع التواصل الاجتماعي حيث ساعود الى هذا الموضوع المهم في مقال لاحقا.
و رجوعا الى موضوعنا الراهن فالمرحوم الفقيه امحمد العثماني قد مثل بالنسبة لي جيل كامل من فقهاء اهل سوس المهتمين بالثقافة الامازيغية و المنخرطين في الحركة الثقافية الامازيغية في طفولتها الأولى خلال السبعينات من القرن الماضي بدون الاحكام الجاهزة او الإغراق في تهم ما يسمى بالسلفية الوطنية.
ان منطقة سوس العالمة كانت بعيدة ربما عن تأثيرات ما يسمى بالحركة الوطنية و انجز بحث جامعي في غاية الأهمية تحت عنوان الواح جزولة و التشريع الإسلامي لفائدة دار الحديث الحسنية و تحت اشراف احد أعداء الامازيغية التاريخيين الا و هو الراحل علال الفاسي و ما ادرك ما الراحل علال الفاسي الذي اعتبره احد صناع اكذوبة الظهير البربري ..
لا يختلف اثنان ان هذا البحث الجامعي الذي تحول الى كتاب سنة 2004 بفضل وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية كان تعبير صادق عن الخلفية الفكرية لفقهاء ايت سوس او اهل سوس نحو هويتهم الاصيلة و الجامعة بين الامازيغية و الإسلام حيث يتحدث هذا البحث القيم عن الحياة الدينية و الحياة الاجتماعية و الحياة القانونية لامازيغي جزولة أي نواحي إقليم تيزنيت خصوصا و منطقة سوس العالمة عموما و يقدم هذا البحث القيم صورة مخالفة لأطروحة المخزن و حركته الوطنية حول بلاد السيبة و يقصد هذا المصطلح البلاد التي تتحاكم الى العرف الامازيغي كقانون لا يتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية المعروفة لدى جمهور الفقهاء ......
ان أطروحة المخزن و حركته الوطنية تقدم الامازيغيين دائما على انهم دعاة الجاهلية كمصطلح يراد به قبل الإسلام مع العلم ان الامازيغيين هم احرص الناس على الدين الإسلامي اكثر من غيرهم بدلائل كثيرة لا مجال لذكرها في هذا المقام الضيق..
كما ان هذه الاطروحة تقدم الامازيغيين دائما على انهم دعاة الفوضى و عدم الاعتراف بالمخزن كسلطة دينية كما يعلم الجميع حيث ان امازيغي المغرب طيلة تاريخهم الطويل لم يعرفوا الا النظام الملكي سواء قبل الإسلام او بعده انتهى الامر و من يقول عكس هذا القول فانه يبحث عن شيء اخر نعم ان النظام المخزني كان ظالم في حق القبائل الامازيغية في الماضي بحكم مجموعة من العوامل الاقتصادية و السياسية الخ مما تحدثت عنه كتب التاريخ و مصادره المختلفة باسهاب كبير ..
ان المرحوم الفقيه سيدي امحمد العثماني قد سبق عصره بعقود كثيرة حيث كان داعم أساسي للجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي بافكاره و بمواقفه في تلك المرحلة الاستثنائية اذ كان مرشح لترجمة معاني القران الكريم الى اللغة الامازيغية لولا ان ادركته الوفاة في أوائل الثمانينات من القرن الماضي و بالإضافة الى ان ذلك الزمان لم يكن يسمح بظهور الامازيغية كلغة و كثقافة في التلفزيون الرسمي على الاطلاق الا بعض المظاهر التي تحيل على الفلكلور الشعبي بمفهومه القدحي .
ان الحركة المسماة بالاسلامية لم تهتم في يوم من الأيام بالمرحوم و بعمله الفريد من نوعه او الإشادة به في لقاءاتها الفكرية و السياسية باعتباره كان يؤسس لمصطلح العلمانية المحلية من حيث لا يدري آنذاك لان وقتها لم تكن الحركة الامازيغية تستعمل مصطلح العلمانية مطلقا او مصطلح الامازيغية كذلك بمعنى ان المرحوم هو خارج منظومة إسلامي المغرب السياسية و الأيديولوجية مع كامل احترامي الشديد للأستاذ سعد الدين العثماني الذي يعرف مواقفي عبر مقالاتي ..
ان هذا التجاهل التام هو شيء طبيعي لان إسلامي المغرب و خصوصا الصقور منهم لا يريدون استحضار هذه النماذج من الفقهاء المتنورين و المتشبثين باصالتنا الحقيقية بل أرادوا و يريدون ربطنا بالمشرق العربي دينيا و سياسيا و أيديولوجيا من خلال تهميش تاريخنا الاجتماعي الحقيقي..
و من خلال زرع بدور الوهابية و الاخوانية في سوس العالمة حيث ان الواقع الحالي يدعم كلامي هذا المتواضع بحكم مجموعة من الدلائل من قبيل كيف نفسر عدم وجود بحث جامعي قدمه فقيه سوسي حول العرف الامازيغي و صلته بالشريعة الإسلامية منذ سنة 1983 على اقل الى يوم الناس هذا ؟
و كيف نفسر ظهور فقهاء الوهابية فجاة في سوس العالمة في سياق تدبير الإسلاميين للشان الحكومي و المحلي ؟
اذن ان الأمور قد أصبحت واضحة بالنسبة لي على اقل لانني اؤمن بان الحركة المسماة بالاسلامية بالمغرب ليس لها أي امتداد تاريخي او سياسي او أيديولوجي ببلادنا طيلة 14 قرن من تاريخنا الإسلامي كالامة المغربية ظلت مستقلة عن الخلافة المسماة بالاسلامية في المشرق قرون من الزمان حتى ظهور الحركة المسماة بالوطنية في مطلع ثلاثينات القرن العشرين بلباس سلفي كاذب قد حارب الامازيغية بشموليتها و لم يحارب التغريب و الفرنسة طيلة عقود من الاستقلال ....
ان استحضاري للمرحوم الفقيه سيدي امحمد العثماني في هذا المقال المتواضع ينطلق من حرصي الدائم على الجمع بين الامازيغية و الإسلام كعنوان كتابي الحالي الذي هو قيد الطبع في دار افريقيا الشرق للنشر بالدار البيضاء .
من حرصي الدائم على ابراز الخصوصية الامازيغية الإسلامية و ابراز ان فقهاء اهل سوس كانوا يدافعون عن هويتهم الاصيلة في الخمسينات مع المرحوم سيدي المختار السوسي الخ حسب الظروف المحيطة.
لكن الان بعد ترسيم الامازيغية و أجواء حرية التعبير المسؤولة نرى ردة حقيقية من فقهاء اهل سوس تجاه الدفاع و النضال من اجل الامازيغية باستثناء الفقيه سيدي لحسن بن إبراهيم ستنكفل الذي رئيس المجلس العلمي لخصيرات تامرة ...
انني اختم هذا المقال المتواضع الذي كنت اريد نشره في رمضان الماضي لكن الظروف حالت دون ذلك الرجاء و اجدد شكري للأستاذ سعد الدين العثماني على موافقته على كتابة هذا المقال ...
المهدي مالك
اجمالي القراءات
1362