آحمد صبحي منصور Ýí 2017-07-29
نقد كتاب خليل عبد الكريم :( قريش من القبيلة الى الدولة المركزية )
مقدمة :
طلبت جريدة الهلال منى تقييما موضوعيا لكتاب أثار ضجة فى حينه ، وهو كتاب الاستاذ خليل عبد الكريم ( قريش من القبيلة الى الدولة المركزية ) . أعددت المقال ، وتم نشره فى مجلة الهلال عدد فبراير1995 ، وقد كان ضمن ملف عن هذا الكتاب. عثرت على المقال بالصدفة ضمن أوراقى ، وأنشره الآن .
أولا :
1 ـ قبيلة قريش هي القاسم الأعظم من تاريخ المسلمين ، فهي التي حملت إسم الإسلام خارج الجزيرة العربية فى الفتوحات ، والتى بها عرف العالم صورة للاسلام لا تزال سائدة عنه حتى الآن ، الاسلام بمعنى الغزو والفتح ، وهو ما يخالف جوهر الاسلام الحقيقى القائم على السلام والعدل والاحسان . وإلى قريش ينتمي الخلفاء الراشدون وغيرهم من الأمويين والعباسيين والفاطميين ، وهم الذين أثّروا في تاريخ العالم في العصور الوسطى فيما بين الهند شرقا إلى جنوب إيطاليا وفرنسا غربا . هذا في الناحية السياسية .
2 ــ أما من الناحية الثقافية فإن تدوين التراث الإسلامي والعربي قد تم في أحضان عصور الخلفاء المنتمين إلى قريش ، لذا كان طبيعيا أن يتضخم دور قريش التاريخي والثقافي من ناحية الكم ، وأن يصل إلى درجة القداسة من ناحية الكيف، ولذلك أصبحت قريش فى تراث المسلمين مرادفا للإسلام ، ولأن الخلافة تركزت فى قريش قرونا طويلة فقد راج حديث يقول ( الأئمة من قريش ) يجعل مشروعية الحكم لقريش وحدها .
3 ـ وخطورة هذا الاتجاه أنه قد يوحي باستنتاج مؤداه أن الإسلام كان وسيلة اخترعتها قريش لتكوّن به دولتها العاتية . وهو إستنتاج خاطىء ، فالاسلام ليس إختراعا بشريا ، ولكن الصحيح أنه قامت قريش ( والأمويون بالذات ) بإستخدام الاسلام بعد موت النبى محمد عليه السلام فى الفتوحات ( العربية القرشية ) من عهد الخليفة الأول أبى بكر ، وبعد الفتوحات حدثت الفتنة الكبرى أو الحروب الأهلية التى أوصلت الأمويين الى الانفراد بالحكم فطوروا الامبراطورية العربية ووصلوا بها الى أقصى إتساع ما بين حدود الصين والهند شرقا الى جنوب فرنسا غربا . أى إن قريشا هى التى استخدمت الاسلام لتحقق به دولتها داخل وخارج الجزيرة العربية . وهذا يناقض جوهر الاسلام السلمى العدلى ، يؤكد هذا أن الأمويين قد وقفوا ضد الإسلام في مكة وحاربوا النبى والمسلمين فى المدينة حرصا على مصالحهم التجارية والسياسية ، فلما إنتشر الاسلام رغم أنوفهم وأصبحت وضعهم فى خطر أسرعوا بالانضمام اليه قبيل موت النبى حرصا على مصالحهم . وكذلك سار على طريقهم العباسيون فى استخدام اسم الاسلام خلال دعوتهم " للرضى من آل محمد". ثم في تدعيم سلطاتهم ..
4 ـ أما القول بأن قريش اخترعت الإسلام لتبنى على أساسه دولتها فذلك افتراض ساذج ، قد يجد صاحبه بعض أدلة متفرقة تؤيده في كتب المناقب والأخبار التي تمت تدوينها في عصر الخلفاء غير الراشدين من القرشيين ، ولكن القرآن ينفي ذلك القول ، فآياته تتهم صناديد قريش بالكفر وتحض على كراهيتهم وحربهم .. والقرآن لم يذكر كلمة " قريش" إلا مرة واحدة دعاهم فيها للهداية وتذكر نعم الله عليها ، فلما ظهر جحودهم نزع عنهم الولاية للبيت الحرام بسبب كفرهم وصددوهم ..
ثانيا :
1 ـ ما سبق مقدمة ضرورية ندخل بها في قراءة سريعة لكتاب " قريش : من القبيلة إلى الدولة المركزية " للأستاذ خليل عبد الكريم ، إذ أن الواضح أن المؤلف يحرص أشد الحرص على ألا يأتي باستشهادات قرآنية بقدر حرصه على الاستشهاد بالروايات الإخبارية واجتهادات الباحثين السطحيين لكي يؤكد أن هناك هدفا محددا حرصت عليه قريش منذ وجودها ، وهذا الهدف هو إقامة دولة مركزية ، وانه قد عمل لهذا الهدف قصي بن كلاب المتوفي سنة 480 م . ثم أحفاده من بعده ، إلى أن تم تحقيق الحلم بعد قرنين على يد حفيد ( قصي بن كلاب) وهو ( محمد بن عبد الله ) عليه السلام . هو إفتراض ساذج ، لأنه يعنى أن يكون أحفاد قصى بن كلاب يدا واحدة ، وهم ما كانوا كذلك ، لأن أشهر أحفاد قصى كان الهاشميون والأمويون ، وقد تنافسوا قبل الاسلام ، وتعاركوا بعد بعثة الاسلام ، ووقف أبو سفيان الأموي ضد النبى محمد الهاشمى ، وبعد موته كانت الحرب بين (على ) الهاشمى و معاوية الأموى ، وتكررت الحروب ين الهاشميين والأمويويين فى عصر الدولة الأموية .
2 ـ ينسى المؤلف هذا ، لصالح هدفه الذى يريد إثباته ، وهو أن الاسلام اختراع قرشي لتأكيد المشروع السياسي . ولو كان كذلك لوقفت معه قريش كلها طالما ستتصدر العالم بهذا الاسلام المصنوع . ولكن قريشا حاربت الاسلام والرسول عليه السلام فى مكة وفى المدينة بما استوجب تشريع القتال الدفاعى . وهذا ما تجاهله المؤلف تماما ، ضمن تجاهله آيات القرآن الكريم وتركيزه على الروايات التاريخية التى صيغت بعد موت النبى محمد عليه السلام بقرون .
3 ــ قضية إقامة الدولة فى الاسلام كان يجب أن تكون مدار بحث المؤلف طبقا لمقتضيات البحث العلمي وضروراته . هل كان النبى محمد يريد إقامة دولة ، أم مجرد إصلاح ملة ابراهيم . هذه هى القضية المحورية التى تجاهلها المؤلف ، وهو الذى يجعل عنوان كتابه: ( قريش من القبيلة الى الدولة المركزية ).
هنا نرى القرآن حاسما فى التركيز على الدعوة الى الايمان بالله واليوم الآخر وأن محمدا تابع لملة ابراهيم ، وأدلة قرآنية بالمئات فى الـتأكيد على أنه لا إله إلا الله ، وقصص للأنبياء وضرب أمثلة ، ورد على أقاويل المشركين ، مع الأمر بالصبر على أذى الكافرين من قريش . هذا كله فى مكة. ثم بعد الهجرة يتضح الحاجة الى إقامة دولة كنظام سياسى يقوم بالرد على هجوم قريش ، وبهذا نزلت آيات القتال الدفاعى . واعداد الجيش وتأسيسه يعنى إقامة دولة ، وهذا ما كان . أى إن قريشا هى السبب فى تكوين دولة للنبى والمؤمنين ، ولو تركتهم بلا إكراه فى الدين لعاشوا فى مكة آمنين فى كنف قريش ،وما قامت لهم دولة خارج مكة ، ولكنها هى التى حاولت إكراه المؤمنين فى دينهم وأرغمتهم على الهجرة من مكة وتابعتهم بالقتال بعد هجرتهم الى المدينة ـ وكانوا مأمورين بكف ايديهم عن الدفاع عن أنفسهم ـ ثم نزل لهم الإذن بالقتال الدفاعى . فحدثت المواجهة بين النبى وقريش ، وتطورت الى أن دخل العرب فى دين الله أفواجا ، وصاروا دولة واحدة ، دخلت فيها قريش المنهزمة فى النهاية .
4 ــ أهمل المؤلف آيات القرآن الكريم ، مع أن القصص القرآنى كان يتابع النبى وأعداءه من قريش ، أى كان تأريخا معاصرا لما يحدث وقتها ، وطالما يتحدث المؤلف عن قريش فلا يستقيم أبدا تجاهل ما قاله القرآن عن أهلها والملأ منهم . والمضحك أن المؤلف إستعاض عن القرآن بروايات تاريخية معظمها خرافى فى إطار ما جعله تفسيرا للمؤثرات الاجتماعية في القصائد والرسوم الدينية وصلتها بما كان سائدا في الجزيرة العربية وفى مصر القديمة قبل الإسلام ، وموقع الكعبة في مكة وقيام قريش حولها ..
بإيجاز نقول : أفاض المؤلف في تأكيد نظريته التآمرية المضحكة فى أن قيام دولة قريش تحت لواء الإسلام في عهد النبي سبقتها جهود مضنية بدأها (قصي بن كلاب ) ثم أحفاده إلى أن استطاع ( محمد بن عبد الله ) بالإسلام تحقيق الأمل المنتظر ، مستخدما كل الظروف الاجتماعية والدينية والاقتصادية في الجزيرة العربية .واقتنص المؤلف أسانيده من كتب الروايات والمناقب ومنها ما يؤكد على حب النبي لقومه من قريش وإيثاره لصناديدها ، ثم ينهل من تاريخ الخلفاء الراشدين ما يؤكد على تحيزهم لقريش ..
5 ـ ونحن نضع هذه الملاحظات على ما ذهب إليه المؤلف من آراء وأسانيد :
5 / 1 ـ إن القرآن يؤكد على سماحة النبي مع مشركي قريش ومنافقي المدينة من الأوس والخزرج ، بل كان يبالغ في الحرص عليهم مما استوجب العتاب من الله .. إذن فإن النبي كان لا يخص قريش بعطفه ..وما فعله الخلفاء ليس دينا وليس اسلاما ، هو منسوب اليهم وليس للاسلام .
5 / 2 ـ إن الروايات التي تحفل بها كتب السيرة تحفل بالتناقض ، حتى أنه يمكن تأليف كتابين منهما في موضوع واحد ولكن يختلفان من الألف إلى الياء ، ومن السهل حينئذ أن يجد فيها كل مؤلف بغيته طالما كانت له رؤية مسبقة يريد أن يقتنص لها ما يوافق مراده من البحث . بعض تلك الروايات تم إختراعها بعد قرون من موت النبى وتمت كتابتها بعد موته عليه السلام باثر رجعى ، وبعضها ظلت قرونا متداولة تتنقّل على ألسنة الأجيال بالرواية الشفهية تتغير وتتداخل ، والمؤلف اعترف بأن العرب كانوا أمة شفهية أمية لا تكتب ولا تقرأ . ثم شهد العصر العباسي وما تلاه تدوين بعض تلك الروايات ، وتأثر تدوينها بظروف المؤلف وعصره ، وبدليل أن كتب السيرة النبوية المكتوبة في العصر العباسي أكثر عقلانية من كتب السيرة المكتوبة في العصور المملوكية والعثمانية المملوءة بالخرافات.
وليست للأستاذ خليل عبد الكريم ملكة البحث التاريخى وليس لديه علم بالتعامل مع الروايات بالمنهج العلمى للباحث التاريخى ، وليس لديه علم بمناهج المؤرخين وكيفية التعامل مع رواياتهم . ولذا نراه يصدق الروايات التى قيلت عن قريش والتي كتبت في عصور الخرافات أي بعد موت النبي بعشر قرون تقريبا ، وقد أخذها دون تمحيص طالما تتفق مع هدفه في البحث ...
5 / 3 ـ هناك فارق بين الإسلام والمسلمين.
الإسلام دين ، والمرجع والفيصل هو القرآن كلمة الله .. أما المسلمون فلهم تدين وموقف من الإسلام ، وتاريخ المسلمين يدخل في دائرة التدين ، وهم يتحملون مسئوليته إن خيرا وإن شرا، وحين تحول الإسلام إلى دولة وتراث بدأ بذلك دور المسلمين في إقامة الدولة وكتابة التراث ، والمنهج العلمي يقتضي أن نفرق بين الدين الإلهي (القرآن) وبين التطبيق (المسلمين )..أى بين الاسلام وبين المسلمين .
وهذه وجهة نظر كاتب السطور ولا يلزم بها أحدا...
5 / 4: أخذ المؤلف بالمنهج ( العلمانى ) فى كتابه ، والذى يستبعد القرآن من الاستدلال التاريخى . مع خلافنا مع هذا المنهج وأخذنا بالقرآن مصدرا تاريخيا فإننا نرى أن المؤلف لم يلتزم بهذا المنهج العلمانى الذى يتجاهل القرآن . كان عليه أن يتوقف مع الروايات التاريخية بالتفصيل ليرى موقع قريش في الدولة التي أقامها النبي ( القرشي ) في المدينة ، وهل ضمّت كل قريش وفروعها ؟ أم لا . لم يفعل ذلك ، لأنه صاحب رأى مسبق يريد إثباته من البداية . وليس من المنهج العلمى فى البحث التاريخى ـ أو التدبر القرآنى ـ أن تبدأ بفكرة مسبقة تريد إثباتها مقدما ، وتنتقى لها ألدلة ، وتتجاهل ما لا يوافقك ، وتؤول وتحرف وتغيّر ما لا يروق لك . هذه الكتابة نوع من التزييف مع سبق الاصرار والترصد . ولكن إتبعها المؤلف كى يثبت هدفه وهو أن قريشا إلتزمت قرونا بإقامة دولة لها ، وفى خطتها الأخيرة صنعت الاسلام . وهذه بلوى مضحكة الى درجة البكاء .!!
5 / 5 ـ مع ذلك ، فلا يخلو كتاب الأستاذ خليل عبدالكريم من نواحي إيجابية ، مثل توضيحه للنواحي الأجتماعية للعرب قبل الإسلام وتغلغل المسيحية واليهودية فيهم وعلاقاتهم بالقوى العظمى خارج الجزيرة العربية والإشارات الذكية لأسباب الردة.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5099 |
اجمالي القراءات | : | 56,369,735 |
تعليقات له | : | 5,431 |
تعليقات عليه | : | 14,793 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
( القرآن الكريم وعلم النحو ) . الكتاب كاملا .
خاتمة كتاب ( القرآن الكريم والنحو العربى )
دعوة للتبرع
دولة ديمقراطية: سلام علی ;کم یا دکتر احمد صبح 40; ...
مذبحة كربلاء: قراءت لحضرت ك كتاب منذ بومان بخصوص موقعة...
التشريع فى العبادات : ماذا عن صلاة الغائ ب وصيام الاتن ين ...
طاعة الرسول : يقول الله سبحان ه " وَمَا أَرْس َلْنَ ا مِن...
نقد لبحث النسخ .ز: بسم الله الرحم ن الرحي م سيا دة الدكت ور/ ...
more
مداخلتي هذه ليست بصلب موضوع المقال بقدر ما هي ( أصول في الأدبي - إن جاز التعبير - ) .. رائعة هي تلك النقاط المتسلسلة في نقد هذا الكتاب فالدكتور أحمد فصّل و أوجز و أعطى المؤلف حقه في المدح و الثناء لا سيما في توضيحه للنواحي الأجتماعية للعرب قبل الإسلام وتغلغل المسيحية واليهودية فيهم وعلاقاتهم بالقوى العظمى خارج الجزيرة العربية والإشارات الذكية لأسباب الردة لذا فهي عاية - و إن كانت متأخرة - لهذا المؤلف في هذه الجزئية .
لنتعلم كيف ننقد مقالا أو كتابا فعلينا دراسة هذا الأسلوب و هذا ( الرد من الدكتور أحمد ) فيه ما فيه من أصول النقد ... هيا بنا ننقد مقالات و كتب و ما أكثرها !!