هل نحن مخيرون أم مسيرون ?

هاني الدمشقي Ýí 2007-05-23


هل نحن مخيرون أم مسيرون

سؤال يراود الكثير من الناس , ونتعرض له من المشككين في حتمية يوم القيامة وفائدة الحساب أمام الله جل وعلا , وكيف نكون مخيرين وحياتنا مسجلة منذ لحظة ولادتنا وحتى لحظة مماتنا؟
( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَÚcute;ْقِلُونَ ) (غافر 67)


وقال تعالى ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (هود 6) .
فلطالما أن الله جل وعلا يعلم البداية والنهاية لكل هذا الكون , فما الفائدة من اختيارنا ؟

الفارق في ذلك هو الزمن , الذي يحكم هذا الكون منذ أن خلقه الله تعالى وصير فيه الزمن , ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ .... ) ( التوبة 36)

وبين لنا أن نهاية هذا الكون سيكون يوم القيامة ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( الزمر 67) أي وقت حدوث يوم القيامة .

ونظم الزمن لهذا الكون وجعل فيه سنين وأشهر وأيام , ولكي يشعرنا بأهمية الأيام التي نتداولها ( .. وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ...) (آل عمران 140) بين لنا أنه تعالى خلق الأرض في ستة أيام ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ) (ق 38 )

وفصل لنا هذه الأيام الستة ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ) ( فصلت 9, 10)

وذلك ليبين لنا أهمية الزمن في هذا الكون .

ثم بين لنا أن الأيام تختلف في طولها وفترتها الزمنية بهذا الكون الشاسع عن أيامنا على هذه الأرض فضرب لنا مثلا بذلك ( .. وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) ( الحج 47) وقال ( تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) ( المعارج 4)
ولم يبين لنا مكان هذا اليوم في هذا الكون الشاسع وكلمة ( عند ) تدل على مكان ما في هذا الكون العظيم الذي هو ملك لله تعالى ( لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( المائدة 120 ) .
كأن تدخل دكان وتسأل صاحبه عندك قلم رصاص مثلا , فيجيب نعم عندي وليس بالضرورة أن يكون على الطاولة أمامه , فيقول لك في الممر الثاني على الرف الأول مثلا , فجوابه بعم عندي لأنه يملك كل ماتحتويه المكتبة . ولله المثل الأعلى .
وذلك لكي يتصور الإنسان حجم هذا الكون الهائل الذي أبدعه الله تعالى جلت قدرته .

ولكن هذا الزمن غير موجود عند الله جل وعلا في الدار الآخرة فهو الأول والآخر (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ( الحديد 3)
وكذلك غير موجود في البرزخ ( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً ) ( الإسراء 52)
وقال ( قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ ) ( المؤمنون 112, 113)
وقال ( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا . يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا . نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ) ( طه 102, 103, 104)

ولكن مافائدة ذلك في اختيارنا ؟

لو أن أستاذا سأل أحد الطلبة أن يختار عددا ما من ( 1 إلى 5 ) فأي عدد من هذه الأرقام سيختار التلميذ ستكون في معلوم الأستاذ ولن يفاجئ باختياره , ولكنه لا يعرف بالتحديد أي منها سيختار التلميذ حتى اللحظة والثانية الأخيرة لأنها من علم الغيب عنده , وستكون في علمه بمجرد أن يختار التلميذ إحداها كونه محكوم بالزمن .

أما عند الله جل وعلا حيث فلا زمن عنده منذ الأزل وإلى الأبد وهو تعالى عالم الغيب ( أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) ( البقرة 77)
( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( الأنعام 59 )

وهذا الكون كله قائم بأمر كلمة الله جل وعلا ( كن ) وهي دلالة عدم وجود الزمن ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ) (الأنعام 73 )

وحيث أن جميع الخيارات من الله سبحانه وتعالى أمامنا لانهائية وغير محدودة , فأيا مايكون خيارنا فهو بعلم الله وهو بملئ إرادتنا ( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ) ( النساء 79) .

وهنا نسبت اختيار ( حسنة ) لله تعالى ( فَمِنَ اللّهِ ) واختيار السيئة من نفسك مع أن الإختيارين من نفس الإنسان , والسبب أن الله تعالى خلق الناس على الفطرة ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) ( الروم 30) والفطرة هي اختيار المفيد والنافع غير الضار بشكل تلقائي , وحيث أن كل ماتختاره هو من علم الغيب لله فهي جميعها من الله (... وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا) ( النساء 78).

ووجود هذا الكون منذ بدئه إلى عدمه معلوم بأمر الله تعالى , وأن أحدنا منذ لحظة ولادته إلى لحظة وفاته معلوم بأمر الله ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) ( الأنعام 60)

فخيارنا معلوم بعلم الله ولكن مشيئة الخيار من هذه الإحتمالات اللانهائية هو من أنفسنا ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ... ) ( الكهف 29 ) .. ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ... ) ( الإسراء 7 )
حتى الرسل الكرام عليهم السلام لا يعلمون الغيب ومسؤولون عن خياراتهم ( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (الأعراف 188) وهذا يبين أن علم الغيب لله تعالى لا يمنع حرية الاختيار ولا يلغي المحاسبة على الخيارات .

وعلى هذا فسيكون حسابنا على خيارنا بإرادتنا بعد أن بين الله تعالى لنا سبل الخير ( وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( الأنعام 153)
ولهذا فنحن مخيرون في هذه الدنيا ومحاسبون على خياراتنا أمام الله بعد أن اخترنا حمل الأمانة وهي العقل ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) (الأحزاب 72 )
وأشهدنا على انفسنا ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) (الأعراف 172)
ولذلك لن يقبل الله بعد أن حملنا الأمانة ومنحنا الإختيار أن نقول الله أمرنا بذلك ( وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ( الأعراف 28 )
وبعد أن بين لنا طريق الخير طلب منا تجنب أشياء بينها لنا في كتبه السماوية التي أنزل وعلى لسان رسله الذين بعثهم بالحق عليهم السلام .

أما نحن فمسيرون في بعض الأمور , فنحن مسيرون في لحظة ولادتنا ولحظة مماتنا ولا نملك أن نختار أن نولد في يوم كذا أو أن نموت في يوم كذا ولا نحاسب على ذلك , ولكن نحاسب إن نحن قتلنا أنفسنا بغير الحق فهذا من اختيارنا, وقتل النفس بالحق هو الجهاد في سبيل الله لرد الإعتداء فيما لو تعرضنا له وتمت لنا الشهادة في سبيل الله .

ونحن مسيرون في أشكالنا وحركة أعضائنا الداخلية , فنحن لانختار لون بشرتنا ولا لون شعرنا ولا أطوالنا وأوزاننا ولا نملك التحكم بحركة الدورة الدموية وحركة أمعاءنا في داخلنا , ولانحاسب على ذلك .
ولكن نحاسب إن نحن حاولنا إخلال هذا النظام الذي خلقنا الله عليه إن تناولنا المحرمات التي تذهب العقل أو أسرفنا في طعامنا ولو كان حلالا فيزيد من ضربات القلب مثلا ويؤدي إلى الوفاة أو إلى علة ما .

وقد طلب الله تعالى منا أن نكون معتدلين ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ) ( الأعراف 31)

هذا النظام الدقيق المنتظم في أنفسنا وفي هذا الكون الذي خلقه الله تعالى في هذه الحياة الدنيا , سيتغير في الدار الآخرة ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) (إبراهيم 48)
وستسكن نفوسنا في غير هذا الجسد المحكوم بالزمن والذي يكبر ويهرم ويشيخ بمرور الزمن ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) (غافر 67)

وقد بين الله تعالى ذلك حين خلق آدم عليه السلام ( خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ) ( الرحمن 14) ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ) ( الحجر 28)
وأسكنه وزوجه الجنة على هذه الهيئة , حيث لا زمن في الجنة وحيث الأجسام لا تبلى , إلى أن وسوس له الشيطان بأن يأكل من الشجرة (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ) ( طه 120) , فتغير بذلك كينونة جسده وزوجه ( فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) ( طه 120)

ولم تعد هذه الأجسام صالحة للعيش في الجنة فأمرهم ربهم بأن يهبطوا منها جميعا ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ . فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ) ( البقرة 38,37,36) . ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) ( طه 123)

وهذا التغيير في كينونة الخلق كان ليطال إبليس نفسه الذي خلقه الله تعالى من نار ( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ ) ( الرحمن 15)
حيث أمرهم بالهبوط جميعا , ولولا أن طلب من الله تعالى أن يؤخره إلى يوم القيامة , لكان مصيره مثل بني آدم , أن يكبر ويهرم ويموت ( قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ . وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ . قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ . قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ . إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) ( الحجر 34/38)
ولكن الله تعالى أخره إلى يوم القيامة ومنع عنه الهرم والكبر والفناء إلى يوم القيامة , ليكون لنا امتحان في ذلك , أنتبع أوامر الله تعالى ؟ أم نتبع خطوات الشيطان ؟ ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ . إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (البقرة 169,168)
وهذا أيضا من اختيارنا في هذه الدنيا ومسؤولون ومحاسبون عنه يوم القيامة.

فانظر يا أخي المؤمن ماذا يكون خيارك وانظر كيف ستلقى الله يوم القيامة حين سيسألك عن خياراتك هذه المسجلة في صحيفة أعمالك ( أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) (الأعراف 185)

والله تعالى أعلم

اجمالي القراءات 101958

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (4)
1   تعليق بواسطة   آحمد صبحي منصور     في   الأربعاء ٢٣ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[7383]

أهلا بك يا أستاذ هاتى

الاستاذ هانى ضيف جديد أضاء الموقع بهذه المقالة
الجميلة .
القضاء و القدر أهم الأسئلة التى تحير البشر.
وهو أهم موضوعات علم الكلام ـ أى الفلسفةـ فى
تاريخ المسلمين الفكرى. وكالعادة اختلفوا الى
فرق ومذاهب فى كون الانسان مخيرا أم مسيرا.
هناك الجبرية وهناك القدرية أو حرية الارادة،
ووقف اهل السنة(الأشاعرةوالماترودية) فى منتصف الطريق. وسبقت السياسة فى تقرير الجبرية على
نحو ما شرحناه فى كتابناالمنشورهنا(حريةالرأى
بين الاسلام والمسلمين).
تفصيل القول فى القضاء و القدر بين الرؤية القرآنية و اختلافات المسلمين سنفصلهافى كتاب
قادم سننشره بعونه تعالى هنا.
ولكن نؤكد ما قلناه مرارا من أن هناك حتميات
لا بد لكل انسان من مواجهتها ، وهو ليس مسئولا
عنها، وهى قضاء لا مفر منه ،وقدر مقدر عليه
قبل وجوده، وهى ما يخص الموت و الميلاد
والمصائب و الرزق. وبعدها هو له الحريةوالاختيار فى الطاعة أو المعصية ، فى الايمان أو الكفر.
وهو مسئول عن إختياره ومحاسب عليه يوم القيامة.
وأهلا بالاستاذهانى الدمشقى ومرحبا به بين أهله:
(أهل القرآن )..

2   تعليق بواسطة   زهير قوطرش     في   الخميس ٢٤ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[7461]


اهلاً بالأخ هاني والذي تحمل كنيته عبق الياسمين الدمشقي ورائحة النانرج وطعم الكباد.
في الحقيقة هذا الموضوع كان ومازال وسيبقى مثار خلاف واختلاف في عالمنا الاسلامي خاصة، وفي كل الديانات عامة.والمشكلة التي نقع بها دائماً كوننا نناقش الموضوع بشكله الحدي.وأقصد بذلك إما مسير أو مخير، لكن بين الاثنين هنالك أطياف يدخل فيها علم الله عز وجل.وسأذكر لك قصة بسيطة في هذا السياق.
عاد الزوج فجأة من رحلته،وعندما فتح الباب وجد زوجته وعشيقها في حالة مواقعة جنسية.ثارت ثورته ،وسحب الخنجر وهجم عليهما كي يقتلهما. فصرخت الزوجة أصبر ،هل جننت هذا شيء مقدر علينا ،وهل أنت تعاكس القضاء والقدر يارجل....صمت الرجل برهة وأردف قائلاً لعن الله الشيطان كدت أرتكب جريمة على فعل مقدر.
العبرة...هل فعلاً كانت الخطيئة التي مارساها مقدرة عليهم ،وهل موقف الزوج من قضية القضاء والقدر صحيح بهذا الشكل....هنا أعود الى راي الاستاذ أحمد صبحي منصور في أن الحرية والاختيار في الطاعة أو المعصية .والطاعة هنا تشمل طاعة الخالق في عدم تعدي حدوده التي رسمها للأنسان، الزنا مخلوق كعمل مثل الأخلاص...لكن الله لم يقدره علينا كي نمارسه ،ولم يجبرنا على الابتعاد عنه بل ترك لنا الخيار في هذا ووعدنا بالعقاب أو الثواب . لكن أعود الى موضوع علم الله الذي سيتشابك هنا مع التسير والتخير ،بحيث أن الخالق له القدرة على التدخل لمنع حدوث الخطيئة ،وذلك لعلمه وتقديره اللذان لايمكننا ألاحاطة بهم.ومن هنا أحب أن أؤكد أن بين الجبر والاختيار هناك علم الله يفعل مايشاء.

3   تعليق بواسطة   هاني الدمشقي     في   الجمعة ٢٥ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[7486]

الفاضل الدكتور أحمد صبحي منصور

أشكر لكم ردكم الجميل على مقالتي , والتي كما بدأتها سؤال يراود الكثيرون ممن يشككون بالقضاء والقدر , وقد تعرضت له كثيرا من أصحابي , ومع الأسف من بعض أفراد عائلتي وخاصة من الذين
ولدوا وترعرعوا في دول الغربة في الأوروبا وامريكا
وعاشوا بعيدا عن التربية الدينية الصحيحة ,
وعلى اعتبار أنني من المتدينين في أسرتي فقد تعرضت لهكذا سؤال , وعن تحريم الخمر مثلا لماذا لم يأت " حرمت عليكم الخمرة " مثلا , وكثير من الأسئلة عن المحرمات والحدود ,
وقد كنا نفتح حلقات كثيرة عندما نلتقي في سوريا في أوقات الإجازات , أما الآن مع وجود الأنترنت فقد أصبحنا نستطيع المداولات عبر الكمبيوتر وكأننا في جلسة واحدة .
ونحن بشوق كبير بانتظار كتابكم عن القضاء والقدر وعن الفرق والمذاهب من القدرية والجبرية ومن تحدثوا بهذه الموضوعات .
فلطالما قدمت المقبلات بهذه المقدمة فنحن بانتظار الدعوة للوليمة .
فنحن طلاب علم ننهل من معين علمكم وعلم الكتاب الكبار في هذا الموقع الرائع .
وما نشارك به ونتحدث عنه ما هي إلا خواطر تلهب أحاسيسنا وتلهم
أفكارنا باحثين عن الحقيقة ,
مرة ثانية أشكر لكم قبولكم لي كاتب متواضع في موقعكم ,
وأدعو الله لكم الثبات على الحق لم فيه مصلحة المسلمين جميعا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

4   تعليق بواسطة   هاني الدمشقي     في   الجمعة ٢٥ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً
[7487]

الأخ زهير قوطرش , الياسمين الدمشقي

الأخ العزيز زهير أشكر لك تعليقك اللطيف , وقد أثرت في نفسي
الشوق إلى الوطن بذكرك الياسمين الدمشقي ورائحة النانرج ,
فتقبل مني هذه الخواطر عن الحبيبة سوريا
وصلتني منذ أيام عبر الأنترنت :

سورية هي تلك الرغبة التي تعتريك لتناول " كاسة شاي "
وأنت تأكل ‏الجبنة البيضاء البلدية ، وذاك الخمول الذي يدفعك
بعد وجبة الغذاء الدسمة ‏إلى قيلولة غالية
سوريا هي ذاك المزيج الفوضوي الذي يجري في شوارع العاصمة ،
آلاف من ‏السيارات والبشر المختلطة وفق منظومة معقدة
سوريا هي تلك المنازل التي تحب السهر ،
‏وتبقى البيوت المتراكمة المتسلقة جبل قاسيون مضاءة
حتى يطفئوها الفجر ‏الذي يعلنه صوت الآذان

سورية هي فيروز الصباح وأم كلثوم " سيرة الحب "
في ليل دمشقي طويل أو ‏موال شجي عتيق على أنغام " قد حلبي"

سورية هي نشرة الأخبار بين عشق الرجال وكره النساء ،
هي السياسة التي ‏ندمنها دون أن نتعاطها

هي وجوه الناس التي ألفناها وقصص البيوت التي تناقلناها ،
هي النميمة في ‏صبحية " نسوان " و " قعدة " رجالية في مقهى
بين طاولة الزهر وعبق ‏الدخان

سورية هي جلسة حول " بحرة " في دار قديم تجمعنا " قرقعة " اركيلة ،
‏عشقناها وهي ترسم تنهيدة ألم في الهواء ،
هي عدوى الضحك على طرفة ‏‏" بايخة " تنتشر بين الأصحاب
وتتمادى لتصبح قهقهة عالية لا تعبأ لا ‏بالمكان والزمان

سورية هي محجبة وسافرة تعيش في بيت واحد ،
وطبخة " شاكرية " على ‏مائدة كريم دعا إليها كل الجيران ،
مسيحي ومسلم الكل يحمدون الله على ‏النعمة ويدعون أن يحفظها من الزوال

سورية هي ‏رائحة " الطبيخ " تفوح عند باب كل دار وقت الغذاء،
وجلسة دافئة لأفراد ‏العائلة حول مدفأة المازوت في ليلة باردة

سورية هي الحارة والأصحاب ، المدرسة والطريق الذي " تسكعناه " مئات
‏المرات ، هي الطاولة التي درسنا عليها والغرفة التي تشاركنا بها إخوة
‏وأخوات ، هي همومنا الصغيرة التي كبرت وأحلامنا الكبيرة التي تضاءلت
هي الذكرى التي تجمعنا في الماضي والأمل بلقاء في المستقبل قد لا ‏يكون

سورية هي الحب القديم ، هي القلب الذي خفق في صدورنا أول مرة
‏هي حلاوة اللقاء الذي كان وربما لن يتكرر ، هي الحياة التي انتزعناها من ‏عمر مضى واحتفظنا بها مجرد ذكريات

هي ضحك ، بكاء ، مئات الكلمات ، أحاديث وصور تبعثرت في ذاكرتنا
‏يستحضرها الحنين ويحفظها الشوق ونحن نعرف بأنه لا أمل لنا في اللقاء

سورية هي أيام عشناها في وطن كان .. نخاف أن يضيع ،
سورية هي ‏الحبيب الذي هجرناه ولم نستطع أن نعشق سواه ،
سورية هي الماضي الذي ‏منه ولدنا وعلينا أن نحرص لكي يكون المستقبل الذي يحيا أولادنا فيه

سورية كلمة عندما نسمعها ، تشتعل قلوبنا بالمحبة ، وتدمع عيوننا الحائرة ‏فرحا وحزنا ، وتتلعثم ألسنتنا مثل مراهق يريد أن يبوح لفتاته بكلمة .. " ‏احبك‎


أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-05-06
مقالات منشورة : 7
اجمالي القراءات : 471,551
تعليقات له : 22
تعليقات عليه : 36
بلد الميلاد : Syria
بلد الاقامة : Saudi Arabia