الحرب في سوريا والعراق أشعلها الموروث السني
هذا التراث وهؤلاء العلماء- الذين يُقدسهم الأزهر وشيوخ السلفية -حكموا قديماً بكُفر الشيعة، ليس هذا فقط بل حكموا بوجوب قتالهم والقضاء عليهم...رغم أنهم في مناسبات يقولون لا نُكفر من يقول لا إله إلا الله، وفي مناسبات أخرى يقولون نتوقف في عوامهم أما أئمتهم فمرتدون..
هذا هو الذي دفع الإخوان وداعش لإعلان الحرب المذهبية في كِلا البلدين، وشهدت بنفسي تحريض إخواني في بدايات الحرب السورية على التطوع لنُصرة السنة، رغم أن السنة يُشكلون الغالبية العُظمى من الجيش السوري الحكومي..
المبادرة جاءت من متطرفي السنة، لاعتقادهم أن لهم الغَلَبة والأكثرية، ولارتباط المذهب الشيعي بالمعارضة المشاغبة منذ زمن معاوية، فزادت على نوازعهم الإجرامية نزعات سلطوية أخرى ترى أن القضاء على الشيعة هو قضاء على المعارضة بالتبعية..
عامل مهم شكّل وعي هؤلاء، هو الخلط الشنيع بين الدين والدولة، فظنوا أن أي معارض للخلافة أو لصحابي هو كافر مرتد، بالضبط مثل من وصف معارضي مرسي أنهم زنادقة يحاربون الله، ومن يصف معارضي السيسي أنهم جميعاً خونة، رغم أن المعارضة السياسية شئ طبيعي وصِحي في مجتمعات البشر، لن تجدهم أبداً على اتفاق، ولو كان لاجتمعوا على رئاسة النبي في دولة المدينة..
الحل كان من البداية في الفصل بين الدين والدولة، وقد عجز عن تحقيق ذلك المسلمون بعد وفاة النبي، وتصارعوا من خلفيات دينية وسياسية مشتركة..
والعجيب أن نرى نماذج من تعايش السنة مع الشيعة في دول الغرب لأنها دول علمانية، بينما هؤلاء يعجزون عن التعايش في مجتمعاتهم العربية، والسبب أن العقلية العربية لا زالت متأثرة بما حدث في الفتنة الكبرى والثورات الدينية التي أعقبتها، علاوة على ترسيخ هذه العقلية بتراث طائفي يحض على الكراهية .
وهذه أمثلة من ذلك التراث العَفِن
قال طلحة بن مصرف (الرافضة لا تنكح نسائهم ولا تؤكل ذبائحهم لأنهم أهل ردة)
قال الأوزاعي (من شتم أبا بكرالصديق فقد ارتد عن دينه وأباح دمه)
قال مالك بن أنس: (الذي يشتم أصحاب رسول الله ليس له سهم في الإسلام)
قال عبد الرحمن بن مهدي: (ما فتشت رافضيا إلا وجدته زنديقا)
قال عبد الرزاق الصنعاني: (الرافضي كافر)
قال محمد بن يوسف الفريابي: (ما أرى الرافضة والجهمية إلا زنادقة)
قال أحمد بن يونس : (إنا لا نأكل ذبيحة رجل رافضي فإنه عندي مرتد)
قال أبو زرعة: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب الرسول فاعلم أنه زنديق)
قال القاضي عياض (ولقد كفروا من وجوه لأنه أبطلوا الشريعة بأسرها)
رغم أن كل ما ذكروه ينطبق على معاوية بن أبي سفيان لأنه شتم عليّ بن أبي طالب وآل البيت على المنابر، والإمام عليّ قبل أن يكون قريباً للرسول هو من الصحابة، لكن مسألة معاوية لديهم شائكة ويقيسون الإيمان بالولاء له والبراء منه، وهذا دليلُ فاضح على اتباع القوم أهوائهم وعدم تحكيم أي دين أو أخلاق او سياسة في المعاملات..
وما ذكروه أيضاً ينطبق على الخوارج لأنهم شتموا وكفّروا الإمام عليّ ومعاوية وأكثر الصحابة، لكنهم توقفوا فيهم وأصدروا فتاوى متعاقبة تُحرم تكفيرهم وأخذوا منهم الأحاديث وأشهر هذه الأحاديث التي ورثوها عن الخوارج هو حديث.."من بدل دينه فاقتلوه"..الذي اخترعه عكرمة أحد رؤوس الخوارج ورواه عنه البخاري، ومن يومها أصبح يوجد قتلاً للمرتد بفضل ذلك الخارجي الملعون.
هذه النزعة ورثتها داعش بالحرف، إضافة إلى رؤية الخوارج في تكفير كل صاحب معصية، فالمعصية لديهم تعني حرباً لله وللرسول، وجعلوا أنفسهم أوصياء ووكلاء عن الله في تقويم المجتمع.
وورثتها أيضاً جماعة الإخوان التي رأت تأجيل كل ما تؤمن به داعش إلى عصر التمكين، وهذا يُفسّر طغيان هذه الجماعة وإعلان تحالفها مع الجماعات خصوصاً بعد صعود مرسي للحُكم، لأن فوز مرسي برئاسة مصر هو لديهم تمكين من الله لهم بوصفهم القوم الذين استُضعفوا فوعدهم الله بالنصر وأورثهم الأرض والإمامة.
على هذه الأسس قامت الحرب في العراق وسوريا، وبسبب تمدد الإخوان وانتشار الفكر السلفي تأثرت بعض مناطق السنة بهذا الفكر وقررت التحالف مع داعش والإخوان وانقلبوا على الجيشين العراقي والسوري، لكن بعد شهور قليلة من سيطرة داعش على مناطق السنة انتفضت القبائل والعشائر السنية ضدهم، بعدما رأت فيهم مجموعة من المجرمين والعصابات لا دين لهم ولا ذمة.
وهذا ما كنا نحذر منه
أن التطرف السني كإلحاح الجنس عند الذكور، هو الذي يبدأ بالمبادرة وإشعال الحروب ونشر الفتن، ولكي تبقى هذه الأوضاع قائمة عليه بتضخيم أخطاء خصومه كي يجد لنفسه مبرراً أخلاقياً لاستمراره في الهدم..فيلجأون عادةً إلى الكذب والتهويل والحشد وشيطنة جميع الخصوم..لكن مع كل ذلك هم يفتقرون للدين وللعقل ومثلما كفّروا الآخرين وقتلوهم سيُكفّرون ويقتلون أنفسهم وقد حدث ذلك على مرأى ومسمع من الملايين.
اجمالي القراءات
6730