هل تنجح السعودية بالحوار في تغيير اتجاه سوريا وتوجهاتها، أو تنجح في ذلك زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب وأعضاء من الكونجرس الأمريكي لدمشق؟
· هل ينجح الحوار بين الفرقاء اللبنانيين في الاتفاق على تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701؟
· هل ستنجح دعوة الحوار في وقف العنف، وإدخال تنظيمات القتل في العراق في العملية السياسية؟
· هل تقبل حماس بالحوار شروط اللجنة الرباعية والمجتمع الدولي، بالاعتراف بإسرائيل وبالاتفاقيات الموقعة وبنبذ العنف؟
· هل من الممكن إقناع إيران بالحوار، ودون عقوبات اقتصادية رادعة، أو ضربة عسكرية نافذة، بأن تتخلى عن طموح امتلاكها لقنبلة نووية، وعن محاولات العبث وزرع التطرف في المنطقة؟
· هل تقبل جماعة الإخوان المسلمين دون ضغوط واعتقالات بحل نفسها، والانخراط في العملية السياسية دون مخادعة ودون تستر خلف واجهة دينية، وأن تقبل حقيقة دون تقية بالديموقراطية وتداول السلطة؟
عديد من الأسئلة الملحة، تختلف الإجابة عليها بنعم أو لا، حسب رؤية المجيب ومنطلقاته الفكرية، والخلاف بصفة عامة محط سؤال متكرر، عن الفرق بين الليبرالية كفكر عالمي معروف ومتعارف عليه، وبين الفكر الذي يطرحه الليبراليون العرب الجدد، هذا السؤال الذي يصير أكثر من محاولة للفهم، ليغدو ضرورة ملحة، حين نرى الاختلاف إلى حد التناقض بين طرفين ليبراليين، إزاء ما تقدم من تساؤلات، تتعلق بالموقف من التيارات التي تموج بها منطقة الشرق الكبير، أحدهما نستأذن في أن نلقبه بالليبراليين الطوباويين، والآخر هو تيار الليبراليين العرب الجدد.
فالليبراليون الطوباويون سواء في العالم الغربي أو البعض المتناثر في أنحاء شرقنا، ينطلقون من أساسيات المبادئ الليبرالية، كما لو كانت دوجما أو أيديولوجية مقدسة، بغض النظر عن حقائق وملابسات الوضع على أرض الواقع، فيعملون مبدأ الحوار، كأسلوب وحيد لحل كافة الخلافات والمنازعات، كما يقررون بثقة أن الليبرالية تحتم استيعاب الجميع في عملية حوار مجتمعي وسياسي، يستعين بآليات الديموقراطية، كوسيلة إحصائية ترجح كفة رأي الأغلبية، لتمكنها من الحكم.
الليبراليون العرب الجدد يعتنقون نفس المبادئ والرؤى، لكن باعتبارها هي الهدف المنشود، والذي يسعون لتأسيس مجتمعاتهم الشرقية عليه، لكن الخلاف ينحصر في أن الأخيرين يرون أن هذه المبادئ تصلح فقط كنهج للعمل والحياة في بيئة هي ليبرالية بالأساس، أو على الأقل تغلب عليها الليبرالية، أما في حالة محاولة نقل مجتمعات تعيش طوال تاريخها في نظم شمولية، وتروج بها –كما هو حادث الآن في الشرق- أيديولوجيات فاشية تعتمد القتل لكل مخالف، وتسعى لتأسيس نظام حياة هو على النقيض تماماً لكل ما هو ليبرالي، فإن الأمر هنا يختلف، ونكون بحاجة إلى مقاربة مختلفة، يتحتم أن يتوفر فيها شرطان أساسيان: الأول أن تكون صالحة للتعامل مع نوعية الأحوال والقوى المتواجدة على الأرض، والثاني أن تتناغم وتتواءم مع الهدف الذي تسعى للوصول إليه، وهو تأسيس حالة ليبرالية.
يبدو التناقض حاداً بين النقيضين المطلوب الجمع بينهما، ليصيرا كما وجهي عملة واحدة، فالفشل في تحقيق أي من الشرطين هو فشل للعملية برمتها، هما وجهان ينتمي كل منهما إلى عالم متناقض تماماً مع الآخر، فالمقاربة الناجعة لحالة تيارات فاشية وطائفية متعصبة ستؤدي –إذا ما ترك لها الأمر حتى نهايته- إلى قيام أنظمة شمولية بغيضة، تعود بنا إلى حيث كنا أو إلى ما هو أسوأ، فسوف تقهر الإنسان الحر، في معرض قهرها للتيارات المعادية للحرية الإنسانية (وهذا هو مبعث تخوف بعض الأحرار من قانون الإرهاب المزمع سنه في مصر بعد التعديلات الدستورية)، ولقد رأينا جميعاً أن انهيار نموذجين من مثل تلك الأنظمة أدى إلى عودة الفاشيات المحلية لتتقاتل أبشع ما يكون التقاتل، حدث هذا عندما انهار نظام بروز تيتو الشمولي في يوجوسلافيا السابقة، وأيضاً في العراق بعد انهيار نظام صدام البعثي، فلا ينبغي أن نتعامى عن أن كلا النظامين كان الأكثر كفاءة في قمع تيارات الفاشية والطائفية، واستطاعا توفير حالة من الاستقرار، هي الأفضل مقارنة بالفوضى والاقتتال الذي أعقب سقوطهما، لكنها بالطبع الأسوأ إذا ما قارناها بالحالة المثلى، التي ينشد فيها الإنسان أن يحيا ويعمل ويبدع بحرية.
في المقابل فإن المقاربة الليبرالية المتمثلة في الحوار وآلية الديموقراطية تقف عاجزة عن التعامل مع مكونات فاشية وتنظيمات تحترف القتل، ولا تعرف بالأساس لغة الحوار، كما لا تعترف بالديموقراطية إلا ريثما تمتطي ظهر الشعوب، وربما نزيد الأمر وضوحاً بمثال، أن نشبه الليبرالية بحديقة غناء، قوامها الحرية المطلقة لكل ما تحوي من كائنات نباتية وحيوانية، لكن الغابة ليست كالحديقة، فهي تحتوي ضمن ما تحوي عقارب وثعابين وذئاباً، لذا فما يحكم الغابة هو التعاون من جانب، وقانون الغاب الذي يعتمد الناب والمخلب من جانب آخر، ولكي تحول الغابة إلى حديقة فلن يفيدك في البداية أن تعتمد لا قانون الغاب ولا قانون الحدائق، فكلاهما تقتصر مناسبته وفعاليته على البيئة التي اقتضته، سوف تحتاج إلى المعادلة الصعبة بحق، التي تتيح لك التعامل الكفء مع العناصر الخطرة بما هو أكثر من مجرد الحوار والديموقراطية، فمن غير المجدي محاولة إقناع الذئب أن يستحيل إلى حمل، لأنك إن نجحت تكون قد نجحت في استئصاله بالحوار، ومع الأسف لم نصادف حتى اليوم ذئاباً تقبل استئصال نفسها، إلا من قبيل تفجيرها لقتل الآخر!!
متى يكون الحوار مجدياً، ومتى يكون مجرد عبث لا طائل من ورائه؟
عناصر كثيرة تلزم ليكون الحوار مجدياً، لكن أهمها يتعلق بطبيعة أهداف الطرفين المتحاورين، فإن كانت الأهداف متعارضة تماماً، أي بينها بلغة الهندسة مائة وثمانين درجة، فإن الصدام بين الطرفين هو المصير الذي لا مهرب منه، أما إذا كان الفرق بين أهداف الطرفين أقل من ذلك ولو بدرجة واحدة، فإن هذه الدرجة جديرة بالاهتمام والحوار حولها، علنا ننجح في تنميتها لتصير درجات عديدة من الاتفاق عوضاً عن درجة واحدة وحيدة.
لدينا أهداف تنظيم القاعدة، ومعهم قادة ثورة إيران الإسلامية، وحزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وفي سائر أنحاء العالم الإسلامي، هذا الفريق إجمالاً –ورغم تدرج ألوان الطيف فيه- يهدف إلى إقامة حكم شمولي ديني يستأصل الآخر، ويعامله كما لو كان شيطاناً، في حين أن الفريق المقابل يسعى إلى الحداثة والليبرالية، فعلى أي أساس يمكن أن يقوم حوار حقيقي، لا يقوم على مجرد اللف والدوران وقتل الوقت، لنجد أنفسنا دائماً عند نقطة البدء، أو خلفها بخطوات، كما حدث من حزب الله في حواره مع رفقاء الوطن، كأنما ليتوصل إلى نزع سلاحه والانخراط في العملية السياسية، لنجد أنفسنا بغتة في غمار حرب تموز المدمرة بين حزب الله وإسرائيل، ليعود الفرقاء بعدها كأنما إلى حوار، لكن من نقطة أسوأ مرات ومرات من نقطة البداية!!
النظام الإيراني يريد امتلاك قنبلة نووية، يتسيد بها على المنطقة، ويهدد العالم كله، ويفرض نظامه وأيديولوجيته الدينية، في المقابل العالم الحر مصر على حرمانه من السلاح النووي، ويريد تصفية هذا النظام ذاته، تخليصاً للشعب الإيراني من ربقته، وللشعوب المجاورة من تهديده، فهل يجدي الحوار بين الطرفين، أم أن الصدام والاستئصال لأيهما هو الحل الممكن الوحيد، وأن الاتجاه المباشر نحوه –بقدر ما تسمح الظروف- هو المنهج الأجدى، توفيراً للوقت، وتجنباً للمزيد من الجرائم التي يجيد هذا النظام اختراعها، وللمسارعة بقطع أياديه العابثة في لبنان وفلسطين والعراق، وتجنباً لامتدادها إلى مواقع أخرى مرشحة لذلك بقوة؟!
منظمة حماس تسعى لإزالة إسرائيل من الوجود لأسباب عقائدية دينية، قبل أن تكون لأسباب وطنية (كما يقول خطاب حماس ذاتها)، وإسرائيل تسعى لحماية مواطنيها من اليهود، الذين تسعى حماس لتصيدهم وقتلهم، لتتقرب بسفك دمائهم إلى الله، وليدخل منتحروها الجنة على حسابهم، فهل من سبيل إلى التقارب بين الطرفين عبر الحوار، كأن يتم الاتفاق مثلاً على عدد محدد ومخفض من اليهود تقتلهم حماس يومياً، فتكتسب حماس ثواباً مخفضاً، وتكتسب إسرائيل في نفس الوقت عدداً أقل من الضحايا؟!!
النظام السوري يسعى لالتهام لبنان، ولضم شعبها ليصير –كما الشعب السوري- رهينة لفاشية حزب البعث الأسدي، كما يسعى للتهرب من جريرة جرائمه في لبنان، بتعويق المحكمة الدولية، في حين أن المجتمع الدولي مصمم على تخليص الشعب اللبناني وكذا السوري من براثن الذئب القابع في دمشق، فهل من نقطة مشتركة يمكن أن يصل إليها الطرفين عبر أي حوار، سواء في الرياض، أو في دمشق عن طريق نواب الكونجرس الأمريكي، ذوي الثقافة الليبرالية الطوباوية؟!
الليبراليون العرب الجدد أدرى بشعاب الشرق، وهم يقولون – إن لم أكن قد تجاوزت حدودي بالحديث عنهم- بضرورة تحويل الغابة إلى حديقة، بعدها فقط يمكن أن تطبق عليها قوانين الحدائق، أي قوانين الليبرالية ومبادئها . . يقولون بحتمية استئصال بؤر الإرهاب والإجرام، سواء المبشرين به والمنظرين له، أو القائمين بتنفيذ توجيهاته، بسياراتهم المفخخة، وبخناجر الذبح التي تقطر على الدوام دماً، الليبراليون الجدد مصممون على هدم كافة الأبنية القديمة المتهالكة بما تحوي من ثعابين وعقارب وخرافات، لكي يمكن بعدها إقامة أبنية حديثة وحدائق غناء، كما يمكن عندها إعادة التأهيل الفكري والنفسي لشعوب الشرق، التي خربت الخرافة والكراهية عقولها ونفوسها.
أغامر في النهاية برأي شخصي لا يخص أحداً سواي، هو أن كل يوم تأخير في توجيه ضربة قاصمة للنظام الإيراني، هو بمثابة دفع للمنطقة نحو هاوية لن تجدي بعد السقوط فيها أي حلول، هذا إن كان ما نستنتجه صحيحاً، وهو أن إيران صارت المحرك الأساسي لكل ما تتعرض له منطقة الشرق من أهوال حالية، ومخاطر قادمة وأكيدة.
اجمالي القراءات
13044