رؤية موضوعية لحزب الله
بالنسبة لحزب الله تكلمنا عنه كثيرا
لكن لصعود أخباره للواجهة سنتحدث بطريقة أخرى، ولنفهم عدة أشياء:
أولا: حزب الله هو منتج طبيعي للحرب الأهلية اللبنانية التي اختلطت فيها الدوافع ما بين أيدلوجية ودينية وسياسية، والحزب بما إنه منتَج لتلك الحرب فهو يجمع في جنباته كل هذه المؤثرات.
ثانيا: الحزب نشأ بداية الثمانينات، لكن موقف الإكليروس الديني (مسلم مسيحي) لم يتحدد من الحزب إلا بعد عام 2006 بسبب انتصاره على إسرائيل واحتمالات التخوّف منه (كقوة دينية صاعدة) وليست فقط سياسية، أي أن مخاوف خصوم حزب الله (الدينيين) يجب تفهمها والعمل على حلها من بين ذلك، مخاوف أهل السنة في لبنان وبقية طوائف المسيحية إضافة للدروز.
ثالثا: الحزب له وجهين سياسي وعسكري، الأول فيه هو جزء لا يتجزء من المجتمع اللبناني، وممثل اجتماعي وبرلماني لطائفة الشيعة مع حركة أمل وهؤلاء تقريبا (نصف الشعب اللبناني) أي أن إلغاء دور حزب الله هو في الحقيقة مواجهة مع الشعب اللبناني نفسه ومع دولته ومؤسساته التشريعية، بالضبط كحركة الحوثيين في اليمن التي أصبحت ممثل معنوي لطائفة الزيود التي يبلغ تعدادها 40% من الشعب.
وملخص ذلك: أن القول بضرورة إنهاء وجود حزب الله في لبنان شبيهة بضرورة إنهاء وجود الحزب الجمهوري في أمريكا وحزب العمال في بريطانيا وحزب الخضر في ألمانيا..مع الفارق طبعا، لكن كل هذه أحزاب ممثلة لطوائف من الشعب، حتى لو تم إنهاءه سيظهر من يمثل تلك الطوائف اللبنانية على نفس مبادئ الحزب التي هي أصدق تعبير عن ثقافة مجتمع الجنوب اللبناني.
رابعا: أما الجانب العسكري فهو الأقوى ، ويعتبر حزب الله أقوى الجيوش الغير نظامية في العالم، وبسبب عدم نظاميته يصنفه البعض كميلشيا وهذا توصيف احتقاري، لكن للحزب دور في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وصد خطر داعش والقاعدة على حدود سوريا، مما يضع ميلشياته هذه ضمن (القوى الوطنية) وجيشه أمن قومي، وهذا يفسر تأييد الرئيس ميشيل عون له مؤخرا وتصريحات مسئولي لبنان كلها تصب في نفس الاتجاه أن حزب الله قوة وطنية وجيشه لصد الخطر على لبنان..
خامسا: إنجازات الحزب ضد داعش والقاعدة وإسرائيل أعطت له قبول مجتمعي لبناني لاسيما من طوائف المسيحيين والدروز وبعض أهل السنة في الشمال، وشعبيته آخذة في التصاعد محليا، أي أن مطلب القضاء عليه الآن (غير منطقي) أنت فشلت في ذلك وهو ضعيف في طور التكوين كيف تستطيع وقد أصبح الأقوى بلا منازع.
سادسا: خطأ جدا تناول الحزب من منظور عقدي طائفي فالحزب ليست لديه مرجعية دينية مستقلة عن (قم والنجف) وفقهاءه يدينون بالتبعية لمراجع إيران والعراق، وفكرة الإكليروس لا يعرفها الحزب في الداخل لأن طبيعته (سياسية أيدلوجية) والمخاوف من طبيعة الحزب الشيعية هي فقط التي أوحت لخصومه بتلك الصورة، وفي تقديري أن هذا التناول الخاطئ نتيجة للحرب الإعلامية السعودية السلفية على الحزب بعد انتصار عام 2006 أي أن رؤية الحزب كطائفي هو عمل طائفي بالأساس..
سابعا: التفكير الشيعي لا يؤمن بالجهاد العالمي وتكوين دولة الخليفة بالغزو، والحقبة الفاطمية فلسفيا أسست على أطماع أسرية كالتي سادت في العصر العباسي الثاني وبسببها تكونت أكثر من دولة شيعية (كالحمدانية والبويهية) بينما التفكير الجهادي ليس وراثيا ويؤمن أن الخليفة بالمبايعة ، وبما أن قيادة حزب الله شيعية فهي لا تؤمن بهذا النوع من الجهاد ، بالتالي هي لا تؤمن بالتوسع خارج لبنان على شاكلة الحركات الإرهابية الأخرى كداعش والقاعدة والإخوان، وضم حزب الله لتلك الحركات خطأ منهجي شائع بأثر الدعاية الإسرائيلية التي وصفت الحزب بالإرهاب.
وعلى من يضم حزب الله لتلك الجماعات أن يعُرف الحزب وسرديته الفكرية ، فالأزمة حتى طالت بعض المثقفين الذين تأثروا بالهجوم الإسرائيلي السعودي في أعقاب حرب لبنان الأخيرة واستخدموا مصطلحاته خطأ، فالحزب يؤمن بالدولة والبرلمان والنظام السياسي اللبناني وبالقانون وبالجيش حتى..ولديه مشروعات اجتماعية وسياسية في الداخل مع مسيحيي الوسط وسنة الشمال ودروز الجبل، أما الانسياق لتلك المصطلحات السعودية الإسرائيلية هو جهل بالثقافة وبالواقع معا.
ثامنا: خصوم حزب الله الآن هما دولتين (إسرائيل والسعودية) باستبعاد التأثير الأمريكي كي لا ننجر لنظرية المؤامرة، فإسرائيل هي دولة احتلال وخصومتها هنا دفاع عن الاحتلال، أما الغير مفهوم هو خصومة السعودية له، فلا توجد حدود مشتركة ولا حتى مصالح سوى أن السعوديين يدعمون لبنان طائفيا بدعم مجتمع السنة (فقط)، وهذه الطريقة من التفكير هي من وجهة نظري العامل المؤثر في ذهنية آل سعود، فهم يتناولون لبنان طائفيا ثم يتهمون الحزب بالطائفية، والسؤال: ماذا لو دعمت السعودية مجتمع الشيعة في الجنوب (الأفقر لبنانيا) وحلت مشاكلهم وأنفقت عليهم مثلما أنفقت على إخوانهم السنة هل كان سيخرج حزب الله ممثلا لهؤلاء ضدهم؟
التفسير السياسي الوحيد لما يحدث أن حزب الله ممثل لمجتمع شيعي لبناني كاره لآل سعود ونفوذهم في المنطقة، يعني قصة الحرب مع الحزب هي حرب مفتوحة مع الشعب هناك أصلا..وكان الأولى للسعودية أن تبحث عن طرق اتصال مع هذا المجتمع قديما وحديثا لكنها لم تفعل وفضلت التعامل بمنطق طائفي حتى استفحل الوضع وخرج عن سيطرتهم.
تاسعا: لبنان قبل 100 عام كانت أغلبيتها مسيحية مارونية مع أقلية كبيرة للدروز، الآن تغير الوضع بفعل التبشير السني الشيعي وتقلص عدد المسيحيين إلى الثلث تقريبا، والتغير هذا حدث بفعل حروب القرن العشرين، أي أن فكرة الحرب تخدم هذا النوع من التبشير أصلا، وعلى كل من يريد تقليص نفوذ المذاهب الإسلامية في لبنان أن يدعم السلام فيها ويضع تلك المذاهب في مواجهة مع الشعب، أما فكرة الحرب فهي تعزز من موقف تلك المذاهب.
عاشرا: حزب الله بالفعل هو منظمة إرهابية ولكن (بالنسبة لإسرائيل فقط) فهو متورط في قتل اسرائيليين في أوروبا وبتفجير السفارة الأمريكية في بيروت وأخيرا مقتل 150 إسرائيلي بصواريخه في حرب لبنان ، لكن لو أفردنا الحبل على اتساعه فإسرائيل هي دولة إرهابية لقتلها رموز الحزب وآلاف المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين، أي أن الاتهام في حقيقته هو من إرهابي (لإرهابي آخر) حتى بالنسبة لبعض الشعوب فإسرائيل متورطة في اغتيال شخصيات مدنية عربية..وهذا سلوك إرهابي ميليشياوي تفعله الدولة، فقبل البحث عن من هو الإرهابي..علينا البحث أولا عن (من هو القائل)..
حادي عشر: لا يمكن الاستغناء عن موقف روسيا والصين اللذان يران الحزب (جبهة مقاومة لداعش) ولا موقف رئيس لبنان ومؤسسات الدولة المحلية التي ترى الحزب جهة وطنية، ولا أن نستغني عن رعاة اتفاق الطائف الذي تعامل مع الحزب ككيان لبناني، ولا عن رعاة اتفاق الدوحة الذي تعامل مع الحزب أيضا بنفس المنظور، فالتفكير المنحاز لجهة دون اعتبار لرؤية الجهة الأخرى منطقيا هو خطأ..على الأقل يضعوا مخاوفهم في الحسبان وأن يدرسوا المجتمع اللبناني قبل الحُكم.
ثاني عشر وأخير: حزب الله استمد شرعيته من الدفاع عن لبنان، فيجب عليه أن يحافظ على تلك القوة، ولا يتورط في صراعات ومناطق أخرى، ودعمه للحوثيين في اليمن أرفضه بشدة فالحزب هنا أصبح طائفي أيدلوجي عابر للحدود، وانتقائيته بدعم ثورة البحرين دونا عن بقية الثورات إضافة لتدخله بسوريا، لكن للإنصاف فدخوله حرب سوريا كان دفاعا عن النفس ضد جماعات وهابية سلفية تعبر الحدود لاجتياح لبنان، وفعلوا ذلك في مناطق عرسال والقلمون وغيرها، لكن ونحن الآن على مقربة انتهاء حرب سوريا فعلى الحزب العودة لثكناته وعدم التدخل في الشأن السوري محليا..وأن يركز خطابه فقط على جوامع ومشتركات أممية تجمع شعوب المنطقة من بينها مواجهة إسرائيل والتطرف الديني..غير ذلك سيضعف الحزب بفقدان مصادر قوته.
وعلى الحزب أن يؤمن بالحداثة ويعض عليها بالنواجذ، وأن يفصل بين الدين والسياسة فصلا تاما يصبح فيه الانتماء مشروع والتعصب مذموم، ومشاركته حتى الآن في السياسة اللبنانية تحقق هذا الهدف لذلك هو ناجح، أما لو حاول السيطرة أو نشر أفكار حزبية وفرقية وقتها سيضعف وينتهي، فالبشر يكملون بعضهم بعضا وما ينقص أفراد الحزب يتمه آخرون، وما ينقص الآخرين يتمه الحزب..وهكذا..
اجمالي القراءات
8355