رمضان والمصريون في المهجر
وجهت في مقال سابق تحية وتهنئة بشهر رمضان الكريم لسجين الرأي والضمير د. أيمن نور، رئيس حزب الغد، والذي نافس الرئيس حسني مبارك بجدارة في انتخابات الرئاسة عام ٢٠٠٥، والآن ما زال يدفع ثمن جرأته، حيث تم افتعال قضية يعتقد الكثيرون أنها مُلفقة من الألف إلي الياء، وأدانه فيها نفس القاضي الذي سبقت إدانته لي ولآخرين من معارضي النظام.
كما وجهت تحية وتهنئة بالشهر الكريم إلي من يزالون في نفس سجن مزرعة طرة، الذين قهروا وحشة السجن بدفئهم الإنساني وخاصة في شهر رمضان.
وقد شاءت ظروف المنفي، أن أقضي شهر رمضان هذا العام في الولايات المتحدة، حيث أعمل أستاذاً زائراً بجامعتي إنديانا وهارفارد.
كما أنني أتجول في مدن أمريكية أخري، مُحاضراً، أو مُشاركاً في مؤتمرات وندوات. ومن ذلك أن أول أيام رمضان كان في مدينة بلومنجتن، حيث احتفلت الجالية الإسلامية بإفطار رمضاني جماعي حضرته حوالي خمسين عائلة، أحضرت كل منها طبقاً من مأكولاتها الوطنية.
فكانت المائدة الممتدة في إحدي قاعات جامعة إنديانا عامرة بمأكولات شهية من إندونيسيا، والهند، وإيران، وأفغانستان، والعراق، وسوريا، ولبنان، ومصر والمغرب.
وفي الأيام الأربعة التالية سافرت إلي واشنطن العاصمة، لاجتماعات في الكونجرس والخارجية، وبيت الحرية، ومع هيئة تحرير صحيفة الواشنطن بوست. وكانت القواسم المشتركة في هذه اللقاءات هي الحديث عن أوضاع حقوق الإنسان والحريات العامة في مصر، وسجناء الرأي والضمير، وفي مقدمتهم أيمن نور، والمطاردات التي تقوم بها السلطات المصرية ضد «المدونين»، وأعضاء حركة ٦ أبريل، ورؤساء تحرير الصحف المستقلة. وقد ذاعت أسماء إبراهيم عيسي، وكريم عامر، وإسراء عبد الفتاح، كرموز لهذه المطاردات.
ولكن مع اقتراب موعد الإفطار كانت مجموعات من المصريين في منطقة واشنطن، يتجمعون في منزل أحدهم لتناول وجبة الإفطار جماعياً. وأثلج صدري كثيراً أنه في الليالي الأربع التي حضرت فيها هذه الموائد الرمضانية، لم تخل أي منها من مشاركة الأخوة الأقباط.
وسعدت كثيراً بلقاء أبو الجيولوجيين المصريين، وأستاذ الأجيال الدكتور رشدي سعيد، الذي يقترب من عامه التسعين، وقرينته أستاذة الفلسفة، الدكتورة وداد سعيد.
وكان المضيف في تلك الليلة الدكتور الشيخ أحمد صبحي منصور، الأزهري القرآني، الذي أصبح ظاهرة جديرة بالتنويه في القارة الأمريكية، بسبب أطروحاته الدينية المستنيرة، والتي استرعت اهتمام متدينين من أبناء الديانات السماوية الأخري، فسارعوا بالاتصال به والتحاور معه. وجاء بعضهم للمشاركة في الإفطار الرمضاني الحافل، الذي أعدته قرينته، السيدة منيرة منصور.
وكعادة المصريين امتدت أحاديثهم وقفشاتهم والتعبير عن همومهم وهموم وطنهم الأم. ولكن الشباب من بين من حضروا الإفطار أبهروا الكهول بمبادراتهم الخلاقة. من ذلك مبادرة تقوم بتنسيقها المحامية الشابة دينا رزق جرجس والباحث النابه شريف منصور، والتي اختاروا لها اسم «أصوات من أجل مصر ديمقراطية».
وفلسفتها الدعوة لدعم الحركات الشبابية الجديدة في مصر ـ مثل كفاية، وشايفنكو، وحركة ٦ أبريل ـ وتعريف الرأي العام العالمي بها، والدفاع عمن يقع من أعضائها في قبضة الأجهزة الأمنية المصرية.
وتصدر عن «أصوات من أجل مصر ديمقراطية» مجلة إخبارية إلكترونية أسبوعية، كل خميس، تحتوي أهم أخبار الوطن المصري، وأبرز الآراء والمساجلات التي تدور علي الساحتين المصرية والأمريكية.
ويختلف الجيل الجديد من المصريين الأمريكيين عن جيل الكهول، في أنهم لا يضيعون وقتاً طويلاً في الشكوي والبكاء علي الأطلال. كما أنهم لا يستغرقون كثيراً في الأحلام و«الينبغات» (أي ينبغي هذا، وينبغي ذاك). إنهم أكثر عملية وحركة وقدرة علي التنفيذ والإنجاز.
وبهذا المعني فهم يجمعون بين أفضل موروثات الوطن الأم من حيث الاعتزاز بالانتماء لمصر، وأفضل مكتسبات الوطن الأمريكي الجديد ـ من حيث مهارات التحليل والتخطيط والتنفيذ. فهم لا يقتربون من أي مشكلة إلا إذا كانت قابلة للحل.
وفي أمسية رمضانية أخري جمع مضيفنا، الاقتصادي المصري د. نعيم الشربيني حول المائدة السفير الأمريكي السابق بالقاهرة، فرانك ريتشاردوني وقرينته ماري وابنتهما فرانشيسكا التي كانت قد أنهت دراسة الماجستير في القاهرة، وكنت أحد أساتذتها. وكذلك عالم الطبيعة المصري د. فؤاء طيرة، وأستاذ هندسة الإنتاج د. ناجي حنا وقرينته، والتربوية المصرية د. سامية هاريس، وشيرين المصري، الخبيرة في مناهضة التطرف والإرهاب.
وأتحفنا د. فؤاء طيرة بموشحين، أحدهما بكائية علي «مصر طفولته وصباه وشبابه»، وهي مصر الليبرالية المنفتحة المتسامحة، ذات الميادين الأنيقة والمعمار الحضري الرفيع المستوي، وكيف أنه في زيارته الأخيرة لمصر منذ شهور لم يعد يتعرف عليها أو علي أهله، أو بقية أهل مصر الذين «تدروشوا، والتحوا، وتحجبوا، وانقسموا إلي مسلمين وأقباط، وانقسم مسلموهم إلي متدينين متشددين، ومتدينين عاديين، وانقسم أقباطهم إلي أقباط متشددين تدور حياتهم في فلك الكنيسة وهم الأغلبية، وقلة منهم هاجرت بعقلها إلي خارج مصر، في انتظار تأشيرة خروج إلي أستراليا أو أمريكا»!
وتذكر بعضنا المشهد الأخير من فيلم «عمارة يعقوبيان»، حيث وقف زكي بك، إحدي شخصيات رائعة علاء الأسواني، وهو يتحسّر بصوت مفعم بالأنين والحنين لنفس مصر الليبرالية التي يبكيها د.فؤاء طيرة... وضاعف من المقارنة أنه يشبه بالفعل الممثل القدير عادل إمام.
ورغم تأثرنا ببكائية فؤاء طيرة، إلا أن مضيفنا كان لابد أن يغير دفة الحديث، احتراماً للسفير فرانك ريتشاردوني وأسرته، التي بدت متأثرة للغاية بحديث عالم الطبيعة المصري. فطلب د. نعيم الشربيني منه أن يمتعنا بفاصل من أغانيه الشعبية المفضلة.
وهنا اكتشفنا في د. فؤاد طيرة مطرباً رائع الصوت وزجّالاً وشاعراً موهوباً. وحينما بدأ يصدح بأغاني الشيخ إمام وكلمات الشاعر أحمد فؤاء نجم، تغير جو الأمسية إلي لية عربية ـ مصرية مُبهجة.
وشارك فرانك ريتشاردوني باندماج تام، فهو يفخر بأنه سفير صوفي من مريدين «السيد البدوي»... ولم يغادر الضيوف منزل د.نعيم الشربيني إلا قرب الفجر.
إن عالم الطبيعة المصري فؤاد طيرة هو أحد مفاخر المصريين في الولايات المتحدة. وإنجازاته العلمية في فرع «الفيزياء الجيولوجية» Geophysics تجعله مُرشحا دائما لأرفع الجوائز العلمية، ولكن قدراته الفنية الغنائية هي التي ستبقي في ذاكرة من حضروا تلك الأمسية الرمضانية الفريدة.
فسبحان الله.. ورمضان كريم
اجمالي القراءات
11501
استاذنا الفاضل – الأستاذ الدكتور – سعد الدين إبراهيم ..كل سنة وحضرتك طيب .وإن شاء الله رمضان القادم تكون بين أهلك واحبابك واصدقائك وزملائك وتلامذتك فى مصر .لقد أحيى شجوننا الدكتور – سعد الدين إبراهيم – بحديثه عن رمضان والغربة . فالحديث عن المناسبات من أمثال شهر رمضان والعيدين ،يكون وقعهما أكثر تاثيرا على المهاجرين فى الداخل والخارج .من أمثال المهاجرين المقهورين المظلومين فى سجون النظام المصرى ،ومن المهاجرين نتيجة لعوامل الطرد والإضطهاد والمناخ الكاره لأبناءه من النظم السادية الفاشية العسكرية، والتى لا يزال يقبع بها نظام مبارك على حكم مصر .
ولو عدنا إلى الحديث عن موضوع المقالة وما حوته من ذكر لموائد الإفطار الرماضنية الجماعية .ومنها مأدبة إفطار المركز العالمى للقرآن الكريم الرمضانية .فهذا ليس بمستغرب عن الأستاذ الدكتور – أحمد صبحى منصور . ويبدو أنه هاجر ومعه كل عاداته الأصيلة من الكرم، سواء كان كرم من كرم الضيافة أو كرما من نشره للثقافة والعلم والمعرفة ، فالدكتور منصور – كان أينما حل فى بيته (فى قريته ) أو فى أى مكان آخر .يكون بمثابة جامعة علمية متنقلة يلتف حوله الأسرة والأصدقاء والأحباب ،يلقون عليه الأسئلة من كل حدب وصوب وفى كل المجالات المتعلقة بالقرآن والحديث و الفقه والشريعة والتاريخ والسياسة .والرجل بكل تواضع يسمع للصغير والكبير ويجيب على أسئلتهم جميعا وبالتفصيل .وإن كانت هذه الأوقات على حساب راحته الشخصية وعلى حساب أسرته ،إلا أن من يجلس معه لا يتمنى أن يفارقه لحظة لما يتعلمه منه ،ومن إحساسه (اى المتلقى ) بصدق هذا الرجل وإحساسه بما يقول وأنه نابع عن إيمان بما يقول ،وأحيانا مختلطا بمرارة على أوضاع وطنه وأمته وضياعهم بين شيخ جاهل وبين حاكم ظالم فاسد مستبد .ويبدو انه حمل همومه ومخاوفه على وطنه وأمته على أكتافه فى بلاد المهجر ،وراح ينادى بفكره بين المثقفين العرب والمسلمين والغربين ،ليقول لهم إن هناك تدين آخر وفهم آخر لمفاهيم الحق والعدل والسلام والرحمة وحقوق الإنسان بين سطور القرآن الكريم وآياته ،يختلف فهم مصطلحاتها عما فهمه مشايخ التراث فى الماضى ،وعما يفهمه ابناء السلفين من وهابيين وإخوان وجهاديين وغيرهم فى الحاضر ، حتى بات بفكره ومقولاته حديث كثيرا من المثقفين وأصحاب الرأى من المهاجرين والمواطنين فى المجتمع الأمريكى ...والغريب أن كل هذا بإمكانات قليلة أو تكاد تكون معدومة ،وبمقر للمركز لا يتجاوز ان يكون جهاز كمبيوتر قديم مستعمل ونصف حجرة من حجرات منزله هو وأولاده واسرته . وانه يواجه بهذه الأمكانات الضعيفة المعدومة تأثير ملايين ومليارات دولارات وريالات الفكر السلفى والوهابى المتطرف . بل إنه كثيرا ما تعقد ندوات ثقافية وحوارية على مئادب إفطار(رمضانى ) أو عشاء فى الأيام العادية بمقر المركز (اى بمنزله ) ،يحضرها ضيوف عدة لا فرق بينهم بين مسلم مسيحى ،بل ربما تكون الأغلبية من الضيوف أحيانا من اصحاب الديانات الآخرى وخاصة من المسيحين .
وكذلك فقد دخل المركز فى صداقات وإتصالاتمع كثير من منظمات المجتمع المدنى ،ومراكز حقوق الإنسان الأمريكية ،للدفاع عن المقهورين والمظلومين من أبناء مصر فى الداخل والخارج .
فتحية للدكتور –منصور – على جهده العظيم – وتحية لأهل بيته –على ما تكبدوه وما يتكبدوه الآن من مشاق ومتاعب فى إيصال الفكر القرآنى ونشره .
كما أنوه أن العبأ ثقيل يا أهل القرآن فالمستقبل لكم فإستعدوا له وتسلحوا له بالفقه القرآنى وعلوم اللغات الآخرى (الإنجليزية والفرنسية على الأقل ). لأننا نعانى الآن من أن من لديه العلم ليست لديه اللغة (اقصد الإنجليزية أو الفرنسية) ،ومن لديه اللغة ليس لديه كثير من الفقه القرآنى .فنتمنى أن نتغلب على هذه المشكلة ولو فى زمن أبنائنا .
ومرة آخرى – شكرا لأستاذى الدكتور – سعد الدين إبراهيم – على هذه المقالة ،وكل سنة وحضرتك طيب.