التحرش في مصر جريمة أزلية
في استطلاع لوكالة رويترز الأمريكية بتاريخ فبراير عام ٢٠٢٠م، تبين أن القاهرة هي أخطر مدينة في العالم على النساء، وجاءت الثالثة عالمياً في العنف الجنسي، فهل نحن أمام ظاهرة جديدة، أم أنها آفة متأصلة مع المصريين.
في الواقع إن التحرش في مصر ليس وليد اللحظة، ولا بضع عقود مضت، إنما هو عمل إعتاد عليه بعض الشباب المصري، منذ قديم الأزل، حتى إستصاغته العامة، واعتبروه فعل يعبر عن خفة الدم المصرية !.
فبات عمل عادي، لا يعاقب عليه الرجل بقدر ما تعاقب عليه المرأة خاصة لو كانت جميلة.
فمع دخول مصر عصر الحجاب منذ بدأ نزوح عدد كبير من المصريين إلى دول الخليج العربي، في بداية سبعينات القرن العشرين، عادوا جميعاً بثقافة الخمار، والحجاب، إلى أن باتت الأغلبية من المصريات ترتاد غطاء الرأس، وأصبحت المرأة الغير محجبة "سافرة" في نظر المجتمع، ومن ثَم أصبحت هي الجانية في حق نفسها في حال تم التحرش بها.
بيد أن التحرش لم يتوقف عند المرأة الغير محجبة، لأنه حتى وقتنا يطال المحجبات والمنقبات أيضاً.
فتلك الفعلة الشنيعة كما ذكرنا آنفاً، لم يكن ينظر لها المصريون عل أنها فعل مجرم، بل إنها كانت تدل على خفة الدم، فاطلقوا عليه (معاكسة)، وكأن الجوهر سيختلف !، فظنوا أن المعاكسات (غزل)، وأن التحرش هو (الإغتصاب) !.
والحقيقة أن التحرش أنواع، فهو لفظي أو باللمس، وقد يكون بالنظرة أيضاً، ففي الدول المتحضرة، يقع أي شخص ذكر كان أم أنثى، تسبب في إيذاء غيره بالنظر، تحت طائلة القانون، ومن ثَم العقاب.
بينما في مصر، نجد أن القانون لا يعرف لفظ (التحرش)، بل يعرف أحد أمرين، إما (الإغتصاب)، وهو الفعل المعرف قانوناً، ومعروف شعبياً، أو (هتك العرض)، وهو الفعل الذي لا يصل لدرجة (الإغتصاب)، بيد أنه جريمة تقع بمجرد اللمس، من دون إذن الطرف الآخر، وقانون العقوبات المصري شديد في هذا الأمر لدرجة أنه جرم تقبيل أنثى تحت سن ال ١٨ عاماً، حتى لو تم تقبيلها برضاها !.
بيد أن القانون، لا يعتبر التحرش اللفظي ضمن جرائم (هتك العرض)، ذلك لأنه يدخل تحت نطاق إحدى جريمتي السب أو القذف، وكلا الجريمتين عقوبتهما الغرامة، إلا لو مس اللفظ الأعراض، ففي تلك الحالة تكون العقوبة الحبس فقط.
من هنا نجد أن القانون المصري، حتى وإن لم يجد تعريف لجريمة (التحرش)، إلا أنه يعاقب عليها في بعض جوانبها، تحت مسميات أخرى، وبالتالي .. ليس القانون سبباً في إستمرار تلك الجريمة حتى يومنا هذا.
أما عن أسباب التحرش في مصر تعود إلى التالي :
أولاً/ إستحسان المصريين لثقافتهم البغيضة القديمة، والتي تظهر جلية في أفلام بدايات السينما المصرية، إذ كان البطل دائماً ما يكون متحرشاً جنسياً، وفي ذات الوقت يصور على أنه قديس أو رجل خير أو خلافه من الصفات الحميدة.
ثانياً/ ثقافة المرأة المصرية البغيضة أيضاً لم تتغير، فقد نشأت على الرجل هو من يحمل صفة الجرائة ليتحدث معها عنوة، أو حتى يوقفها عنوة أيضاً ولو باللمس !، إنها لا تعلم أن مثل تلك الفعلة تشكل جريمة في حقها، كما تمثل إتهام صريح في حق مرتكبها، فهي التي نشأت على خفة دم فنانين من أمثال أحمد رمزي وحسن يوسف وغيرهم ممن كانوا يَدعُون للتحرش عبر أفلامهم بشكل غير مباشر، فأصبحت شخصياتهم تلك، مثار إعجاب المرأة المصرية.
ثالثاً/ خشية المرأة من نظرات المجتمع إذا ما تعرضت لجريمة هتك العرض، ثم أفشت سرها وقامت بالإبلاغ عن الجريمة، والواقع أنها مسكينة .. لأنها أصبحت فريسة فيما بين يد كلاب متحرشة، ومجتمع متخلف يحمي الجريمة.
آلية القضاء على ظاهرة التحرش :
أولاً/ لابد من مشروع قانون شامل يختص (بالتحرش الجنسي)، فيكون له تعريف، وعقوبات تتدرج على حسب الفعل، ويبدأ الفعل بالنظر، ثم اللفظ، ثم اللمس.
ثانياً/ يجب أن تكون جريمة هتك العرض، درجة من درجات جريمة الإغتصاب، وأن يفرق فيما بينها وبين (التحرش)، فتكون عقوبتها أشد غلظة منه.
ثالثاً/ على ثقافة المجتمع البغيضة، أن تتغير، لأنها لا زالت تعتبر المعاكسات (خفة دم)، بينما هي جريمة تستوجب العقاب.
في النهاية أقول للمصريين :
أفيقوا من غفلتكم، واحموا أعراضكم، فكما تدين تدان، وإن تعرضت إنثى للمعاكسة، فقد أصبحت مجنياً عليها، ولا وجه إختلاف بين المعاكسة والتحرش الجنسي.
وأقول للمتحرشين :
لقد أسأتم لأنفسكم، وأسأتم لأعراضكم، فخدشتموها أمام أنفسكم وأمام العالم، وباتت سمعة بلادكم على المحك بين كل الدول العالم، فكنتم سبباً رئيس في إنهيار السياحة، وهروب الإستثمارات، وضيق العيش، فعودا إلى أنفسكم وراجعوها.
وعلى المولى قصد السبيل
شادي طلعت
اجمالي القراءات
2169