لماذا تم اقصاء البعد التاريخي في الدراما الامازيغية بمنطقة سوس الكبير ؟
لماذا تم اقصاء البعد التاريخي في الدراما الامازيغية بمنطقة سوس الكبير ؟
مقدمة متواضعة
ان تاريخ الامم و الشعوب هو شيء ثمين و جوهري بالنسبة لوعيهم الجمعي كما يقال و بالنسبة لتربية الناشئة على مجموعة من القيم الرفيعة تستمد مرجعيتها من التاريخ او من الدين او من النظام السياسي الخ من هذه الثوابت الشمولية في اي مجتمع انساني قديما و حديثا الى قيام الساعة كما نؤمن به .
كما يعلم الجميع فبلدنا المغرب هو عريق في التاريخ قبل الاسلام و بعده و عريق في اصالته المتعددة الابعاد و الاوجه مما يجعله الاستثناء على صعيد عالمنا الاسلامي باعتباره صنع الاحداث و المعجزات قل نظيرها اليوم و لعل اخير هذه المعجزات هي تغيير الموقف الاسباني من قضية الصحراء المغربية المقدسة في وجدان كل مغربي و مغربية منذ حدث المسيرة الخضراء التاريخي اي ان المغرب هو واحة عظيمة للتاريخ و الحضارة و الاصالة .
لكن مشكلتنا مع تاريخ المغرب الرسمي مازالت قائمة بالرغم من مجهودات السلطة لرد الاعتبار للهوية الامازيغية الاصلية لشمال افريقيا عموما و المغرب خصوصا و بالرغم من نضالات الحركة الامازيغية الممتدة منذ ستينات القرن الماضي الى هذه الساعة لكن ارت الحركة الوطنية الثقيل مازال لم يموت بل هو حي يرزق حيث من الصعب للغاية ان نتحدث عن المصالحة بين المغرب و تاريخه الحقيقي مادام ان السلطة لم تقرر فتح ورش اعادة كتابة تاريخ وطننا الغالي بهدف رد الاعتبار لاسهامات اجدادنا الامازيغيين المختلفة سواء قبل الاسلام او بعده في عز الحضارة الامازيغية الاسلامية كما اسميها .
ان دور الدراما المغربية سواء الناطقة بالدراجة او بالامازيغية بروافدها الثلاث هو ذو اهمية قصوى في تحطيم الحصار المضرب على تاريخ المغرب الحقيقي من طرف جهات بعينها حيث ان الدراما تدخل الى البيوت بدون استدان و تساهم في خلق وعي جمعي طبعا حسب سياق كل بلد على حدة.
فان الدراما التاريخية في المشرق العربي عرفت نجاحا كبيرا في العقود الماضية خصوصا في مصر و سوريا بفضل الاموال الباهظة و اهتمامها بتاريخنا الاسلامي مثل فيلم الرسالة المفضل بالنسبة لي شخصيا ..
و كما حاولت هذه الدراما التاريخية المشرقية تناول الشخصيات المغربية التاريخية مثل طارق بن زياد و يوسف بن تاشفين طبعا انطلاقا من ايديولوجيتها اي العروبة و الاسلام اي ان هذه الاعمال الدرامية تحكي ما يريده المشرق العربي من امازيغي المغرب منذ الغزو الاموي لاجدادنا الكرام بهدف النهب و سبي النساء و البنات ثم ارسالهن الى الخليفة بدمشق للاستمتاع الجنسي بصريح العبارة و هذا ليس من الاسلام الذي نعرفه بل هو من تقاليد العرب الجاهلية ..
و على المستوى الوطني فمازلت اتذكر مسلسل ادريس الاكبر في سنة 1993 حيث كان عمري وقتها هو 10 سنوات اي طفل صغير و بحثت عنه في يوثيوب لمشاهدته فلم اجده نهائيا و الغالب الاعم ان مسلسل ادريس الاكبر كان ينطلق من تاريخنا الرسمي حيث كان الراحل الحسن الثاني يريد تعريب الامة المغربية بالكامل .
الى صلب الموضوع
هنا لا بد من استحضار سياق انطلاق السينما الامازيغية او افلام الفيديو في منطقة سوس الكبير حيث انطلقت السينما الامازيغية في المغرب في مطلع التسعينات لكن الاستاذ لحسين سرحان قال لي عبر الفيسبوك ان السينما الامازيغية انطلقت منذ ثمانينات القرن الماضي بمنطقة الريف كمعلومة لم اكن اعرفها قط .
و على اي انطلقت السينما الامازيغية انذاك بدفع نضالي صرف الا و هو اظهار الامازيغية كلغة و كثقافة و كبعد ديني على شاشات التلفزيون المغربي لان السلطة وقتها بالضبط كانت تريد التعريب المطلق للشعب المغربي باستغلال التاويل السلفي للاسلام في التعليم و في الاعلام الرسمي عبر التلفزة المغربية و في الاعلام الخصوصي اذا جاز التعبير عبر القناة الثانية ذات الهوية الفرانكونية بدون ادنى شك.
ان هذا الاعلام البصري الوطني حاول وقتها الجمع بين التشريق الى ابعد الحدود و التغريب الى ابعد الحدود من خلال تشجيع المسلسلات و الافلام المصرية وقتها و تشجيع الانتاجات الاوروبية و الامريكية مثل المسلسلات و الافلام المترجمة الى اللغة الفرنسية و الى اللغة العربية مع الاهتمام بشكل اقل بالدراما المغربية و الناطقة بالدراجة خصوصا في شهر رمضان و في فصل الصيف حسب ما اتذكره كطفل في اوائل التسعينات .
ان انطلاقة السينما الامازيغية او افلام الفيديو كانت انطلاقة قاسية على كل المستويات و الاصعدة حيث لا احد كان يتخيل ان يخرج فيلم ناطق باللغة الامازيغية في يوم من الايام حتى خرج اول فيلم ناطق بالامازيغية من احدى قرى اقليم تيزنيت سنة 1993 تحت عنوان تامغارت ؤورغ الذي خلف اصداء طيبة داخل المغرب و خارجه حيث اخرجه الاستاذ الحسين بيزكارن و شارك في البطولة المرحوم احمد بادوج و الاستاذ عبد اللطيف عاطف و الاستاذ احمد ناصيح و الاستاذ احمد عوينتي الخ.
ان الحديث عن هذا الفيلم الرائع لا ينتهي و لن يكفي في هذه العجلة بحكم انه فيلم يبرز بجلاء خصوصيات الامازيغيين الثقافية عبر الاسماء الامازيغية و خصوصياتهم الدينية الواضحة للعيان الخ حيث ان الفكرة العامة لهذا العمل الرائع هي نضال المراة الامازيغية في البادية السوسية من اجل الحفاظ على ممتلكات زوجها المهاجر الى فرنسا المادية و الرمزية و تقديم فكرة لو صغيرة عن الاستغلال السلبي عن طريق الدين الاسلامي من خلال الشعوذة و استغلال النفوذ الخ من هذه الممارسات الضارة بالاسلام في ذاته .
ان السينما الامازيغية او افلام الفيديو بسوس قد حققت نجاح كبير طيلة عقد التسعينات رغم غياب اي دعم مباشر من طرف الدولة و مؤسساتها حيث يعود الفضل في تاسيس ما يسمى بالسينما الامازيغية الى شركات الانتاج السمعي البصري التي دعمت و ساهمت في تاسيس هذا الصرح الضخم قبل تاسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية و اتفاقاته الاولى مع وزارة الاتصال بشان ادماج الامازيغية في الاعلام السمعي البصري...
قد فاز فيلم اموريان باحدى جوائز مهرجان القاهرة الخاص بالاذاعة و التلفزيون صيف 2001 كما اتذكره جيدا بمعنى ان ما يسمى بالسينما الامازيغية قد استطاعت ان تخلف تراكم من حيث الكم و الكيف منذ سنة 1993 الى الان بالرغم من المشاكل الجوهرية التي تقف امام تطور هذا القطاع الحيوي من قبيل غياب الدعم الكافي و وضعية الفنان الامازيغي الاجتماعية خصوصا مع ازمة وباء كورونا الحالية . .
هنا اعبر عن رايي الشخصي بكل التواضع باعتباري مشاهد و كاتب لا اقل و لا اكثر حيث منذ 12 سنة قد اسست القناة الامازيغية كتعزيز مكانة الامازيغية في مشهدنا السمعي البصري ببلادنا بعد عقود من احلام امازيغي المغرب بانشاء قناة تلفزيونية ناطقة بلغتهم و مهتمة بثقافتهم و فنونهم و قضاياهم الحقيقية حيث شكلت الدراما الامازيغية من الافلام و المسلسلات بثلاث فروع اللغة الامازيغية اي الريفية و الاطلسية و السوسية تنوعا قلما نظيره على مستوى العالم الاسلامي الان.
قد خلق مسلسل بابا علي ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي اثناء بثه في رمضان الماضي و بعده حيث ان هذا المسلسل قد حصد اكبر نسب المشاهدة على الصعيد الوطني و وصل اصداءه الى الولايات المتحدة الامريكية حيث قامت قناة الحرة هناك بتحقيق اخباري حول نجاح هذا المسلسل كما يقال و هذا في حده يعبر عن شيء ما ...
اما رايي المتواضع فهو ان مسلسل بابا علي هو ابداع خيالي له ما له و عليه ما عليه من النقد الهادف كما فعل الفنان الامازيغي رشيد اسلال الذي تحدث بالمرارة عن هذا العمل المحترم باعتباره وظف مصطلحات لا تتناسب مع الوقار و الاحترام و لو من باب الفكاهة الخ من هذه الممارسات.
و هذا يسمى بالنقد الهادف الى بناء الاشياء و الاسس و ليس تحطيم الاشياء و الاسس حشى لله لان الفنان اسلال لا يتحدث من الفراغ باعتباره يتوفر على رصيد فني و نضالي في جمعيات الحركة الثقافية الامازيغية منذ تسعينات القرن الماضي .
لكن بالمقابل فان بطل مسلسل بابا علي الفنان احمد نتما هو ممثل امازيغي مقتدر ظهر منذ سنوات قليلة كفكاهي قد انتقد عبر افلامه احوال المجتمع الاجتماعية و التنموية و السياسية بوضوح تام و انتقد تعريب اسماء المناطق الامازيغية في اطار محاولات حزب العدالة و التنمية فرض اسماء فلسطينية على 40 زنقة بعاصمة جهة سوس اكادير في صيف 2018 .
ان مسلسل بابا علي عمل مختلف عليه بين مؤيد و معارض حيث انني اسجل ان اولادي تيليلا و ماسين قد احبوه كثيرا ثم ان هذا المسلسل شارك في تمثيله اجود فناني الساحة الفنية الامازيغية الحالية مثل الاستاذ عبد اللطيف عاطف و الاستاذة امينة اشاوي و الاستاذ احمد عوينتي و الرايس ابراهيم اسلي الخ من هذه الوجوه المعروفة.
لكن هذا المسلسل يعود في جزءه الثاني في رمضان القادم ك ان ايديولوجية التخلف القروي هي السائدة في الدراما الامازيغية بسوس كمنطقة لها تاريخ مشرق يستحق ان يعرف دون انتظار الدراما التاريخية المشرقية او الغربية حتى لان تاريخ سوس لا يختزل في مسلسل واحد او فيلم واحد لكن ايديولوجية التخلف القروي كمصطلح من اختراعي لا تعرف كل هذه الامور ...
و خلاصة القول ان مسلسل بابا علي هو امتداد لمسلسل حديدان الناطق بالدراجة حسب راي الاستاذ اسلال و حسب رايي المتواضع حيث هناك مواضيع جديرة بالاهتمام مثل تاريخ منطقة سوس و اتساءل هنا متى سنرى مسلسل تاريخي ضخم حول مؤسس الدولة الموحدية المهدي بن تومرت او مؤسس الدولة المرابطية عبد الله بن ياسين الخ من صفحات تاريخ سوس المشرق .
المهدي مالك
اجمالي القراءات
2458