الدور الإيراني في الشرق الأوسط (5)
الفصل الرابع والأخير: التحديات والتوقعات
أولا: التحديات ،وهي تتعلق بمكامن القوة الأمريكية والسعودية في الشرق الأوسط بوصفهم أعداء، فهي قوة ضخمة تفوق قدرة إيران على مجابهتها، إنما لا تفوق قدرتهم على احتوائها، بمعنى أن الإيرانيين نجحوا في تحييد واحتواء هذه القوى في عدة ملفات.
فمثلا: القوة العسكرية الأمريكية في سوريا نجحت إيران بوقفها عبر تحييدها قانونيا في التنسيق مع الأسد وبوتين في تشكيل حلف سياسي قانوني مهمته الأولى مجلس الأمن والأمم المتحدة، هذا نزع الغطاء الشرعي عن تدخل أمريكا في الشرق الأوسط، وأعطى حجم ونفوذ أكبر للروس والإيرانيين شكل قاعدة بعد ذلك لحضور عسكري بإنشاء قواعد إيرانية وتجمع يزداد يوما بعد يوم للحرس الثوري الإيراني، وهذا لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين كما عرضت له منذ قليل.
وكذلك القوة المالية السعودية نجحت إيران في وقفها بعدم التدخل في سوريا والعراق إلا بعد استفحال خطر الجماعات المسلحة، وتحويل عامل المال السعودي لنقطة ضعف ومنبر اتهام دائم لهم بدعم الإرهاب، وأتصور أن تدخل الإيرانيين منذ البداية في كلا الملفين كان يعطي الحجة القانونية والأخلاقية للمال السعودي، بالضبط كما حدث في الفتنة السنية الشيعية عام 2006 بعد تصريحات الملك عبدالله ووزير خارجيته سعود الفيصل أن السعودية مسئولة عن حماية السنة العراقيين من الخطر الإيراني، هذا أعطى درس للإيرانيين باحتواء هذه القوة وعدم الوقوع في نفس الخطـأ..
نفس الشئ احتووا به القوة الدينية للمملكة بإظهار جرائمها في اليمن والبحرين، هذا ساهم في إضعاف المملكة سياسيا وفض التحالفات معها وانحصاره إلى 4 دول فقط الآن يمثلون عصب التحالف ضد قطر، إضافة لتسويق اتهام المملكة بدعم الوهابية والمتطرفين السنة..هذا أيضا نقل تلك القوة الدينية لنقطة ضعف بإثبات علاقة السعوديين بالمتطرفين أولا، ثم إثبات جرائم المتطرفين وانسحاب ذلك على الداعمين بالضرورة..
ثانيا: التوقعات، وهي ختام تلك الورقة البحثية وأجملها في قدرة إيران عدم التورط عسكريا في سوريا، فالقدر الحالي بوجود مستشارين وخبراء وبعض مقاتلي الحرس الثوري ليس كبيرا بالمعنى الذي نقول فيه تورط أو مستنقع، لكن أفترض لو نقل الإيرانيون جحافل الحرس الثوري لسوريا ربما تحدث معركة كبرى مع إسرائيل وحلفائها الغربيين، وربما ينحاز الجيش الأردني معهم وتأخذ المعركة جانب أبعد من المواجهة مع إسرائيل، وظني أن قادة إيران ليسوا بالسذاجة التي تحملهم على التورط في سوريا، فأساليبهم حتى الآن تجمع بين القانون والندية.
فبالقانون نجحوا في التواجد عسكريا بسوريا، وبالندية جعلوا تطوع الجهاديين السنة سببا لتطوع الجهاديين الشيعة، وبالتالي انتفي السبب الأخلاقي والعقلي لاتهامهم بتطويع شيعة لإبادة السنة، بل الظاهر أن هذا رد فعل لذاك، فلو رحل الجهاديون السنة يرحل نظرائهم الشيعة بالضرورة.
كذلك توقعي للدور الإيراني يعتمد على قدرة الأنظمة العربية على الاستجابة للأفكار الواردة في هذا المقال، فعلى الحكومات العربية أن لا تعطي الذريعة للتدخل الإيراني، لا تكفي فقط مهاجمته، بل يجب عليهم نشر العدالة الاجتماعية والمساواه وعدم التطبيع مع إسرائيل بوصفها قوة احتلال سرقت أراضي وثروات الفلسطينيين، هنا التطبيع يعني إعانة للسارق ليس نصحا، وتماديا في الغي وخلق المشاكل لا حلا لها، فعلى الأنظمة العربية الكف عن نشر الطائفية وحصار الأبواق المذهبية ، وتجريم الكراهية والعنصرية قانونيا، هذا يساهم في الحد من النفوذ الإيراني الذي يعتمد في جوهره على مظلوميات الأقليات الشيعية، وفي تقديري أن هذا المطلب صعب تحقيقه، فالأنظمة العربية في غالبها معادية للقيم العلمانية، وتفضل في أكثر الأحيان أن تتحالف مع رجال الدين لأسباب بحماية سلطتهم والتقرب للشعوب.
وباختصار شديد: لو لم تستجيب الحكومات العربية لنداءات التنوير ونشر القيم العلمانية والديمقراطية والمدنية ستتوغل إيران أكثر، ونفوذها سيتضخم، فكما أن أمريكا توغلت عربيا بدعوى الخطر الشيوعي، إيران تتوغل بدعوى الخطر الوهابي السلفي ، إضافة للدعوة الأبرز "الخطر الصهيوني" وربط كلا المفهومين "الوهابية والصهيونية" في نَظم واحد بهدف إثبات العلاقة بين السعودية وإسرائيل في تهديد الشرق الأوسط، ورأيي أن قيادة المملكة الآن وحلفائها في الإمارات والبحرين يخطئان خطئا كبيرا بدعاوى التطبيع مع إسرائيل ونصرتها على خصومها في سوريا (تصريح وزير الخارجية البحراني بدعم هجوم إسرائيل على إيران أمس نموذج)
لقد أثبت هذا الخطأ صحة دعاوى إيران بوجود علاقة بين الوهابية والصهيونية، حتى لو لم توجد هذه العلاقة بشكل حقيقي فقد أوجدها الحكام العرب بالتقرب لإسرائيل والتحالف مع ترامب وشراء الأسلحة الأمريكية بالمليارات، وهذا في رأيي عامل يسلب الكثير من قوة العرب، فإسرائيل دولة محتلة قانونيا، وأخلاقيا دولة سارقة ، ودينيا هي عدو للمسلمين، فالمبعث كبير على ازدراء الإسرائيليين بين العرب، وأساسه ثقافي بحت لعوامل التاريخ واللغة والدين، وكما أن هذه العوامل نفعت الدور الإيراني أضرت أيضا بخصومه، فعلى من يريد استشراف ومستقبل دور إيران فليركز أولا على قضية فلسطين، فهي كانت وستظل محور هذا الدور وسلاحه الرئيسي والجوهري في الانتشار والنفوذ.
وأخيرا: على العرب مراجعة مفاهيم وشعارات ومبادئ عصر القومية العربية، فما يحدث الآن أكبر من فهمه بعقول الخمسينات والستينات، فالمنطقة الجغرافية المسماه بالوطن العربي متعددة الأعراق واللغات والأديان والمصالح، فشعوب المغرب بدأت تستعيد روحها الأمازيجية بعد تعثر وفشل العروبيون، نفس الشئ في مصر دعاوى لإحياء ثقافات ولغات الماضي الفرعونية والقبطية، والسوريان في سوريا ولبنان، هذا حنين لجذور مختلفة عن قيم العروبة لم تخرج هباء، وبنظرة دقيقة نرى أن حرب اليمن وسوريا حدثت بمسميات عروبية ، ومن قبلها غزو العراق للكويت، ومشاكل جانبية عدة بين الدول الحاضر الأساسي لها رفع شعارات العروبة كالموقف من قطر مثلا واتهامها بالولاء لخصوم العرب والتغاضي عن مصالح القطريين الاقتصادية بإحياء نعرات لا يعترف بها عصر حقوق الإنسان.
إذن المواجهة الحقيقية الآن ليست بين عرب وغيرهم، بل بين عرب وعرب، فالأمم الكبرى المجاورة لم تتضرر من حروب الشرق الأوسط كأثيوبيا وتركيا وإيران..رغم أن دوافع تلك الحروب تتعلق غالبا بالدول الثلاث، وهذا سياسيا يعني عوامل هدم ذاتية يعاني منها العرب الآن تتعلق بالثقافة والتراث الديني والموقف من الحضارة المعاصرة، والتقدم التكنولوجي، وهي نفس الملفات والمحاور التي شغلت بال الباحثين منذ عقود، ومعظم توقعاتهم حدثت وتحدث الآن بطريقة مثيرة للجدل.
اجمالي القراءات
4108