الصبر فى قصص الأنبياء

آحمد صبحي منصور Ýí 2019-05-17


الصبر فى قصص الأنبياء

مقدمة : تردد الصبر الايجابى فى قصص الأنبياء فى القرآن الكريم ، ونعطى بعض تفصيل :

اولا : نوح عليه السلام :

1 ـ لبث فى قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم ، قال جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١٤﴾ العنكبوت ). وهذا دليل على صبر هائل .

2 ـ وجاء فى القرآن نماذج من نقاشه مع قومه وقولهم له : (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٣٢﴾ هود  ) ، أى فى النهاية طلبوا منه العذاب الذى كان يخوفهم به.

3 ـ لم ترد كلمة ( الصبر ) فى قصة نوح ، ولكنه ما جاء فى بعض آياتها يدل على صبر عظيم . نقرأ دعاءه لربه جل وعلا بعد أن يأس منهم : (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ﴿٥﴾فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴿٦﴾ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴿٧﴾ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴿٨﴾ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴿٩﴾نوح  ) وطلب إهلاكهم : (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴿٢٦﴾ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴿٢٧﴾ نوح   )

 ثانيا : فى قصة يوسف

1 ـ تمثل قصة يوسف وحدة متكاملة متدفقة الأحداث ، تعج بالمواقف الانسانية والدرامية .

2 ـ ويلفت النظر فيها الصبر الإيجابى الذى عايشه يعقوب عليه السلام .

2 / 1 : تآمر أخوة عليه حقدا وحسدا : ( إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٨﴾ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ﴿٩﴾ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿١٠﴾ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ ﴿١١﴾ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿١٢﴾ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴿١٣﴾ قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ ﴿١٤﴾ يوسف ). جاءوا لأبيهم بدون يوسف يزعمون أن الذئب أكله . فصارحهم بشكوكه فيهم وصبر مستعينا بالله جل وعلا متوكلا عليه : ( وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ﴿١٨﴾ يوسف ).

2 / 2 : وفى موضع آخر من القصة رجع الأخوة بدون شقيق يوسف بعد أن إحتجزه يوسف ( عزيز مصر الذى لم يتعرفوا عليه ) تلقى يعقوب الخبر متمسكا بالصبر الايجابى : ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖفَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿٨٣﴾ يوسف ( لم يمنعه صبره من الحزن والبكاء على ولديه ، قال جل وعلا :  ( وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴿٨٤﴾ يوسف ). ولأنه صبر إيجابى فقد طلب منهم العودة للبحث عن يوسف وأخيه : (  يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴿٨٧﴾  يوسف) .

3 ـ وأطاعوه ورجعوا الى مصر وقابلوا عزيزها ( يوسف ) يطلبون شراء المؤونة : ( فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّ اللَّـهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴿٨٨﴾ يوسف ) سألهم يوسف عن أفعالهم مع يوسف واخيه . عندها أدركوا أنه أخوهم يوسف نفسه : (  قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ ﴿٨٩﴾ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَـٰذَا أَخِي ۖ قَدْ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٩٠﴾ يوسف ) قال يوسف لهم العبرة إن من يتق ويصبر فإن الله جل وعلا لا يضيع أجره ـ لأن الصابرين محسنون.

ثالثا : فى قصة موسى

1 ـ نشأ موسى فى قصر الفرعون المسرف الطاغية ورأى ما يفعله هذا الفرعون ببنى إسرائيل ، فعايش الخوف ، وكان يتوقع السوء فيندفع غضبا . وتكرر فى القصص الخاص به خوفه وحدته وسرعة غضبه . ونقتصر من هذا على قوله جل وعلا : (وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿١٠﴾ قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ ﴿١١﴾ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (١٢﴾ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ ﴿١٣﴾ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴿١٤﴾ الشعراء )

2 ـ وليتعلم الصبر فقد بعثه ربه جل وعلا ليقابل نبيا ممن الأنبياء وليصحبه ليتعلم منه كيف يصبر : ( قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴿٦٦﴾ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٦٧﴾ وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴿٦٨﴾ قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴿٦٩﴾ قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴿٧٠﴾ الكهف ).  إشترط عليه ألّا يسأله عن شىء حتى يخبره . ورضى موسى بالشرط . ولم يف موسى بالشرط ثلاث مرات : ( فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا﴿٧١﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٢﴾ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴿٧٣﴾ فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ﴿٧٤﴾ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴿٧٥﴾ قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي ۖ قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا ﴿٧٦﴾ فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ ۖ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴿٧٧﴾ قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ۚسَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا ﴿٧٨﴾ الكهف ).  وشرح له : ( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ﴿٧٩﴾ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴿٨٠﴾ فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ﴿٨١﴾ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا﴿٨٢﴾ الكهف ).

رابعا : فى قصة بنى إسرائيل بعد موسى

رفض بنو إسرائيل دخول الأرض المقدسة التى كتبها الله جل وعلا لهم ، وعاشوا على حوافها فتعرضوا للهجوم والطرد . وطلب من نبى لهم أن يعين لهم ملكا يقودهم للقتال الدفاعى ، وتكون منهم جيش لم يصمد منه سوى القليل الصابرين ، وهم الذين إنتصروا بصبرهم على المعتدين . قال لهم القائد طالوت : ( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّـهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ مَعَ الصَّابِرِينَ( 249 ﴾ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿٢٥٠﴾ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّـهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٢٥١﴾ البقرة ).

خامسا : عن عصر النبى محمد عليه السلام

1 ـ عن القصص القرآنى

1 / 1 : أنزل الله جل وعلا القصص القرآنى لتثبيت قلب النبى محمد ووعظه وتذكيره وتعليمه الصبر . قال جل وعلا فى خطاب مباشر للنبى محمد عليه السلام فى ختام سورة هود وما فيها من قصص : ( وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَـٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿١٢٠﴾  هود ).

1 / 2 : وفى نفس السورة  وبعد قصة نوح عليه السلام قال جل وعلا : ( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ۖ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا ۖ فَاصْبِرْ ۖ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٤٩﴾ هود ) .

1 / 3 : وأمره جل وعلا أن يصبر كما صبر جده نوح عليه السلام . وتكرر الأمر بالصبر فى قوله جل وعلا فى خطاب مباشر : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ( ٣٥﴾ الاحقاف 9).

1 / 4 : وكما مره جل وعلا أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل نهاه أن يفقد صبره ويكون مثل النبى يونس عليه السلام. قال له جل وعلا : ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ ﴿٤٨﴾ لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴿٤٩﴾ فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٥٠﴾القلم ) . لم يصبر النبى يونس على عناد قومه فتركهم هاربا وركب سفينة فى البحر ، وانتهى أمره بإلقائه فى البحر فإلتقمه حوت ، فعاش يستغفر ويدعو ربه فأنجاه ربه . قال جل وعلا : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٣٩﴾إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( 140 ﴾ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ﴿١٤١﴾ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴿١٤٢﴾ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ ﴿١٤٣﴾ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴿١٤٤﴾  فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴿١٤٥﴾ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴿١٤٦﴾ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ ﴿١٤٧﴾ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ﴿١٤٨(الصافات).  هنا نتعرف على أهمية الصبر فى دعوة النبى .

2 ـ وللصبر قصة هامة فى حياة خاتم النبى محمد عليه السلام .

2 / 1 : تكرر كثيرا أمره بالصبر ، وهذا يدل على معاناته من قومه ، فمن أوامر الصبر أن يصبر على ما يقولون وعلى ما يفعلون .

2 / 2 : وهذا يدل أيضا على حرصه الشديد على هدايتهم الى درجة الالحاح الذى قد يصل الى إكراههم فى الدين ( يونس 99 : 100 )، والى درجة لومه بسبب حزنه وحسرته عليهم ( الكهف 6 ، فاطر 8 ، الحجر 88 ، الانعام 33 ، لقمان 23 ، يس 76 ) ، وأرتبط حزنه عليهم بضيقه من تآمرهم ( النمل 70 ) وضيقه من اتهاماتهم ( الحجر 97 ) . وإجتمع هذا كله مع أمره بالصبر إبتغاء وجهه جل وعلا ، قال جل وعلا له : (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّـهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿١٢٧﴾  النحل ), وحتى وهو فى المدينة كان يحزن إذا أرتد بعضهم عن الاسلام مسارعا الى الكفر : ( المائدة  41 ، آل عمران 176 ). ليس هنا حد الردة . فليس فى الاسلام إكراه فى الدين .

3 ـ فى ضوء ما سبق نتفهم حرص النبى على هداية المستكبرين من قومه الى درجة أن كان يُعرض عن المؤمنين الفقراء حتى يتصدى للمستكبرين الذين يستنكفون من مصاحبة الفقراء أو أن يكونوا مثلهم فى نفس الدين .

3 / 1 : نزل له العتاب فى قوله جل وعلا :  ( عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴿١﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴿٢﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ﴿٣﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ ﴿٤﴾ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ ﴿٥﴾ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ ﴿٦﴾ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَىٰ ﴿٩﴾ فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ ﴿١٠كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ﴿١١﴾ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ ﴿١٢عبس )

3 / 2 : ولم يتذكر ، بل كان يطرد الفقراء تحرجا وأملا فى هداية المستكبرين ، فنزل عليه النهى ، قال له ربه جل وعلا لائما ومحذرا أن يكون من الظالمين : ( وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٥٢﴾ الانعام  )   

3 / 3 : أطاع ونزل عليه الأمر ( أن يصبّر نفسه ) على صُحبة أولئك المؤمنين الفقراء وأن يبتعد عن المستكبرين. قال له ربه جل وعلا : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴿٢٨﴾ الكهف )

اجمالي القراءات 6734

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   سعيد علي     في   السبت ١٨ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90889]

الصبر قيمة إنسانية عظيمة نتيجتها الفرج و لا ريب .


من عادة الدكتور أحمد حفظه الله جل و علا أن يعطي الموضوع حقه من البحث و التمحيص و الإلمام به من كل أو جل أو أغلب جوانبه و لا شك أن موضوع صبر الأنبياء كبير و واسع و يحتاج لمقالات كثيرة قد تتحول إلى كتاب .



في هذا المقال اختار الدكتور أحمد : أنبياء الله : نوح و يوسف و موسى و أخيرا محمد بن عبد الله عليهم السلام مع الإشارة إلى طالوت و الفئة الصابرة معه و لا أعتقد هناك جزء ثان لصبر الأنبياء لأنه ختمه بصبر خاتم الأنبياء عليهم السلام ! هذا مع أن الدكتور أحمد لو كتب عن إبراهيم عليه السلام و صبره و عن أيوب و بقيه الأنبياء لاحتاج إلى مقالات أكثر .



تعقيبا على هذا المقال الجميل و الرائع أقول : تعلمنا منكم أن المشيئة فردية و تأتي المشيئة الإلهية تالية و أن الإنسان له الحرية الكاملة في اختيار الدين بل غن الحق جل و علا قال ( لا إكراه في الدين ) و عاتب خاتم أنبيائه عندما ( تحمس ) و أكرههم في الدين ألا يتعارض هذا مع دعوة نوح عليه السلام لربه عز وجل بأن يهلك قومه ؟ كما و أن قول نوح عليه السلام : ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) ! أليس هذا تدخلا في مشيئة الله عز و جلا و أليس هذا كذلك إدعاءاً بالغيب !! .



في قصة موسى عليه السلام هل نفهم بأن الصبر يتعلم من خلال دورة تدريبية ؟ طبعا ليس بالضرورة أن يتخلل هذه الدورة قتل غلام أو ثقب سفينة !! إنما هل يُتعلم و يكتسب أم هو طبيعة في الإنسان و مهارة ! من علّم يعقوب كمية الصبر الراقية المؤمنة و الثبات على الصبر ؟ لا شك أنه الحق جل و علا و لكن لماذا موسى بالذات عليه السلام ؟ ربما لطبيعة نشأته و مركب الخوف الذي لازمه ربما .



أجمل تعليل و سرد موضوعي لعدم صبر خاتم النبيين هو ما أورده الدكتور أحمد و بون شاسع بين ما يطرحه الدكتور أحمد في مسألة صبر خاتم النبيين و بين ما تجده في كتب التراث !!



حفظكم الله جل و علا .



2   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   السبت ١٨ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90892]

شكرا ابنى الحبيب استاذ سعيد على ، واقول :


1 ـ  أعتبر ما أكتبه ــ سواء فى التدبر القرآنى  أو البحث التاريخى ــ تمهيدا لدراسات قادمة أتمنى أن يقوم بها الباحثون بعدى. وهناك عشرات الموضوعات القرآنية والتراثية والتاريخية لم تكتمل ولن أتمكن من إكمالها ، بعضها أفكار فى حدود صفحة أو أقل ، وبعضها يصل الى جزء من بحث . وموضوع الصبر جاءت فكرته من تعليق د عثمان ، وكثيرا أترك موضوعا مفتوحا لأجيب على سؤال أو أكتب مقالا فيتحول الى سلسلة تكون كتابا. أرجو أن يقوم أحد الأحبة بتأليف موضوع أكثر تفصيلا عن الصبر فى القرآن الكريم والتراث والموروثات الشعبية . 

2 ـ القصص القرآنى يذكر أقوال وأفعال الأنبياء ، وهم بشر ، غير معصومين من الخطأ . لذا ترى من أقوالهم ومن أفعالهم أخطاء ، وبعضها يمكن تبريره . نوح عليه السلام صبر صبرا هائلا وواجه إضطهادا جعله يدعو على قومه ، بل جاء فى دعائه عليهم ( أنى مغلوب فانتصر ) القمر 10 ). وموسى عليه السلام الذى عايش إسراف فرعون فى قتل الأطفال يمكن أن نتفهم نفسيته فى سرعة الغضب وعدم الصبر. الأنبياء نماذج بشرية رائعة ، ومن القصص القرآنى عنهم نتعلم عدم عصمتهم ونتعلم أيضا الاستفادة من أخطائهم . وبعد هذا هم أفضل البشر عليهم جميعا السلام. ولنتذكر أنه لو كان واحد  منا فى نفس المواقف التى عاناها الأنبياء فمن المستبعد أن يكون بمثل صبرهم وإخلاصهم . عليهم جميعا السلام .

ندعو الله جل وعلا أن يجعلنا من رفقتهم يوم القيامة :( النساء 69 ).

3 ـ كل عام وأنتم بخير. 

3   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الإثنين ٢٠ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً
[90894]

تم نشر كتاب ( الصبر فى الاسلام ) كاملا هنا


وهو فى باب مشروع نشر مؤلفات احمد صبحى منصور . وهو منشور بتعليقاته . 

أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5117
اجمالي القراءات : 56,880,593
تعليقات له : 5,451
تعليقات عليه : 14,828
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي