الغباء ودوره في أزمات العرب والمسلمين
كيف تصنع غبيا؟..وبعد صناعته كيف تدمر وطنا؟..وبعد تدميره كيف تندم بعد ذلك ؟..وهل بالفعل ستندم أم سيمنعك كبريائك من الاعتراف؟
أربعة أسئلة هي ملخص أزمات العرب والمسلمين الآن، فمن سوريا إلى العراق ومصر وليبيا إلى اليمن والبحرين اهتم المسلمون والعرب فقط بأمر واحد ..وهو أن قدموا الأغبياء وجعلوهم قادة المجتمع، فالشيوخ والمذيعين أغبياء..وضيوف الحلقات أغبياء..حتى الساسة أغبياء..صبّوا جميعا في اتجاه الفتنة الحالية وتقسيم الأوطان وتشريد الإنسان..بل والإصرار –بنفس الغباء- أن لا يتحملوا جزء وحد من المسئولية وباتوا يكررون نفس أساليبهم الغبية في التعامل مع كل مشكلاتهم العصرية..
من الذي ينسى اعتماد السادات على الإخوان لمواجهة الشيوعيين أواخر حكمه؟.. من الذي نسى وقوع حسني مبارك في غلطة السادات واعتماده على السلفيين وتمكينهم لمواجهة الإخوان آخر 10 سنوات أيضا من حكمه؟..كم واحد يحذر السيسي الآن من تكرار نفس الفعل الفاحش بالاعتماد على السلفيين لمواجهة الإخوان في الشارع واعتقاده أن رموز السلفية يحمون قاعدته الخلفية وحمايته من الاتهام بالكفر؟..من الذي ينسى اعتماد حافظ الأسد أسلوب مبارك بتمكين السلفيين في سوريا لمواجهة الإخوان حتى انتشر الغباء والجهل في قرى ومدن الشام..وخاتمة المقال ما يحدث في سوريا الآن جزء كبير منه يتحمله الأسد بصفته وشخصه..
من الذي ينسى تمكين صدام حسين للسلفيين أيضا والطائفيين من العراق بزعم أنهم عروبيون ضد إيران؟..من الذي ينسى تمكين القذافي للسلفيين واستقدام شيوخهم من مصر والخليج لدعمه؟..كم واحد يحذر الآن الرئيس اليمني المخلوع عبدربه منصور باعتماده على السلفيين والإخوان لمواجهة الحوثيين وصالح؟..كم واحد يحذره أن تصدر الأغبياء مجتمع اليمن الجنوبي وانتشارهم في عدن كفيل بتحويل هذه المنطقة لرقعة خراب..فلا تنمية ولا انفتاح ولا ثقافة..والكلمة العليا للسلاح..
من الذي نسى تمكين علي عبدالله صالح أيضاً للسلفيين في صعدة من قبل ثم رعايتهم لمواجهة الحوثيين، وكيف أدى ذلك إلى انتشار القاعدة والإخوان وداعش في اليمن وتهديد ملك صالح نفسه واعتماد السعودية عليهم في حربه، وياللعجب نفس الشئ حدث مع القذافي والسادات ..فمن أسقطوه وقتلوه هم السلفيين..حسني مبارك لم ينفعه تمكين الأغبياء من المجتمع وقامت ثورة يناير التي كشفت كل هذا الكم من الغباء ، حتى أن الإعلام وقتها اشتهر بتقديم وجبة الغباء على أنها فكر..ولولا برنامج باسم يوسف الساخر ما استطاع المصريون تمييز هذه السطحية وهذا الغباء المتفشي..
ملخص ما حدث وأدى إلى تدمير الأوطان العربية وما زال يفككها هو تصدر التافهين مجال الإعلام والسياسة، فشوّهوا العقل والمجتمع، وصنعوا الاستقطاب من لا شئ، فميزة الغبي تركيزه على توافه الأمور وتهوّره في صناعة الأعداء ، فهو شخص محدود أو منعدم الذكاء، تقوده رغباته ونزعاته وأهواءه في التحكم..لا توجد لديه أدنى بصيرة أو معلومة..خياله ضيق جدا ويعجز عن تصور الأمور..والواقع لديه هو ما يحدث أمامه بدون أن يبذل الجهد لفهمه أو دوافع ونتائج ما يحدث..
إن تصدر الأغبياء في المجتمع يُكثِر حالة النفاق، فالذكي هو الذي يكشف المنافق والمتزلف والوصولي..ويضع أراذل الناس في مواضعهم، لا يعاديهم أو يقضي عليهم ..لكن يقبلهم كجزء من المجتمع المتنوع فكريا ، ويوظف كل هؤلاء في مجاله..فالغبي لا يتحدث في الذكاء والتحليل..والتافه لا يتحدث في المهم..والأحمق لا يتقلد مسئولية..والمنافق الوصولي يوظف في العلاقات العامة مثلا..لكن لا يملك قرار بيده..فهو ليس أهل للقرار..حتى الأغبياء والتافهين لهم وظائفهم في المجتمع..فهم صناع وحرفيين ..هم الموظفين والفلاحين..أما أن يعمل الغبي مذيع أو رئيس حزب..أو يُمكّن التافه والمنافق في السياسة فهي نكبة عظيمة.
قد يرى البعض هذه الرؤية (نخبوية) أو لها علاقة بجمهورية أفلاطون بتمكين الفلاسفة..ولكن هذا ليس قصدي..فمسألة فرز الناس حسب مستوى ذكائهم ثم تمكينهم هي نظريا مقبولة..لكن عمليا مستحيلة، لأن السؤال وقتها من الذي يتحدث؟..هل ذكي أم غبي وكيف عرفنا ذلك؟..ومن أعطى لك الحق؟..سنتجه وقتها للنسبوية وتكثر الخلافات والشقاقات..فالإنسان لا يقبل على نفسه أن يوصف بالغباء..مع أنه قد يكون غبي فعلا حسب اختبارات الذكاء الشهيرة، أو يكون ضيق الأفق والخيال أو بطئ الفهم..وهذه لها أيضا بعض الاختبارات، فالأديب مثلا خياله واسع قد يتصور قصة ويحكي كل تفاصيلها بسهولة..أما ضيق الأفق والخيال لا يستطيع ذلك بل ينبهر ويتعجب من أسلوب الأديب وكيف استطاع إخراج القصة بهذا الشكل..
المقصد أن من يقومون على تمكين الأغبياء في المجتمع هم (الحكام) وينبغي تصدير هذه الرؤية ضدهم، فكل من يحدث الآن من مصائب وأهوال سببها الرئيسي هم حكام العرب خصوصا آخر 40 سنة، هم الذين مكّنوا الأغبياء من المجتمع ولم يحترموا الفكر والمفكرين، وصادروا الأعمال الذكية والرفيعة..وحظروا المجددين والناقدين، وسجنوا المبدعين والمعارضين..فكيف إذن سيعرف المجتمع غباءه من ذكاءه؟..إذا كنت قد سجنت ومنعت من يكشف ذلك..فالمنطق يقول أن الغبي سيستمر بل سيزداد تمكنا حتى يُتم وظيفته على أكمل وجه.
يجدر الإشارة هنا أن الغباء قد يكون فطري..يعني إنسان غبي فطريا ومحدود الذكاء..لذلك قلت نقبله حسب وظيفته..لا نهينه ونحترم عقله أيا كان، فهو غير مسئول عن طبيعته، لكن أين دور الأذكياء والسلطة في اكتشاف ذلك ؟..هنا السؤال المحوري، فالقاعدة تقول أن النخبة الفكرية وأذكياء المجتمع هم الضلع الأول في النهوض، ثم السلطة هي الضلع الثاني، لا يجب أن يعمل ضلع دون آخر وما يقوم به البعض من تعاون فكري بين الضلعين هو شئ عظيم..لكن شريطة أن تكون السلطة مخلصة لعملية التنوير ونشر معدلات الذكاء..لا كما يحدث في مصر مثلا..سلطة مخادعة وغير مخلصة حتى إذا خرج ذكيا لانتقاد أوضاع معينة أو لتخيّل علاج مشكلة بأسلوبه الأدبي يسارعون في حبسه..والتهمة جاهزة..ازدراء أديان..
يقيني أن السلفية هي التي نشرت الغباء في المجتمع العربي، وتنشره جزئيا الآن في مجتمعات الغرب، والسبب هو طبيعة السلفية نفسها واعتمادها على ثنائية (التقليد والترديد) فالإنسان يُقاس حسب مستوى (حفظه) وليس حسب مستوى (ذكاءه) وبين الحفظ والذكاء فروق كبيرة..منها مثلا قدرة الذكي على جمع المعلومات والانفتاح على الأفكار ثم الاستنتاج بطريقة إبداعية مستخدما طرق الاستقراء والاستنباط في تصور واقع أو الوصول إلى حقيقة علمية..
أما الحفظ فيكفي الترديد على أسماعه لكي يحفظ..وفي المثل المصري يقال.."التكرار يُعلم الحمار"..ثم قيلت تنزيها.."التكرار يُعلم الشُطّار"..والطفل يملك هذه الحافظة باعتبار عقله البدائي الخالي من طرق الاستنتاج المعقدة التي تتطلب إدراكاً أكبر..وقد استعان السلفيون بهذا الحفظ في مخاطبة العقل البدائي للجمهور وإقناعهم بأن الحفظ هو الدين، رغم أن القرآن قال.."ليدبروا آياته"..وليس .."ليحفظوا آياته"..وهنا إشارة إلهية بضرورة عقلنة الدين والتحذير من الكسل والحض دائما على الرغبة في الفهم..
بعد تمكين السلفيين تمكن الغباء وأصبح المعيار الأول مجتمعيا لفهم الدين هو (الحفظ) فكلما أصبحت حافظا للقرآن كلما تقدمت وصدروك للمشهد الإعلامي، وكَثُرَت مسابقات حفظ القرآن، وانعدمت مسابقات تدبر القرآن، وبالتالي عاد المسلمون إلى عقلية سلفهم الأوائل واكتسبوا كل صفاتهم الحربية والعدوانية التي هدمت الكعبة مرتين وقتلت مئات الآلاف من الصحابة والتابعين، وانشقوا إلى فرق ومذاهب تكفر بعضها بعضا، أي أن السبب الأول في أزمات المسلمين والعرب الآن هي السلطة التي استعانت بالأغبياء لمواجهة خصومها..وقد شاب هذا العمل سئ الذكر حماقة في التصرف وحب الظهور والتزلف للقاعدة الشعبية الراغبة في التدين..
رغم أن الجمهور في الغالب على دين ملوكه..ورأينا كيف عملت الدولة المصرية على نشر مفهوم التجديد والنقد بعد التصريح به على لسان الرئيس، وانتشر هذا المفهوم شعبيا وأصبح من الوارد والمستحب ذكره إعلاميا..لكن التناقض جاء من عدم إخلاص السلطة وخداعها للمثقفين الذين ما إن ظهروا حتى تم سجنهم وقمعهم وتهديدهم عن مواصلة الطريق، وقد قلت يومها أن اعتماد السلطة على أسلوب مبارك سيدفعها لنفس الخطأ الذي وقعت به كل السلطات السابقة وهو (تمكين الأغبياء) من المجتمع..ونظرة فاحصة الآن للإعلام المصري وقدرة الساسة والأحزاب وضيوف المشهد المصري كل ذلك أصبح يثير القلق على مستقبل مصر..وقد يصدق يومها فينا المثل أن الحمار أفضل لأنه وقع في الحفرة مرتين..أما نحن فقد وقعنا فيها 3 مرات..ولم نتعظ..
اجمالي القراءات
6864