آحمد صبحي منصور Ýí 2014-04-16
أولا :
1 ـ سيدة مصرية فعّالة للخير ، تعيش فى نفس المنطقة معنا ، حكت لى هذه القصة وطلبت مشورتى ، وقلت لها رأيي ، ولأنها قصة هامة تعكس قضية هامة فإننى أنقلها هنا بمعناها وأحداثها على لسانها الانجليزى ولكن باسلوب عربى مفهوم .
2 ـ تقول السيدة الفاضلة : أنا سيدة مصرية حاصلة على الجنسية الأمريكية ، وأعيش فى منطقة فرجينيا من ثلاثين عاما، ولى علاقات متعددة بالجالية المصرية ، وأحاول بقدر المستطاع خدمة المحتاج منهم . منذ عام قيل لى أن أحد المصريين توفى فجأة وترك زوجته وابنه الذى يبلغ عشر سنوات ، وهى حائرة لا تعرف كيف تتصرف وحدها . عرفت أن بعض اهل الخير وقفوا الى جانبها فى دفن زوجها ، ولكن مشكلتها أنه لا تعرف شيئا عن الأحوال المالية لزوجها ، وقد ترك لها الأكوام من الأوراق والفواتير واستمارات البنوك والعقود ، ومنها عقد تمليك الشقة والأقساط عليها ، ومستحقات وديون ، وهى لا تعرف راسها من رجليها . ذهبت اليها ، وتوسطت لها فحصلت على مساعدات مالية وعينية من بعض الكنائس والمنظمات التى تقدم المعونات فى مثل هذه الحالات ، وقضيت معها عدة أيام أراجع فيها أوراق زوجها ، واعرف ما له وما عليه ، وإتضح أنه كان متزوجا من قبل وأنجب من زوجته الأمريكية بنتا ثم انفصل عن زوجته الأمريكية ، وانقطعت صلته بها وببنته ، وهذه البنت أكملت تعليمها ، وتولت مركزا مرموقا ، وكان أبوها يقابلها بعد أن صار لها شأن وحيثية ، وكان يوصيها على ابنه الصغير من زوجته المصرية . هو طبعا بعد أن طلق زوجته الأمريكية ذهب الى بلدهم فى الصعيد وتزوج بنت العمدة وأتى بها الى أمريكا ، من قريتهم الى أمريكا رأسا ، ومع انها حصلت على الجنسية الأمريكية تبعا لزوجها فقد ظلت صعيدية تماما لأن زوجها عزلها عن العالم فى شقتهم وعاملها كأى زوج صعيدى ، لا تعرف عنه شيئا ، ولا عن عمله ولا تعاملاته ، ثم مات وتركها هائمة تائهة . إتصلت بإبنته الأمريكية لتأتى وتشارك فى الموضوعات المطروحة طبقا للقانون حيث انها ضمن الورثة . وجاءت البنت الأمريكية وساعدت فى كثير من الاجراءات الرسمية فى التعامل مع البنوك وسداد القروض ، وفى قبض بعض المستحقات ، ونقل الملكية للزوجة الصعيدية ولابنها ، وتنازلت البنت الأمريكية عن حقوقها لأخيها الطفل ( غير الشقيق ) ولأرملة ابيها الصعيدية . فوجئت بعد هذا أن هذه الزوجة الصعيدية تشكونى لطوب الأرض ، وتتهمنى بالاهمال فى مساعدتها وأننى جلبت لها بنت ضرتها القديمة ، وعرفت أنها فى بعض الافادات الرسمية كذبت وكتمت أشياء ، وهذا يُعاقب عليه القانون . الذين جاءوا لى من قبل يطلبون منى أن أساعدها أخذوا يلوموننى بناء على كلامها ، ووجدت نفس مضطرة أن أدافع عن نفسى ، وأقسمت ألا أساعدها بعد ذلك ، وقطعت صلتى بها نهائيا وبكل من أعرفهم من الصعايدة الامريكيين بسببها ، وقلت أن ابنة زوجها موجودة وتستطيع أن تساعدها ، وهى الأولى . ثم جاء الأصدقاء اياهم وهم يترجوننى أن أذهب لمساعدتها لأنها فى بعض الافادات ظهر كذبها ، وأن ابنة زوجها قسمت لها الفواتير وشرحت لها ما فى الأوراق فأخفت بعضها لتتهرب من مستحقات وضرائب ، فابتعدت عنها ابنة زوجها الأمريكية وتركتها لتواجه نتيجة عملها ولأنها يأست من اصلاح مخها الصعيدى ، واصبحت الصعيدية فى ورطة ،وهى تطلب مساعدتى . واجهتها باتهاماتها لى ونكرانها الجميل فأخذت تحلف بالمصحف ،واجهتها بمن نقلوا كلامها لى فاعتذرت . أنا الآن فى حيرة . هل أعود واساعدها أم ابتعد عنها .ما رأيك فى التعامل مع هؤلاء الصعايدة الذين جاءوا أمريكا ومخهم مقفول ؟
ثانيا : اقول :
1 ـ هذه الرسالة تعكس أحط ما فى الثقافة المصرية وأفضل ما فى الثقافة الأمريكية . كلا الثقافتين فيهما السلبى المنحط ، والايجابى الرائع . وبعض المصريين الأمريكيين يأخذون الأسوا من الثقافتين ، وبعضهم يأخذ الأسمى منهما ، والبعض الآخر يتوسط . هذا الزوج وزوجته أخذا بأسوا ما فى الثقافة المصرية ، أما صاحبة الرسالة وابنة هذا الرجل الصعيدى الأمريكية فقد نجت من تلك الثقافة السيئة ، وتمسكتا باسمى ما فى الثقافة الأمريكية . الزوج جاء لأمريكا وتزوج أمريكية ليحصل على الجنسية الأمريكية ، وعندما حصل عليها طلق زوجته ، وقطع صلته بها وبابنته منها ، وذهب الى بلده ليتزوج بنت العمدة ، وليأتى بها مادة خام ، ولم يحاول تعليمها أو تعريفها بحقوقها كزوجة أمريكية ،أو حتى كزوجة مسلمة . تصرف معها وهى فى أمريكا كما يتصرف الصعيدى الجاهل مع زوجته . وعندما مات فجأة ترك لها الحيرة والارتباك ، لولا أهل الخير، ومنهم صاحبة الرسالة . هذا نموذج أصيل للندالة . الزوجة جاءت بكل أوزار الثقافة المصرية ، من الطمع فى الميراث ، والتشكك فى الغريب ، حتى لو كان الغريب هذا صاحب حق ، وبنتا للزوج الفقيد . وبهذا لا ترى حرجأ أن تكذب ، وأن تراوغ برغم ضحالة ما تعرف ، بل أن ترد الجميل بالنكران وترد الحسنة بالسيئة كما حدث فى تعاملها مع بنت زوجها ومع كاتبة الرسالة . هى أيضا نموذج لا يُستهان به فى الندالة .
2 ـ الحياة إختباروإختيار . الزوج والأرملة إختارا الأسوأ ، أما السيدة النبيلة كاتبة الرسالة فقد إختارت أن تساعد المحتاجين لوجه الله جل وعلا ، ولهذا يجدر بها أن تلبى رجاء هذه الأرملة لأنه هذا هو الذى يليق بالسيدة النبيلة كاتبة الرسالة . أريدها أن تعامل الأرملة ناكرة الجميل ، ليس بستوى خستها ، ولكن بمستوى النبل للسيدة المصرية النبيلة الكريمة . العدل فى الاسلام أن ترد السيئة بمثلها ، اما الاحسان فهو أن ترد السيئة بالحسنة وأن تعفو وتصفح ابتغاء مرضاة الله جل وعلا ، وطلبا للأجر من عنده جل وعلا . يقول رب العزة : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) ( الشورى ). كما لا يصح أن نعاقب الأبرياء لخطأ ارتكبه فرد ينتمى الى نفس القبيلة أو المنطقة . من الظلم أن تأخذى موقفا برفض مساعدة أى صعيدى لأن صعيدية أخطأت ، لأن المبدأ الاسلامى هو : ألّا تزر وازرة وزر أخرى .
3 ـ يبقى أن اقول تصحيحا وعتابا للأخت الفاضلة التى تعمم الحكم على كل أبناء الصعيد المصريين : لا يصحّ التعميم . ليس كل الأمريكان ملائكة أو شياطين ، وكذلك بقية الشعوب . وليس معنى أن يخطىء ( صعيدى مصرى ) أن كل الصعايدة المصريين كذلك ، فالصعيد أنجب عظماء من المصريين . يكفى أن منهم طه حسين و مكرم عبيد . وحين نتكلم عن (أغلبية ) فلا يعنى هذا التعميم أبدا . نتعلم هذا من القرآن الكريم : يقول جل وعلا : ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) التوبة ) ليس هذا حكما عاما يشمل جميع الأعراب بل الأغلبية الساحقة منهم لأن الله جل وعلا يستثنى منهم أقلية مؤمنة صالحة من الأعراب ،يقول جل وعلا :( وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) التوبة )
4 ـ ( الفردية ) هى الصواب . والفردية تعنى الاختيار الحُرّ . كل فرد يختار موقعه وموضعه ، بين الخير والشّر ، أو فى المنطقة الرمادية بين بين . وقد يتأرجح بين هذا وذاك ، يخطىء ويتوب ، أو يتوب ويخطىء . وكلنا سواء فى الضعف الانسانى . وحقير جدا من يعتقد فى نفسه العصمة من الخطأ . الأولى أن يبدأ الانسان باصلاح نفسه والتفكير فى أخطائه وخطاياه ، وأن يتحرى العدل فى تعامله مع الناس ، فما يرضاه لنفسه يرضاه لغيره ، وما يرفض حدوثه لنفسه يرفض حدوثه لغيره . الأنانية مفتاح كل شرّ ، والعدل والاحسان مفتاح كل خير .
أخيرا
ـ تحياتى للسيدة المصرية الأمريكية النبيلة . وأرجو أن تواصل مشوارها فى عمل الخير إبتغاء وجه الله تعالى ، دون إعتبار لردود الأفعال من البشر .
كنت سأعتب عليك كثيرا دكتورنا لولا النقطة الثالثة التي برأت بها الصعايدة من أعمال تلك الأرملة الفردية. وقد كنت سأتعاطف مع صاحبة الرسالة لولا أنها كشفت عن عنصريتها تجاه شريحة عريضة من أهل وادي النيل وصبغهم بصورة نمطية سيئة. الأرملة كذبت وعرفنا أسباب كذبها وقد نتسامح معها بعد ذلك، أما صاحبة الرسالة فارتكبت جريمة أكبر وهي جريمة إبليس التي أخرجته من الجنة.
على الهامش:
في الأردن كنا نرى الصعيدي أعلى درجة من البحري.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,872,765 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
النوافل: لقد بدأت اصلي الفرض كما وضحت لنا جراك الله...
أحبّ الطعام.!!: أنا يا سيدى أحب الطعا م ، وأتمت ع بالأك ل ،...
آل سعود والحج : اثناء نقاش بيني وبين احد الزمل اء بالعم ل ...
ليلة القدر من تانى.!: هل يضاعف الله ثواب العبا دة فى ليلة القدر ؟...
عقد القران والزواج : في دول الغرب المسا جد الرئي سية لا تعقد...
more
لا اجد اقدر من هذه الكلمات لتعبر عن ضعف النفس الإنسانية فقد نقلتها من مقال للاستاذ إبراهيم دادي ، فهو من نقل كتاب عبدالله القميصي : كبرياءالتاريخ في مأزق :
أيها الكون، خذ مني بعض حزني، بعض احتجاجي
"إنه لا حد لما يمكن أن يهبط إليه مستوى الذكاء والاحتياج والرفض والغضب في البشر، إنهم قد يفقدون جميع المستويات الإنسانية المعروفة والممكنة، ثم يطلون مع هذا يبتسمون بوقاحة لأنفسهم إعجابا بها، ورضا عن شموخ مستوياتها الرافضة أن تتعلم حرفا واحدا في أية لغة من لغات الهوانم. ليست قمة البشاعة أن يهون الإنسان بلا حد، ولكن قمة البشاعة أن يفعل ذلك دون أن يشعر أنه قد فقد شيئا ـ قمة الهوان أن تموت كل معارضة ضد الذات داخل الذات، أن تتجمع الذات وتتفق في سقوطها وضعفها دون أن يلعن بعضها بعضا أو يحتج بعضها على بعض، حتى ولو بالبكاء والمشاعر الرافضة. إن معارضة الذات للذات هي إحدى مزايا الإنسان القوية، كما أنها هي إحدى خصائصه الكبرى. والذي يستطيع أن يقتل في الإنسان هذه المزية سيكون أحد العباقرة في الهبوط بالإنسان عن مستواه المحتوم... وأقوى ما في الإنسان قد يصبح أضعف ما فيه، فأقوى ما فيه الرفض، وقد يفقده فيصبح فقده الرفض أضعف ما فيه.
أيها الكون، خذ مني بعض حزني، بعض احتجاجي، بعض غضبي، خذ مني فإني لا أطيق حمل كل ما عندي.
خذ مني وكن رحيما أو عظيما أيها الكون الكبير، وإلا فكن فناء.