مسلسل بابا علي المثير للجدل بين الثقافة الامازيغية الاصيلة و ايديولوجية التخلف القروي ؟
مسلسل بابا علي المثير للجدل بين الثقافة الامازيغية الاصيلة و ايديولوجية التخلف القروي ؟
مقدمة متواضعة
تعتبر الدراما الامازيغية في منطقة سوس الكبير وجه مشرق للثقافة الامازيغية منذ 30 سنة من النضال و الابداع و التضحية بغية تاسيس ظاهرة ثقافية تسمى بالسينما الامازيغية او الافلام الناطقة بالامازيغية حيث هذه الظاهرة الثقافية منحت الفرصة للألاف من الناس عبر العالم لاكتشاف خصائص هذه الهوية المهمشة بقرار سياسي صارم ما بعد الاستقلال الشكلي الى سنة 2001 حيث تم احداث مصالحة ثقافية ان صح التعبير مع المكون الثقافي الامازيغي حسب ادبيات الحركة الثقافية الامازيغية انذاك .
منذ 30 سنة من عمر السينما الامازيغية او الافلام الناطقة بالامازيغية قد لعبت ادوار جوهرية في الحفاظ على اللغة و الثقافة الامازيغيتان رغم حصار الدولة المضرب على الامازيغية اعلاميا على وجه الخصوص طيلة تسعينات القرن الماضي حيث كانت رهانات الدولة وقتها هي التعريب الشمولي للمغاربة عبر بث المسلسلات المصرية الناطقة باللهجة المصرية على التلفزة المغربية و على القناة الثانية و تشكيل وعي ديني سلفي لدى العامة من خلال بث المسلسلات التاريخية التي تتحدث عن تاريخ الاسلام بالمشرق اي الخلافة الاسلامية كما تسمى بينما تم طمس تاريخ الامازيغيين سواء قبل اسلامهم او بعد اسلامهم و يستمر هذا الطمس الى يوم الناس هذا .
لكن بالمقابل كانت الدولة في ذلك الزمان تشجع التغريب بوضوح تام عبر بث المسلسلات و الافلام الامريكية الناطقة بالفرنسية خصوصا في القناة الثانية المعروفة بالفرنكونية وقتها في جميع برامجها و كانت لا ترفع الاذان للصلوات الخمس حتى مجيء الاسلاميين لقيادة الحكومة المغربية سنة 2012 اي ان القناة الثانية كانت غير محبوبة لدى الاسلاميين بسبب خطها الفرنكوني و انني استحضر هذه المعطيات لان الحركة الامازيغية ظلت متهمة بانها تشجع التغريب و الفرنكونية كانها كانت تملك اموال هائلة او قنوات تلفزيونية في تسعينات القرن الماضي كما كانت تملكها الدولة..
و خلاصة القول ان السينما الامازيغية او الافلام الناطقة بالامازيغية تركت بصماتها الواضحة في وجدان امازيغي المغرب و المهجر و تركت نقاش مجتمعي ساخن حول مسلسل بابا علي بين مؤيد و معارض لهذا العمل الناجح بفعل نسب المشاهدة العالية في يوثيوب و اسطاع ان يكون منافس لباقي المسلسلات المغربية الناطقة بالدارجة من قبيل مسلسل المكتوب الذي ساشاهده قريبا على يوثيوب .
غير ان مسلسل بابا علي في جزءه الاول و الثاني قد خلق لي نقاش داخلي بين الثقافة الامازيغية الاصيلة و ما اسميه بايديولوجية التخلف القروي كمصطلح اخترعته عندما كتبت سيرتي الذاتية كمعاق استجابة لواقع مؤلم عشته في مراهقتي الحساسة .
الى صلب الموضوع
ان المسلسلات المصرية غالبا ما تناول البادية في مصر او الصعيد كما يسمى عند المصريين حيث تحاول هذه المسلسلات ابراز خصوصيات هذا الوسط الاجتماعية و السياسية الخ من هذه الخصوصيات .
و كما ان المسلسلات المغربية الناطقة بالدارجة قد تناولت البادية و خصوصياتها الاجتماعية الخ حيث استحضر هنا مسلسل سرب الحمام و مسلسل وجع التراب الخ هذه الاعمال المهتمة بموضوع البادية الناطقة بالدارجة .
ان السينما الامازيغية قد تناولت موضوع البادية الناطقة بالامازيغية كثيرا منذ 30 سنة وفق مقاربات مختلفة تحافظ على الشخصيات العامة من قبيل الفقيه و امغار و اليهودي و مقاربات اخرى تشجع ايديولوجية التخلف القروي على حساب الثقافة الامازيغية الاصيلة بشكل مقلل و فضيع لا يترك المجال للتعريف بعمق اكثر على الثقافة الامازيغية الاصيلة التي تعني الكثير من الاشياء من قبيل العادات و التقاليد و الاحتكام الى الاعراف الامازيغية الخ .
انني اتحدث هنا بصفتي مشاهد عادي لكنه غرور على ثقافته الامازيغية الاصيلة و لا اسعى الى تحطيم النجاح الباهر الذي حققه مسلسل بابا علي على الصعيد الوطني و على الصعيد الدولي بدون شك بفضل القناة الامازيغية و يوثيوب كموقع عالمي يوجد في مختلف انحاء العالم اي ان العالم يشاهدنا عبر مسلسلاتنا المغربية سواء الناطقة بالامازيغية بروافدها الثلاث و الناطقة بالدارجة التي هي اصلا خلط بين الامازيغية و العربية على امتداد قرون من الزمان كما يعرفه اهل الاختصاص .
ان هذا المسلسل يدخل في اطار مقاربة تشجيع ما اسميه بايديولوجية التخلف القروي اي احتقار النساء و المعاقين على حساب ثقافتنا الامازيغية الاصيلة حيث ان مسلسل بابا علي هو ابداع خيالي تاريخي اي انه يتحدث عن ما قبل الحماية بسنوات طويلة حيث ان بادية سوس او بعض مناطقها كانت معروفة بالحكم الذاتي عن المخزن المركزي و كانت معروفة بالاحتكام الى الاعراف الامازيغية التي لا تتعارض مع المقاصد العليا للشرع الاسلامي و الاحتكام الى نظام الكيد و السعايا و الاحتكام الى الديمقراطية المحلية الخ من مظاهر ثقافتنا الامازيغية الاصيلة التي تستحق ان تعرف عبر مسلسلاتنا الدرامية و الفكاهية مثل مسلسل بابا علي الذي اعجب الوالدين و اولادي الصغار بالمناسبة..
غير ان هذا المسلسل الخيالي ذو البعد التاريخي قد همش قواعد الثقافة الامازيغية الاصيلة وفق مقاربة تشجيع ايديولوجية التخلف القروي الموجود فعلا في البادية المغربية منذ قديم الزمان الى يوم الناس هذا و ترويج معلومات خاطئة للداخل و الخارج من قبيل ان اجدادنا كانوا يطبقون عقوبة الاعدام كما هو في المشرق او في بلاد المخزن ك ان هذا المسلسل يخدم المخزن التقليدي او الاسلاميين ذوي النزعة الاخوانية او الوهابية و قد وردت اشارة صغيرة للغاية داخل هذا المسلسل تحت اسم ازرفان اي القوانين بالعربية لكن السؤال المطروح هو عن اية قوانين يتحدث هذا المسلسل هنا؟
رغم سلبيات هذا المسلسل فعلينا ان نعترف بوجود بعض الايجابيات من قبيل الامثال الامازيغية التي تركها الاجداد للاحفاد حيث يتعلمها الاطفال بالسهولة عبر مشاهدة حلقات مسلسل بابا علي .
و من ايجابياته كذلك هو التذكير بناي الموت او اعواد ن لموت كعادة قديمة تتواجد في بعض المناطق السوسية حيث لم اكن اعلم بوجود هذه العادة اصلا .
و من ايجابياته كذلك هي تعيين فتاة كقاضية حيث يحمل هذا التعيين رمزية تقول ان اجدادنا لم يكنوا متشددين في الدين بل كانوا معتدلين في الدين حيث سمحوا للمراة للولوج الى مختلف مناحي الحياة العامة وفق اذابنا الاسلامية من طبيعة الحال ....
و خلاصة القول ان مسلسل بابا علي قد اثار مجموعة من رود الفعل داخل مجتمعنا بين مؤيد و معارض حيث تدخل فقهاء الوهابية الجدد بسوس العالمة على الخط ليحرموا هذه المسلسلات بشكل مطلق باعتبارها تشغل الناس عن صلاة المغرب و صلاة العشاء الخ خلال شهر رمضان و اقول لهم ان الدين في قلب المؤمن يدفعه الى الالتزام للقيام بواجباته الدينية خصوصا شهر رمضان دون انتظار نصائح هؤلاء القوم الرجعية .
توقيع المهدي مالك
اجمالي القراءات
2851