العرب ومخاطر ترجمة القرآن

سامح عسكر Ýí 2018-02-18


يدعي أكثرية العرب أن الإسلام يعني (عروبة) وأن اللغة العربية هي لغة أهل الجنة، بل منهم من بالغ ونسب العربية للنبي آدم، بل منهم من بالغ أكثر وزعم قدسية اللغة..ومنهم من بالغ أكثر وأكثر وقال أن الله يتحدث بالعربية..تخيل..!!..هذا رغم أن العرب لا يشكلون سوى أقل من (رُبع) المسلمين حول العالم، فكيف تحتكرون الدين بهذه الطريقة العنصرية وقد قال الله في كتابه.." إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".. [الحجرات : 13] ولم يقل أفضلكم تحدثا بالعربية..



الإسلام لكل البشرية ولكل الأجناس واللغات، صحيح لغة القرآن عربي لكن الإنجيل أيضا يوناني سرياني..والتوراه عبرية..ولا يعني ذلك أن هذه الأديان مرتبطة بقدسية هذه اللغات..إنما هي لغات بشر تلقت الوحي بلسانها وأمرت بنقل معانيه للناس مصداقا لقوله تعالى.." وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه".. [إبراهيم : 4]

وزي ما اليهود زعموا قدسية العبرية وربطوا بين العبرانية والخلاص الأخروي فعل العرب نفس الشئ..زعموا أن الخلاص لهم ، والفرقة الناجية تعرف العربية..ومن ذلك حرموا ترجمة القرآن للأعاجم..ولولا الجاليات المسلمة في الشرق والغرب وجهود التنويريين ما ترجم القرآن لأي لغة أخرى..

إنما مشاكل الترجمة تأتي من الحرفية اللفظية..اعتقاد قديم لأهل الحديث وانتشر ..أن قراءة معينة بحروف معينة هي المقدسة..وبالتالي لو لم توجد بدائل لها في الأعجمية فلا حاجة للترجمة ..رغم أن القرآن هداية وتقوى..والالتزام يأتي بفهم المعاني أولا وليس بالوقوف على حرفية النص اللي القراء نفسهم اختلفوا عليه بالعربية فما بالك بالأعاجم..

التاريخ المبكر للإسلام تأثر بلغات الشرق الأوسط (الفارسية والآرامية والعبرية ) بحكم الاحتكاك..فدخلت ألفاظ كثيرة منهم القرآن..يعني حتى الترجمة القرآنية (حرفيا) للأعاجم لن تكون دقيقة..لأن مثلا الترجمة من العربي للإنجليزي ليست كالفارسية للإنجليزي..ولكي تترجم كلمة عربية لليونانية يجب المرور على جذرها اللاتيني أولا لأنك ماعرفتش يوناني غير من اللاتيني..وهذه ما تسمى في حركة الترجمة (باللغة الوسيطة)

ومثال على ذلك دولة اليابان، لا يوجد شعب في العالم ينطقها يابان غير العرب..وتعريبك لها تأثر بأسلوب اللاتينية japan إنما اليابانيين لا ينطقوها كذلك بل ينطقوها نيبون Nippon لاحظ الفرق بين الألف والواو..إنت بتنطقها لاتيني أساسا مش ياباني..

كذلك فاللغة العربية بها خصيصة مشهورة سامية وهي تعدد المعنى للفظ الواحد..وهذا غير موجود في كثير من اللغات الأخرى كمثال كلمة.."ضرب" جاءت بأربعة معان مختلفة في القرآن

"وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر"[البقرة : 60]
"وضربت عليهم الذلة والمسكنة" [البقرة : 61]
"للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض"..[البقرة : 273]
" كذلك يضرب الله الأمثال".. [الرعد : 17]

الأولى بمعنى ادفع بيدك/ عنف، الثانية بمعنى فرض/ أمر/ عقاب، الثالثة بمعنى مشي/ حركة/ جهاد، الرابعة بمعنى قياس/ عظة ، تخيل عند ترجمة هذه الكلمات للأعاجم لن تستطيع خصوصا شعوب الهند وأوروبا، وقتها مضطر تترجمها (بالمعنى) وتسقط حروف القرآن معك التي قدستها بالعربية..ولا يعني ذلك عدم تعدد معنى ضرب في اللاتينية..هي مشترك لفظي لعدة معاني لكنها مختلفة عن معاني العربية.

أما لما تحب تترجم القرآن للصيني فمفيش حروف هتساعدك لأن مفيش أبجدية صينية مقابلة للعربية أساسا، ممكن الحرف الصيني يكون كلمة عربي وأحيانا يكون جملة بحيالها، وبالتالي الترجمة الحرفية للصيني مستحيلة..وهاتضطر تترجمه بالمعنى..

سبب هذه الحيرة هي شجرة اللغات وموقعها الجغرافي ، وبتوضيح أكثر فاللغات مجموعتين رئيسيتين (هندوأوربية) و (أفروأسيوية) توزعت حسب الجغرافيا،وكل أمة جاورت أو استعمرت أخرى تأثرت بها.. توجد مجموعات أخرى إنما هؤلاء شكلوا أغلبية لغات العالم..

الترجمة داخل كل مجموعة على حدا أسهل من انك تترجمها لمجموعة أخرى، وبالتالي عشان تترجم القرآن للغة الهندية فلازم تترجمه للإنجليزية أولا باعتبارهم أشقاء في نفس المجموعة الهندوأوروبية..إنما سهل تترجم القرآن للعبرية لأنهم أشقاء في المجموعة الأفروآسيوية ومكتسبين كل خصائص الفرع السامي..

أي عمليا لما الهندي يحب يعرف القرآن بلغته المحلية هيكون القرآن لاتيني مش عربي..وهنا الصدمة التي واجهت المترجمين وشككوا في مبدأ الترجمة أساسا..وصدمتهم بسبب تفسيرهم الخاطئ لآية.."كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا "..[الأحقاف : 12] وعرفوا اللسان باللغة وهذا غير صحيح، اللسان يحوي عدة لغات تفهمها مجموعة تعيش في منطقة جغرافية واحدة..زي اللسان المصري فيه عربي وفارسي ويوناني وفرنساوي..إلخ إنما قواعده النحوية مصرية..وكذلك اللسان المغربي فيه أسباني وانجليزي وفرنسي..إنما قواعدة النحوية مغاربية...أما القرآن فهو لسان عربي طبعا فيه فارسي وعبري وسرياني إنما قواعدة النحوية عربية..وهكذا

كذلك توجد آيات كاملة نمطها عربي والنحو فيها معقد للغاية كقوله تعالى.." إنما يخشى الله من عباده العلماء "..[فاطر : 28] هذه مستحيل تترجمها للغة أخرى الفاعل فيها متقدم كاللاتينية ، أو المفعول به لا يسبق الفاعل، أو أي لغة لا تعرف (الفاعل المؤخر)..وكذلك حروف الجر ليس لها معنى إلا ارتباطها بالاسم فحسب..وفي العربية حرف الجر (من) يعني (التبعيض) وبالتالي يقبل تخصيص العلماء بتجزئة العباد وقد لا يقبل شمولا على وصف كل فاعل للخشية على أنه عالم..وهذا تفسير مستحيل يصل لذهن الأجنبي لأن وقع الآية (المترجمة) إليه يصل بشكل مختلف لتركيبه النحوي الخاص به..

إن هذه الآية لها معنى مستنير حرفه الشيوخ وهو أن فعل الخشية مرتبط بالعلم، فالخوف من الله والمعرفة متلازمان، وعليه فكل عالم حقيقي يجب أن يخشى الله بالتزام طاعته وتجنب نواهيه، إنما الشيوخ قدموا العلماء على الخشية فأنزلوا صفة الخوف على فقهائهم...وبالتالي عرفوا رجالهم بالخوف..أي استبقوا التعيين على الصفة رغم أن الصفة مقدمة..وهذا لم يكن ليحدث إلا بتحريف معنى العلماء نفسه في آيات أخرى على أنهم (رجال الدين أو المتخصصين وحَمَلة الشهادات) رغم أن صفة العلم قيلت في حق كل متفكر ومتدبر في الكون بدلالة سياق الآية.." ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء "..[فاطر : 28] أي من علم اختلاف هذه الأشياء ووقف على طبيعتها والحكمة منها.

ولي مقال قديم في 2014 بعنوان.."من هم العلماء في الدين"..شرحت الآية بالتفصيل وبقرائن دالة على أن العلماء ليسوا هم رجال الدين والكهنة في العصر الحالي..

نعود لترجمة القرآن، وأزيد أن مشاكل الترجمة كثرت قديما وحديثا، منها مثلا ترجمة المفكر والرحالة النمساوي.."ليوبولد فايس"..الذي أسلم وغير إسمه إلى.."محمد أسد"..ترجم القرآن بطريقة مقبولة اشتهرت عند مفكري أوروبا..لكن غضبت عليه السعودية ومنعت ترجماته بسبب نزعته (الاعتزالية) فحتى تراجم القرآن تختلف حسب المترجم..وهذا يعني أن نقل النص العربي إلى الأعجمي بكامل هيئته مستحيل إلا لو نقل بصورة (معنوية) وهذا ما فعله أسد وأثار عليه غضب السلفيين، ويبدو أن مسلمي أوروبا فهموا الإسلام بعقلية اعتزالية بفضل ترجمات أسد..ولكن ليس جميعهم فهناك ترجمات أخرى تعمل كعبدالله يوسف علي..ومحمد محسن خان..وتقي الدين الهلالي وغيرهم

غير شيوخ المملكة المجيدين للإنجليزية، هؤلاء ترجموا القرآن بعقليتهم الوهابية، ورأيي أن معتنقي الفكر الوهابي في أوروبا هم ضحية لترجمات الوهابيين للقرآن بالأساس، خصوصا التفاسير وصحيح البخاري وشروحه..ويكفي العلم أن الداعية الهندي.."ذاكر نايك"..المتهم بالتطرف والوهابية والعنصرية قد أوصى في محاضراته بترجمة عبدالله يوسف علي، وربما ساعدت هذه الترجمة أنصار نايك على فهم كلامه باعتبار أن المترجم نفسه يعتنق الفكر الوهابي.

وهنا مصدر كلام نايك.. http://bit.ly/2BAH9Gr

وفي الفيديو يوصي بترجمات كثيرة ولكن لكل واحدة مهمة ووظيفة، فمحسن خان والهلالي للمسلمين فقط، وعبدالمجيد داريبادي لمقارنات الأديان، وأنا أسأل: لماذا فصلت بين ترجمة داريبادي وكلا من خان والهلالي؟..هذا يعني أنهم ترجموا بالمعنى، فما قاله خان والهلالي لا يليق لغير المسلمين، وما قاله داريبادي يليق كونه أكثر انفتاحا..والغريب أنه ذكر ترجمة محمد أسد ولم يعلق عليها، لكنها مذيلة..وكل مذيل غير مهم مما يثبت أن تلك الترجمة تحديدا غير مفضلة عند المتطرفين.

خلاصة الموضوع: أن ترجمة القرآن لأكثر من (ثلاثة أرباع) المسلمين ستؤدي لإضافة كلمات على القرآن من قِبَل المترجمين، وبالتالي يسقط المعنى الحرفي وتواتر اللفظ عند العرب..وفي الأمر خطورة عقائدية رآها شيوخ السلفية كمحمد حسان الذي أفتى سابقا بحُرمة ترجمة القرآن لهذا السبب، فهو علاوة على إضافة المترجمين كلمات من كيسهم بغرض نقل السياق فلربما يضيفون أيضا ما يوافق عقائدهم ويخالف صحيح القرآن حسب وجهة نظره..

وبالتالي فالقول أن الإسلام عربي هو قول غير صحيح..إذا كان (ثلاثة) أرباع المسلمين لا يفهمون العربية..وإذا كنت تُحرّم ترجمة القرآن أو ترى نقله كهيئته العربية أمر مستحيل..فهذا يعني أن (رُبع) المسلمين فقط من يفهمون الإسلام والباقي لا..فلماذا إذن قال الله.." وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".. [الأنبياء : 107] هذا يعني أن الرسول بعث للناس كافة ، كل من له علم وجاء إليه الخبر ببعثته..عرب وعجم..والسؤال المهم: كيف سيفهمه العَجَم إذن؟

أمامك خياران: إما تؤمن أن القرآن نص قديم لفظا ومعنى..حرفا ومبنى..وبالتالي لا يجوز ترجمته بالمعنى لعدم إسقاط الحرف، أو تؤمن كما آمن المعتزلة أن النص حديث لقوله تعالى.." ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون".. [الأنبياء : 2] وبالتالي كل حديث حادث لقوم بعينهم، فإذا انتقل الحديث لغيرهم وجب نقله بالمعنى الذي وصل الأوائل، ولا يلزمهم التقيد بالحرف إذن لأن الحرف ليس مقدس إنما المعنى..ولو في هذه الرؤية شك فعلاما اختلف القراء ومن قبل النساخون قبيل تجميع مصحف عثمان، وهل يقبل نصا وعقلا أن يقال ظل المسلمون يقرأون القرآن 10 سنوات بطريقة خاطئة بعد موت الرسول؟

هي مجرد أسئلة للتفكر ولا أجزم بشئ..إنما هي حجج لنقد الذات ومحاولة أكثر للاتساق مع النفس، فالله لن يحاسب الهندي بدين لا يفهمه، ولن يُفضّل العربي لأن (الحظ) وحده خدمه بنزول القرآن على لسانه، وأقول أن الإسلام دين عالمي فكما نطالب غيرنا بالإيمان يجب أن نقبل منهم الأسئلة أيضا والشكوك..فالمخالف من خالفك وليس من وافقك، وبالتالي كلامه هو في ذاته حجة إذا كان مبرهنا..وفي رأيي أن المسلمين الآن يتعرضون لأكبر حملة هجوم تستهدف دينهم من الجذور بسبب انتشار داعش وسيطرة خطاب أحادي متطرف..وعولمة الدين تساعد أكثر في تنقيته من رواسب النظرة العربية الوهابية التي ما إن دخلت مكان فيه مسلم إلا وأفسدته.. 

اجمالي القراءات 4808

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2012-09-25
مقالات منشورة : 788
اجمالي القراءات : 8,049,935
تعليقات له : 102
تعليقات عليه : 410
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt