آحمد صبحي منصور Ýí 2013-03-05
كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب الثالث : الحج فى الدين الصوفى
الفصل الثالث ( دين التصوف : لمحة عن أهم عقائد التصوف )
مقدمة : أهم عقائد التصوف هي " الاتحاد . والحلول ، ووحدة الوجود " :
1 ـ الفارق " شكلي" بين العقائد الثلاثة ، فأصحاب الاتحاد يعتقدون أن الصوفي إذا حسن حاله يصل " للفناء " في المعبود ويستغرق في حال ( المشاهدة ) و ( يتحقق بالحق ) أو يتحد بالله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ). وأصحاب " الحلول " يعتقدون أن الذات العلية هى التى تتجلى على الصوفي الفاني فى ربه وتحلّ فيه ، فتنمحي في العبد صفة العبودية ويفنى في ربه متحداً فيه ويصير جزءا من الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ). و أصحاب "وحدة الوجود " يعتقدون أن الوجود " بما فيه من خالق ومخلوق " واحد لا تعدد فيه ، وهو الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) ، وأن المخلوقات هي صور يبدو فيها الحق واجب الوجود ،أى أن الله هو نفس المخلوقات ( تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ) وليس له وجود خارج المخلوقات ، ويعتقدون أنّ الصوفي هو الذي يصل إلى هذه الحقيقة التي لا يدركها المحجوبون من بقية البشر ، فإذا زال الحجاب عن قلب امرئ رأى أن " الشاهد عين المشهود ".
2 ـ وقد يقال أن "عقيدة الاتحاد " لا تختلف في مقولتها عن "عقيدة الحلول" فالاتحاد صعود بالعبد إلى الله و "الحلول " نزول بالإلوهية إلى العبد ، فالخلاف لفظي . ويمكن القول أيضاً بأن الخلاف "كمّي " بين عقيدتي "الاتحاد ووحدة الوجود" فأصحاب الاتحاد يرون للعالم وجودين : خالق ومخلوق ،ثم يتحد الصوفي العارف بالخالق ويحقق الفناء في واجب الوجود ، بينما يتوسع أصحاب الوحدة في هذه المقولة ويجعلونها حقا لكل البشر بل والجمادات ، فهي كلها صور يتراءى فيها الخالق في خلقه .. فعقيدة الاتحاد جزء من عقيدة "وحدة الوجود " أو أن وحدة الوجود هي الهدف الأسمى للقائلين بالاتحاد : أو هي على حد قول بعضهم "الاتحاد المطلق" أي الذي يشمل الإنسان والجماد . ومعنى ذلك أن هناك درجات للعقيدة الصوفية تبدأ ( بالاتحاد والحلول ) وتنتهي( بوحدة الوجود ) أو (الاتحاد المطلق ).
ونعرض لعقائد التصوف كما عرضها الغزالى ، ثم نناقشها .
أولا : الغزالي ( 450 – 505) هـ :عقيدة التصوف في( الإحياء ): (درجات التوحيد عند الغزالي):
1 ـ يقول الغزالى فى ( إحياء علوم الدين ) : ( التوحيد : القول فيه يطول وهو من علوم المكاشفة ) أي أن الغزالي يسد الطريق مقدماً على الفقهاء وهم محرومون من العلم بالغيب الذي يكاشف الله به أولياءه ، ثم يقول : ( للتوحيد أربع مراتب ، وهو ينقسم إلى لب وإلى لب اللب وإلى قشر وإلى قشر القشر : فالمرتبة الأولى من التوحيد : هي أن يقول الإنسان بلسانه لا إله إلا الله وقلبه غافل عنه أو منكر له كتوحيد المنافقين ، والثانية : أن يصدق بمعنى اللفظ قلبه ، كما صدق به عموم المسلمين وهو اعتقاد العوام ، والثالثة : أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق ، وهو نظام المقربين ، وذلك بأن يرى أشياء كثيرة ولكن يراها على كثرتها صادرة عن الواحد القهار . والرابعة أن لا يرى في الوجود إلا واحداً ، وهي مشاهدة الصديقين ، وتسمّيه الصوفية الفناء في التوحيد ، لأنه من حيث لا يرى إلا واحداً فلا يرى نفسه أيضاً ، وإذا لم ير نفسه لكونه مستغرقاً بالتوحيد كان فانياُ عن نفسه في توحيده ، بمعنى أنه فني عن رؤية نفسه والخلق ..).
2- ثم يشرح الغزالي في ضوء ما سبق أنواع الموحدين ، يقول ( فالأول : موحد بمجرد اللسان ، و يعصم ذلك صاحبه في الدنيا عن السيف .. والثاني : موحَّد بمعنى أنه معتقد بقلبه مفهوم لفظه ، وقلبه خال عن التكذيب بما انعقد عليه قلبه ، وهو عقدة على القلب ليس فيه انشراح وانفساح ، ولكنه يحفظ صاحبه من العذاب في الآخرة إن توفى عليه ، ولم تضعف بالمعاصي عقدته ... والثالث : موحَّد بمعنى أنه لم يشاهد إلا فاعلاً واحداً ، إذا انكشف له الحق كما هو عليه ، ولا يرى فاعلاً بالحقيقة إلا واحداً، وقد انكشفت له الحقيقة كما هي عليه ، لا إنه كلّف قلبه أن يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة فإن تلك رتبة العوام والمتكلمين .. والرابع : موحد بمعنى أنه لم يحضر في شهوده غير الواحد ، فلا يرى الكل من حيث أنه كثير ، بل من حيث أنه واحد ، وهذه هي الغاية القصوى في التوحيد ) [1].
ثانيا : ولنا على الغزالي ملاحظات :
1- أنه جعل للنفاق درجة في التوحيد وذلك ما لم يرد في مدرسة الجنيد ، ثم جعل التوحيد الإسلامي ( لا اله إلا الله ) توحيد العوام ، ويلمح إلى نوع من المقارنة بين الفريقين ، فالأول يعصمه الإقرار بالتوحيد من الموت بالسيف أما الثاني فيعصمه اعتقاده القلبي من العذاب في الآخرة .
أما الصوفية عنده فلا يأبهون بالجنة أو بالنار ، يقول : ( ولذلك قال العارفون ليس خوفنا من نار جهنم ولا رجاؤنا للحور العين ، وإنما مطالبنا اللقاء ومهربنا الحجاب فقط ، وقالوا ومن يعبد الله بعوض فهو لئيم كأن يعبده لطلب جنته أو لخوف ناره ، بل العارف يعبده لذاته فلا يطلب إلا ذاته فقط ) [2].
ولسنا في مجال التعليق على ذلك النص الذي يجعل الصوفية أنداداً لله ويفضلهم على الرسل الذين كانوا يعبدون الله رغبة ورهبة ، ويكفى أن نقرر أن ترفع الصوفية عن الجنة وسخريتهم بالنار تردد في مواضع شتى في الإحياء [3] كإحدى مظاهر عقيدة الاتحاد التي تسبغ الألوهية على الصوفية .
ثم ارتقى الغزالي بعقيدته الصوفية إلى المرتبتين الثالثة والرابعة .. بينما جعل المنافقين والعصاة في المرتبة السفلى ثم جعل صالحي المسلمين وهم (العوام ) في المرتبة التالية، وحرم عليهم الصعود لمرتبة العقيدة الصوفية حتى ولو كانوا من المتكلمين والفقهاء زعماء "العامة " ، ذلك لأن أساس العقيدة الصوفية في المرتبة الثالثة قائم على الكشف أي علم الغيب ، وهو للصوفية خاصة من دون الناس : يقول الغزالي عن المرتبة الثالثة ( أن يشاهد ذلك بطريق الكشف بواسطة نور الحق وهو مقام المقربين ) وشرح ذلك الكشف بقوله ( وقد انكشفت له الحقيقة كما هي ، لا أنه كلف قلبه أن يعقد على مفهوم لفظ الحقيقة ، فإن تلك رتبة العوام المتكلمين )..
لم يجد الغزالي سنداً للعقيدة الصوفية إلا الكشف أو الوحي الذي يتلقاه الصوفي من لدن ربه ، ومعنى ذلك أن هناك عقيدة جديدة نزلت من السماء تعلو فوق دين الله (الإسلام) .. ومعنى ذلك أن القرآن لم يشتمل على أسرار تلك العقيدة التي اختص بها الصوفية من دون الناس،ذلك أن القرآن والإسلام هما للعامة وزعمائهم من الفقهاء والمتكلمين ، وهما في الدرجة الدنيا في تقسيم الصوفية ..
قرر الغزالي في المرتبة الثالثة – أو المرتبة الأولى في عقيدة الصوفية – وحدة الفاعل ، ومعنى ذلك أن كل فعل يصدر عن البشر إنما يصدر في الحقيقة عن الله تعالى ، أي يسند أفعال البشر السيئة والدنيئة لله ( تعالى عن ذلك علواً كبيراً ) مع أن الله تعالى يقول ( مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ .. النساء 79 ) . والقول بالجبرية التامة من أسس العقيدة الصوفية التي تجعل الله (الروح ) المسيطر والكامن في المظاهر الحسية، وذلك يتناقض مع الإسلام والثواب العقاب والجنة والنار، وكلها في نهاية الأمر لا تهم الصوفية الذين يهتمون أساسا بالاتحاد أو التأليه.
ثم قرر الغزالي في المرتبة الأسمى وحدة الوجود ، أي أنّ الذوات أو الأشياء المخلوقة على كثرتها ليست إلا وجوداً واحداً و ذاتاً واحدة هو الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) حتى أن الصوفي يفنى فلا يرى نفسه ، وبالطبع لن يرى غيره ،لأنه يرى الله فقط في كل شيء حوله .
2 ـ رغم ما واجهه الغزالي من إنكار فإنه لم يتخل عن عقيدته بل جعلها من مقامات التصوف عنده في كتابه ( إشكالات الأحياء ) الذي رد به على المنكرين عليه ، يقول في مقام المشاهدة : إنها ( ثلاثة : مشاهدة بالحق ، وهى رؤية الأشياء بدلائل التوحيد ، ومشاهدة للحق ، وهى رؤية الحق في الأشياء ، ومشاهدة الحق ، وهى حقيقة اليقين بلا ارتياب)[4]. فالمشاهدة الأولى : إسلامية ، والثانية : تعبر عن الاتحاد ، والأخيرة : عن وحدة الوجود المطلقة .
ثالثا : وحدة الوجود في الإحياء
1 ـ استخدم الغزالي مهارته في الفلسفة والمنطق في شرح عقيدة وحدة الوجود ، ولم يتورع عن المغالطة . فهو أحيانا يجعل المخلوقات أفعالا لله ويخلط بين الأفعال والصفات الإلهية ثم يخلط بينها وبين الله ، وذلك كله كي يحقق وحدة الوجود بين الخالق والمخلوقات ، أى أنه ليس لله جلّ وعلا وجود منفصل مستقل عن المخلوقات ، بل يجعل الله جل وعلا هو (عين) المخلوقات ( تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ) . وأن هذه منزلة لا يدركها ولا يشاهدها سوى أولياء الصوفية المكشوف عنهم الحجاب ، أو اصحاب العلم اللدنى الذين يعلمون الغيب . يقول : ( فسبحان من احتجب عن الظهور بشدة ظهوره واستتر عن الأبصار بإشراق نوره .. المتحقق بالمعرفة لا يعرف غير الله تعالى ، و ليس في الوجود تحقيقاً إلا الله تعالى وأفعاله ، فمن عرف الأفعال من حيث أنها أفعال لم يجاوز معرفة الفاعل إلى غيره .. فكل موجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وفعله وبديع أفعاله ، فمن عرفها من حيث صنع الله تعالى فرأى من الصنع صفات الصانع كانت معرفته ومحبته مقصورة على الله تعالى غير مجاوزة سواه )[5]
أي أنه قصر الوجود على الله تعالى وأفعاله واعتبر العالم فعلا لله تتجلى فيه ذات الله باعتبار أن الفعل صفة لله. وتناسى أن صفات الله قائمة بذاته لا تنفصل عنه . لذا قال الله تعالى ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .الإخلاص1) أي في ذاته وصفاته ولم يقل ( كل هو الله واحد ) لأن ( أحد ) تمنع النظير في الذات والصفات معاً .
2 ـ وهو أحياناً يخلط بين المخلوقات المخلوقة بقدرة الله تعالى والقدرة الالهية كصفة إلهية ، ثم يخلط بين الصفة الالهية وذات الله تعالى يقول ،( وجميع موجودات الدنيا أثر من أثارة قدرة الله تعالى ونور من أنوار ذاته ، بل لا ظلمة أشد من العدم ولا نور أظهر من الوجود ، ووجود الأشياء كلها نور من أنوار ذات الله تعالى) [6] ).أي أن الموجودات هي قدرة الله ، وقدرة الله هي ذات الله فوجود الأشياء كلها من أنوار ذات الله تعالى ، حسب زعمه .
3 ـ ثم يخلط بين أفعال البشر وأفعال الله التي يجعلها صفات إلهية . ويرى ، أنها – أي الصفات – هي الأصل الذي تصدر عنه أفعال البشر ، يقول : ( والحداد يصلح آلات الحراثة والنجار يصلح آلات الحداد ، وكذا جميع أرباب الصناعات المصلحين لآلات الأطعمة ، والسلطان يصلح الصناع . والأنبياء يصلحون العلماء الذين هم ورثتهم ، والعلماء يصلحون السلاطين ، والملائكة يصلحون الأنبياء إلى أن ينتهي إلى حضرة الربوبية التي هي ينبوع كل نظام ومطلع كل حسن وجمال ومنشأ كل ترتيب وتأليف )[7].
فهنا تدرج يبدأ بالحداد والنجار وينتهي بالله – وليس ثمة فارق في النوع عنده وإنما الفارق في الترتيب ، إذ كل الموجودات صدرت عن الله وأفعالها ترجع في النهاية إليه حسب عقيدة وحدة الوجود ، التي تجعل الجمال الإلهي يشمل كل الكائنات ويبدو فيها وتعبر عنه ، يقول ( وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة ، وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لم يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السموات والأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والإبصار بظهوره )[8].
أي لأن الناس من غير الصوفية لا يقولون بهذا الرأي ولا يرون في مخلوقاته الظاهرة فقد خفي عنهم بشدة ظهوره في الموجودات ، وهم لا يرونه لأنهم محجوبون ، واستشهد الغزالي على ذلك بقول الشاعر الصوفي ) [9].
لقد ظهرت فما تخفي على أحد إلا على أكمه لا يعرف القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجباً فكيف يعرف من بالعرف قد سترا
أما الصوفية فلا يرون في الوجود المادي والمعنوي إلا الله ، ولا يرون الله إلا في هذا الوجود أو بتعبيره ( فلم يروا في الكونين شيئا سواه، إن سنحت لأبصارهم صورة عبرت إلى المصور بصائرهم ).[10]
ولأن عقيدة وحدة الوجود لا ترى فارقا نوعيا بين الله والمخلوقات فقد مثّل الغزالي لنظريته وبرهن عليها بما في مظاهر الكون من كثرة وتعدد في الشيء الواحد ليطبق ذلك على الله باعتباره مع الكون المخلوق وجوداً واحداً .يقول عن الإنسان ( الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار ، ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهدة والاعتبار ، وهذا كما أن الإنسان كثيراً إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه ، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد ، إذ نقول أنه إنسان واحد ، فهو بالإضافة إلى الإنسانية واحد، وكم من شخص يشاهد إنساناً لا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأطرافه وتفصيل روّحه وجسده وأعضائه ، والفرق بينهما أنه في حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه تفريق ، وكأنه في عين الجمع والملتفت إلى الكثرة في تفرقة ،فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة ، فهو باعتبار: واحد ، وباعتبارات أخرى سواه : كثير ).[11]
فهنا مقارنة بين الله والإنسان ، فكما أن الإنسان واحد لمن ينظر نظرة سطحية إلا أنه أيضا متعدد بأعضائه وجوارحه وخلاياه .. وكذلك يكون الله (واحدا) باعتبار و(كثيراً ) باعتبار آخر .. هكذا يبرهن الغزالي على وحدة الوجود متناسياً أن الله تعالى قال له (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .. الشورى 11).
4 ـ وبعد المقارنة بالانسان يقارن الغزالى بين الله جل وعلا والجمادات ، كالشمس والماء ويقول : ( كما أن قوام نور الأجسام بنور الشمس المضيئة بنفسها ، ومهما انكشفت بعض الشمس فقد جرت العادة بأن يوضع طشت ماء حتى ترى الشمس فيه ، ويمكن النظر إليها ليكون الماء واسطة يغض قليلا من نور الشمس حتى يطاق النظر إليها ، فكذلك الأفعال واسطة تشاهد فيها صفات الفاعل ، ولا ننبهر بأنوار الذات بعد أن تباعدنا عنه بواسطة الأفعال )[12]
5 – ثم يتهرب الغزالي من الاستدلال على عقيدته بما جاء في كتاب الله ويعلن أن أسرار هذه العقيدة الدينية محظور أن تسجل في كتاب لأنها من ( الكشف )،أو الغيبيات التى هى مكشوف عنها للصوفية فقط ، وأن من يفشى هذه الأسرار فقد كفر ، ثم أنها لا تتعلق بالفقه وأحكامه الدنيوية ، يقول : ( فإن قلت كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحداً وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة، فكيف يكون الكثير واحداً ؟ فأعلم أن هذه غاية علوم المكاشفة ( أى الغيب الذى لا يعلمه إلا الصوفية بزعمه ) ، وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب ، فقد قال العارفون : إفشاء سر الربوبية كفر ، ثم هو غير متعلق بعلم المعاملة ) [13] . أي الفقه .
6- ومن خلال ( وحدة الوجود ) نظر الغزالي إلى عقيدة الإتحاد ، والصوفي المتحد بالله ، فقصر تعريف الصوفي على من يؤمن بوحدة الوجود، و سبق قوله عن الصوفية ( فلم يروا في الكونين شيئا سواه )[14]. وفي معرض حديثه عن شكر الله تعالى قال عن الصوفية (إن نظر بعين التوحيد المحض ( يعني وحدة الوجود ) ، وهذا النظر يعرفك قطعا أنه الشاكر وأنه المشكور وأنه المحب وأنه المحبوب ،وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره ) ( ..فإذا نظرت من هذا المقام عرفت أن الكل منه مصدره ، وإليه مرجعه ، فهو الشاكر وهو المشكور وهو المحب وهو المحبوب ومن هنا نظر " حبيب بن أبي حبيب " حيث قرأ " أنا وجدناه صابراً نعم العبد أنه أواب " فقال : واعجباه أعطى و أثنى ، إشارة إلى أنه أثنى على إعطائه فعلى نفسه أثنى ، فهو المثني والمثنى عليه ، ومن هنا نظر الشيخ أبو سعيد المهيني حيث قرئ بين يديه ( يحبهم يحبونه ) فقال : لعمري يحبهم ودعه يحبهم فبحق حبهم لأنه إنما يحب نفسه ، إشارة إلى أنه المحب وهو المحبوب ، وهذه رتبة عالية لا تفهمها إلا بمثال على حد عقلك : فلا يخفى عليك أن المصنّف إذا أحب تصنيفه فقد أحب نفسه ، والصانع إذا أحب صنعته فقد أحب نفسه ، والوالد إذا أحب ولده من حيث أنه ولده فقد أحب نفسه ، وكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وصنعته فإن أحبه فما أحب إلا نفسه )[15].
ومعنى ذلك أن الكافرين – وهم أيضاً صنعة الله – يتمتعون بحب الله باعتبارهم جزءا منه .. وهو خطأ ،لأن الله تعالى يقول لهم – مثلاً - ( لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ .. غافر10) ، ولكن الغزالي – كما أسلفنا – لإيمانه بوحدة الوجود فلا يرى بأساً في تمثيل الله تعالى بالبشر . ثم يقول الغزالي ليربط بين الاتحاد الصوفي ووحدة الوجود والإيمان بها (.. وهذا كله نظر بعين التوحيد ، وتعبر الصوفية عن هذه الحالة بفناء النفس ، أي فني عن نفسه ، وعن غير الله فلم ير إلا الله تعالى ، فمن لم يفهم هذا ينكر عليهم ) [16].
7 ـ ووحدة الوجود هي الأصل في عقيدة الحلول والاتحاد . والحلول هو اتحاد الله بالصوفي والاتحاد هو استغراق الصوفي في الله ، أي أن الحلول هو الصورة السالبة للاتحاد .. يقول الغزالي عن وحدة الوجود ( وهذه المشاهدة التي لا يظهر فيها إلا الواحد الحق تارة تدوم ، وتارة تطرأ ، كالبرق الخاطف ، وهو الأكثر ، والدوام نادر عزيز [17]. ) وقد اصطنع الغزالي أسلوب القصص في الشرح ..يقول مثلا : (كان إبراهيم بن أدهم سائرا في سياحته ، فسمع قائلا يقول :
كل شيء منك مغفور سوى الإعراض عنّا.
قد وهبنا لك ما فات فهب ما فات منّا .
فاضطرب و غُشي عليه فلم يفق يوماً وليلة ، وطرأت عليه أحوال ، ثم قال :ثم سمعت النداء من الجبل : يا إبراهيم كن عبداً . فكنت عبداً واسترحت ) .[18]. فإبراهيم بن أدهم سمع بزعمه شعراً اتحادياً فغاب عن طبيعته البشرية ( وطرأت عليه أحوال ) ثم ناداه ربه وأرجعه إلى بشريته فاستراح .. فهنا حلول استمر يوماً وليلة ...
8 ـ ويقرر الغزالى أنّ شعور الصوفي بحلول الله فيه يكون على قدر درجته وتحمله ، وهنا يفترق الشيخ الصوفى الواصل عن تلميذه المريد الصوفى الذى لا يزال فى بداية الطريق .يقول الغزالى : ( حكي أبو تراب النخشبي أنه كان معجبا ببعض المريدين فكان يدنيه ويقوم بمصالحه .. فقال له أبو تراب مرة : لو رأيت أبا يزيد ؟ ( البسطامي ) فقال ( المريد ) : إني عنه مشغول. فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله : لو رأيت أبا يزيد هاج وجد المريد ، فقال : ويحك ، ما أصنع بأبي يزيد ؟ قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد ، قال : أبو تراب : فهاج طبعي ولم أملك نفسي ، فقلت : ويلك تغتر بالله عز وجل ، لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة ، قال : فبهت الفتى من قوله وأنكره فقال : وكيف ذلك ؟ قال له : ويلك أما ترى الله تعالى عندك فيظهر لك على مقدارك ، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره ، فعرف ما قلت فقال : أحملني إليه ) وتمضي الأسطورة فيموت المريد صعقاً عندما يرى أبا يزيد البسطامي ، ويفسر أبو يزيد البسطامى موت المريد بقوله ( كان صاحبكم صادقاً واستكن في قلبه سر لم ينكشف له بوصفه ، لما رآنا انكشف له سر قلبه فضاق عن حمله لأنه في مقام الضعفاء المريدين ، فقتله ذلك )[19].
أي أن حلول الله في المريد التلميذ يختلف عنه في الشيخ الاستاذ ، فالحلول درجات ، والصوفي إذا تحمل حلولاً فوق طاقته فقد يهلك أو يفقد عقله كما حدث في رواية أخرى سبكها الغزالي : ( روي أن بعض الصديقين سأله بعض الأبدال أن يسال الله تعالى أن يرزقه ذرة من معرفته (أي عقيدة الصوفية في الاتحاد والحلول) ، ففعل ذلك ، فهام في الجبال وحار عقله ووله قلبه وبقى شاخصاً سبعة أيام لا ينتفع بشيء ولا ينتفع به شيء ، فسأل له الصديق ربه تعالى فقال : يا رب أنقصه من الذرة بعضها ، فأوحى الله إليه : إنما أعطيناه جزءاً من مائة ألف جزء من ذرة المعرفة ، وذلك أن مائة ألف عبد سألوني شيئاً من المحبة في الوقت الذي سألني فيه هذا ، فأخرت إجابتهم إلى أن شفعت أنت لهذا ، فلما أجبتك فيما سألت أعطيتهم كما أعطيته ، فقسمت ذرة من المعرفة بين مائة ألف عبد فهذا ما أصابه عن ذلك ، فقال : سبحانك يا أحكم الحاكمين ، أنقصه مما أعطيته !!، فأذهب الله عنه جملة الجزء وبقى معه عشر معشاره .. فاعتدل خوفه وحبه وسكن وصار كسائر العارفين )[20].
وبهذا الافتراء الكاذب يحاول الغزالي أن يجد سنداً لعقيدة الحلول فيما زعمه من وحي كاذب ينسبه لله جل وعلا .والله سبحانه وتعالى يقول: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ... الأنعام 93 ) .
ثالثا : تعقيب على الغزالي ووحدة الوجود
1 ) بالغت بعض الفلسفات في وثنيتها إلى درجة إنكار وجود الله تعالى .. وتطرفت فلسفات أخرى في الرد فادعت أن الله موجود في كل شيء أو أنه مصدر الوجود وأن الأعيان صور للموجود الأكبر يتراءى فيها . وكانت مصر والشام والعراق مراكز للفلسفات اليونانية والشرقية بمذاهبها المتعددة من وثنية وإلهية ، وقد سبق للفلسفة أن عمقت الخلاف بين المسيحيين حول طبيعة المسيح ، وأصبحت الفلسفة جزءاً من المسيحية ،وعند الفتح العربى خفُت صوت الفلسفة ثم استيقظ في صورة جدال احتدم بين المسلمين والمسيحيين في عصر المأمون ، وأضطر المسلمون لتعلم الفلسفة كي يردوا بها على المسيحيين الذين حذقوا أساليب الفلاسفة في الجدل والسوفسطائية . وكان يمكن لهم الإكتفاء بالقرآن الكريم ، وقد حوى كثيراً من الحوار مع أهل الكتاب ، إلا أنهم وقد تعلموا الفلسفة فقد وقعوا في هواها . وعملت الفلسفة على بعث المذاهب الدينية القديمة وأهمها وحدة الوجود ..
2 ـ وقد تعلم الغزالي الجدل والمنطق والحكمة والفلسفة وبرع فيها وصنّف كتبا. وأشرب حب الفلسفة ووجد صداها في التصوف بفلسفته الوجدانية الأفلاطونية الاشراقية، فآمن به وعلا به وجعله فوق الإسلام، محاولاً التوفيق بين الحق والباطل متعللاً بشتى الحجج مستفيداً بالفلسفة وما أشاعته من أفكار خاطئة حظيت مع الأسف بالتسليم ، ومنها أن الإسلام دين وسط بين الكفر وهو إنكار وجود الله ، والشرك وهو الإيمان بتعدد الآلهة .. يقول الغزالي ( التوحيد مسلك حق بين مسلكين باطلين ، أحدهما الشرك والثاني الإلباس ، وكلا الطرفين وسط ، والوسط إيمان محض وهو أحد من السيف وأضيق من خط الظل ، ولذا قال أكثر المتكلمين بتماثل إيمان جميع المؤمنين .. الخ ) [21].
وعجيب أن يشيد الغزالي برأي المتكلمين وهم أكثر الطوائف تعرضاً لنقمته وكراهيته في الإحياء.. ولكنه التأثر بالفلسفة وقد جمع بينهما ..
3) ونرد على الغزالي ووحدة الوجود بتقرير الحقائق التالية :
3/ 1 : عقيدة الإسلام – لا يمكن أن تكون وسطية أو فيها توسط فهي شهادة بأسلوب قصر – أي قصر الألوهية على الله تعالى وحده. وما عدا الله الحق من آلهة فهو باطل (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ) (يونس32). فعقيدة الاسلام ( لا اله ألا الله ) لا تحتمل الرأى الوسط بأي حال .. فإما إيمان كامل بالله المسيطر على كل شيء الذي لا شريك له من ولي أو رسول .. وإما شرك أو كفر. وقليل الشرك يحول الإيمان كله إلى شرك ، فإما إيمان كامل بالله وحده إلاهاً وإما كفر وشرك ، فالمشركون كانوا يؤمنون بالله ولكنهم أشركوا فعبدوا معه الأولياء والوسائط فخرجوا عن عقيدة الاسلام ، ويؤنبهم الله تعالى في الآخرة بقوله ( ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا..) غافر12) . فهم لم يؤمنوا بالله إلا مع الآلهة والأولياء كوسائط فأصبحوا كفاراً .
3/ 2 : الشرك لا يختلف عن الكفر في المفهوم ودليلنا بالإضافة للآية السابقة قوله تعالى (مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ... التوبة 17) . فاقترن اللفظان في أكثر من موضع بعبادة الله وعبادة الأولياء والأصنام و( الكفر) ومعناه التغطية والستر أي أنهم ستروا بشركهم عقيدة التوحيد التي فطر الله الناس عليها ..
3 / 3 : الإنسان في حقيقة أمره لا يمكن أن ينكر وجود الله والوهيته ، قد يتمسك بالشرك ولكنه إذا صدق مع نفسه لحظة لأيقن عبث وجوده بمعزل عن قدرة الخالق ، فالله هو الأساس في عقيدة البشر ، وكل ما هنالك أنهم نسوا عهد الله الأزلي فأشركوا وعبدوا معه الوسائط ، قال تعالى ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ... الأعراف 172 ). فالبشر فطروا على الإسلام مذ كانوا أنفساَ قبل الوجود الحسي ، أو بمعنى آخر فطرهم على الحنيفية ({فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ... الروم 30) . وكل إنسان يولد على الفطرة مسلماَ ثم يتأثر بما وجد عليه آباءه وبالمجتمع فيتعرف على الشرك .
3/ 4 : ولا محل لإنكار وجود الله الذي أشاعته الفلسفة اليونانية جدلاً بغير حق . فلم يحاول القرآن مطلقاً أن يدلل على وجود الله، وإنما برهن على وحدانيته وعبث الإشراك به..
3 / 5 :عقيدة وحدة الوجود هى الأكثر كفرا ، ورأينا الغزالى وهو يخلط بين الخالق والمخلوق والرب والمربوب، ويجعل في الإله صفات البشر الرذيلة والقبيحة على أساس وحدة الفاعل . يكفي أن جميع العقائد قالت بثنائية الوجود أو الوجود الإلهي والوجود المخلوق ، ووقعت العقائد الضالة فى الزعم بوجود شركة أو شركاء لله جل وعلا من البشر والملائكة ، ولكن مع المحافظة على ثنائية الوجود. إلا أن الصوفية خلطوا بين الوجودين وجعلوهما وجوداً واحداً أي وحدة الوجود ، فمحوا وجود الله جل وعلا وحصروه فى المخلوقات فقط . وهذا غاية في الشر والكفر إذا جعلوا الآلهة تتعدد بتعدد الموجودات من بشر وحجر وحيوان وجماد ونبات وحشرات وهواء وماء وكل ما تقع عليه العين أو ما تشاهده ، أو على حد قولهم ( أنه الشاهد والمشهود ) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ...
ومشركوا قريش أهون حالاً ، فقد قالوا بالاتحاد فقط ، وقصروه على الملائكة حين اعتبروها بنات الله ، ونعى عليهم القرآن ذلك ( وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ، أمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِالْبَنِينَ }الزخرف 15، 16 ) . أما الصوفية فقد قصروا الاتحاد على أنفسهم ثم تكرموا مع الكون فأشركوه في الألوهية ، وجاء الغزالي ليقنعنا بأن ذلك هو التوحيد المحض الذي لم يرد في كتاب ومحظور أن تفشى أسراره ، وأن إسلامنا ما هو إلا الدرجة السُفلى الذي لا يليق إلا بالعوام .
وانتصرت دعوة الغزالي لأن الصراع بين عقيدتي الإسلام والشرك مستمر باستمرار التاريخ الإنساني ، ولكل عقيدة جولة ، وقد انتصر الإسلام بمحمد عليه السلام وسلم على أتباع الشرك وتمت نصرته بدولته ، ولكن لكل شيء إذا تم نقصان . وبدأت حتمية الصراع تفرض نفسها ، وعاد التصوف ممثلاً لأفظع أنواع الشرك العقيدى حاملاً رداء الإسلام واسمه ، يجعل عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ) في الدرجة السُفلى ، وتم النصر له بزعامة الغزالي الذي أصبح لقبه ( حجّة الاسلام ) كأن الاسلام بالقرآن الكريم ظلّ بدون حجة الى أن ظهر الغزالى فى القرن الخامس الهجرى ليكون بزعمهم ( حجة الاسلام )، مع إنه فى الحقيقة :( حجة ) للتصوف و( عدو الإسلام ) ..
أخيرا
وإذا كان الغزالى يؤله الصوفية ويجعلهم مع الله جل وعلا فى نفس المستوى ( يجلسون معه فى الحضرة الالهية ) فماذا قال الغزالى عن العبادات الاسلامية التى تعبّر عن عبودية المسلم لله جل وعلا ؟
لقد قال الغزالى بإسقاط التصوف للعبادات الاسلامية .!! ومنها فريضة الحج . موعدنا فى الفصل القادم .
[1]الإحياء ، جـ 1/ 211: 212 .
[2]إحياء جـ4/ 22.
[3]إحياء جـ 4/ 227 : 228 ، 254، 266، 299، 305 ، 308 ، 309 ، 326 مجرد أمثلة .
[4]إشكالات الأحياء64
[5] إحياء جـ 2 / 247 : 248 .
[6]إحياء جـ 4 / 370 .
[7]إحياء جـ4 / 104 .
[8]إحياء جـ 4 / 276 .
[9] إحياء جـ 4 / 277 .
[10]إحياء جـ 2 / 236 .
[11]إحياء جـ 2/ 212 : 213.
[12]إحياء جـ 4 / 370 .
[13] إحياء جـ 4 212 : 213 .
[14] إحياء جـ 2 / 236 .
[15] إحياء جـ 4 / 74 .
[16]إحياء جـ 4 / 74 .
[17]إحياء جـ 4 / 213 .
[18]إحياء . جـ 4 / 74 .
[19] إحياء جـ 4 / 305
[20]إحياء جـ4 / 288
[21]إشكالات الإحياء : 77 .
ابو حامد الغزالى من أخطر الشخصيات فى تاريخ الديانات الأرضية للمسلمين ، هو الذى أسس دينا أرضيا وسطا بين دينى التصوف والسنة ، هو التصوف السنى . وكله تحت شعار الاسلام . وكتابه ( إحياء علوم الدين ) من أخطر كتب الفقه والتصوف والحديث والوعظ ، ملأه بالأكاذيب من أحاديث ومنامات وروايات عن الصالحين والأنبياء والرسل ، وحاكها كلها فى أسلوب يقنع من لا علم له . ولا يزال تأثير هذا الرجل ساريا . ليس فقط بسبب كتابه ( الاحياء ) و ( مشكاة الأنوار ) ولكن بسبب كثرة مؤلفاته ورسائله . وهو يتحمل وزر إضلال الملايين بما كتب .
الفارق " شكلي" بين العقائد الثلاثة ، فأصحاب الاتحاد يعتقدون أن الصوفي إذا حسن حاله يصل " للفناء " في المعبود ويستغرق في حال ( المشاهدة ) و ( يتحقق بالحق ) أو يتحد بالله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ). وأصحاب " الحلول " يعتقدون أن الذات العلية هى التى تتجلى على الصوفي الفاني فى ربه وتحلّ فيه ، فتنمحي في العبد صفة العبودية ويفنى في ربه متحداً فيه ويصير جزءا من الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ). و أصحاب "وحدة الوجود " يعتقدون أن الوجود " بما فيه من خالق ومخلوق " واحد لا تعدد فيه ، وهو الله ( تعالى عن ذلك علوا كبيرا ) ، وأن المخلوقات هي صور يبدو فيها الحق واجب الوجود ،أى أن الله هو نفس المخلوقات ( تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ) وليس له وجود خارج المخلوقات ، ويعتقدون أنّ الصوفي هو الذي يصل إلى هذه الحقيقة التي لا يدركها المحجوبون من بقية البشر ، فإذا زال الحجاب عن قلب امرئ رأى أن " الشاهد عين المشهود "وقد يقال أن "عقيدة الاتحاد " لا تختلف في مقولتها عن "عقيدة الحلول" فالاتحاد صعود بالعبد إلى الله و "الحلول " نزول بالإلوهية إلى العبد ، فالخلاف لفظي . ويمكن القول أيضاً بأن الخلاف "كمّي " بين عقيدتي "الاتحاد ووحدة الوجود" فأصحاب الاتحاد يرون للعالم وجودين : خالق ومخلوق ،ثم يتحد الصوفي العارف بالخالق ويحقق الفناء في واجب الوجود ، بينما يتوسع أصحاب الوحدة في هذه المقولة ويجعلونها حقا لكل البشر بل والجمادات ، فهي كلها صور يتراءى فيها الخالق في خلقه .. فعقيدة الاتحاد جزء من عقيدة "وحدة الوجود " أو أن وحدة الوجود هي الهدف الأسمى للقائلين بالاتحاد : أو هي على حد قول بعضهم "الاتحاد المطلق" أي الذي يشمل الإنسان والجماد . ومعنى ذلك أن هناك درجات للعقيدة الصوفية تبدأ ( بالاتحاد والحلول ) وتنتهي( بوحدة الوجود ) أو (الاتحاد المطلق )
بالغت بعض الفلسفات في وثنيتها إلى درجة إنكار وجود الله تعالى .. وتطرفت فلسفات أخرى في الرد فادعت أن الله موجود في كل شيء أو أنه مصدر الوجود وأن الأعيان صور للموجود الأكبر يتراءى فيها . وكانت مصر والشام والعراق مراكز للفلسفات اليونانية والشرقية بمذاهبها المتعددة من وثنية وإلهية ، وقد سبق للفلسفة أن عمقت الخلاف بين المسيحيين حول طبيعة المسيح ، وأصبحت الفلسفة جزءاً من المسيحية ،وعند الفتح العربى خفُت صوت الفلسفة ثم استيقظ في صورة جدال احتدم بين المسلمين والمسيحيين في عصر المأمون ، وأضطر المسلمون لتعلم الفلسفة كي يردوا بها على المسيحيين الذين حذقوا أساليب الفلاسفة في الجدل والسوفسطائية . وكان يمكن لهم الإكتفاء بالقرآن الكريم ، وقد حوى كثيراً من الحوار مع أهل الكتاب ، إلا أنهم وقد تعلموا الفلسفة فقد وقعوا في هواها . وعملت الفلسفة على بعث المذاهب الدينية القديمة وأهمها وحدة الوجود .. وقد تعلم الغزالي الجدل والمنطق والحكمة والفلسفة وبرع فيها وصنّف كتبا. وأشرب حب الفلسفة ووجد صداها في التصوف بفلسفته الوجدانية الأفلاطونية الاشراقية، فآمن به وعلا به وجعله فوق الإسلام، محاولاً التوفيق بين الحق والباطل متعللاً بشتى الحجج مستفيداً بالفلسفة وما أشاعته من أفكار خاطئة حظيت مع الأسف بالتسليم ، ومنها أن الإسلام دين وسط بين الكفر وهو إنكار وجود الله ، والشرك وهو الإيمان بتعدد الآلهة .. يقول الغزالي ( التوحيد مسلك حق بين مسلكين باطلين ، أحدهما الشرك والثاني الإلباس ، وكلا الطرفين وسط ، والوسط إيمان محض وهو أحد من السيف وأضيق من خط الظل ، ولذا قال أكثر المتكلمين بتماثل إيمان جميع المؤمنين .. الخ ) [21].وعجيب أن يشيد الغزالي برأي المتكلمين وهم أكثر الطوائف تعرضاً لنقمته وكراهيته في الإحياء.. ولكنه التأثر بالفلسفة وقد جمع بينهما ..ونرد على الغزالي ووحدة الوجود بتقرير الحقائق التالية : عقيدة الإسلام – لا يمكن أن تكون وسطية أو فيها توسط فهي شهادة بأسلوب قصر – أي قصر الألوهية على الله تعالى وحده. وما عدا الله الحق من آلهة فهو باطل (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ) (يونس32). فعقيدة الاسلام ( لا اله ألا الله ) لا تحتمل الرأى الوسط بأي حال .. فإما إيمان كامل بالله المسيطر على كل شيء الذي لا شريك له من ولي أو رسول .. وإما شرك أو كفر. وقليل الشرك يحول الإيمان كله إلى شرك ، فإما إيمان كامل بالله وحده إلاهاً وإما كفر وشرك ،
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5117 |
اجمالي القراءات | : | 56,871,396 |
تعليقات له | : | 5,451 |
تعليقات عليه | : | 14,828 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
جريمة الإبادة الجماعية بين ( إسرائيل ) والعرب والمحمديين
القاموس القرآنى : ( البشر والانسان )
( من مات قامت قيامته ) تلك الأُكذوبة السلفية الكافرة بالقرآن الكريم
دعوة للتبرع
عدو مبين: يقول الله عز وجل في كتابه الكري م ، بأن لا نتبع...
البقرة 259 : قول الله تعالى في القرآ ن ..فأنظ ر الى طعامك...
كفالة الطفل: الذى يكفل طفلا هل يعطيه إسمه ؟ وكيف يساعد ه ...
التوبة و الهداية : الاست اذ الفاض ل احمد منصور اريد منك تفسير...
ليس للانسان سوى سعيه: في مقال لكم منشور في الموق ع بعنوا ن ( فقه...
more
ويمكن أن نقول إن أم مشاكل المسلمين تتلخص في ما تفضلتم بذكره في المقال أعلاه لاسيما :
( وتم النصر له بزعامة الغزالي الذي أصبح لقبه ( حجّة الاسلام ) كأن الاسلام بالقرآن الكريم ظلّ بدون حجة الى أن ظهر الغزالى فى القرن الخامس الهجرى ليكون بزعمهم ( حجة الاسلام )، مع إنه فى الحقيقة :( حجة ) للتصوف و( عدو الإسلام )
ولعل هناك مفارقة أخرى وهي أن الغزالي لم يكن هو الوحيد الذي ظهر له أنه تفطن مزهوا برأيه حيث تراءى له أن الاسلام يعاني من فقر الدم وفي حاجة ماسة إلى إنعاش
وتعزيز بحجته الدامغة - حسب رأيه - نعم ، فإن هناك آخرين مما حدث لهم هم كذلك أن تفطنوا لمعاناة الاسلام من فقره، وهم يلمحون ا, حتى يصرحون بأن الحديث المنزل من لدن العلي العظيم شئ عظيم ، ولكنه مع ذلك في حاجة إلى توضيح أكثر وتبيين على الرغم من تلك الآيات العديدة التي جاءت ( بينات ومبينات ) . فهم أولئك الذين ضربوا أكباد الإبل متلهفين لاهثين وراء أي سراب وأي افتراء منسوب إلى عبد الله ورسوله ، وهم يحتسبون أنهم يحسنون صنعا بل وهم يطمعون أن ينالهم الثواب الجزيل لأنهم يجاهدون في سبيل إنقاذ الدين وإسناد حجة أخرى للقرآن المنزل .