كوميديا الإجماع : ( أجمعت الأمة .!! )

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-10-21


قال : دائما يقولون ( أجمعت الأمة ) على كذا . هل هناك إجماع ؟

قلت : نعم يوجد ( إجماع ) فى كل فصيلة حيوانية . كل منها تتبع غريزتها فى الحصول على الطعام وفى التزواج والتكاثر ، منذ أن خلقها الله جل وعلا فى هذا الكوكب ، وهى مستمرة بلا تغيير الى نهايو هذا العالم . هذا هو الاجماع الوحيد .

قال : هل ترى أنه لا يوجد إجماع بين البشر ؟

قلت : البشر لهم حرية التفكير وحرية الاختيار ، وعليهم تكاليف دينية سماوية ، وهم مختلفون فى إستجابتهم . ومحنة البشر فى هذا الاختيار وهذا الاختبار ، وبسببه يختلف البشر ، ولا يزالون مختلفين ، يقول جل وعلا : ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) (119)هود ). وهذا الاختلاف ينفى وجود إجماع بين البشر .

قال : ماهو دليلك ؟

قلت : واقعيا أنظر لحال البشر الآن وفى الماضى . قرآنيا إقرأ ما قاله رب العزة عن أكثرية البشر .

قال : أذكر بعض الآيات القرآنية

قلت : لو راجعت كلمة ( أكثر ) فى القرآن الكريم وجدتها تؤكد أن أكثر الناس لا يعلمون ، تكرر قوله جل وعلا : ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ثلاث مرات فى سورة يوسف وحدها فى آيات (21) (40) (68) . . وفى نفس السورة يقول جل وعلا : ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38)  ،ويقول جل وعلا : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) ،( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)). فى سورة يوسف وحدها يؤكد رب العزة أن أكثرية البشر لا يعلمون ولا يشكرون ولا يؤمنون ، وحتى لو آمنوا فهم بالله جل وعلا يشركون .ونفس الحال فى سور قرآنية أخرى تؤكد أن اكثرية البشر لا يعقلون ولا يفقهون ،كقوله جل وعلا : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ (83) النحل ) ، ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ) (44)، ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (50) الفرقان ). ويكفى قوله جل وعلا للنبى محمد عليه السلام : ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )(116)الانعام )، يعنى أن أكثرية البشر  ليسوا فقط ضالين ، بل هم خبراء فى الاضلال بحيث لو أطاعهم النبى نفسه لأضلوه . بالحساب العددى أنه مثلا 70% من البشر مضلون ، ويتسلطون على الباقين ليضلوهم . لذا فالأقلية ( المطلقة ) هى التى تتمسك بإيمانها . يقول جل وعلا (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ) (24) ص ). ويوم القيامة سيكون أصحاب الجنة أقلية الأقلية ، سواء من السابقين، يقول جل وعلا عنهم : (ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ (14) الواقعة ) أومن أهل اليمين، يقول جل وعلا عنهم: (ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ (40)الواقعة) . ولكن مهما تكاثر الضالون المضلون فإن جهنم تسعهم جميعا ، يكفى أن تتدبر قوله جل وعلا : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) ق)

قال : إذن الأكثرية لا تعنى أنها على الحق ؟

قلت : بل تعنى أنها على الباطل ، وينطبق هذا على أتباع الديانات الأرضية فى العالم من كاثوليك وبروتستانت وارثوذكس وبوذيين وسنيين وصوفيين وشيعة ..الخ . هم الأغلبية الساحقة من البشر . نتحدث هنا عن بلايين البشر . ولكن الذى يهمنا هنا أن هناك أغلبية وهناك أيضا أقلية . وهذا ينفى وجود إجماع بين البشر .

قال : ولكننا نتكلم عن (إجماع الأمة)،هم يقولون (أجمعت الأمة) وليس ( أجمعت البشرية ).

قلت : هذه ( الأمة ) التى يقولون عنها هى جزء من البشر ينطبق عليها ما ينطبق على عموم البشر .

قال : ليست هذه إجابة كافية لأنهم يؤمنون بأن هذه الأمة فريدة ومختلفة عن بقية البشر ، وبالتالى فلها إجماع ، ويجعلون هذا الاجماع من مصادر التشريع . وليس للأمم الأخرى مصادر للتشريع .

قلت : هناك مصدر تشريعى وحيد للإسلام وهو القرآن الكريم . ولكن المحمديين فى أديانهم الأخرى إتخذوا القرآن مهجورا ، وتعاملوا معه باسطورة النسخ بمعنى إلغاء الأحكام القرآنية ، وأثبتنا فى بحث منشور هنا أن (النسخ فى القرآن يعنى الاثبات والكتابة وليس الحذف والالغاء )، وإفتروا أحاديث سموها سُنّة وزعموا أنها وحى نزل بأثر رجعى ، وأضافوا مصادر وهمية خرافية أخرى مثل الاجماع .

قال : ماهى حجتك فى إنكار الاجماع كمصدر تشريعى ؟

قلت : الاجماع كوميديا هائلة . إنه يفترض تجميع كل الأئمة والفقهاء من كل زمان ومكان وحشدهم فى قاعة واحدة ، وعرض القضايا عليهم ، ويوافقون عليها بالاجماع .. اليست هذه كوميديا ؟ اليس القائلون بهذا الاجماع يفتقدون العقل ، ألا ينطبق عليهم قوله جل وعلا : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ (171) البقرة  ). وبالمناسبة فوصف الأكثرية بأنهم ( لا يعقلون ) تكرر فيما عدا ذلك ثمانى مرات فى القرآن الكريم ، ويأتى المحمديون ليثبتوا إعجاز القرآن فيهم وفى أنهم ( لا يعقلون ).

قال : ألا يوجد إجماع بين ( المسلمين )

قلت : ( المحمديون ) كانوا  طوائف متفرقة . هم الان ينقسمون الى أغلبية تنتمى للتصوف السنى المعتدل ، ثم هناك السنيون ، والشيعة والصوفية . والسنيون ينقسمون الى مذاهب : الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة ، وفى كل مذهب سُنّى إختلافات فرعية ، وتيارات مختلفة ، ومثلا فإن الحنابلة وهم الأكثر تشددا ظهر فيهم تيار ابن تيمية الأكثر دموية وتطرفا ، ثم إنبثقت منه فى العصر الحديث الوهابية . والوهابيون ليس متفقين ، بدليل الصراع السياسى والحربى بينهم ، ويبدأ الخلاف بتكفير بعضهم ثم يتبعه القتال ، حدث هذا بين عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة مع ( الاخوان ) النجديين وهم جنوده الذين حاربوا من أجله ، ثم إختلفوا معه فقهيا ثم سياسيا ثم عارضوه ثم كفّروه وقاتلوه . وهو نفس الخلاف الان بين الوهابية السعودة المُستأنسة التى تركبها الأسرة السعودية والوهابية المعارضة من حركة جهيمان العتيبى عام 1979 الى حركة المسعرى والفقيه فى أواخر القرن الماضى والتى أنجبت أسامة بن لادن ، والخلافات فقهية ثم سياسية وتتطور الى تكفير  وسفك الدماء . يفعلون هذا ثم يتكلمون عن ( الإجماع ) . اليست هذه كوميديا سوداء ؟

قال : وماذا عن الشيعة ؟ هم متماسكون . أليس كذلك ؟

قلت : سياسيا الآن لأنهم فى خندق واحد ضد الوهابية والسعودية . ولكن الشيعة ملل ونحل مختلفة ، وتتشعب طوائفهم ، كانوا كذلك ولا يزالون . كان فى الماضى السبئية والزيدية وعشرات الملل والنحل رصدتها كتب (الملل والنحل) للأشعرى وابن حزم والشهرستانى ، والآن هم أكثر إنقساما ما بين الامامية الإثنى عشرية فى ايران الى الامامية الاسماعيلية الفاطمية فى الهند وباكستان وأغا خان ، الى النصيرية فى سوريا ( بشار الأسد ) الى الزيدية والحوثية فى اليمن ، ثم البابية وإستقلال البهائية عنها .

قال : وماذا عن الصوفية ؟

قلت : يكفى وجود ( الطرق الصوفية ) وتفرعها وتفرع فروعها ، وتظهر كل حين طرق صوفية جديدة

قال : أتفق معك على إختلاف المسلمين أو ما تسميهم المحمديين الى صوفية وشيعة وسنيين ووجود تفرعات ومذاهب وطرق داخل كل منهم ، وأن هذا ينفى إجماعهم على أى شىء ، خصوصا مع تلك الحرب داخل أتباع الوهابية وتلك الحروب بين السُّنّة والشيعة . ولكن كلامنا عن الاجماع السُّنّى فى عصر الأئمة . أنت تعلم أن السنيين حين يقولون ( الأمة ) يقصرونها على ( أهل السنة ) وحدهم ويعتبرون أنفسهم الفرقة الناجية .

قلت : إعتبارهم أنفسهم ( الفرقة الناجية ) هو فى حد ذاته ينفى زعمهم بأنهم ( الأمة ) ، أى هم مجرد ( فرقة ) أصدرت قرارا تجعل نفسها الفرقة الناجية يوم القيامة ، وهذا إعتداء على حق رب العزة مالك يوم الدين وإعتداء على علمه جل وعلا وحده بالغيب ، وتكذيب بالقرآن الكريم فى آياته التى تقصر العلم بالغيب على رب العزة وحده ، وأن محمدا عليه السلام لم يكن يعلم الغيب ولا يدرى ماذا سيحدث له أو لغيره وفق ما جاء فى الاية التاسعة من سورة الأحقاف .

قال: لم تُجب على سؤالى فى قولهم بإجماع أئمتهم .

قلت : لأنه زعم مضحك يُنافى الواقع . لو كان هناك إجماع ما تعددت كتبهم . مثلا ( الموطأ ) لمالك هو اقدم الكتب ، لو كان هناك إجماع لاكتفوا به ، ولكن جاء الشافعى تلميذ مالك ونسبوا اليه كتاب ( الأم ) وقالوا إنه املاه على تلميذه الربيع . وتتابعت كتب الفقه . ومثل ذلك فى كتب الحديث، لم يكتفوا بمسند أحمد ( ابن حنبل ) فجاء البخارى ، لم يكتفوا بكتاب البخارى فجاء صحيح مسلم ، وتتابعت الكتب ، وكل كتاب يخالف ما سبقه ويضيف الى ماسبقه ، فأين الاجماع هنا ؟

قال : ألا يوجد إجماع جُزئى فى داخل المذهب الواحد ؟

قلت : لا يوجد ، بدليل أن الربيع تلميذ الشافعى كتب فى الفقه ، ولم يكتف بكتاب الأم الذى قالوا أنه الشافعى أملاه عليه . وبدليل أن مالك أملى أحاديث الموطأ على تلامذته ، وهناك أكثر من عشرين نوعا مختلفا للموطأ ، تختلف فى عدد أحاديثها ورواياتها . اى ليس هناك إجماع فى كتاب واحد هو الموطأ .

قال : ألا يوجد إجماع فى أحاديث ( كتب ) الموطأ ؟

قلت : لا يوجد . كالعادة هناك تعارض فى أحاديث الموطأ ، وفى كل النسخ المروية التى يزعم أصحابها أنهم سمعوه من مالك .

قال : هذا زعم خطير يحتاج الى تأكيد

قلت : يلفت النظر ان الموطأ في رواية محمد بن الحسن الشيباني يحتوى علي احاديث مختلفة ، منها المنسوب للنبي عليه السلام ، ومنها المنسوب للصحابة ( مثل حديث الرجم المنسوب لعمر ) ومنها ما يسنده الشيباني الي مالك ، ومنها ما ينسبه الشيباني الي غير مالك ، ولذلك قالوا ان الشيباني سمع الموطأ من مالك في ثلاث سنين اكثر من سبعمائة حديث ، هذا مع ان مجموع احاديث الموطأ كلها ( 1008) في رواية الشيباني . ومن الطبيعي ان تتناقض الاحاديث في المتن خلال الموضوع الواحد ، ونكتفي هنا بمثال محدد وشديد الايحاء : تحت عنوان ( باب الوضوء من مس الذكر ) أي عورة الرجل ، اتي الشيباني بـ 18 حديثا .. بدأ بحديثين يؤكدان علي ان مس الذكر ينقض الوضوء ، ثم 16 حديثا بعدها تؤكد كلها ان مس الذكر لا ينقض الوضوء ..!! . فهل يوجد هنا إجماع ؟

قال : فماذا عن صحيح البخارى ؟ بالتأكيد لا تناقض فيه .

قلت : قلنا فى كتابنا ( القرآن وكفى ) : ( يأتي البخاري بأحاديث متناقضة فيما بينها في الموضوع الواحد، وهو ينسبها للنبي ليدفع القارئ للتشكيك فيه، ويحرص البخاري على أن يجعل تلك الأحاديث المتناقضة في أمور التشريع.. والأمثلة كثيرة نكتفى بذكر بعضها على عجل..فالبخاري ينسب للنبي أنه نهى أصحابه عن الاختصاء "حديث ابن مسعود: كنا نغزو مع النبي ليس لنا نساء فقلنا يا رسول الله أن نستخصى؟ فنهانا عن ذلك". وفى الصفحة التالية مباشرة حديث أبى هريرة وفيه سماح النبي له بالاختصاء "قلت يا رسول الله إني رجل شاب وأنا أخاف على نفسى العنت ولا أجد ما أتزوج به النساء... فقال النبي: يا أبا هريرة جفَّ القلم بما أنت لاق فاختص على ذلك أو ذر.." (البخاري: الجزء السابع ص 4، ص 5).وفى صفحة واحدة حديثان متناقضان "إذا شرب كلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً" وبعده مباشرة حديث "كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله فلم يكونوا يرشون شيئاً من ذلك" (البخاري: الجزء الأول ص 53).وفى صفحة واحدة يقول البخاري "كان النبي يتوضأ عند كل صلاة" وبعدها مباشرة حديث يناقضه "إن النبي صلى المغرب ولم يتوضأ" (البخاري: الجزء الأول ص 62).وتأتى أحاديث كثيرة تحض على سرعة التبكير بالذهاب لصلاة الجمعة، وتملأ هذه الأحاديث صفحات من البخاري ثم يتبعها حديث ينقضها جميعاً يقول "إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وأتوها تمشون عليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".. (البخاري: الجزء الثاني ص 3، 4، 8، 9) وروايات متناقضة في صلاة الكسوف تملأ صفحات وقد يخرج منها القارئ بتصميم على ألا يصلى الكسوف أبداً (البخاري: الجزء الثاني ص 42: 50) وأحاديث تحذر من المرور بين يدى المصلى وتأمر المصلى أن يخرج من صلاته ليقاتل ذلك المسلم الذى مر أمامه لأنه شيطان "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه فإن أبى فليقاتله إنما هو شيطان" "لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه". وفى نفس الصفحة أحاديث تبيح ذلك منسوبة لعائشة "لقد رأيت النبي يصلى وإني لبينه وبين القبلة وأنا مضطجعة على السرير" "كنت أنام بين يدى رسول الله ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما" ثم حديث ابن عباس "أقبلت راكباً على حمار أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله يصلى بمنى إلى غير جدار فمررت بين يدى بعض الصف وأرسلت الأتان ترتع فدخلت في الصف فلم ينكر ذلك علىّ أحد" وأحاديث أخرى تجعل الحمير والخراف والنساء تمر أمام النبي وهو يصلى، فأيهما نصدق؟ (البخاري: الجزء الأول ص 128: 129، الجزء الأول ص 29، ص 126). وقد يأتي البخاري بأبواب كاملة يناقض بعضها بعضاً ويتلو بعضها بعضاً..
فهناك باب عنوانه "باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة" وتحته أحاديث كثيرة تؤكد هذا المعنى، ثم يتلوه باب آخر عنوانه "باب ما ذكر في شؤم الفرس" وتحته أحاديث مثل "إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار" (البخاري: الجزء الرابع ص 30: 33). بل قد يأتي البخاري بالتناقض في حديث واحد، مثل "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث في المرأة والدار والدابة". (البخاري: الجزء السابع ص 174) فكيف ينهى عن الطيرة أي التطير والتشاؤم ثم يأمر بالتشاؤم المستمر من رؤية المرأة والدار والدابة. وإذا طبقنا هذه السُنّة فلن ندخل بيتاً ولن ننظر إلى زوجة أو ذات محرم ولن نرى حيواناً يدب على الأرض. على أن أفظع الأحاديث المتناقضة جاء بها البخاري في موضوع الصلاة ليشكك المسلمين فيها..فهناك أحاديث تأمر المرأة بأن تصلى وهى حائض وأحاديث أخرى تنهى عن ذلك (البخاري: الجزء الأول ص 81، 84، 85، 86).وأحاديث تأمر بالصلاة بعد الصبح وبعد العصر وأحاديث تنهى عن ذلك (البخاري: الجزء الأول ص 143: 145). وأحاديث تثبت أن النبي كان يصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين في غير السفر وفى غير الخوف منها: "خرج علينا رسول الله بالهاجرة فأتى بوضوء فجعل الناس يأخذون منه فضل وضوئه فيتمسحون به فصلى النبي الظهر ركعتين والعصر ركعتين وبين يديه عنزة" "أن النبي صلى بهم البطحاء وبين يديه عنزة الظهر ركعتين والعصر ركعتين يمر بين يديه المرأة والحمار" (البخاري: الجزء الأول ص 57، ص 126).وأحاديث أخرى تقول أن النبي كان يصلى الصبح أربع ركعات "أن رسول الله رأى رجلاً وقد أقيمت الصلاة يصلى ركعتين فلما انصرف رسول الله لاث به الناس وقال له رسول الله: الصبح أربعاً الصبح أربعاً" (البخاري: الجزء الأول ص 159: 160).) انتهى النقل .

قال : ولكنهم جعلوا منهجا لفحص أحوال الرواة وتقسيمهم الى ثقة وضعيف ، وفحص الروايات فى الحديث وتقسيمها الى متواتر وحسن وضعيف ..الخ

قلت : هذا التقسيم فى حد ذاته ينفى إجماعهم حول ( الأحاديث) ويؤكد شكوكهم فيها . ثم إنهم إختلفوا فى تقييم الرواة والأئمة ، ويكفى أن تقرأ كتاب ( ميزان الاعتدال ) للذهبى تجد الاختلاف فى تقييم كل رواية حتى لو كان من الأئمة . ويكفى أن تعرف انهم كان يطعن بعضهم فى بعض ، تعرض محمد بن الحسن الشيبانى صاحب أبى حنيفة والراوية عن مالك للطعن ،  وطعن ابن معين والعجلي في الشافعي، وقالوا بأنه ليس ثقة . وطعن ابن عدى في ابي حنيفة ، وطعن ابو زرعة في البخاري، وطعن يحي بن سعيد في ابراهيم بن سعد ، وطعن النسائي في احمد ابن صالح ، وطعن احمد بن صالح في حرملة ، وطعن مالك في  محمد بن اسحاق صاحب السيرة . وهكذا داخل شارع الأئمة من أهل السُّنّة ، علاوة على الطعن المتبادل بين الشيعة والسُّنة ، هؤلاء ينطبق عليهم قوله جل وعلا : ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) الحج)

قال : فما هو المخرج من هذا الشقاق ؟

قلت : فى الايمان بكل ما أنزل الله جل وعلا على رسله دون تفريق بين الرسل ، يقول لنا ربنا جل وعلا : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136)البقرة ) وبالتالى تكون الشهادة هى ( لا إله ألا الله ) فقط ، ودن تفضيل للنبى محمد وتمييزه عمّن سبقه من الرسل ، لأن الايمان هو بالرسالة السماوية وليس بشخص النبى . وبالتالى لا وجود ( لأمة محمد ) أو ( أمة المسيح ) لأن الايمان بالخالق جل وعلا وحده وبدينه العالمى وبكل ما أنزل من كتاب على كل الأنبياء والرسل بلا تفريق بين الرسل . بهذا يكون الاهتداء ، وبدون يكون الشقاق حسب ما جاء فى الآية التالية  فى قوله جل وعلا:( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ)   (137) البقرة ).

قال : كيف ينشأ الشقاق ؟

قلت : يبدأ بتفضيل النبى على بقية الأنبياء وبالتالى رفعه فوقهم ، أى تأليهه ، وأفتراء شخصية الاهية له ، وإلاعتقاد فيها ، ويرتبط هذا بأهواء مختلفة ، تتقسم بها الأديان الأرضية الى ملل ونحل ، وينتشر الشقاق ويصاحبه الصراع والحروب .

قال : وكيف نتجنب الشقاق والاختلاف فى الدين ؟

قلت : بإتباع القرآن الكريم وحده وبالاحتكام الى القرآن الكريم وحده ، وهو الرسالة الاهية المحفوظة الى قيام الساعة .

قال : ما معنى إتباع القرآن الكريم وحده ؟

قلت : الاسلوب القرآنى مُحكم ، يأمر وينهى ، يأمر باتباع القرآن وحده وينهى عن إتباع غيره ، يقول جل وعلا : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الانعام )، ويقول جل وعلا : (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (3) الاعراف ). هذا علاوة على وصف التفرق فى الدين بأنه وقوع فى الشّرك ، يقول جل وعلا : (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم )، ومقدما يقطع رب العزة الصلة بين المحمديين ( المختلفين فى الدين ) وبين خاتم المرسلين ، يقول جل وعلا له عليه السلام: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ )  (159) الانعام ). هنا إعجاز قرآنى يشير الى أن المختلفين فى الدين سينسبون أنفسهم وأحاديثهم الى النبى ( محمد ) يؤلهونه ويجعلون أنفسهم ( أُمّة محمد ) وهو ليس منهم فى شىء .!

قال : وما معنى الاحتكام الى القرآن الكريم ؟

قلت : هو ما نقوم نحن به الآن ، أهل القرآن ، إمتثالا لقوله جل وعلا ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) الشورى ) ويقول جل وعلا : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )(114) الأنعام ) .

قال : ولكنهم يضيفون الرسول مستشهدين بقول الله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) النساء)

قلت : الرسول محمد فى حياته كان يحكم بالقرآن ، والقرآن هو الرسالة الباقية بعد موته ، وقد قصّلنا هذا فى كتاب ( القرآن وكفى ) وهم منشور هنا .

قال : ما الدليل على انه عليه السلام كان يحكم بالقرآن ؟

قلت: تدبرالسياق القرآنى كاملا فى الآية القرآنية الكريمةالسابقة ، يقول جل وعلا:   ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61) النساء ). واضح هنا أن الرسول يحكم بما أنزل الله ، وأن غير ذلك هو حكم الطاغوت . والطاغوت فى المصطلح القرآنى هو الإفتراء على الله جل وعلا ورسوله بتأليف أحاديث والزعم بأنها ( نبوية ) و ( قدسية ) وانها ( سُنّة النبى ) وأن هذه ( السُّنّة ) وحى .

قال : قال إذا كان الاسلام دينا عالميا فالقرآن الكريم كتاب لأهل الكتاب. وهم أيضا مختلفون.

قلت : نزلت آيات قرآنية كثيرة تدعو لهدايتهم فى سور البقرة وآل عمران والنساء والمائدة ، وقبلها قال جل وعلا عن دور القرآن فى حلّ الخلافات بينهم : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) النمل ). وقد كانوا يحتكمون الى النبى عليه السلام ، وأمره جل وعلا أن يحكم بينهم بالقرآن ، حتى مع وجود إختلافات تشريعية بسيطة بين تشريع القرآن وتشريع التوراة ، وهذه الخلافات البسيطة هى ابتلاء لنا ولهم ولتكون سبيلا للتنافس بيننا وبينهم فى الخير ، يقول جل وعلا : (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة  ).

قال : ودائما : صدق الله العظيم .!

اجمالي القراءات 11815

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5113
اجمالي القراءات : 56,726,766
تعليقات له : 5,447
تعليقات عليه : 14,822
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي