سامح عسكر Ýí 2019-06-17
يدخل الشرق الأوسط مرحلة صعبة من الصراع المعتاد بين إيران من جانب والسعودية والإمارات وأمريكا من جانبٍ آخر، إنما هذه المرة وصل الصراع لاحتكاك عسكري مباشر بضرب ناقلات نفطية في الفجيرة وساحل عمان أو في ما يصفه البعض بإيعاز إيراني للحوثيين بضرب مطارات المملكة وتزويدهم بالصواريخ اللازمة لذلك، وما دمنا قد وصلنا لتلك المرحلة فالقادم سيكون إما تصعيد وحرب مباشرة أو اتفاق سلام وعدم اعتداء.
لكن ذلك يقفز على حقيقة مفادها أن إشعال واستمرار حرب اليمن يعني مزيد من التصعيد في الخليج، وبالتالي فوقف حرب اليمن ضروري وشرط مهم للتهدئة في الخليج ومن ثم عقد مصالحات واسعة بين العرب لاسيما بعد بوادر تقارب سعودي قطري في قمم الرياض مؤخرا بإرسال قطر رئيس وزرائها لحضور القمم (العربية والخليجية والإسلامية) ولا يعني تحفظ قطر بعد ذلك على بيانات القمم نفيا لهذا التقارب ..إذ كان لو كانت العلاقة معقدة ما شاركت قطر أصلا واعتبرت تلك المؤتمرات خطط لمصالح سعودية تتعارض مع مصالح قطر.
لقد تنبأت بكل ما يحدث فور اندلاع حرب اليمن وقلت أن التفسير السعودي لمواقف الحلفاء والمحايدين من أزمتها في اليمن سيكون متطرفا وينتج عنه مواقف عدائية في الغالب، فالبشر في المعارك لا يرون الألوان سوى الأبيض والأسود ومن لم يكن معنا فهو ضدنا، ومن قصّر معنا في دعم أو خلافه هو عميل للعدو مباشرة، هكذا تعاني السعودية منذ إشعالها حرب اليمن ..فكل موقف قطري متباين مع رؤية المملكة يتم تفسيره بالعمالة لإيران، كذلك فكل قبيلة يمنية أو حزب يمني لا ينظر بنفس الرؤية ويحقق مصالح المملكة كاملة يتم اعتباره عدوا..وهذا تسبب في انخفاض شعبية التحالف في جنوب اليمن إذ تم تفسير بعض مواقف الأحزاب المختلفة والكتائب على أنها مساعدة للحوثي ففقد التحالف حاضنته الشعبية في الجنوب وبدأت المواجهات والثورات على قوات التحالف أبرزها التي تحدث الآن في المهرة وقبلها في سقطرى.
كذلك لم تعتبر السعودية ولاية ترامب لها ضعفا بل قوة باعتبار وضوح إدارته تجاه الموقف من إيران وتشدده بنفس النمط السعودي أو أكثر، فالصقور في البيت الأبيض يظنون أن الحرب مع إيران ضرورية لإسقاط نظام ولي الفقيه..لكن تصريحات ترامب مؤخرا بعدم تحمسه للحرب ناتجة عن موقفين الأول للبنتاجون الذي يتضح من مواقفه حرصه على عدم الحرب ، والثاني للديمقراطيين في الكونجرس ..بالتالي فلا رأي عام شعبي ولا رسمي في الداخل الأمريكي يتحمس للحرب فعلى أي أساس هذا التصعيد الإعلامي والسياسي الذي يحدث؟..وما أهدافه المستقبلية؟
لا يوجد أدنى شك أن الحرب في الخليج الآن ستكون كارثية على جميع أطرافها، فالميزان العسكري يكاد يكون متكافئ مع زيادة في النفوذ السياسي والأيدلوجي العابر للحدود..بالتالي فكرة الحرب نفسها مجنونة ولا أعتقد أن خطط أمريكا في العقود الأخيرة تذهب للحرب مع قوىً كبيرة يمكنها توسيع الحرب لتشمل دولا أخرى أو تمثل تهديدا مباشرا لحليفها الأول إسرائيل.
لكن ما يحدث يذهب لخلاف ذلك إذ يحرص كلا من السعودية وإسرائيل على التحريض الديني ضد إيران، فالأولى جمعت حلفائها رسميا في مكة – بدلالتها الدينية - مع اتهامات للحوثي بقصف الكعبة، وبغض النظر عن صحة تلك الاتهامات لكن دلالة الموقف السعودي من إيران (دينيا) واضح، عززه تصريح بن سلمان برفضه الحوار مع دولة مؤمنة بالمهدي المنتظر..وفي ذلك تداخلا بين السياسي والديني كانت له تبعاته بحشد النظام الإيراني أنصاره في المقابل للتحريض دينيا باعتبار أن بن سلمان (عدوّا للمهدي) وهو اتهام لقي قبولا في الأوساط الشيعية وصار أي مجتمع شيعي غير متعاطف مع بن سلمان بالضرورة.
أما إسرائيل فقد وكّلت متحدثها الرسمي العسكري "أفيخاري أدرعي" للتحريض الديني ضد إيران باعتبارهم (شيعة روافض) حسب وصفه، لكن ردود الأفعال على ظهور أدرعي واعظا دينيا وخطيبا سلفيا هذه المرة لم تكن في صالح إسرائيل ، إذ يعد ما فعله أدرعي "حماقة سياسية" و "دعايا سلبية" جاءت لمصلحة الإيرانيين الذين يصدرون فكرة تحالف الوهابية مع الصهيونية منذ عهد الخوميني، وتلك المواقف السعودية الإسرائيلية مؤخرا تثبت ذلك لاسيما أن المجتمع الإيراني من الداخل كاره للوهابية والصهيونية معا ويراهما ذيولا للاستعمار الدولي بمن فيهم المجتمع السني في بلوشستان والأكراد الغالب عليهم النزعات الصوفية المعادية للوجود الوهّابي.
إن الآلة الإعلامية الأمريكية قوية بلا شك حتى في ظل عدم ثقة ألمانيا في الشريط المصور الأمريكي للقارب الإيراني في ساحل عمان لكن الفيديو الذي نشرته أمريكا عن هذا القارب وهو ينزع اللغم من جسد الناقلة النفطية يثير التساؤل، لكن هذه المرة لم يكن التساؤل معلقا فقط بصدق مسئولية الإيرانيين عن تفجير الناقلات ولكن عن علم أمريكا بهوية زارعي اللغم..لاسيما أن ما نشروه في الفيديو يقول (بنزع) اللغم لا (زرعه) بالتالي كان على الأمريكيين الإجابة عن سؤال هوية من زرع ، إضافة لتعارض مدلول هذا الفيديو والهدف من ورائه مع تصريحات قادة الناقلة أن أجساما طائرة هي المتسببة في الهجوم وعليه أصبح الحديث عن طوربيد أو لغم غير واقعي
كل هذا مرتبط بالصراع المباشر في اليمن بحيث سيؤدي أي تصعيد في الخليج للتأثير المباشر على الحرب سواء بعمليات انتقامية متبادلة أو تغير في موازنات القوى وولاءات القبائل، فالحادث منذ 4 سنوات هو اتهام السعودية للحوثي بالعمالة لإيران على حساب أمنها القومي..وسياسيا حتى لو كان ذلك الاتهام مخطئا لكنه سيؤدي في النهاية لتعاطف مشترك بين إيران والحوثي وربما تعاون يتطور بعد ذلك لتحالف عملا بمبدأ عدو عدوي صديقي، فالقواعد الدبلوماسية كانت تحتم على السعودية أن تتريث في أي اتهام لجماعة أو حزب بالعمالة لأحد خشية فقدانه، واستبدال ذلك بسياسة احتواء وتواصل كالتي يمارسوها في العراق.
فبرغم أن غالبية أحزاب العراق ومجلسها التشريعي ممثلا بتياري (الصدر والحشد الشعبي) المعروفين بمواقفهما ضد المملكة لكن آل سعود فتحوا خطوط اتصال معهم وتجنب أي تصعيد سياسي وإعلامي، والأهم عدم اتهامهم بالولاء لإيران والقفز على التباين الحاصل بين الصدر وخامنئي بالتحديد، توازيا مع خطاب سياسي وإعلامي داخلي يرى بضرورة كسب الشيعة العرب من جديد بعد خسارتهم سنة 2006 والتصعيد العسكري معهم بعد سنة 2011 فهل للسياسة السعودية تلك أن تنجح في كسب شيعة العراق بالفعل؟..ولو تحقق ذلك فلماذا لم يفعلوا ذلك في اليمن ويستغلوا الخلاف الحاصل بين صالح والحوثي في بداياته؟
إن ما أراه هو تخبط سياسي وقصور رؤية لعدم اهتمام قادة الخليج بمستقبلهم، فالواضح أن ما يشغلهم هو صراع السلطة والخوف من انتقال عدوى الربيع العربي لبلدانهم الملكية ، وما اهتمام السعودية والإمارات لما يجري في السودان وليبيا إلا دليل على خوف أمراء الدولتين من اتساع الديمقراطية وتغوّلها وتأثر شعوبهم بها، فالحكمة تتطلب منهم النظر للأولويات بنفس القدر الذي ينظرون فيه للمستقبل..فلو كانت الأولوية قمع أي حركات ديمقراطية حالية لكن المستقبل يشير إلى ثمن فادح يدفعه الخليج من أمنه وماله ووحدته، وما انشقاق مجلس التعاون الحالي إلا ضريبة لطول الحرب في اليمن كما أشرنا بتملّك نوازع الحرب على قادة التحالف الذين أغضبهم موقف قطر من إيران بعد مؤتمر الرياض..لاسيما أن الاعتقاد الشائع في أروقة الحكم السعودي أن إيران مسئولة عن تقوية الحوثي والضربات المباشرة لمطاراتها وآلاف الجنود السعوديين الذين سقطوا في الحد الجنوبي.
فبعد ما يقرب من 5 سنوات حرب في اليمن تبين أن الحوثي لم يكن ضعيفا بالصورة التي روّجتها الآلة الإعلامية السعودية وتصريحات قادتها السياسيين والعسكريين، فلا يمكن إذن الحديث عن انتصار سعودي في اليمن بل إذا لم تكن هزيمة هي حرب استنزاف تورط فيها السعوديون عن رغبة كاملة منهم ، وبالتالي أصبح الوضع يُحتّم عليهم إعادة النظر لفقدان الخيارات المطلوبة لحل الأزمة..فهم إذا قرروا وقف الحرب سيكون إعلانا مباشرا بالهزيمة وإذا استمروا فيها تزيد الأعباء والضغوط عليهم لانتهاك حقوق الإنسان اليمني، وإذا ما قرروا الدفع بوسيط بينهم وبين الحوثي لمخرج مُشرّف سيؤدي ذلك إلى تنازلات تستفيد منها إيران.
وبالتالي أصبح الحل يمثل مشكلة لآل سعود – أيا كان هو – فلا خيار أمامهم سوى التصعيد والضغط لإجبار خصمهم على التنازل أو طلب التفاوض ليخرجوا بأقل خسارة ممكنة، فهل هذا الخيار أيضا واقعي أو يمكن أن يؤدي إلى نتيجة؟
رأيي أن الطرف الإيراني مصمم على إحداث الهزيمة الكاملة للمملكة في اليمن سواء بحربه النفسية على آل سعود بتذكيره إياهم لمصيرهم المحتوم في اليمن ..أو بدعم الحوثي بالسلاح والتقنيات حسب ما يروج له قادة التحالف، وقد سبق قولي منذ سنوات أن اتهام المملكة لإيران بدعم الحوثي هو (خارج سياق المعادلة) ولا يحقق شئ في موازين الردع، ففلسفة الاتهام تخرج إما من إمكانية المحاسبة أو إمكانية التفاوض..وكلا الأمرين غائبين عن القائد السعودي، فهو غير قادر على محاسبة إيران خارج الاتفاق النووي..وغير قادر أيضا على التفاوض معها بعد قطع العلاقة قبل سنوات في أحداث حرق السفارة..وعليه فالسؤال المشروع: إلى ماذا يرمي الاتهام السعودي وحتى إمكانية حسابه للحوثي أو التفاوض معه غير ممكنة بعد ما تبين أن حرب اليمن لا تضرالحوثيين بل نفعتهم في تمدد أيدلوجي وشعبي وعسكري لم يحلموا به قبل 10 سنوات.
نحن إذن أمام واقع يشهد بأن سياسة التصعيد الإعلامي والسياسي في الخليج لم تعد تجدي كما في السابق، فمن ناحية تجمّد العلاقات وتكلّس العقول عن الحوار مع زيادة نزعات العنف وثبات الموقف الميداني أعاد كل ذلك الكرة للملعب السعودي إما يقرر بمفرده وقف الحرب والتصعيد وانتهاج سياسة الحوار كبديل وإما الاستسلام للرغبة الأمريكية الكامنة في إنجاز صفقة القرن عبر تعمد قادتها التصعيد مع إيران كحل لإخراجها أو تعطيلها عن التأثير في مجريات الصفقة، وبالتالي لم تعد السعودية مستفيدة من التصعيد في كلتا الحالتين سواء في اندلاع حرب مباشرة لها مع إيران أو إشعال الوضع في فلسطين وبالتالي تستفيد إيران أكثر بوصفها الداعم الأول والراعي لحركات المقاومة ضد الاحتلال.
أو ربما الأمرين معا ويتم اعتبار السعودية حليفا لإسرائيل ضمن محور أمريكي ضد طهران وحزب الله، فنكون قد حكمنا على المنطقة بالدخول في حرب طويلة الأمد يتوقف فيها بيع النفط وتشتعل مناطق الشيعة بوصفهم أكثر المجتمعات المهددة من ضعف إيران، ولربما يتطور الأمر بتفسير كل موقف سني غير موالي للمملكة على أنه عداء فتتوسع الحرب أكثر بين السنة وبعضهم..فيستغل الحوثي هذا الضعف والتشتت في سيطرة كاملة على الجنوب السعودي لتعلن بعد ذلك أقاليم الحجاز والقطيف انفصالها عن سلطة آل سعود، وبرغم سوداوية هذا التوقع لكن يظل محتملا مع كل تصعيد وزيادة في التوتر.
دعوة للتبرع
سمع الله لمن حمده: مامع نى (سمع الله لمن حمده) ندما يقال...
عندك حق .وعذرا..: مع كونكم من الناق دين الراف ضين لما يسمّى...
الباقيات الصالحات: ما هى اعلى درجات الذكر الصلا ة ام التسب يح؟ ...
ثلاثة أسئلة: من الاست اذ أبى يوسف : ( الوال د الفاض ل ...
خصومات المخلوقات: أعجبن ى مقالك عن خصومة الانس ان لله تعالى ....
more