محمد عبد المجيد Ýí 2012-11-18
هذا حذاء ابني ما يزال في قدمه اليسرى المنفصلة عن جسده.
وهذا رأس ابنة جاري ملقاة على الرصيف .
أرى أم محمد تولول، وتمزق وجهها بأظافرها الطويلة فقد جمعت أشلاء شقيقه أحمد البالغ من العمر أربعة عشر عاما، ثم اكتشفت أن عليها البحث عن ذراعه الأيمن فالأشلاء متناثرة على مسافة كيلو متر أو أكثر.
أم جرجس تجلس على الرصيف لا تستطيع أن تنهض لتتفحص أيدٍ وأرجلاً ورؤوساً وأمعاءً خرجت من البطون لعلها تعيد جمع أشلاء الجسد الغض لابنها الوحيد، قرة عينها ونورها وروحها.
رجل طيب سمح الوجه يلعن الزمن، ماضيه وحاضره، ويقول بصوت مرتفع: لقد حذرت بنفسي نفس السائق وطلبت منه رفض قيادة حافلة المدرسة إذا زاد العدد عن أربعين تلميذا.
في مصرنا الخمسون مثل الخمسمئة وهو يعادل الخمسة أو الخمسة آلاف، فالضحية مصرية، أما العدد فستعرفه يوم القيامة.
هناك تفاصيل يدخل منها الشيطان، وهناك تفاصيل تحيط بها اللعنة من كل مكان، والأخيرة هي الضمير الغائب في يوميات المصريين: المزلقان، عامل التحويلة، سائق الحافلة، مراقب عدد التلاميذ في كل منها قبل أن يعطي إشارة التحرك، مدير المدرسة، سائق القطار، نظام نقل متهالك لم يحدّثنا مسؤول في حكومة تـُـصلـّـي الفجر جماعة عن الحادث القادم.
مبارك يضحك في فراشه الوثير ويهمس في أذن ابنه الذي زاره باكراً: أنا صاحب قطار الصعيد ومسرح بني سويف وحريق الأوبرا وضحايا جبل المقطم، أما الآن فسيشاهد المصريون في عهد التحرش الجنسي الجماعي حوادث من نوع آخر فيها استاد بور سعيد، وأتوبيس تلاميذ منفلوط.
خمسون سندويتشاً بالجبن والعسل والمربى كانت ستستقر في بطون صغيرة لأطفال احتفل أكبرهم بربيعه السادس عشر.
شاهدت رجلا يهرول، ثم يخلع جاكتته الشتوية الفضفاضة ويضعها فوق كومة من اللحم الطري بجانب الرصيف. تجري نحوه امرأة شابة وترجوه أن يرفع الغطاء مرة أخرى فقد لمحت من بعيد النصف العلوي لجسد طفل يعلوه رأس لعله هاني ابن أختها، الذي احتفل أمس بعيد ميلاده الخامس عشر.
التاسعة صباحا والتلفزيون المصري يبث حلقة تفسير للشيخ علي جمعة، ولم يتشح أحد بالسواد بعد، أو يعلن الحداد الوطني في البلاد.
أريد أن أصرخ في وجه كل ملعون يظن أن هناك فارقا بين المسلم والقبطي وأطلب منه أن يقوم بتوزيع أشلاء أطفالنا وفقا للهلال والصليب، وأن يتعرف على العين التي خرجت من الوجه الطيب واستقرت في وسط الطريق قبل أن تسوي بها سيارة أخرى الأرض: هل هي عين لمسلم أم لقبطي؟
خمسون تلميذا لخمسين أسرة في خمسين عائلة مقسمة على خمسين منزلاً للجيران ومثلها للمعارف والأحباب: المجموع نصف مليون حالة حزن وغم وكمد وبكاء وعويل.
المسؤولون في بلدي يستعدون ليكفكفوا دموعهم أمام الناس، ويُقسم كل منهم أن طعام الافطار رفض الدخول في جوفه، ثم يتصل بسكرتيره ليسأله عن وصول العلاوة الشهرية وبدل السفر لهذا الشهر.
في كل كوارث الإنسانية يظل الجرحى في نهاية صف الاهتمامات: قدم انفصلت، أنف انجذع، فروة رأس تمزقت، شلل في اليدين، ولكن هناك أفراح في بعض المستشفيات الخاصة فالطبيب الجراح يستقطع من لحم أو جيب أو حساب أو رهان البيت مئة ألف جنيه لاجراء العملية، وإلا فلتُعدّ الأسرة جنازة ابنها قبل الموت بوقت طويل.
شاهدت عجوزا وقد أصابه الجنون وبدأ يُحصي أشلاء الأطفال من المزلقان إلى نهاية الطريق. اليوم سيكون هناك مكان خال على مائدة العشاء المتواضعة، أين شيرين وفاطمة ومريم وأمال ونبيل وهاني وفؤاد ورشا وسعيد ومنى ومها وزينب وحبيب ومرقص ومصطفي و ...؟
اقتربت من امرأة اختلط صراخها بحشرجة لا تدري إن كانت حشرجة الموت أم الرغبة فيه. تقدمت منها وطلبت منها أن أحمل لها الشوال الأسود الذي جمعت فيه أشلاء ابنتها سلوى فرفضت وقالت لي بأنها ستبحث مرة أخرى فهي لم تجد ذراعها اليسرى بعد.
مصر ترتدي الأسّود على ماذا؟ أطفال المدرسة، ضحايا غزة، ضياع سيناء، براءة جمال وعلاء مبارك، سقوط لوحة العدالة التي كانت معلقة فوق رأس المستشار،
لا يهم، فاللون الأسود ليس للضحايا ولكن للزمن الأسود.
والزمن الأسود في ثلاثين عاما، ثم عاما ونصف العام، ثم يأتي وقت عجاف ينظر رئيس الدولة لملفات لو وضعها فوق بعضها لوصلت للسماء السادسة وهي كوارث وفواجع ومصائب مصرنا الحبية.
الرئيس يتأمل فيها، ثم يراجع حساباته: أيهما أكثر ثوابا عند الله: مصالح الشعب أم موكب الصلاة؟ ويختار رئيسنا ومستشاروه ما يظن أنه عبادة الله، فإذا هي عبادة شيء آخر.
رؤساء الأحزاب يطالبون بمحاسبة المسؤولين، وربما يذرفون دموعا على أطفالنا، لكن أعينهم المليئة بالدموع التماسيحية تتثبت على صناديق اقتراع لم تصل بعد.
شاهدت مسؤولا يتحدث لمجموعة من الميكرفونات التي تحجب وجهه عن ضرورة عقوبة المتسببين في الحادث وأن الرئيس أعطى توجيهات بالاهتمام بالحادث. . تقدمت منه وأعطيته رأساً صغيرة وأصابع قدمين وأحشاء بطن وعينين كانتا تبرقان بهجة وحبا في الحياة وسألته: أهذه لابنتك أم لابنك؟ لم يردّ، فبصقت عليه وانصرفت!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 17 نوفمبر 2012
الأخت العزيزة ميرفت عبد الله،
سؤالك في محله، وكان على لساني ثم إلى قلمي فكتبت هذه الكلمات مساء أمس:
ربع ساعة من أجل مصر!
إذا جلست ربع ساعة في صباح كل يوم وفكرت في الأشياء التالية، ثم لعنت الزمن الأسود، وخرجت من بيتك غاضباً فأغلب الظن أن الله سيرحمك يوم القيامة ويدخلك فسيح جناته.
فاتورة اقامة المخلوع اليومية في المستشفى، مليارات منهوبة ومهرّبة، مشروع فاشل لإزالة القمامة، افراج الرئيس مرسي عن المتهمين بالقتل والارهاب، جرائم النائب العام في اخفاء المعلومات، دعم القضاة للنائب العام في رفضه اقالة الر
ئيس إياه، محاكمة مبارك عن ثمانية عشر يوما ورفض محاكمة هذا اللعين عن ثلاثين عاما وصمت المصريين، مكافأة المشير عن عشرين عاما مع الطاغية والتغطية على جرائمه فـَـحـَـكـَـمَ مصر عاما ونصف العام، تأخير انتفاضة المصريين لعقدين كاملين لأن القوى الدينية كانت ترى السفـَّـاح وليَّ الأمر الذي ينبغي طاعته، 60 ألف كيلومتر مربع هي مساحة سيناء ستصبح شوكة في خصر مصر، أنك ستصاب بسرطان من التلوث في خلال خمسة أعوام إذا استمر حُكم الاخوان المسلمين، مئات الشهداء يشتكون إلى الله نكثنا بالوعد في القصاص لهم، عشرات من أخواتك قام ضباط متحرشون جنسياً بكشف العذرية عليهن رغم أنف شرفك وكرامتك، فتنة طائفية أشعلها النظام الفلولي والعسكري والاخوانجي وكادت تمزق الوطن، رئيس دولة عثر على حلول لمشاكل مصر المتأزمة في الدعاء والصلاة والصبر والتديـّـن الظاهر، براءة جمال وعلاء مبارك رغم وجود عدة آلاف من الأدلة على جرائمهما.
سوزان مبارك عرّابة التوريث حُرة مثلك، اطلاق ثلاث رصاصات رحمة على الثورة من مبارك والمشير ومحمد مرسي، موافقة حًكم الاخوان المسلمين على اعتبار العدل هو اخفاء كل أسرار الصفقات عن الشعب، القروض والأموال المنهوبة والغاز والبترول وقناة السويس واتفاقيات الحدود وفشل الدولة في جمع مليون قطعة سلاح.
التحرش الجنسي الجماعي من أطفال، غياب الأمن، حماية الدولة للبلطجية وقنــَّـاصي العيون، صفقات قذرة بين كل الأطراف، تقريباً، لتقسيم الكعكة المصرية وأنت ما تزال تبرر، وتبلع كرامتك، وتؤيد فلانا، وترى أن سوطا على ظهرك أفضل من سوط آخر على قفاك.
القدرة العجيبة للطغاة واللصوص في جعلك تكره ثورة أبنائك التي جاءت لتحريرك فجاء صمتك اللعين على سرقتها.
في الواقع كنت قد أعددت خمسمئة جريمة فقط لترفع ضغط دمك، مع افتراض أنك تحب مصر، وتشعل جهازك العصبي إذا كان يعمل بنصف طاقته، وأكتفي بهذا القدر.
ربع ساعة في كل يوم تمسك هذه الورقة وتقرأ أمام المرآة بصوت مرتفع ثم تختار: الغضب طوال يومك على كل من في المشهد المصري، أو تعرية قفاك لكل من تقابله في الطريق.
الاختيار الأول يضمن لك رضا الله، والاختيار الثاني يُخفف عنك ولاةُ أمرك الكفّ الغليظة، ويكتفون باتهامك بالجبن والفأرنة والذل والخنوع والاستسلام والرق والعبودية الطوعية.
ربع ساعة في اليوم الواحد تفكر في كل هذه الأشياء وأنت تتأمل وجهك في المرآة تعادل خمسين صلاة مقبولة عند الله.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 19 نوفمبر 2012
السلام عليكم ،المشروع النهضوي الذي قيل عنه شعرا ،ما موقعة من خريطة الدمار الشامل ؟ لاشك ان هذا المشروع العبقري لو ظل الإخوان حتى يتم تنفيذه وربنا يديك طولة العمر بقى بعد ثلاثين سنة ، أكيد مصر ساعتها سوف تشكو من نقص عدد السكان الأصليين، لآنهم في سبيلهم للانقراض ! ما بين فتن طائفية ، وفساد وحوادث وفقر وكوارث ، إذن استيراد الناس من الخارج هو الحل الاستباقي ، وهذا ما تسعى إليه حاليا الحكومة عن طريق فتح الحدود على مصرعيها للقاصي والداني ، ووكنا لا نعرف السبب ! إذن لانهم يتوقعون انقراض الشعب المصري ، وربما كان هذا أفضل لهم ،فمن يأتي من شعوب مستوردة ، لا يكون إلا مطيعا ، بحكم العادة والشروط الموضوعة ، فهو يقوم بكل ما يطلب منه ،في أدب وحسب الخطة الموضوعة ، وهذا مطلوب في هذه الفترة تحديدا والتي يتم فيها تأسيس الخلافة الجديدة !!
دعوة للتبرع
حلال مهما قالوا: أنا أعلم من سورة المائ دة إن طعام أهل الكتا ب ...
أهلا بك إبنى الحبيب: استاذ احمد تحية طيبة و بعد، انا مصطفي الذي كنت...
الايمان أولا : انا امرأة مسلمة من الجزا ئر. في بلادن ا اصبح...
محنة مفكر قرآنى: ---------- ---------- ---------- ---------- ---------- السل ام ...
لا تتعب نفسك معهم: احاول نصح بعض البشر العاص ين في مواقع...
more
السلام عليكم ورحمة الله أستاذ / محمد عبد المجيد كلمات توجع القلب السليم فماباك بقلوب جرحى من كثرة ما شاهدته من مآسي وما شعرت به من أوجاع المصريين الذين توالت عليهم المصائب منذ حكم العسكر والإخوان ومن قبلهم النظام البائد الفاسد الذي ولى عهده ولكن لم تولي المصائب والتوابع لهذا العهد .
لم يهنأ المصريين إلى الآن بفترة يقل فيها جراحهم التي تتوالى من كثرة الحوادث التي يفقدون فيها ضحايا بالمئات منذ العبارة وبعدها حوادث القطارات وأبناؤنا الشهداء في ثورة 25 . يناير وما تبعها من مؤامرات ومكائد ودسائس لهذا الشعب المسكين المغلوب على أمره .
ولكن إلى متى سوف يظل المصريين مغلوبين على أمرهم وصامتين لهذا الظلم البين ؟؟؟