الشعب البني .. قصة قصيرة
خلق اللهُ الخَلق مختلفين في الأعراق، والطباع، فنجد أصحاب البشرة البيضاء ذات الشعر الناعم، وعلى العكس هناك أصحاب البشرة السوداء ذات الشعر الأجعد، وهناك أعراق صفراء وحمراء.
وبين الأبيض والأسود، خلق الله فئة وسط .. هم "أصحاب البشرة البنية"، فلا هم بالبيض، ولا هم بالسود، عرق شعر رأسه لا هو بالناعم، ولا هو بالأجعد، إنها فئة وسطى بين هذا وذاك، في الشكل، والطباع.
وكان للقوم البنيين ملك، لم يكن بأفضلهم، أو أعدلهم، كان غليظ القلب، يعشق النظام، وتطبيق القانون على الضعفاء دون الأقوياء، إلى أن مات ملك البنيين، ولم يكن له وريث للحكم، فذهب "الشعب البني" يتساءل، من سيدير شئونه، ويسير أحواله، ويقضي حوائجه، ويكون حكماً بين أبنائه !، قد كان موت الملك هو الخبر الأسود لديهم، فكانوا يرون في حاكمهم أنه مفوض من الإله، إن لم يكن إله !، وبدا القلق يسيطر عليهم، فليس مريحاً بقاء عرش الملك شاغراً، إنهم قوم لا يستطيعون العيش بدون دولة، ونظام يحكمهم، حتى وإن كان ظالما، وها هي الفوضى تلوح في الأفق، إن لم يملئ فراغ عرش الملك، فقرروا أن يوكلوا رجال الدين من الكهنة، للبحث عن ملك جديد ينقذهم من من السوء المحتمل.
واجتمع رجال الدين للبحث عن ملك جديد، ودار بينهم الحوار التالي :
- قال أحدهم : أرى أن يتولى أمرنا واحد منا.
- رد آخر : لسنا برجال سياسة، نحن أهل الإقناع، والشعب يسمع لنا لأننا لسنا بطلاب دنيا، فإن حكمهم أحدنا، لن نجد من يقدر على إقناعهم.
- ورد آخر : أرى أن نبحث عن ملك نختاره نحن من الشعب، ففيهم أهل العلم، والجاه، والمال.
- فقال آخر : ليس من بين الشعب من يرى في نفسه القدرة على الحكم، كما لن يكون لديه رؤيا أو مستقبل، ستتعثر أمورنا، وتخيب أحوالنا، ولن يقتنع الشعب بأن الملك واحد منهم، فلن يخافوه، أو يعظموه، وستسقط هيبة الحكم والسلطان، إن الشعب خُلق ليكون محكوماً لا حاكما.
- فرد آخر : لنبحث إذاً عن ملك أجنبي، يختلف عنا، فلا يكون "رجل بني" مثلنا.
- فقال أحدهم : ليس لدينا أجانب في الدولة، إلا عبيد الملك الميت، فكيف نختار منهم عبداً يتولى زمام أمورنا، وقد ولدنا أحراراً.
- فرد آخر : حتى وإن كان عبداً أسود، سيكون مختلف عنا، إن الشعب بني، فإن جاؤه ملك من غير عرقه، سيوقره، ويكون محل ثقته، وسيعطوه ولائهم.
ويتفق جمع الكهنة على الإقتراح الأخير، ويقرروا الذهاب إلى أقدم عبد كان لدى الملك الميت، وأخبروه بقرارهم،،، فذهل العبد مما سمع، فلم يتخيل أبداً وهو العبد الذي لا يملك من أمره شيئاً، أن يأتي يوم يملك فيه زمام أمور البلاد، والعباد، وفوراً أبدى إستعداده وموافقته على طلب الكهنة، حتى تم تنصبه ملكاً.
وجاء يوم تتويجه للحكم، فباركه الكهنة، ونال سرور الشعب بتتويجه ملكاً عليهم !، ثم تزوج من إمرأة حرة، ذات جاه، ومال من أبناء الشعب البني، وامتلك الجواري الكُثر، بيد أن عهده كان ظالماً قاسياً، فقد أراد أن يذوق الناس بعضاً مما ذاقه وقت أن كان عبداً.
وتمر السنوات، والعبد الملك غير قادر على الإنجاب، لا من زوجته الحرة، ولا مما ملكت أيمانه، إنها الطامة الكبرى لشعب أراد أن يطمئن على مستقبله، لكن .. الملك الجديد عاقر.
وتمر أربعة عقود تحت حكم الملك العبد، زاد فيها الناس فقرا، وجوعاً، وملأ أرجاء البلاد ظلماًن وجوراً، وإكتظت السجون بالمظلومين.
إلا أن العجيب أن "الشعب البني" كان لربه حامد شاكر، على نعمة وجود الملك، حتى وإن كان ظالماً !.
وبعد أربعين عاماً مات العبد الملك، لم يترك وريث، وبموته خرج من كان مسجوناً، ورحل الفقر عن الشعب، وإزدهرت أحوال البنيين جميعاً، ففرح الناس لفترة وجيزة، إلا أنهم باتوا في قلق جديد، يشكون خلو فراغ عرش الملك، وظلوا يتحسرون على أيام العبد الملك، فقد كان صمام الأمان لهم، حتى وإن كان ظالماً.
ومرة أخرى يذهب "الشعب البني" إلى الكهنة ليوكلهم في إختيار ملك جديد.
شادي طلعت
اجمالي القراءات
5205