رقم ( 7 )
الباب الخامس : إنتشار الاعتقاد فى أساطير الشفاعة

 

 الباب الخامس  : إنتشار الاعتقاد فى أساطير الشفاعة

الفصل الأول :  أساطيرالشفاعة الحنبلية بعد البخارى

أولا : أساطير الشفاعة الحنبلية قبل البخارى

1 ـ الحنابلة هم مخترعو وناشرو أساطير الشفاعة فى تاريخ المسلمين ( المحمديين ). نقصد بالحنابلة المتخصصين فى صناعة وإفتراء ونشر الحديث ( النبوى والقدسى ) وفى صناعة ونشرالمنامات . يدخل فى الحنابلة من كان سابقا لابن حنبل مثل المؤرخ ابن سعد ت 230 صاحب الطبقات الكبرى ، لأنه صاحب أول موسوعة تاريخية مرتبة حسب طبقات رواة الأحاديث فى المدن من التابعين وتابعيهم حتى الصحابة الى النبى عليه السلام ، ويدخل فيهم أئمة الحديث بعد ابن حنبل كالبخارى ومسلم والترمذى وغيرهم والذين لم يكونوا ضمن عوام الحنابلة الذين سيطروا بتشددهم وارهابهم على الشارع العباسى .

مقالات متعلقة :

2 ـ ولم تأت أحاديث الشفاعة فى (سيرة ابن إسحاق ) وقد توفى محمد بن اسحاق عام 152 ولا فى سيرة ابن هشام التى لخّصها عن ابن اسحاق . وقد توفى ابن هشام عام 218 . وورد حديث يتيم عنها فى ( موطأ مالك ) وقد مات الامام مالك عام 179 هجرية ومات تلميذه محمد بن الحسن الشيبانى اشهر من كتب موطأ مالك عام 189 هجرية . ولم تأت روايات الشفاعة فى كتابات الشافعى المتوفى عام 204 هجرية سوى جملة صغيرة فى الرسالة ، يقول فيها عن النبى : (والشافعُ المشفَّعُ في الأخرى‏.‏ ). وخلا تاريخ الطبرى والسيرة التى كتبها عن النبى والخلفاء الراشدين وغير الراشدين من أى إشارة للشفاعة ، مع تكرار كلمة ( تشفع ) ومشتقاتها فى الموضوعات السياسية ، أى ( تشفع فلان عند فلان ) .

3 ـ وسبق إبن سعد بإشارات قليلة عن الشفاعة فى ( الطبقات الكبرى) . وقد عاش ابن سعد فى العصر العباسى الأول بين عامى( 168 : 230 ) هجرية ، وقد عاصره البخارى المولود عام 194 والمتوفى عام 256 هجرية . أى أدرك البخارى المؤرخ ابن سعد وعاصر شهرته ووفاته ، وعاش البخارى بعد ابن سعد 26 عاما . وقد اعتمد البخارى على كتاب ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد ونقل عنه دون أن يشير اليه ، بل إخترع أسانيد مختلفة عن أسانيد ابن سعد . ولكن لم ينقل البخارى عن ابن سعد تلك الشذرات القليلة عن الشفاعة لأن البخارى توسّع فيها وأتى بما لم يقله أحد من قبله فى أساطير الشفاعة. يعنى إن البخارى هو مخترع أحاديث الشفاعة والتى وقع فى هواها أئمة المحمديين بعده ، بدءا من الطبرى المتوفى عام 310 الى عصرنا البائس .

4 ـ ونذكر الإشارات الضئيلة فى ( الطبقات الكبرى ) لابن سعد ت 230 .

فى ترجمة حمزة عم الرسول ، ينسب ابن سعد للنبى قولا طويلا مُملا سمجا ، منه (إنه يأتي على الناس زمان يخرجون إلى الأرياف فيصيبون فيها مطعما وملبسا ومركبا أو قال مراكب فيكتبون إلى أهلهم هلموا إلينا فإنكم بأرض جردة والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة. ). ومعروف أنه عليه السلام لم يكن يعلم الغيب وليس له أن يتحدث عن غيب المستقبل . وواضح ان صانع الحديث مهموم بحال المدينة بعد أن زالت عنها الأضواء الى بغداد والكوفة والبصرى ودمشق والفسطاط وخراسان ..الخ . وهذا الحديث ضمن سلسلة من الأحاديث التى تخصصت فى تمجيد المدينة واعتبرتها حرما ثانيا ، وأسست لها تقديسا وربطته بالحج الى ( قبر النبى ) المزعوم طلبا لشفاعته المزعومة.

وحديث أخر جاء فى ترجمة عبد الله بن سهيل بن عمرو :( وشهد عبد الله أحدا والخندق والمشاهد كلها وقتل باليمامة شهيدا وهو ابن ثمان وثلاثين سنة. فلما حج أبو بكر في خلافته أتاه سهيل بن عمرو فعزاه أبو بكر بعبد الله، فقال سهيل: لقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  يشفع الشهيد لسبعين من أهله  . فأنا أرجو أن لا يبدأ ابني بأحد قبلي. ) . ومعروف أن سهيل بن عمرو تأخر اسلامه ، وعاش فى مكة دون صُحبة للنبى . والحديث يضع على لسانه ( لقد بلغنى ) أى إنه لم يسمع ذلك بنفسه .

وذكر ابن سعد حديث : ( إن الرجل من أمتي ليشفع لمثل ربيعة ومضر ). وهو حديث متطرف فى مبالغته.  

إلا إن ابن سعد يأتى برواية هامة تثبت أن كعب الأحبار اليهودى هو أول مصدر لأساطير الشفاعة عند المحمديين . وأنها لم تكن معروفة لدى الصحابة وأقارب النبى قبل إسلام كعب الأحبار فى خلافة عمر بن الخطاب . جاء هذا فى ترجمة ( المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم ) ابن عم النبى . (أخبرنا عفان بن مسلم قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن علي بن الحسين أن كعبا أخذ بيد المغيرة بن نوفل فقال :"اشفع لي يوم القيامة.!" قال فانتزع يده من يده وقال : "وما أنا ؟ إنما أنا رجل من المسلمين.!"  قال فأخذ بيده فغمزها غمزا شديدا وقال :"ما من مؤمن من آل محمد إلا وله شفاعة يوم القيامة."  ثم قال اذكر هذا بهذا . )( أخبرنا خالد بن مخلد قال حدثني الحكم بن الصلت المؤذن قال حدثني عبد الملك بن المغيرة بن نوفل قال حدثني أبي قال : أخذ بيدي كعب الأحبار فعصرها ثم قال: " أختبيء هذه عندك لتذكرها يوم القيامة ." قال : "وما أذكر منها ؟ " قال : "والذي نفسي بيده ليبدأن محمد بالشفاعة يوم القيامة بالأقرب فالأقرب ).

ثانيا : أساطير الشفاعة فى الملل والنحل 

1 ـ خلال العصر العباسى الثانى ( 232 : 685 هجرية ) راجت الكتابات المتخصصة التى تسجل معتقدات وتاريخ الملل والنحل والطوائف بين المسلمين . ومعروف أن الخلافات بدأت سياسية بين الصحابة ووصلت الى التقاتل بين (على ) وخصومه فنشأ التشيع ، ثم الخوارج ، وتتابعت الفرق والطوائف وتحول الخلاف السياسى الحربى فى العصر العباسى الى شقاق فى الدين ، وتفرّع الخلاف وتشعب داخل كل طائفة وفى كل ملّة ونحلة . وتم تسجيل هذا فى العصر العباسى الثانى.وبتأثير الحنابلة وصناعتهم أحاديث الشفاعة فى القرن الثالث الهجرى وما تلاه دخل الجدل حول الشفاعة بين أرباب الملل والنحل فى القرون التالية .

2 ـ وابو الحسن الاشعرى ( ت 330  ) أشهر من كتب فى ( الملل والنحل ) وقد كان من المعتزلة ثم إنشق عنهم وإنضم للسنيين وتبعه أبو منصور الماتوريدى . وتكونت الأشاعرة والماترويدية كفرقتين فيما يسمى بعلم الكلام أو ( اللاهوت ) ضد المعتزلة . ومع إنتمائهما السّنى إلا إن متشددى الحنابلة السنيين بثقافتهم العامية وإنغلاقهم لا يستريحون للاشاعرة ومنهجهم الجدلى ، ويفضّل الحنابلة التقليديون وضع أرائهم فى حديث أو منام يكون أكثر تأثيرا فى أتباعهم العوام .يقول ابو الحسن الأشعرى فى كتابه ( مقالات الاسلاميين ) عن الشفاعة : ( إختلفوا فى شفاعة النبى هل هى لأهل الكبائر من أمته : أنكرت المعتزلة ذلك وقالت بإبطاله . وقال بعضهم الشفاعة للمؤمنين أن يزادوا فى منازلهم . ) ثم يقول عن طائفته :( وقال أهل السُّنة والاستقامة بشفاعة رسول الله ( ص ) لأهل الكبائر ) ( مقالات الاسلاميين ) ( 2 /  166 ). هنا ينحاز الأشعرى الى طائفته ويسميها ( أهل السُّنة والاستقامة )

3 ـ وعلى منواله كتب ابن حزم الظاهرى الاندلسى (ت 456 )( الفصل فى الملل والنحل) وفى ج 4 / 85 ) يقول عن الشفاعة : ( اختلف الناس فى الشفاعة فانكرها قوم وهم المعتزلة والخوارج وكل من تبع ، أن لا يخرج أحد من النار بعد دخوله فيها . وذهب أهل السنة والأشعرية والكرامية وبعض الرافضة الى القول بالشفاعة ) ويؤمن ابن حزم بالشفاعة . وقد دافع عن وجهة نظره .

ونفس الحال مع الشهرستانى ت (548 ) القائل فى كتابه ( الملل والنحل ) : ( وصاحب الكبيرة‏:‏ إذا خرج من الدنيا من غير توبة يكون حكمه إلى الله تعالى‏:‏ إما أن يغفر له برحمته وإما أن يشفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال‏:‏ ‏"‏ شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ‏"‏‏.) .

رابعا : ابن الجوزى بطل الافتراء فى أساطير الشفاعة فى القرن السادس الهجرى

1 ـ يمتاز ابن الجوزى بكثرة مؤلفاته وتنوعها بين التاريخ الحديث والفقه بنوعيه ( الفقه النظرى والفقه الوعظى ) ومؤلفات فيما يسمى بالنسخ وفى الأحاديث الموضوعة وفى النوادر والأقاصيص . كما إنه عمل واعظا وقصّاصا وخطيبا فى مسجده  مقصودا من آلاف العوام ، ومقربا من بعض الخلفاء العباسيين . وبالتالى تعرض لمحنة فى عهد الخليفة الناصر العباسى.ثم إنه عاش طويلا( 510 : 597 ) مستمرا فى إنتاجه ونشاطه . يعيب ابن الجوزى أنه أدخل القصص المصنوع فى تاريخه وصنع له إسنادا وجعله روايات وحقائق تاريخية ، وأنه تعصب لمذهبه الحنبلى فصاغ روايات مكذوبة وجعلها تاريخا كما قام بتحقير خصوم مذهبه فى التأريخ لهم ، وهكذا فعل مع المعتزلة والصوفية ،بينما قام بتمجيد وتقديس أئمة السنيين والحنابلة وتجاهل سيئاتهم وجرائمهم فى تاريخه . وهذا يظهر جليا فى تاريخ ( المنتظم ) و ( صفوة الصفوة ) و ( مناقب أحمد بن حنبل ).

يهمنا هنا أنه أشهر من قام بالترويج لأحاديث الشفاعة فى عصره وفى كتبه فراجت أكثر من بعده، وقد سبك اساطير الشفاعة وأدخلها فى تأريخه لبعض المشاهير .

2 ـ وأول حديث له عن الشفاعة فى ترجمة ( شبيب بن شيبة  ت 164 هجرية )، يقول : ( توفي ابن لبعض المهالبة فأتاه شبيب بن شيبة المنقري يعزيه ، وعنده بكر بن حبيب السهمي فقال شبيب‏:‏ بلغنا أن الطفل لا يزال محتبطًا على باب الجنة يشفع لأبويه ) .

3 ـ وبعض الأساطير التى سبكها ابن الجوزى لم يتورع عن كتابتها فى تاريخه ، لذا إمتلأ ( المنتظم ) بأساطير المنامات ، وتميّز تاريخ المنتظم بأنه يقسّم التأريخ لكل سنة الى قسمين : الأول للحوادث التى تجرى فى العام ، ثم أشهر من مات فى هذا العام . ويفرد إهتماما خاصا للعلماء والزُّهاد والعُبّاد وأهل الحديث والفقه يجعلهم على قدم المساوة بالخلفاء والسلاطين من حيث الاهتمام ، بل ويملأ تاريخهم بالمنامات وأساطير الكرامات تعويضا عن إفتقادهم للجاه السياسى . ولذلك كان إسناده الشفاعة لبعضهم لتكون له مكانة فى الآخرة تعويضا عن مكانته الضائعة فى الدنيا . فى ترجمته ليزيد بن هارون ت 194 يقول ابن الجوزى فى ( المنتظم وفيات  206 ): (  حدَثني أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال‏:‏ كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان فقال أحدهما‏:‏ يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له‏:‏ يا أبا خالد ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي وشفعني وعاتبني ‏.‏ فقلت له‏:‏ غفر لك وشفعك قد عرفت. ففيم عاتبك؟ قال‏:‏ قال لي‏:‏ يا يزيد أتحدّث عن جرير بن عثمان ؟‏.‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رب ما علمت إلا خيرًا ‏.‏قال‏:‏ يا يزيد إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب ‏.‏ ). وهى نفس الرواية فى مناقب احمد بن حنبل.

بل إن بعض المنامات التى نسبها لابن حنبل فى ( مناقب ابن حنبل ) قام بنسبتها أيضا ليزيد بن هارون فى ( المنتظم ) وصنع لها إسنادا ، فقد أدمن ابن الجوزى الكذب فى المنامات وفى الأحاديث دون أن يشعر بتناقضه مع نفسه . يحكى هذا المنام : ( قال الآخر‏:‏ وأنا واللهّ رأيت يزيد بن هارون في المنام ‏.‏ فقلت له‏:‏ هل أتاك منكر ونكير؟ ‏.‏ قال‏:‏ إي والله وسألاني من ربك وما دينك ومن نبيك فقلت‏:‏ ألمثليِ يقال هذا ؟!‏.‏وأنا كنت أعلم الناس بهذا في الدنيا فقالا لي‏:‏ صدقت فنم نومة العروس لا بأس عليك‏.‏ !)

4 ـ والتناقض واضح فى كتابات ابن الجوزى على مستوى المؤلفات وعلى مستوى التفصيلات . فهو من أكبر صُنّاع الأحاديث وأكبر مروجيها ، وفى نفس الوقت يكتب فى الأحاديث الموضوعة مجلدا ضخما ( الموضوعات من الأحاديث المرفوعات ). وفى الوقت الذى يروّج فيه لشفاعة النبى والأئمة السنيين نراه يقف بالمرصاد لمزاعم خصومه الصوفية فى شفاعة أوليائهم . وقد خصّص معظم كتابه ( تلبيس ابليس ) فى الهجوم على الصوفية وفضحهم والرد عليهم. فيهاجم الشبلى الامام الصوفى لأنه  قال : أن الله سبحانه وتعالى قال  ( ولسوف يعطيك ربك فترضى) والله لا رضي محمد  وفي النار من أمته أحد.  ثم قال : أن محمدا يشفع في أمته وأشفع بعده في النار حتى لا يبقى فيها أحد )  وفى معرض انتقاده للصوفية يقول (

ومن تلبيسه عليهم أن يكون لأحدهم نسب معروف فيغتر بنسبه فيقول أنا من اولاد أبو بكر وهذا يقول أنا من اولاد علي وهذا يقول أنا شريف من أولاد الحسن أو الحسين أو يقول أنا قريب النسب من فلان العالم أو من فلان الزاهد . وهؤلاء يبنون أمرهم على أمرين . أحدهما : أن يقولون من أحب إنسانا أحب أولاده وأهله ، والثاني أن هؤلاء لهم شفاعة وأحق من شفعوا فيه أهلهم وأولادهم.  وكلا الأمرين غلط أما المحبة فليس محبة الله عز وجل كمحبة الآدمين وإنما يحب من أطاعه، فإن أهل الكتاب من أولاد يعقوب ولم ينتفعوا بآبائهم . ولو كانت محبة الأب يسرى لسرى إلى البعض أيضا . وأما الشفاعة فقد قال الله تعالى ( ولا يشفعون إلا لمن أرتضى ) ولما أراد نوح حمل ابنه في السفينة قيل له إنه ليس من أهلك . ولم يشفع إبراهيم في أبيه ، ولا نبينا في أمته ، وقد قال لفاطمة رضي الله عنها : لا أغني عنك من الله شيئا . ومن ظن أنه ينجو بنجاة أبيه كمن ظن أنه يشبع بأكل أبيه . )

5 ـ هنا يتناقض ابن الجوزى مع نفسه إذ ينكر شفاعة النبى وغيره . وقد قال ابن الجوزى فى ( صفوة الصفوة ) عن النبى تحت عنوان : ( ذكر فضلة على الأنبياء وعلو قدره )( عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أُعطيت خمسا لم يُعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي ادركته الصلاة فليصل ، وأُحلت لي الغنائم ولم تُحل لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبُعثت إلى الناس عامة ."أخرجاه في الصحيحين. ) واستمر ابن الجوزى فى سرد أحاديث مماثلة من البخارى ومسلم . منها : ( وعن أنس قال قال رسول الله. صلى الله عليه وسلم اتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح فيقول الخازن من انت فاقول محمد فيقول بك امرت لا افتح لأحد قبلك انفرد باخراجه مسلم. وعن أنس ان النبي. صلى الله عليه وسلم قال أنا أول الناس خروجا إذا بعثوا وانا خطيبهم إذا وفدوا وانا مبشرهم إذا يئسوا لواء الحمد بيدي وانا اكرم ولد ادم على ربي ولا فخر رواه الترمذي.)  ( وقد روى مسلم في افراده من حديث أنس بن مالك ان النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا أول الناس يشفع يوم القيامة وانا أكثر الانبياء تبعا يوم القيامة وانا أول من يقرع باب الجنة. )( وفي افراده من حديث ابي هريرة عن النبي. صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا سيد ولد ادم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع ومشفع. )

ويكرر مناما ورد فى مناقب ابن حنبل ، يذكره فى كتاب ( صفوة الصفوة ) يقول ابن الجوزى : ( وقال أحمد ابن الفتح رأيت بشر بن الحارث في منامي وهو قاعد في بستان وبين يديه مائدة وهو يأكل منها، فقلت له : يا أبا نصر ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي ورحمني وأباحني الجنة بأسرها، وقال لي : " كُل من جميع ثمارها واشرب من انهارها وتمتع بجميع ما فيها كما كنت تحرم نفسك الشهوات في دار الدنيا "فقلت له : فاين اخوك أحمد بن حنبل ؟ قال : هو قائم على باب الجنة يشفع لاهل السنة ممن يقول القرآن كلام الله غير مخلوق . ).

ويفترى ابن الجوزى فى ( صفوة الصفوة ) مناما فاجرا لم يذكره فى ( مناقب ابن حنبل ) يقول فى ترجمة ابن الموفق ت 265 : ( وعن محمد بن اسحاق السراج قال سمعت علي بن الموفق يقول حججت نيفا وخمسين حجة فنظرت الى اهل الموقف وضجيج اصواتهم فقلت اللهم ان كان في هؤلاء احد لم يتقبل حجة فقد وهبت حجتي له فرحت الى مزدلفة فبت بها ف رأيت رب العزة تعالى في المنام فقال لي : يا علي يا ابن الموفق تتسخى علي? قد غفرت لاهل الموقف ولامثالهم وشفعت كل واحد منهم في اهل بيته وعشيرته وذريته وأنا أهل التقوى واهل المغفرة. ) ويقول ( وعن احمد بن عبد الله الحفار قال رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا ابا عبد الله ما فعل الله بك ؟ قال حباني وأعطاني وقربني وأدناني . قال قلت الشيخ الزمن علي بن الموفق ما صنع الله بك قال الساعة تركته في زلال يريد العرش. ). الزلال يعنى سفينة نهرية ، أى إن صاحبنا ركب سفينة وسافر بها الى العرش .!

ويقول فى ترجمة ( يزيد بن هارون ) بعض ما قاله عنه فى المنتظم ( ... عن الحسن بن عرفة قال: رأيت يزيد بن هارون بواسط وهو أحسن الناس عينين، ثم رأيته بعين واحدة، ثم رأيته وقد ذهبت عيناه فقلت: يا أبا خالد ما فعلت العينان الجميلتان? فقال: ذهب بهما بكاء الأسحار...) وهذه من نوعية رياء أولئك المتظاهرين بالعبادة ، وتاريخهم فى كتابات ابن الجوزى تطفح بمبالغات غير معقولة عن عبادتهم . ونستمر مع ابن الجوزى وهو يقول عن يزيد بن هارون : (.. أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال: كنت عند أحمد بن حنبل وعنده رجلان، فقال أحدهما: يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له: يا أبا خالد ما فعل الله بك? قال: غفر لي وشفعني وعاتبني. قال: قلت غفر لك وشفعك قد عرفت، ففيم عاتبك? قال: قال لي يا يزيد أتحدّث عن حريز بن عثمان? قال: قلت يا رب ما علمت إلا خيرا. قال: يا يزيد إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب. ) ( قال: وقال الآخر: وأنا رأيت يزيد بن هارون في المنام? فقلت له: هل أتاك منكر ونكير? قال: إي والله، وسألاني من ربك? وما دينك? ومن نبيك? قال: قلت: ألمثلي يقال هذا وأنا أعلم الناس هذا في دار الدنيا? فقالا لي: صدقت فنم نومة العروس لا بؤس عليك... حوثرة بن محمد المقري قال: رأيت يزيد بن هارون في المنام بعد موته بأربع ليال فقلت: ما فعل الله بك? تقبل مني الحسنات، وتجاوز عن السيئات، ووهب لي التبعات. قلت: وما كان بعد ذلك? قال: هل يكون من الكريم إلا الكرم? غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة. قلت: بم نلت? قال: بمجالس الذكر وقول الحق وصدقي في الحديث وطول قيامي في الصلاة وصبري على الفقر.)

 أخيرا

وأثمرت جهود ابن الجوزى فى نشر أساطير الشفاعة فى القرون التالية حتى أصبحت لدى المحمديين اساس الدين ، وحتى لقد نسوا أنها من الأمور المختلف حولها كما ذكر الأشعرى والشهرستانى وابن حزم . أدت أكاذيب الحنابلة الى التعمية حول الخلافات حول الشفاعة فأصبحت لدى العوام ودعاة وشيوخ العوام معلوما من الدين بالضرورة و لا خلاف حولها.

وفى عام 1985 أحالتنى جامعة الأزهر للتحقيق لأننى أنكرت شفاعة النبى فى خمسة كتب ألّفتها ، وهى فى رأيهم من المعلوم من الدين بالضرورة . وهكذا دفعت ثمن اكاذيب الحنابلة و البخارى وابن الجوزى .

 

الباب الخامس  : إنتشار الاعتقاد فى أساطير الشفاعة

الفصل الثانى :  مدى تأثير أساطيرالشفاعة الحنبلية فى الصوفية

مقدمة

1 ـ سنعيش بالتفصيل مع التصوف فى موسوعة التصوف عند نشرها هنا بأجزائها بعون الله جل وعلا . ونعطى هنا لمحة عنه تخصّ الشفاعة .

2 ـ ظهر التصوف ونشأ فى خندق الاضطهاد من الحنابلة ، ثم انتشر على حسابهم شيئا فشيئا مجتذبا اليه العوام ، حتى أصبح الدين السائد فى العصرين المملوكى العثمانى . بالاضافة الى سعى الصوفية لاجتذاب العوام وتطويع دين التصوف ليلبى كل أهواء ونزوات العوام فهناك سبب آخر هو إنتاج مزيج من دينى التصوف والسُّنة هو التصوف السّنى الذى دعّمه سياسيا صلاح الدين الأيوبى ليحارب به التشيع ، والذى كتب فيه علميا الغزالى ( إحياء علوم الدين ) وغيره. تخلص التصوف السنى من تطرف الحنابلة السنيين ومن تطرف فلاسفة التصوف النظرى الذين كانوا على مثال الحلاج المقتول 309 بسبب صراحته فى إعلان الالوهية .

3 ـ وينقسم التصوف الى نوعين : تصوف نظرى فلسفى كان السائد فى العصر العباسى الثانى ، وهو مؤسس على الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ووحدة الفاعل . وتعنى إنكار ألوهية الله عز وجل ، وأنه لا فارق بين الخالق والمخلوق إلا كالفارق بين البحر وأمواجه . وقد كان التعبير عن هذه العقيدة الصوفية يتم بالرمز خوفا من مصير الحلاج . وبمرور الزمن وانتشار التصوف بين العوام بدءا من العصر المملوكى ( 648 هجرية ) تناقص التصوف النظرى ولم يظهر من شيوخة سوى ابن عربى وابن سبعين وابن الفارض وعبد الكريم الجيلانى وابو الوفا الشاذلى ، بينما انتشرت على أوسع نطاق الطُّرق الصوفية أو التصوف العملى يجذب اليه مئات الألوف من الشيوخ الجهلة الرّعاع مع مئات الالوف من المعتوهين المتخلفين عقليا ( المجاذيب ) أو الذين يتظاهرون بالجنون ليكونوا أولياء ( جذبتهم ) المحبة الالهية بزعمهم ففقدوا عقولهم . وفى كل الأحوال (نام) المحمديون فى ظل ( المنامات ) الصوفية بعد أن كانوا من قبل ( ينامون ) فى ظل (المنامات ) الحنبلية .

3 ـ إلا إن أساطير الشفاعة لم تحظ لدى التصوف النظرى بالذات بنفس الاهتمام الذى كانت تحظى به لدى الحنابلة فى مناماتهم وأحاديثهم . السبب فى أن التصوف النظرى لا يأبه بالجنة والنار أو بالعبادة رغبة فى الجنة وخوفا من النار ، لأن التصوف يعنى ( الجلوس فى الحضرة الالهية ) و ( الحلول الالهى فى البشر ) و ( إتّحاد البشر بالله ) و ( العشق الالهى ) على قدم المساواة التامة بين الخالق والمخلوق فهم يعتقدون أنه لا خالق ولا مخلوق ، لأن الاله الذى صنعوه من أوهامهم يتجلّى فى كل المواد الحيّة والميتة،ولا يرى هذه الحقيقة (الأغيار المحجوبون )ولكن يراها من زال عنه الحجاب وأوتى العلم اللدنى ونطق بالسّر المكنون ..الى آخر خزعبلاتهم . وطالما يعتقدون فى أنفسهم الألوهية ولا يهتمون بالجنّة فإن الشفاعة لا تحتل أولوية لديهم . وهذا ما كان . ونعطى بعض التفاصيل :

أولا : أبوحامد الغزالى ومحنة التناقض فى دين التصوف السُّنى

1 ـ فى كتابه ( الإحياء ) تناقض الغزالى بين الحنبلية السنية التى يستشهد بأحاديثها والتصوف النظرى الذى يؤمن به .

2 ـ فى ( الاحياء الجزء الأول كتاب قواعد العقائد وهو الكتاب الثاني من ربع العبادات كتاب قواعد العقائد  وفى الفصل الأول في ترجمة عقيدة أهل السنة ) يعرض الغزالى لعقائد (أهل السنة ) فى الصراط والكوثر والميزان التى يجب أن يؤمن بها ( المسلم ) الى أن يقول عمّن ( يدخل الجنة بغير حساب ) :( حديث ابن عباس عرضت علي الأمم فقيل هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ،  ولمسلم من حديث أبي هريرة وعمران بن حصين يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفا بغير حساب . زاد البيهقي في البعث من حديث عمرو بن حزم : وأعطاني مع كل واحد من السبعين ألفا سبعين ألفا . زاد أحمد من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر بعده هذه الزيادة : فقال فهلا استزدته قال قد استزدته فأعطاني مع كل رجل سبعين ألفا .قال عمر فهلا استزدته قال قد استزدته فأعطاني هكذا ) ..( وأن يؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله تعالى فلا يخلد في النار موحد ، حديث إخراج الموحدين من النار حتى لا يبقى فيها موحد بفضل الله سبحانه أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة في حديث طويل حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله .الحديث .وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين على حسب جاهه ومنزلته عند الله تعالى. ومن بقي من المؤمنين ولم يكن له شفيع أخرج بفضل الله عز وجل فلا يخلد في النار مؤمن بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان .حديث شفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين ومن بقي من المؤمنين ولم يكن لهم شفيع أخرج بفضل الله فلا يخلد في النار مؤمن بل يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان أخرجه ابن ماجه من حديث عثمان بن عفان : يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء وقد تقدم في العلم. وللشيخين من حديث أبي سعيد الخدري من وجدتم في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان فأخرجوه . وفي رواية من خير . وفيه فيقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفعت النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط .الحديث . ) هنا نرى الغزالى حنبليا صميما. 3 ـ ولكن نُفاجأ بالغزالى فى نفس الكتاب يعبر عن عقيدته الصوفية . وننقل هنا بعض ما كتبناه فى موسوعة التصوف فيما يدخل فى هذا الموضوع :( أما الصوفية فلا يأبهون بالجنة أو بالنار: ( ولذلك قال العارفون ليس خوفنا من نار جهنم ولا رجاؤنا للحور العين ، وإنما مطالبنا اللقاء ومهربنا الحجاب فقط ، وقالوا ومن يعبد الله بعوض فهو لئيم كأن يعبده لطلب جنته أو لخوف ناره ، بل العارف يعبده لذاته فلا يطلب إلا ذاته فقط ) [1].ولسنا في مجال التعليق على ذلك النص الذي يجعل الصوفية أنداداً لله ويفضلهم على الرسل الذين كانوا يعبدون الله رغبة ورهبة ، ويكفى أن نقرر أن ترفع الصوفية عن الجنة وسخريتهم بالنار تردد في مواضع شتى في الإحياء [2]كإحدى مظاهر عقيدة الاتحاد التي تسبغ الألوهية على الصوفية ..إلا أن الغزالى فى نفس الكتاب ( الاحياء) يقرر عقيدته الصوفية الرامية لإسقاط التكاليف الإسلامية عن الصوفى الواصل ، وذلك بأسلوب ملتو غير مباشر كالشأن به دائماً فى مواضيع التصوف فى كتاب الاحياء ،يقول مثلاً ( ليس يخفى أن غاية المقصود من العبادات الفكر الموصل للمعرفة والاستبصار بحقائق الحق)[3]. وخطورة هذه العبادة تتجلى فى أن الفقيه العادى يقرأها بطريقة حسنة النية فلا يرى فيها عوجاً ولا أمتاً ، أما قراءة الصوفى – والخطاب موجه إليه أساساً_  فيرى فيها تقريراً كاملاً لإسقاط التكاليف الإسلامية ،فالصوفى يفهم أن غاية العبادات هى المعرفة ( والمعرفة هى الاتحاد الصوفى) والاستبصار بحقائق الحق ( أى معرفة الأسرار الإلهية اللدنية_وهى فرع عن الاتحاد) .. ومعنى ذلك أن الغاية ( وهى المعرفة الصوفية) إذا حصلت للصوفى بجذبة إلهية مثلاً فقد استغنى عن الوسيلة( وهى العبادات) .. وفى مواضع أخرى من كتاب ( الاحياء) تعرض الغزالى للمطلب الصوفى بإسقاط  التكاليف الإسلامية  فضرب الأمثلة للتوضيح ، يقول ( قيل لعبد الواحد بن زيد : ههنا رجل قد  تعبد خمسين سنة فقصده فقال له : يا حبيبي أخبرنى عنك هل قنعت به ؟ قال. لا . قال: هل أنست به ؟ قال : لا. قال : فهل رضيت عنه ؟ قال : لا . قال: فإنما مزيدك منه الصوم الصلاة؟     قال : نعم ، قال :  لولا أن استحي منك لأخبرتك بأن معاملتك خمسين سنة مدخولة( أى مغشوشة)، ومعناه: أنه لم يفتح لك باب القلب فتترقى إلى درجات القرب بأعمال القلب وإنما أنت تعد فى طبقات   أصحاب اليمين لأن مزيدك منه فى أعمال الجوارح التى هى مزيد أهل العموم)[4]. فهذه  قصة وهمية جعلت عبادة خمسين عاماً لاغية عند عبد الواحد بن زيد لأن صاحبها لم يستشعر  المقامات الصوفية الإتحادية من الأُنس والرضا والقرب، أو بتعبير الغزالى فقد حرمت صاحبها من الترقى فى درجات القرب حتى يصل للإتحاد ، و جعلت منتهى أمره أن يكون من أصحاب اليمين ( التى هى مزيد أهل العموم) أى عموم الخلق الذى لا عمل لهم إلا القيام بالتكاليف الإسلامية،أما الصوفية فهم ــــ بلا عبادة ــــ يتمتعون بالقرب والأُنس والمناجاة  والعشق ـ  تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا .. وفى موضع آخر يتحدث الغزالى عن التصوف وأعمال الباطن المزعومة ثم يعرض للتكاليف الإسلامية فيقول ( فأما ما ذكرناه ، فهو تفكر فى عمارة الباطن ليصلح للقرب والوصال ، فإذا ضيع جميع عمره فى إصلاح نفسه فمتى يتنعم بالقرب؟  ولذلك كان الخوَّاص يدور فى البوادى فلقيه الحسين بن منصور ( الحلاج) وقال فيما أنت؟ قال: أدور فى البوادى أصلح حالى فى التوكل ، فقال الحسين : أفنيت عمرك فى عمران باطنك ،فأين الفناء فى التوحيد؟؟  فالفناء فى الواحد الحق هو غاية مقصد الطالبين ومنتهى نعيم الصديقين ، وأما التنزه عن الصفات المهلكات فيجرى مجرى الخروج عن العدة فى النكاح ، وأما الاتصاف بالصفات المنجيات وسائر الطاعات فيجرى مجرى تهيئة المرأة جهازها وتنظيفها وجهها ومشطها شعرها لتصلح بذلك للقاء زوجها ، فإن استغرقت جميع عمرها فى تبرئة الرحم وتزيين الوجه كان ذلك حجاباً لها عن لقاء المحبوب ، فهكذا ينبغى أن تفهم طريق الدين إن كنت من أهل المجالسة ، وإن كنت كالعبد السوء لا يتحرك إلا خوفاً من الضرب وطمعاً فى الأجر فدونك وإتعاب البدن  بالأعمال الظاهرة ، فإن بينك وبين القلب حجاباً كثيفاً،فإذا قضيت حق الأعمال كنت من أهل الجنة ، ولكن للمجالسة أقوام آخرون)[5].    فالغزالى يظهر هنا على حقيقته كصوفى قح .. فهو ينظر إلى العبادات والأوامر والنواهى الإلهية من خلا ل عقيدة الاتحاد الصوفية ومسمياتها من القرب والوصاال والفناء والمجالسة والحجاب .. ويبدأ النص بالغزالى وهويطرح سؤالاً يقول : إذا ضيع الإنسان عمره فى إصلاح نفسه بالطاعة فمتى يتنعم بقرب الله تعالى؟  أ و بالتعبير الحقيقى إذا أضاع عمره فى الطاعة فمتى يتنعم بالألوهية؟ واستشهد ـــ ليس بالقرآن ـــــ وإنما بقصة صوفية عن الحلاج كان فيها يشرّع للخواص أسهل الطرق للوصول وأنها ليست بإصلاح الحال أى بالأعمال الصالحة، وإنما بالفناء فى التوحيد أى اعلان عقيدة الاتحاد والفناء فى الذات الإلهية فذلك ( هو غاية مقصد الطالبين ومنتهى نعيم الصديقين) حسب قول الغزالى. ثم يصف الغزالى أعمال الطاعات بأنها تجرى ( مجرى تهيئة المرأة جهازها وتنظيفها وجهها ومشطها شعرها لتصلح بذلك للقاء زوجها) ويصف الإنتهاء عما نهى الله عنه من المعاصى بأنه كخروج المرأة ( عن العدة فى النكاح) .. ويقول ( فإن استغرقت جميع عمرها فى تبرئة الرحم وتزيين الوجه كان ذلك حجاباً لها عن لقاء المحبوب) . ومع بشاعة التشبيه الذى قاله الغزالى فى وصفه للتكاليف الإسلامية فإنه يعكس نفسية الصوفية ونظرتهم لله تعالى ونظرتهم لأنفسهم كألهة يستحقون المساواة بالله ولا يرون لأنفسهم مقاماً إلا مجالسته وقربه والفناء فيه وعشقه ( تعالى عن ذلك علواًكبيراً) ، والغزالى لا يكتفى بذلك وإنما يعتبر التكاليف الإسلامية التى تعنى تجسيد العبودية لله تعالى ـ  حجاباً عن الوصول لدرجة المجالسة ، فإذا أضاع الصوفى عمره فيها فقد حجب عن لقاء المحبوب يقول ( فإن استغرقت المرأة جميع عمرها فى تبرئة الرحم وتزيين الوجه كان ذلك حجاباً لها عن لقاء المحبوب ، فهكذا ينبغى أن تفهم طريق الدين إن كنت من أهل المجالسة ) أى الذين يجلسون مع الله. ثم يصف الأنبياء والرسل وأتباعهم المؤمنين بأنهم عبيد سوء لأنهم اتعبوا أنفسهم  بالعبادة خوفاً من النار وطمعاً فى الجنة .. وأولئك إن افلحوا فمصيرهم الجنة ـ  والصوفية لا يأبهون بالجنة ـ  ولكنهم بذلك حجبوا عن مجالسة الله .. ( فهكذا  ينبغى أن تفهم طريق الدين إن كنت من أهل المجالسة ، وإن كنت كالعبد السوء لا يتحرك إلا خوفاً من الضرب وطمعاً فى الأجر فدونك وإتعاب البدن بالأعمال الظاهرة فإن بينك وبين القلب  حجاباً كثيفاً، فإذا قضيت حق الأعمال كنت من أهل الجنة ولكن للمجالسة قوم آخرون ).. والغزالى اختار لفظ (العبد) عمداً،فالطائعون (عبيد) لله أما هم  فينزعون للإتحاد بالله ويعتبرونه نداً يجالسونه ويفنون فيه اتحاداً به .. وطريق اتحادهم يكمن فى القلب ،إذ بالقلب أوبالروح يتلقى الصوفى العلم الإلهى ويعلم الغيب وتكون الجذبه الإلهية. ويصف الغزالى المؤمنين (عبيد السوء)بأن بينهم ( وبين القلب حجاباً كثيفاً)..وذلك الحجاب الكثيف هو الطاعة لله بأداء فرائضه والإنتهاء عن نواهيه..أى ان الفرائض الإسلامية حجاب عنده !!

ثانيا : الشفاعة لاجتذاب العوام فى الموالد الصوفية والطرق الصوفية ( التصوف العملى )

 أولا: إن " الاختلاط " واقع فى الطواف حول الكعبة ولم يمنع منه أحد وضريح البدوى كالكعبة والحج إليه كالحج لبيت الله الحرام ، وما يجوز هناك يجوز هنا .ثانيا : أن تصريف البدوى يصل إلى حد مقدرته على فرض التوبة على من عصى فى المولد فسرعان ما يتوب بعدها .. ثم يعود للعصيان فى المولد ويتوب بعدها وهكذا ،فلا حرج على رواد المتعة فى المولد الأحمد والبدوى بيده مقاليد التوبة يهبها لزواره بعد أن يأخذوا حظهم من المتع فى المولد .. فالانحراف مستمر والتوبة أيضا مستمرة والمولد طبعا مستمر .

ثالثا : ثم إذا تأزمت الأمور فتصريف البدوى عظيم وإذا كان يصل بقدرته إلى التحكم فى الوحوش فى الغابات والأسماك فى البحار ألا يستطيع أن يشفع لزواره ويحميهم من العقاب ؟؟ فلا عليكم يازوار البيت " الحرام " فى طنطا فذنبكم مغفور مقدما أما أنت أيها المعترض على ما يحدث بالمولد فجزاؤك أن يحل بك غضب البدوى فيسلبك حلاوة الإيمان ..

وفى ذلك يقول أحدهم :

        وأعجب شيئ أن من كان عاصيا               بمولده يعنى به  ويرفق [8].

2 ـ وننقل من الطبقات الكبرى للشعرانى ترجمته للشيخ ( على وحيش ) الذى تخصص فى الشفاعة فى رواد بيوت الدعارة وتخصص أيضا فى فعل الفاحشة بالحمير !!: يقول عنه الشعرانى بكل إحترام وتقديس : (ومنهم سيدي علي وحيش من مجاذيب النجارية ، رضي الله عنه. كان رضي الله عنه من أعيان المجاذيب أرباب الأحوال، وكان يأتي مصر، والمحلة، وغيرهما من البلاد، وله كرامات، وخوارق.واجتمعت به يوماً، في خط بين القصرين فقال لي:" وديني للزلباني " ، فوديته له فدعا لي، وقال:" الله يصبرك على ما بين يديك من البلوى".  وأخبرني الشيخ محمد الطنيخي رحمه الله تعالى قال:  كان الشيخ  وحيش رضي الله عنه يقيم عندنا في المحلة في خان " بنات الخطا"، وكان كل من خرج يقول له : " قف حتى أشفع فيك عند الله قبل أن تخرج " فيشفع فيه، وكان يحبس بعضهم اليوم، واليومين، ولا يمكنه أن يخرج حتى يجاب في شفاعته. وقال يوماً لبنات الخطا: "اخرجوا فإن الخان رائح يطبق عليكم". فما سمع منهن إلا واحدة فخرجت ووقع على الباقي فمتن كلهن. وكان إذ رأى شيخ بلد أو غيره، يُنزله من على الحمارة، ويقول له :" أمسك رأسها لي حتى أفعل فيها" فإن أبي شيخ البلد تسمّر في الأرض لا يستطيع يمشي خطوة، وإن سمع حصل له خجل عظيم، والناس يمرون عليه... مات رحمه الله تعالى بالنجارية سنة سبع عشرة وتسعمائة رضي الله عنه.). عذرا ..فلا أجد تعليقا مناسبا .!
 

الباب الخامس  : إنتشار الاعتقاد فى أساطير الشفاعة

 الفصل الثالث : أساطيرالشفاعة الحنبلية عند ابن تيمية وابن عبد الوهاب

أولا : حنابلة العصر المملوكى : ابن تيمية ومدرسته بين التصوف والحنبلية

1 ـ فى العصر المملوكى وقف السلاطين وكهنوتهم من أرباب التصوف السنى ضد متطرفى السّنة ( الحنابلة ) وضد متطرفى التصوف الذين يعلنون عقائد الاتحاد والحلول ووحدة الوجود .  ولهذا تعرض ابن تيمية ومدرسته الفقهية الحنبلية للإضطهاد لأنه حاول إسترجاع النفوذ الحنبلى الذى كان فى العصر العباسى الثانى.

2 ـ هذا ، مع إن مدرسة إبن تيمية الحنبلية ( ابن القيم ، وابن كثير وغيرهما ) لم تكن ضد التصوف نفسه ، بل ضد صوفية عصرهم فحسب ، إذ تتردد فى كتاباتهم تقدير أئمة التصوف السابقين المنافقين الذين كانوا وقت الاضطهاد يعبرون عن تصوفهم بالرمز ويعلنون تمسكهم بالكتاب والسّنة . كان إبن تيمية إبنا لعصره الذي دان بالتصوف ، فتأثر بالتصوف وحصر إنكاره على متطرفى التصوف من أصحاب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، كما أنكر على شيوخ الجهل من عوام المتصوفة الذين كانوا أصحاب نفوذ بسبب الجماهير المؤمنة بهم من الرعاع والعوام . ونعطى بعض الملامح :

3 ـ يرى ابن تيمية في التصوف رأيا حسناً ، ويقول عن الصوفية (إن الصوفية مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ، ففيهم السابق بحسب اجتهاده ،وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين .. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلاً ، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق مثل الجنيد سيد الطائفة وغيره ) . وواضح أن ابن تيمية مخدوع بالجنيد ومنافقي الصوفية الأوائل ، ويرى أن أصحاب الوحدة والاتحاد ليسوا من الصوفية. بل إن ابن تيمية يقدّس الجنيد مثل الصوفية يقول ( .. فإن الجنيد قدس الله روحه وكان من أئمة الهدى.).

ويعتقد ابن تيمية بكرامات الصوفية حتى ممن يعتبرهم أولياء للشيطان ، يقول عنهم ( وهؤلاء يأتيهم  أرواح تخاطبهم وتتمثل لهم وهي جنُّ وشياطين فيظنونها ملائكة .. وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات ( يعني ابن عربي ) أنه ألقى إليه ذلك الكتاب .. وأعرف من هؤلاء عدداً ، ومنهم من كان يُحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود ، ومنهم من كان يؤتي بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به ، ومنهم من كانت ( الشياطين ) تدله على السرقات بجُعل يحصل له من الناس ).( ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع ، ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما ، ومنهم من يحمله الى عرفه ثم يعيده في ليلته .. ومن هؤلاء من إذا أحضر سماع المُكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ..) .( ابن تيمية : رسالة الصوفية والفقراء 16.،   الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان :99 ،  100 ، 141 : 142 ط صبيح .) وذلك التصديق بإدعاءات الصوفية وإمكانية حدوثها فعلاً هو اعتقاد العصر المملوكي الذي لم يستطع ابن تيمية الخروج عنه ، وإن رده إلى فعل شيطاني يناسب رأيه فيهم باعتبارهم كفرة ..

4 ـ هذا التسليم بالتصوف كدين أثّر على موقف ابن تيمية الحنبلى فى موقفه من صوفية عصره إذ ثار عليهم فتعرض للإضطهاد من سجن ومحاكمات ، ولكن تسليمه بالتصوف السّنى جعله يقدّس من إعتبرهم أئمة التصوف السّنى . وتجلى هذا فى موقف ابن تيمية فى موضوع الشفاعة .

ثانيا : الشفاعة عند ابن تيمية

1 ـ قلنا إن الشفاعة لله جل وعلا جميعا تعبيرا على تحكمه جل وعلا يوم الدين وأنه وحده جل وعلا مالك يوم الدين . وأن الشفاعة هى وظيفة مأمور بها ملائكة العمل الذين يحملون العمل الصالح لصاحب العمل الصالح فيقدمونه بعدإذن الرحمن ورضاه. وشرحنا أن أساطير الحنابلة جعلت النبى هو صاحب الشفاعة العظمى الذى تشمل جماعته الجميع ، وأنه عندهم يجب التوسل بالله ليعطى محمدا الوسيلة والدرجة الرفيعة ( الشفاعة ) أى أن يتوسط الله جل وعلا عند محمد كى يشفع محمد فى الناس . أى بدلا من ان يدعو المؤمن ربه بالدعاء الشامل الكامل قائلا (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)) ( البقرة ) فعلى العكس يتوسل بالله لكى يعطى محمدا الشفاعة فيشفع فيه محمد .!! كل هذه التعقيدات كى يكون محمد مالكا ليوم الدين بدون رب العالمين .

2 ـ لم يأت ابن تيمية بجديد فى موضوع الشفاعة ، إذ كان يؤمن بالأحاديث الحنبلية التى تتكلم عن أساطير شفاعة النبى وشفاعة الأولياء حتى للمشركين ، ومن خلالها ينظر للآيات القرآنية بالطريقة الحنبلية فتجعل الشفاعة للبشر ضمن الإذن الرضى الالهى ، ويعتبر أولياء التصوف السابقين ممن رضى له الله بشفاعتهم وأذن بها . ولكنه فى مواجهته لصوفية عصره يحرمهم من تلك الشفاعات ويجعل شفاعاتهم ضمن شفاعات المشركين التى لا تتمتع برضى الله جل وعلا . أى إن ابن تيمية جعل نفسه المتحدث الرسمى باسم الله والموكول له تحديد من يرضى الله جل وعلا بشفاعتهم أو يرفضها . لذا قرّر أن خصومه من صوفية عصره لا يتمتعون بالإذن والرضى الالهى فى الشفاعة لأنهم مشركون ، أما شيوخ الصوفية السابقون فهم يتمتعون بهذا رضى الالهى .ونعطى أمثلة من كتاباته :

3 ـ فى ( مجموع فتاوى ابن تيمية – 11 – المجلد الحادي عشر : (الآداب والتصوف) يقول عن شفاعة الانبياء والأولياء : ( ومع هذا فالمؤمنون ـ الأنبياء وسائر الأولياء ـ لا يشفعون لأحد إلابإذن الله،كما قال تعالى‏:‏(‏مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّبِإِذْنِهِ‏)‏[ البقرة‏:‏ 255 ‏]‏،وقال‏:‏ ( ‏وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّالِمَنِ ارْتَضَى‏)‏‏[‏الأنبياء‏:‏28‏]‏،وقال تعالى‏:‏ ‏( ‏وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍلِلَّهِ‏)‏ ‏[‏الانفطار‏:‏19‏‏.) هنا يجعل ابن تيمية الشفاعة للأنبياء والأولياء الصوفية بعد إذن الله جل وعلا بنفس التأويل الحنبلى . ثم يقول عن شفاعة النبى المزعومة : ( ومن المعلوم أن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم... وإذا كان يوم القيامة يجىء الناس إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثمموسى، ثم عيسى، فيطلبون الشفاعة منهم، فلا يشفع لهم أحد من هؤلاء الذين هم سادةالخلق، حتى يأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم ، فيأتي ربه فيحمده بمحامد ويسجد له،فإذا أذن له في الشفاعة شفع لهم‏.‏ فهذه حال هؤلاء الذين هم أفضل الخلق، فكيفغيرهم‏؟‏) .

ثم يلتفت إبن تيمية لشيوخ الصوفية فى عصره ومريديهم فيقول : ( وأما قول القائل‏:‏ أنت للشيخ فلان، وهو شيخك في الدنيا والآخرة فهذه بدعة منكرة من جهة أنه جعل نفسه لغير الله، ومن جهة أن قوله‏:‏شيخك في الدنيا والآخرة كلام لا حقيقة له، فإنه إن أراد أنه يكون معه في الجنة،فهذا إلى الله لا إليه، وإن أراد أنه يشفع فيه فلا يشفع أحد لأحد إلا بإذن اللهتعالى، إن أذن له أن يشفع فيه وإلا لم يشفع، وليس بقوله‏:‏ أنت شيخي في الآخرة يكونشافعًا له ـ هذا إن كان الشيخ ممن له شفاعة ـ فقد تقدم أن سيد المرسلين والخلقلايشفع حتى يأذن الله له في الشفاعة بعد امتناع غيره منها‏.‏ وكم من مدع للمشيخةوفيه نقص من العلم والإيمان ما لا يعلمه إلا الله تعالى‏.‏وهذا كلام أهل الشرك والضلال.. فنفى الرب هذا كله فلم يبق إلاالشفاعة‏.‏ فقال‏ :‏(وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَلَهُ)‏‏[‏سبأ‏:‏23‏]‏وقال‏:‏‏‏( مَن ذَا الَّذِييَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)‏‏البقرة‏:‏255‏]‏ فهو الذييأذن في الشفاعة وهو الذي يقبلها فالجميع منه وحده، وكلما كان الرجل أعظم إخلاصا‏:‏كانت شفاعة الرسول أقرب إليه‏.‏ قال له أبو هريرة‏:‏ من أسعد الناس بشفاعتك يا رسولالله ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله‏)‏‏.‏وأما الذين يتوكلون على فلان ليشفع لهم من دون الله تعالى ويتعلقونبفلان فهؤلاء من جنس المشركين الذين اتخذوا شفعاء من دون الله تعالى‏.‏قال اللهتعالى‏:‏‏(‏أَمِاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَشَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا)‏ [‏الزمر‏:‏43، 44‏]‏وقال الله تعالى‏:(‏ ‏‏ثُمَّ اسْتَوَى عَلَىالْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَاشَفِيعٍ)[‏السجدة‏:‏4 ).(..ومع هذا فالمؤمنون ـ الأنبياء وسائر الأولياء ـ لا يشفعون لأحد إلابإذن الله،كما قال تعالى‏:‏ ‏‏مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّبِإِذْنِهِ‏}البقرة‏:‏ 255 ‏]‏، وقال‏:‏ ‏وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّالِمَنِ ارْتَضَى‏‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏28‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏‏وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍلِلَّهِ‏}‏ ‏[‏الانفطار‏:‏19‏]‏ ).

3 ـ وفى كتابه (الجَوَاب ُالبَاِهر في زُوَّارِ المَقَابِر ) يعيد نفس القول عن الشفاعة المزعومة للنبى : ( ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد الشفعاء لديه، وشفاعته أعظم الشفاعات، وجاهه عند الله أعظم الجاهات. ويوم القيامة إذا طلب الخلق الشفاعة من آدم ثم من نوح ثم من إبراهيم ثم من موسى ثم من عيسى كل واحد يحيلهم على الآخر فإذا جاءوا إلى المسيح يقول : اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؛ قال : { فأذهب فإذا رأيت ربي خررت له ساجدا وأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقال : أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعطه واشفع تشفع . قال : فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة } الحديث . فمن أنكر شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر فهو مبتدع ضال كما ينكرها الخوارج والمعتزلة . ).ويتعرض للخلاف حول الشفاعة : ( واحتج بكثير منه الخوارج والمعتزلة على منع الشفاعة لأهل الكبائر؛إذ منعوا أن يشفع لمن يستحق العذاب، أو أن يخرج من النار من يدخلها، ولم ينفواالشفاعة لأهل الثواب فى زيادة الثواب‏.‏) ويقول عن ديه الحنبلى ( دين العوام ) : ( ومذهب سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة‏:‏ إثبات الشفاعةلأهل الكبائر، والقول بأنه يخرج من النار مَنْ فى قلبه مثقال ذرة من إيمان‏.‏).

4 ـ ثم يؤكد شفاعة النبى للمشركين ، وهذا تناقض مع موقفه من خصومه الصوفية الذين يتهمهم بالشرك ، يقول عن شفاعة النبى : ( وأيضاً، فالأحاديث المستفيضة عن النبى صلى الله عليه وسلم فىالشفاعة‏:‏ فيها استشفاع أهل الموقف ليقضى بينهم، وفيهم المؤمن والكافر، وهذا فيهنوع شفاعة للكفار‏.‏ وأيضاً، ففى الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال‏:‏ يارسول اللّه، هل نفعتَ أبا طالب بشىء ‏؟‏ فإنه كان يَحُوطك ويغضب لك‏.‏ قال‏:‏‏(‏نعم هو فى ضَحْضاح من نار، ولولا أنا لكان فى الدرك الأسفل من النار‏)‏، وعن عبداللّه بن الحارث قال‏:‏ سمعت العباس يقول‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه، إن أبا طالب كانيحوطك وينصرك، فهل نفعه ذلك ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، وجدته فى غمرات من نار فأخرجته إلىضحضاح‏)‏‏.‏وعن أبى سعيد الخدرى ــ رضى اللّه عنهــ أن رسول اللّه صلى اللهعليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب، فقال‏:‏ ‏(‏لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعلفى ضحضاح من النار، يبلغ كعبيه، يغلى منه دماغه‏)‏‏.‏فهذا نص صحيح صريح لشفاعته فى بعض الكفار أن يخفف عنه العذاب، بل فىأن يجعل أهون أهل النار عذاباً، كما فى الصحيح أيضاً عن ابن عباس‏:‏ أن رسول اللّهصلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلينيغلى منهما دماغه‏)‏‏.‏وعن أبى سعيد الخدرى؛ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏‏(‏إن أدنى أهل النار عذاباً منتعل بنعلين من نار، يغلى دماغه من حرارة نعليه‏)‏ ،وعن النعمان بن بشير قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏إن أهونأهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل يوضع فى أخمص قدميه جمرتان، يغلى منهما دماغه‏)‏، وعنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن أهون أهل النار عذاباًمن له نعلان وشراكان من نار، يغلى منهما دماغه، كما يغلى المِرْجَل، ما يرى أنأحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً‏)‏‏.‏

5 ـ ثم يجعل التوسل بالنبى لطلب الشفاعة فريضة تعبدية: ( والناس يطلبون الشفاعة يوم القيامة من الأنبياء، ومحمد صلى الله عليه وسلم وهوسيد الشفعاء، وله شفاعات يختص بها ومع هذا فقد ثبت فى الصحيحين عن النبى صلى اللهعليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علىّ ،فإنهمن صلى علىّ مرة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا الله لى الوسيلة، فإنها درجة فىالجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون ذلك العبد‏!‏ فمن سأل الله لىالوسيلة حَلت عليه شفاعتى يوم القيامة‏..‏.‏ فعلى كل أحد أن يؤمن بهوبما جاء به ويتبعه فى باطنه وظاهره‏.‏ والإيمان به ومتابعته هو سبيل الله، وهو دينالله، وهو عبادة الله، وهو طاعة الله، وهو طريق أولياء الله، وهو الوسيلة التىأمر الله بها عباده فى قوله تعالى‏:‏ ‏{يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 35‏]‏‏.‏ فابتغاء الوسيلة إلى الله إنما (‏وهو صلى الله عليه وسلم شفيع الخلائق صاحب المقام المحمود الذىيغبطه به الأولون والآخرون، فهو أعظم الشفعاء قدراً وأعلاهم جاها عند الله... ومحمد صلى الله عليه وسلم أعظم جاها من جميع الأنبياء والمرسلين،لكن شفاعته ودعاؤه إنما ينتفع به من شفع له الرسول ودعا له، فمن دعا له الرسول وشفعله توسل إلى الله بشفاعته ودعائه، كما كان أصحابه يتوسلون إلى الله بدعائه وشفاعته،وكما يتوسل الناس يوم القيامة إلى الله ـ تبارك وتعالى ـ بدعائه وشفاعته، صلى اللهعليه وعلى آله وسلم تسليما‏.‏ ).

6 ـ ويعود للتأكيد على شفاعة النبى فى المشكرين متناقضا مع نفسه ، فيقول : (فإذا كان فى الكفارمن خف كفره بسبب نصرته ومعونته، فإنه تنفعهشفاعته فى تخفيف العذاب عنه لا فى إسقاط العذاب بالكلية، كما في صحيح مسلم عنالعباس بن عبد المطلب أنه قال‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله، فهل نفعت أبا طالب بشىء،فإنه كان يحوطك ويغضب لك ‏؟‏ قال ‏:‏‏(‏نعم هو فى ضحْضاح من نار، ولولا أنا لكان فىالدرْك الأسفل من النار‏)‏، وفى لفظ‏:‏ إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك فهلنفعه ذلك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، وجدته فى غمرات من نار فأخرجته إلى ضحضاح‏)‏، وفيه عنأبى سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال‏:‏ ‏(‏لعلهتنفعه شفاعتى يوم القيامة فيجعل فى ضحضاح من النار يبلغ كعْبيه يغلى منهمادماغه‏)‏، وقال‏:‏ ‏(‏إن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين من ناريغلى منهما دماغه‏)‏‏.‏وكذلك ينفع دعاؤه لهم بألا يُعجل عليهم العذاب فى الدنيا كما كانصلى الله عليه وسلم يحكى نبياً من الأنبياء ضربه قومه وهو يقول‏:‏ ‏(‏اللهم اغفرلقومى فإنهم لا يعلمون‏)‏‏.‏ وروى أنه دعا بذلك أن اغفر لهم فلا تعجل عليهم العذابفى الدنيا؛ .. فقد يدعو لبعض الكفار بأن يهديه الله أو يرزقه فيهديه أويرزقه، كما دعا لأم أبى هريرة حتى هداها الله، وكما دعا لدوس فقال‏:‏ ‏(‏اللهم اهـددوسـاً وائت بهم‏)‏، فهداهم الله، وكما روى أبو داود أنه استسقى لبعض المشركين لماطلبوا منه أن يستسقى لهم، فاستسقى لهم، وكان ذلك إحسانا منه إليهم يتألف به قلوبهمكما كان يتألفهم بغير ذلك‏.‏).

7 ـ ويعود للثرثرة : (وقد اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاهاً عندالله، لا جاه لمخلوق عند الله أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته ...‏وأما شفاعته ودعاؤه للمؤمنين فهى نافعة فى الدنيا والدين باتفاقالمسلمين، وكذلك شفاعته للمؤمنين يوم القيامة فى زيادة الثواب ورفع الدرجات متفقعليها بين المسلمين‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن بعض أهل البدعة ينكرها‏.‏وأما شفاعته لأهل الذنوب من أمته فمتفق عليها بين الصحابة والتابعينلهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم، وأنكرها كثير من أهل البدع منالخوارج والمعتزلة والزيدية، وقال هؤلاء‏:‏ من يدخل النار لا يخرج منها لا بشفاعةولا غيرها، وعند هؤلاء ما ثم إلا من يدخل الجنة فلا يدخل النار، ومن يدخل النار فلايدخل الجنة، ولا يجتمع عندهم فى الشخص الواحد ثواب وعقاب‏.‏ وأما الصحابة والتابعونلهم بإحسان وسائر الأئمة كالأربعة وغيرهم، فيقرون بما تواترت به الأحاديث الصحيحةعن النبى صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج من النار قوماً بعد أن يعذبهم الله ماشاء أن يعذبهم، يخرجهم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويخرج آخرين بشفاعة غيره،ويخرج قوماً بلا شفاعة‏.‏)

8 ـ وفى ثرثرته يعيد الردّ على منكرى الشفاعة فيقول : ( واحتج هؤلاء المنكرون للشفاعة بقوله تعالى‏:‏ ‏{وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّتَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَيُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 48‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَاعَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 123‏]‏،وبقوله‏:‏ ‏{مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَخُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 254‏]‏، وبقوله‏:‏ ‏{مَالِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يطاع}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 18‏]‏،وبقوله‏:‏ ‏{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ}‏ ‏[‏المدثر‏:‏ 48‏]‏‏.‏وجواب أهل السنة أن هذا يراد به شيئان‏:‏أحدهما‏:‏ أنها لا تنفع المشركين، كما قال تعالى فى نعتهم‏:‏ ‏{مَا سَلَكَكُمْفِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُالْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِالدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُالشَّافِعِينَ}‏ ‏[‏المدثر‏:‏42‏:‏ 48‏]‏، فهؤلاء نفى عنهم نفعشفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفاراً‏.‏والثانى‏:‏ أنه يراد بذلك نفى الشفاعة التى يثبتها أهل الشرك، ومنشابههم من أهل البدع، من أهل الكتاب والمسلمين الذين يظنون أن للخلق عند الله منالقدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه..)

9 ـ ويعود يثرثر فى موضوع التوسل ، والجديد هنا أن إبن تيمية يحكم بكفر وقتل من يخالف وجهة نظره : ( ولفظ التوسل قد يراد به ثلاثة أمور‏.‏ يراد به أمران متفق عليهمابين المسلمين ‏:‏أحدهما‏:‏ هو أصل الإيمان والإسلام، وهو التوسل بالإيمان به وبطاعته‏.‏والثاني‏:‏ دعاؤه وشفاعته، وهذا أيضًا نافع يتوسل به من دعا له وشفعفيه باتفاق المسلمين‏.‏ ومن أنكر التوسل به بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتديستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتدًا‏.‏ ولكن التوسل بالإيمان به وبطاعته هو أصل الدين،وهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام للخاصة والعامة، فمن أنكر هذا المعنى فكفرهظاهر للخاصة والعامة‏.‏وأما دعاؤه وشفاعته وانتفاع المسلمين بذلك فمن أنكره فهو أيضًاكافر، لكن هذا أخفى من الأول، فمن أنكره عن جهل عُرِّف ذلك، فإن أصر على إنكاره فهومرتد‏.‏أما دعاؤه وشفاعته فى الدنيا فلم ينكره أحد من أهل القبلة‏.‏وأما الشفاعة يوم القيامة فمذهب أهل السنة والجماعة ـ وهم الصحابةوالتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين الأربعة وغيرهم ـ أن له شفاعات يومالقيامة خاصة وعامة، وأنه يشفع فيمن يأذن الله أن يشفع فيه من أمته من أهلالكبائر‏.‏ ولا ينتفع بشفاعته إلا أهل التوحيد المؤمنون، دون أهل الشرك، ولو كانالمشرك محبًا له معظمًا له لم تنقذه شفاعته من النار، وإنما ينجيه من النار التوحيدوالإيمان به، ولهذا لما كان أبو طالب وغيره يحبونه ولم يُقِرُّوا بالتوحيد الذى جاءبه لم يمكن أن يخرجوا من النار بشفاعته ولا بغيرها‏.‏)

 ( وذكر صلى الله عليه وسلم أنه من سأل الله له الوسيلة حلت عليه شفاعتهيوم القيامة، فبين أن شفاعته تنال باتباعه بما جاء به من التوحيد والإيمان‏.‏وبالدعاء الذى سن لنا أن ندعو له به‏.‏وفى صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علىّ فإن من صلى علىصلاة صلى الله عليه عشرًا، ثم سَلوا الله لى الوسيلة، فإنها درجة فى الجنة لا تنبغىإلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لى الوسيلة حلتعليه الشفاعة‏)‏‏.‏ وسؤال الأمة له الوسيلةهو دعاء له وهو معنى الشفاعة. )

 10 ـ وفى ثرثرة أخرى يجيب على سؤال : ما يجوز وما لايجوز من الاستشفاع والتوسل بالأنبياء والصالحين‏.‏فيقول : ( أجمع المسلمون على أن النبى صلى الله عليهوسلم يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك، وبعد أن يأذن الله له فىالشفاعة‏.‏ ثم إن أهل السنة والجماعة متفقون على ما اتفق عليه الصحابة ـ رضوان اللهعليهم أجمعين ـ واستفاضت به السنن من أنه صلى الله عليه وسلم يشفع لأهل الكبائر منأمته، ويشفع أيضا لعموم الخلق‏.‏فله صلى الله عليه وسلم شفاعات يختص بها لا يشركه فيها أحد، وشفاعاتيشركه فيها غيره من الأنبياء والصالحين، لكن ما له فيها أفضل مما لغيره، فإنه صلىالله عليه وسلم أفضل الخلق وأكرمهم على ربه عز وجل، وله من الفضائل التى ميزه اللهبها على سائر النبيين ما يضيق هذا الموضع عن بسطه، ومن ذلك ‏[‏المقام المحمود‏]‏الذى يغبطه به الأولون والآخرون، وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة، منها فى الصحيحينأحاديث متعددة، وفى السنن والمساند مما يكثر عدده‏.‏ )

  ثالثا : الشفاعة عند ابن عبد الوهاب

 1 ـ سار على طريقة ابن تيمية . يقول فى كتابه ( كشف الشبهات )عن شفاعة النبى المزعومة : ( فَإِنْ قَالَ :أتُنْكِرُ شَفَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَتتَبْرَأُ مِنْهَا ؟ فَقُلْ لاَ أُنْكِرُهَا ، وَلاَ أتَبَرَّأُ مِنْهَا، بَلْ هُوَ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّافِعُ الْمُشَفَّعُ ، وَأَرْجُو شَفَاعَتَهُ ، وَلكِنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا للَّهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً}( ). وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِ اللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}( ) ، وَلاَ يَشْفَعُ فِي أَحَدٍ إِلاَّ بَعْدَ أنْ يَأْذَنَ اللَّهُ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} ، وَهُوَ لاَ يَرْضى إِلاَّ التَّوْحِيدَ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - {وَمَنْ يَبْتَغ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } ( ). فَإِذَا كَانَتِ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا لِلَّهِ ، وَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِهِ ، وَلاَ يَشْفَعُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَلاَ غَيرُهُ فِي أحَدٍ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ فِيهِ ، وَلاَ يَأْذَنُ الله تعالى إِلاَّ لأَهْلِ التَّوْحِيدِ تَبَيَّنَ أنَّ الشَّفَاعَةَ كُلَّهَا لِلَّه ، وَأطْلُبُهَا مِنْه - سبحانهُ - فَأَقُولُ : اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنِي شَفَاعَتَه ، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ ، وَأمْثَالُ هَذَا . ) .

(فإِنْ قَالَ : النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ ، وَأنَا أطْلُبْهُ مِمَّا أعْطَاهُ اللَّهُ. فَالْجَوَابُ : أَنَّ اللَّهَ أعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ، وَنَهَاكَ عَنْ هَذَا ، وَقَالَ تَعَالَى {فَلاَ تَدْعُوا مَع اللَّهِ أحَدًا} ( ) وَطَلَبُكَ مِنَ اللَّهِ شَفَاعَةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم عِبَادَةٌ ، وَاللَّهُ نَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ في هَذِهِ الْعِبَادَةِ أَحَدًا ، فَإذَا كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ أنْ يُشَفِّعَ نبيه فيكَ فَأَطِعْهُ فِي قَوْلِهِ {فَلاَ تَدْعُوا مَع اللَّهِ أحَدًا} ( ) .

2 ـ ويقول عن شفاعة الأولياء ( وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيَهَا غَيْرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَصَحَّ أنَّ الْمَلاَئِكَةَ يَشْفَعُونَ ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ ، وَالأَوْلِيَاءَ يَشْفَعُونَ . أَتَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ أعْطَاهُم الشَّفَاعَةَ، فَأطْلُبُهَا مِنْهُمْ ؟ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا رَجَعْتَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّالِحِينَ - التِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ - . وَانْ قُلْتَ : لاَ ، بَطَلَ قَوْلُكَ : أعْطَاهُ اللَّهُ الشَّفَاعَةَ، وَأنَا أطْلُبُهُ ممَّا أعْطَاهُ اللَّه.)

3 ـ وعن إيمانه بأولياء التصوف وكراماتهم يقول :( وَإنْ قَالَ :{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ }( ) فَقُلْ : هَذَا هُوَ الْحَقُّ ، وَلكِنْ لا يُعْبَدُونَ . وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ إِلاَّ عِبَادَتَهُمْ مَع اللَّهِ ، وَإِشْرَاكَهُمْ مَعَهُ . وَإِلاَّ فَاَلوَاجِبُ عَلَيْكَ حُبُّهُمْ ، وَاتِّبَاعُهُمْ ، وَالإقْرَارُ بِكَرَامَاتِهِمْ . وَلاَ يَجْحَدُ كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ إِلاَّ أهْلُ الْبِدَع وَالضَّلاَلاَتِ . )

 3 ـ ودافع بعض أئمة الوهابية عن الاههم ابن عبد الوهاب وردوا على اتهامات خصومه له ومنها موضوع الشفاعة فقالوا : ( ثالثا : إنكار شفاعته صلى الله عليه وسلم : ويتولى الشيخ جواب هذه الشبهة ، حيث يقول : يزعمون أننا ننكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ، بل نشهد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع ، صاحب المقام المحمود ، نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا ، وأن يحشرنا تحت لوائه . ( الدرر السنية 1/64،63 )ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى ، كما قال تعالى : (( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )) وقال تعالى :( من ذا الذي يشفعه عنده إلا بإذنه )( الدرر السنية 1/31 ).

المسألة الثالثة : كرامات الأولياء: يشيع بعض الناس أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ينكر كرامات الأولياء .ويدحض هذا الافتراء أن الشيخ رحمه الله قد قرر في عدد من المواضع معتقده الصريح في هذا الأمر بخلاف ما يشاع ، من ذلك قوله ضمن كلام له يبين فيه معتقده : وأقر بكرامات الأولياء ( الدرر السنية 1/32 )وليت شعري كيف يتهم الشيخ بذلك وهو الذي يصف منكري كرامات الأولياء بأنهم أهل بدع وضلال ، حيث يقول :ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال . ( مؤلفات الشيخ 1/169 )

 


[1]
إحياء جـ4/ 22.

[2] إحياء جـ 4/ 227 : 228 ، 254، 266، 299، 305 ، 308 ، 309 ، 326 مجرد أمثلة .

[3]احياء جـ 3 /73.

[4]احياء جـ4 /299.

[5]احياء جـ4 /367: 368.

[6] الطبقات الكبرى 1/ 157 .

[7] الطبقات الكبرى 1/162 .

[8] الجواهر 12، 71 

كتاب الشفاعة : ( النبى لا يشفع يوم الدين )
يتناول هذا الكتاب الشفاعة بين الاسلام وبين المسلمين ، موضحا وقوع ( المحمديين ) فى الاشراك بالله جل وعلا حين جعلوا محمدا مالكا ليوم الدين . وويوضح أصوليا وتاريخيا نشأة وانتشار أساطير الشفاعة عند المسلمين المحمديين ، واثرها فى نشر الانحلال الخلقى بينهم . مع التركيز على دور البخارى.
more

اخبار متعلقة