كله ســـلف .. وديـــن !!
* قيل للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز وهو على فراش الموت : أنك أفقرت أولادك ولم تترك لهم شيئاً, فاستدعى أولاده وهم أكثر من عشرة أولاد فنظر إليهم ودمعت عيناه وبكى وقال: بنفسي الفتية الذين تركتهم فقراء لا شيء لهم , بل بحمد الله قد تركتهم بخير , إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ..!! ومات عمر بن عبد العزيز وترك 21ديناراً وضيعة تغل ستمائة دينار سنوياً , كان يقتسمها (12) ولدا و (6) بنات ..
* ولم يفتقر أبناء عمر بن عبد العزيز بعده فقد جازاه الله بالخير في ولده, وحدث أن تبرع أحدهم في يوم واحد بمائة فرس في سبيل الله ... !!
* أما الخليفة هشام بن عبد الملك فقد انهمك في جمع المال واشتهر بالبخل وترك (11) ولداً ورث كل منهم لنفسه مليون دينار ، ومرت الأيام .. وبينما حفظ الله أولاد عمر وأغناهم فإن بعض أولاد هشام بعد انهيار الدولة الأموية كان يقف أمام المسجد يتسول من الناس ويتصدقون عليه ... !!
* وكان الذي تولى معاقبة الأمويين هو عبد الله بن على عم الخليفة العباسي المنصور , وهو البطل الذي انتصر في موقعة الزاب, إلا أنه كان سفاحاً لا يعرف الرحمة فقد تتبع ذرية الأمويين يقتلهم قتلاً ذريعاً حتى لقد قتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفاً في الرملة, وجمع بعضهم فقتلهم وجلس فوقهم مع أصحابه يأكلون ويشربون, والأمويون تحته يختلجون خلجات الموت .
ومرت الأيام ولم يسترح عبد الله بن علي لوجود ابن أخيه المنصور يستمتع بالخلافة دونه وهو الذي حاز الانتصارات, وكان أن ثار على ابن أخيه الخليفة المنصور, ثم فشلت ثورته واعتقله المنصور، ثم أرسل إليه من قتله خنقاً , ويقول الذي قتله أنه وجده في السرير مع جارية له فخنقه, وارتعبت الجارية وكان لا بد من قتلها هىّ الأخرى فقالت لمن قتل عبد الله بن علي : يا سيدي .. اقتلني قتلة أرحم من هذه .. !! فرحمها وخنقها وقد أغمض عينيه .. !! ثم لف الجثتين في لحاف واحد وهدم فوقهما البيت .. وانتهت بذلك أسطورة عبد الله بن علي أعظم قادة العباسيين وأشدهم سفكاً للدماء .. !!
*وهكذا يسلط الله الظالمين بعضهم على بعض , وتتكرر الأمثلة في الدولة العباسية, فقد تولى الخليفة المعتز بعد أن تنازل له المستعين على أن يكون آمناً على نفسه, ولكن المعتز لم يفِ بالأمان فأرسل له من ذبحه, ثم ما لبث المعتز أن خلع أخاه المؤيد من ولاية العهد وضربه وقيده ثم قتله, وفي النهاية ثار عليه القواد الأتراك وخلعوه وعذبوه حتى الموت .
* وكانت أم الخليفة المعتز مشهورة بالجمال مع أن اسمها قبيحة, وكانت محظية للخليفة المتوكل والد المعتز , وقد انهمكت في جمع الأموال في خلافة ابنها المعتز ثم هربت بخزائنها وأموالها بعد مقتل ابنها , ثم استسلمت للقائد التركي صالح بن وصيف وسلمته أموالها وجواهرها وكانت تبلغ الملايين, وفي النهاية اغتصبها صالح بن وصيف وصادر أموالها ونفاها للحجازفكانت تقول : اللهم انتقم لي من صالح بن وصيف الذي قتل ابني وأخذ أموالي ونفاني عن أهلي وركب الفاحشة مني .. !!
* وفي الوقت الذي كان فيه الخلفاء العباسيون والقواد في بغداد يكتنزون المال ويخزنون الجواهر كان الفقراء يتضورون جوعاً وهم ينهمكون في إصلاح التربة في جنوب العراق, وفي النهاية ثاروا ثورة عارمة, ولأن أكثرهم من الزنوج فقد عرفت تلك الثورة بثورة الزنج, وكان ضحاياها حوالي المليون من الناس وعدة بلايين من الخسائر المادية, ولو كان هناك توزيع عادل للثروة ما قامت هذه الثورة بكل مآسيها.. ولم يتعلم العباسيون من الدرس فما لبثت أن قامت ثورة القرامطة , وهىّ مثل سابقتها ترفع شعارات دينية لتأخذ ما تعتبره حقوقاً من أموال الأغنياء , واستطاع العباسيون القضاء على الثورتين خلال تضحيات كثيرة, ولكن لم يستفيدوا من الدرس .
* والطريف - أو المحزن- أن بعض الخلفاء العباسيين اللاحقين لم يستفيدوا بالدروس القريبة, فظلوا يقعون في نفس الخطأ, ويشربون نفس الكأس ،... والأمثلة كثيرة , فالخليفة القاهر طغى وسفك الدماء , فثار عليه الجند وسملوا عينيه ـ أى أعموه بالحديد المحمى ـ وخلعوه فكان يقف على الأبواب ويتسول ويقول للناس تصدقوا علىّ فإنني من قد عرفتم .. !! .
وكان القواد الذين يقتلون الخلفاء غالباً ما تنتهي حياتهم بالقتل شر قتلة وبمصادرة الأموال التي جمعوها بالظلم ..
* والعادة ان الحاكم المستبد يعتقد انه خالد مخلد فى منصبه فيظل يظلم ويبغى حتى يترك السلطة بالموت أو تتركه السلطة بالعزل ، وفى كل الأحوال يكون عبرة لمن لا يعتبر من المستبدين بعده ..
وفى المستقبل سيذكر التاريخ صدام حسين عبرة لمن جاء بعده من الملوك والرؤساء العرب الذين لم يعتبروا بمصيره ، وسيتحدث التاريخ كيف لقوا أفظع مما لاقاه صدام.
وسنعرض فيما بعد ـ بعونه جل وعلا ـ الى الاعجاز التاريخى فى القرآن الكريم ، ومن مظاهره الاتيان بأخبار مستقبلية حدثت بعد نزول القرآن الكريم ، وسنشرح أنواع التأريخ المستقبلى الذى أشار اليه القرآن الكريم ، وسنتوقف عند آيات كريمة لخصت تاريخ المسلمين مقدما ، ونعرض لتحليلها بالتفصيل.
ولأنها وثيقة الصلة بموضوعنا فاننا نكتفى الآن بالاشارة اليها على أمل أن يتدبرها المسلمون المصلحون :
يقول تعالى فى سورة مكية يتحدث عن قريش ـ التى حكمت المسلمين بعد النبى منذ خلافة الراشدين الى نهاية الخلافة العباسية مع انتهاء الدولة المملوكية : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) ( الانعام 65 ـ )
وصدق الله تعالى العظيم .
اجمالي القراءات
23932
أتعجب من الإنسان الذي لا يقف مع نفسه وقفة تصحيح أو محاسبة ينهاها فيها عن فعل المعاصي، فالدنيا مهما طال العمر فيها أو قصر فما هي إلا أيام تمر سريعا علينا وإذا لم نستعد للآخرة ونعمل لها فنخسر كل شيء ( دنيا وآخرة ) لأن مطامع الإنسان في الدنيا لن تنتهي وسيشعر دائما أنه في حاجة للمزيد ولن يتوقف عن جمع هذا المزيد ، وهنا يخسر دنياه في هذه الملاحقة لأطماعه ويخسر آخرته لأنه لم يعمل لها على الإطلاق .