رقم ( 4 )
الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة

مقدمة للباب الثانى :

يختصّ هذا الباب بالجذور التى نبتت فيها أسطورة الشفاعة فى النبى محمد وغيره ، وهى كُفر المسلمين المحمديين بيوم الدين . وهم أغلبية المسلمين.  كما إن يوم الدين هو يوم القيامة ويوم لقاء الله واليوم الآخر . ونؤثر هنا مصطلح ( اليوم الآخر ) لأنه السائد فى سياق الايمان .

الفصل الأول :  معنى الايمان بالله جل وعلا وباليوم الآخر 

أولا : كُفر المحمديين بالله واليوم الآخر فى تصورهم لله جل وعلا وتصورهم للنبى ( محمد ) 

 1 ـ لا ينفصل الايمان بالله جل وعلا عن الايمان باليوم الآخر . فالايمان بالله جل وعلا وحده لا شريك له فى ملكه يعنى الايمان بأنه مالك يوم الدين . أما من يؤمنون بوجود متحكمين مع الله جل وعلا فى الدنيا والآخرة فهم فى الواقع يكفرون بالله جل وعلا ويشركون به ، إذ ينتزعون من الله جل وعلا التقديس الواجب له وحده ليضفوه على البشر الذين يؤلهونهم .وهذا ما يفعله ( المحمديون ) وهم أغلب المسلمين.

2 ـ المحمديون يكفرون بالله خالق السماوات والأرض الذى له وحده الخلق والأمر : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )(الأعراف) ، المحمديون يجعلون محمدا شريكا لله جل وعلا فى أمره وتحكمه فى خلقه ، مع أن محمدا هو مخلوق  لم يخلق ذبابة ولا يستطيع : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ ). المحمديون فعلا ما قدروا الله جل وعلا حق قدره ، وهو جل وعلا القوى العزيز : (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ  ) ( الحج 73 : 74 ).

لم يتفكر المحمديون فى قوله جل وعلا يخاطب من يعبد البشر المخلوقة التى لم تخلق شيئا : (قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) ( الرعد 16 )، لم يتساءل المحمديون : هل قام محمد بخلق بعض البشر ، وهذه المخلوقات تعيش بيننا بحيث لا نستطيع أن نفرّق بينها وبين المخلوقات التى خلقها الله جل وعلا.؟! أم أنّ الله جل وعلا هو وحده خالق كل شىء ، وخالق محمد وغير محمد ؟ وإذا كان الله وحده هو خالق كل شىء من محمد وغيره فبأى منطق يجعل المحمديون ( محمدا ) شريكا لله جل وعلا فى مُلكه وأمره وخلقه ؟

المحمديون يكفرون بالله الذى خلق السماوات والأرض والذى يدبر الأمر بينهما متحكما وحده فى عرشه وملكوته: ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) ( الرعد 2 ) ويجعلون محمدا شريكا لله جل وعلا فى ملكه وملكوته . المحمديون يكفرون بالله جل وعلا ( المهيمن القيوم ) الموصوف بأنه:( مَّا مِن دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ) هود 56 ).

المحمديون يخلقون شخصية وهمية أسموها الرسول محمد جعلوه متحكما فى رب العزة ، بينما يجعل المحمديون رب العزة الاها منزوع السُّلطات تتحكم فيه وفى ملكه آلهة البشر فى الدنيا والآخرة وينتزعون المحمديون منه معظم التقديس لصالح محمد وبقية آلهتهتم المزعومة . 

3 ـ وهذا بالضبط تصور المحمديين فى أديانهم الأرضية عن الله جل وعلا وعن ( الاههم محمد ). لا يؤمنون بالقرآن الكريم لأنه يعارض تأليههم لمحمد ، ولا يعترفون بالله جل وعلا كما قال جل وعلا عن ذاته فى القرآن الكريم ، ولا يعترفون باليوم الآخر الذى جاء تفصيله فى القرآن الكريم ، ولا يهمهم تأكيد رب العزة فى القرآن الكريم على أن النبى محمدا ليس له من الأمرشىء ، وأنه لا يشفع ولا ينفع أحدا ، وأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا ، وأنه لا يعلم الغيب ، وأنه ليس عليه إلا البلاغ . يكفر المحمديون بكل هذا ، ويؤمنون بمفترياتهم فى أحاديثهم التى ترفع النبى محمدا فوق مقام رب العزة فى الدنيا والآخرة ، وتجعله مالك يوم الدين ، والذى تُعرض عليه أعمال الناس وهو فى قبره ليفصل فيها .

4 ـ المحمديون من السّنة والشيعة والصوفية يختلفون فى كل شىء ولكن يتفقون فى تفضيل ( محمد ) على رب العزّة جل وعلا . المحمديون يحجون الى الوثن الرجس المسمى بقبر النبى فى المدينة يتوسلون بالله جل وعلا أن يتوسط لهم عند ( محمد )  ليشفع فيهم ( محمد )!. وهم فى صلواتهم يترجون رب العزة كى يجعل محمدا يتشفع فيهم . أى يجعل المحمديون الله جل وعلا واسطة يتوسط  لدى ( محمد ) و يرفعون محمدا فوق مقام رب العزة ، وهذه مكانة رب العزة فى أديانهم الأرضية. وهذا كفر فظيع بالله جل وعلا وكفر فظيع أيضا  باليوم الآخر .

ثانيا : المحمديون هم أكثرية المسلمين . وأكثرية البشر يكفرون بالله وباليوم الآخر

1 ـ هذا الكفر عادة سيئة لأكثرية البشر . واكثرية البشر موصومة فى القرآن الكريم بأنها لا تعقل ولا تؤمن بالله جل وعلا إلا وهى مشركة:( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ  ) يوسف 103 ،106 ) ( وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) ( الأنعام ).ينطبق هذا على المحمديين أغلبية المسلمين اليوم وقد بلغوا البليون ونصف البليون . وهى أغلبية لا تؤمن بالله جل وعلا ولا باليوم الآخر . 

2 ـ بعض المنافقين من الصحابة المتآمرين كان يعلن أنه يؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر خداعا للمؤمنين . وهى ـ أيضا ـ ظاهرة بشرية تتكرر فى أى مجتمع فيه ناس ، فمن الناس من يزعم أنه يؤمن بالله وباليوم الآخر خداعا ، ولكنهم فى الحقيقة ليسوا بمؤمنين بالله جل وعلا ولا باليوم الآخر :( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)البقرة ).

3 ـ وينطبق هذا أكثر على محترفى الدين الأرضى من الأئمة والشيوخ والقساوسة والرهبان المتاجرين بالدين والذين يشترون بآيات الله جل وعلا ثمنا قليلا . وينطبق على أئمة المحمديين من الإخوان والسلفيين وكل الذين يخلطون السياسة بالدين، ويستخدمون دين الله جل وعلا مطية للوصول لأغراضهم السياسية.

4 ـ وأولئك هم المسيطرون على الأغلبية الصامتة من الشعوب ، وهم المتحالفون مع فراعنة الاستبداد والفساد ، وهم الأكابر المجرمون فى كل قرية ، و( القرية ) فى المصطلح القرآنى هى المجتمع والدولة بمفهومنا المعاصر . وقد قال رب العزة عن أولئك الأكابر المجرمين من السلاطين المستبدين ورجال الكهنوت والدين:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) وهم دائما يكذبون بالرسلات السماوية الداعية للعدل ، يقول جل وعلا : ( وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ )(الأنعام 122 : 123  ). وهؤلاء المترفون الفاسدون الظالمون لا يؤمنون بالآخرة ، بل هم يؤمنون بما وجدوا عليه سلفهم أو أجدادهم الظالمين ، وهكذا قال الملأ المترف فى مكة فى تكذيبهم للقرآن الكريم وتكذيبهم باليوم الآخر : (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ). وهى قاعدة توجد فى كل أمة وفى كل قرية أو دولة يتسلط عليها المجركون المترفون ؛ أن يتمسكوا ما وجدوا عليه أسلافهم وآباءهم ، يقولون هذا لكل نذير وكل من يجاهد فى سبيل الاصلاح :  ( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) ( الزخرف 22 / 23). ويتمسك مجرمو عصرنا ( السلفيون ) بما ( أجمعت عليه أمتهم ) وبما كان عليه ( سلفهم الصالح ..جدا ..! ). ولقد كفر أسلافهم باليوم الآخر،وهم على آثارهم يهرعون : ( إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ) ( الصافات 69 : 70 ).

ثالثا : حقيقة الايمان بالله وباليوم الاخر

1 ـ الإخوان والسلفيون وقادة المحمديين المتاجرين بالدين لو كانوا يخافون عذاب الله جل وعلا فى اليوم الآخر ويتحسّبون له ما جرءوا على إستغلال دين الله فى الصراع على حُطام دنيوى زائل .

2 ـ إنّ الذى يؤمن بالله جل وعلا وباليوم الأخر يتمسك بالسنة القرآنية الحقيقية لا يطلب جاها أو ثروة باستغلال الدين خداعا للناس وإمتهانا لاسم رب العالمين . والمؤمن الحقيقى بالله واليوم الآخر لا يريد علوا فى الأرض ولا فسادا بخداع الناس والكذب عليهم ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) ( القصص 83 ) لذا تكفيه أن تكون عاقبته مع المتقين فى اليوم الآخر . المؤمن الحقيقى باليوم الآخر يسير على خُطى خاتم المرسلين الذى أمره رب جل وعلا أن يعلن أنه يخاف إن عصى ربه من عذاب يوم عظيم:( قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) الانعام 15 ، الزمر13)( إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يونس 15).

3 ـ إن الايمان بالله جل وعلا وباليوم الآخر ليس شعارا يُرفع للإستهلاك المحلى والرياء والمظهر الاجتماعى ، بل هو التقوى التى تتأكّد يقينا فى القلب وتتجسّد عملا صالحا فى السلوك : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) البقرة 2 ـ ) . وهذا اليقين باليوم الآخر يجعل المؤمن يخلص لله جل وعلا فى عبادته وفى سلوكياته مع الناس، يحاسب نفسه قبل يوم الحساب، فإذا أنفق فى سبيل الله يكون إنفاقه فعلا فى سبيل الله جل وعلا يبتغى الأجر فى الآخرة ، ولا ينتظر من الناس جزاءا ولا شكورا ، يعطى المحتاج صاحب الحق بغض النظر إن كان هذا المحتاج صديقا أو عدوا له ، لأن هذا المتقى المؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر لا يتعامل مع البشر ، ولكن يتعامل مع رب البشر ، ولا يحرص إلّا على رضى ربه ، سواء رضى عنه الناس أو كرهه الناس . وفى أى عمل يقوم به وفى كل عمل يقوم به يفكّر أولا هل هذا العمل يرضى ربه جل وعلا أم لا ، وهل سينفعه عمله هذا يوم الدين أم لا . أما قادة الاخوان والسلفيين فيعطون المواد التموينية للفقراء ليس فى سبيل الله جل وعلا بل فى سبيل إستمالتهم سياسيا . ويقتلون من يعارضهم ، وشعارهم الحقيقى ( إمّا أن نحكمكم وإمّا أن نقتلكم ).! وهذا هو جهادهم فى سبيل السُّلطة .

4 ـ المؤمن المتقى ليس معصوما من الخطأ ، ولكنه إذا أخطأ بادر بالتوبة مسرعا ومخلصا ، وظل يتذكر ذنبه مستغفرا : (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )( آل عمران 133 : 136 ).

إن هذا المتقى إذا وسوس له الشيطان باللإثم إستيقظ ضميره المؤمن فى داخله فأبصر وتذكر وإستعاذ بالله جل وعلا من الشيطان الرجيم وخاف مقام ربه العظيم : (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ) هذا بينما يركب الشيطان أولياءه ( إخوان الشياطين )يمدّهم فى الإثم وفى الغى فلا يقصرون ، يقول جل وعلا عن (إخوان الشياطين ):( وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ ) (الأعراف 200 : 202 ).

5 ـ وبينما يقضى قادة الاخوان وشيوخ السلفيين ليلهم فى التفكيروالتدبير والتآمر لتحقيق وصولهم للحكم والسلطة والثروة فإن المؤمنين فعلا بالله جل وعلا وباليوم الآخر وبالقرآن الكريم يخرّون سُجّدا إذا ذُكّروا بآية قرآنية وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون : (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) وتتجافى جنوبهم ليلا عن المضاجع يدعون ربهم خوفا من عذابه وطمعا فى رحمته ومغفرته وجنته ، وفى سبيل الله جل وعلا ينفقون أموالهم : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) ولذا فإن نعيم الجنة الذى ينتظرهم لا يمكن أن تتخيله نفس بشرية جزاء عملهم الصالح فى الدنيا : ( فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ، فلا يمكن أن يستوى المؤمن المتقى بالفاسقين إخوان الشياطين:( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لّا يَسْتَوُونَ )( السجدة 15 ـ )

6 ـ وهذا المؤمن بالله وباليوم الآخر لا يغترّ بعبادته مهما أكثر من عمل الصالحات ، بل يظل فى خشية من ربه جل وعلا ، مؤمنا بآياته ، لا يشرك به شيئا ، وحين يقدم طاعة أو يصلّى أو يتصدّق يستقلّ طاعته وعبادته ويخشى أن لا تكون مقبولة يوم الدين ، لذا يظل يسارع فى الخيرات سبّاقا فى الخير، يقول جل وعلا عن أولئك المؤمنين المتقين الخاشعين :( إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) ( المؤمنون 57 : 61 ). فهل رأيت خاشعا بين الاخوان والسلفييين ؟ إنّ الواحد من  إخوان الشياطين إذا أدّى صلاة فهو يرائى بها ويتخذها تجارة يطلب من الناس أن يدفعوا له ثمن عبادته خضوعا له حتى يركب ظهورهم ويصل للسلطة متسلحا بزبيبة الصلاة ومظاهر التدين السطحى . أما صلاته التى يُرائى بها فإنه يمتنّ على الله بها ، فحتى لو كان مخلصا فى صلاته وعبادته فإن الله جل وعلا غنىّ عن صلاته وصدقته وزكاته وجهاده: ( وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (العنكبوت). نحن الذين نحتاج للعمل الصالح لندخل الجنة ولننجو من النار ، فمن يعمل صالحا فلنفسه أى لفائدة نفسه وليس لفائدة ربه ، ومن يعمل سوءا فعلى نفسه، ولا يضرّ ربه:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) فصلت 46 ) (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ )( الجاثية 15 ). هذا هو ما يفهمه المؤمن بالله وباليوم الآخر .

فى النهاية ..

1 ـ فإن المحمديين لو ماتوا بعقائدهم  هذه لن يفلحوا يوم الدين . لن تنفعهم أساطير الشفاعة ، فقد قال جل وعلا لخاتم المرسلين :( أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ)(الزمر 19) وسيقول رب العالمين بعد دخولهم جهنم ( مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ق  29)، ومهما تكاثروا بالبلايين فإن جهنم فيها متسع لهم أجمعين : ( يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ  ) ( ق 30 )

2 ـ المُفلح فى الآخرة هو الذى يؤمن بأن الله جل وعلا مالك يوم الدين ، ويؤمن أنه لا عاصم له من عذاب الآخرة إلا إيمانه الخالص وعمله الصالح ، وأنه لا شفاعة إلا بالعمل الصالح وحده فلا تشفع نفس فى نفس ولا تُجزى نفس عن نفس . ولهذا فلا بد أن يُكثر من عمله الصالح ويستغفر عن سيئاته ويتوب وينوب ، ويتمسك بالسّنة القرآنية لخاتم المرسلين الذى كان يخاف ـ  إن عصى ربه ـ من عذاب يوم عظيم .  

 

الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة   

الفصل الثانى : غفلة المحمديين عن لقاء الله رب العالمين 

أولا : معنى لقاء الله جل وعلا 

1 ـ لقاء الله جل وعلا هو اليوم الأخر حين يقوم الناس فى اليوم العظيم، الذى يقوم فيه الناس لرب العالمين ،وهو قادم حتما مهما أنكره المجرمون:( أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ )(المطففين 4 : 6 ). لقاء الله جل وعلا هو يوم الحساب حين يبرز الناس الى رب العالمين ، وعندها يكون المجرمون فى أسوأ حال : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ). ولهذا نزل القرآن الرسالة الالهية الخاتمة فى آخر الزمان ، نزل بلاغا للناس وإنذارا لهم قبيل الساعة: ( هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ) ( ابراهيم 48 / 52 ). فهل ( وصلت الرسالة ) الى من يهمّه الأمر ؟. الواقع إنه لا يوجد فى الأغلب من يهمّه الأمر.!!

2 ـ  فقد أشار رب العزة الى اللقاء به جل وعلا فى 32 موضعا فى القرآن الكريم . فهل فكّر أحدنا فى هذا اللقاء الحتمى القادم مع ربّه جل وعلا ؟ لو كان لك موعد هام مع مخلوق مثلك ( رئيس فى العمل أو صاحب جاه أو صديق عزيز ) لأعددت لهذا اللقاء عُدته ، من مظهرك وماذا ستقول ، وحرصك على نجاح لقائك معه . فهل أعددت نفسك للقاء ربك ؟ بل هل حتى فكّرت مجرّد تفكير فى هذا اللقاء الآتى حتما ؟. الأغلبية الساحقة من البشر لا تهتم ولا تفكر أصلا فى هذا اللقاء. والمحمديون الذين يزعموم الايمان بالقرآن ضمن هذه الأكثرية اللاهية الغائبة عن الوعى الذين غرّتهم الحياة الدنيا ، ثم إذا أفاقوا منها كان الندم حيث لا ينفع الندم 

ثانيا :  لقاء الله يوم الدين بين المتقين والكافرين

1 ـ نحن فريقان بالنسبة للقاء الله جل وعلا فى اليوم الآخر : هناك من يرجو هذا اللقاء ويعمل له ويتحسّب له بالعمل الصالح والإيمان الخالص،والأغلبية تنسى هذا اليوم وبعملها السيىء وإيمانها الناقص لا ترجو هذا اللقاء .

2 ـ هناك لقاءان لنا بالله جل وعلا . اللقاء الأول الذى ( فطر ) الله جل وعلا أنفسنا وأخذ على الأنفس البشرية العهد قبل أن تدخل الأنفس فى أجسادها . وفيه أشهدهم على أنفسهم أنه وحده ربهم لا شريك له ، وحذّرهم مقدما من ان يأتوا يوم لقائه يوم القيامة فى اللقاء الثانى وقد نسوا هذا العهد: ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) ( الأعراف 172 : 173). ثم سيأتى اللقاء الثانى يوم القيامة بالحساب لكل نفس بما كسبت . وبين اللقاء الأول واللقاء الثانى وفى هذه الدنيا كانت الملائكة بالروح تنزل على البشر تذكّرهم وتُنذرهم بيوم اللقاء أو التلاق مع رب العزة :( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ) (غافر 15 ).

3 ـ وفى الرسالة الخاتمة أمر رب العزة خاتم المرسلين أن يعلن:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )(الكهف 110 ). وتوجز الآية الكريمة الاسلام فى عبارات قليلة : فالنبى بشر مثلنا ، وليس الاها ، والنبى هو بشر يُوحى اليه بأنه لا اله إلا الله جل وعلا ، وأن من يرجو لقاء ربه من كل البشر فعليه أن يعمل عملا صالحا ولا يشرك بربه جل وعلا أحدا .

ثالثا : الايمان بالآيات والرسالات السماوية قرين بالايمان بلقاء الله جل وعلا

1 ـ يرتبط لقاء الله جل وعلا ( أو اليوم الآخر ) برسالاته السماوية وكتبه وآياته . ولذا فإن الكافرين بالآخرة ( الذين لا يرجون لقاء الله جل وعلا ) كانوا فى عهد النبى عليه السلام يكذّبون بالقرآن ويطلبون معجزة حسية بديلا عن القرآن إستكبارا وعتوا :( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوًّا كَبِيرًا) (الفرقان 21 ) بل ويطلبون بدلا منه قرآنا غيره يتفق مع أهوائهم : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )( يونس 15).  فعل هذا مشركو قريش ـ وفعله بعدهم المحمديون حين إخترعوا اسطورة ( النسخ ) بمعنى إلغاء الأحكام القرآنية .

2 ـ وردّا عليهم فإن الله جل وعلا يصف (القرآن) بأنه لا ريب فيه :(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ )(البقرة 2 ). ويصف (لقاء الله) جل وعلا بأنه لا ريب فيه:( رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ )(آل عمران ). وقد تكررت جملة ( لاَ رَيْبَ فِيهِ ) فى القرآن الكريم 14 مرة . جاءت ثلاث مرات وصفا للقرآن ( البقرة2 ، يونس 37 ، السجدة 2 ) وجاءت 11 مرة وصفا لليوم الآخر ( آل عمران 9 ، 25 ، النساء 87 ، الانعام 12 ، الاسراء 99 ، الكهف 21 ، الحج 7 ، غافر 59 ، الشورى 7 ،الجاثية 20 ، 32 ). 

وبالتالى فالمطلوب هو الايمان الخالص بالله جل وعلا ولقائه وبآياته وكتبه . إيمانا لا يلحقه شكُّ أو ريب .

3 ـ ومع هذا فإن فى قلوبهم الشّك فى الكتاب الذى لا ريب فيه والشّك فى اليوم الآخر الذى لا ريب فيه . وأكبر دليل على هذا الريب والشّك هو تراث المحمديين المعادى للقرآن وتاريخ المحمديين فى إستغلال الاسلام فى طموحهم الدنيوى. وقد هبطوا بتزييفهم لليوم الآخر الى الحضيض ، وهو حضيض يعبّر عن عدم إيمانهم بلقاء الله جل وعلا ، وعن الشّك الذى وصل بهم الى بهم الى (العمى الجماعى ) ، أو بالتعبير القرآنى المُذهل المُوجز المُوجع:( بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ )( النمل 66 ) . يصف رب العزة علم المحمديين بالآخرة فى ثلاث جُمل فقط  فى هذه الآية الكريمة القصيرة ، وهى أن علمهم بها وصل الى الدرك الأسفل، وأنهم منها فى شكّ ،وأنهم مصابون بالعمى الجماعى بشأنها.  والعاقل الذى يقرأ تخاريفهم عن الشفاعة فى البخارى وغيره يتأكد من إصابتهم بالعمى القلبى جيلا بعد جيل . ولو كانوا يؤمنون باليوم الآخر الذى لا ريب فيه ولو كانوا يؤمنون بالقرآن الذى لا ريب فيه ما إنحطُّوا الى هذا الدرك من الحضيض . وسيظلون فى شكّ ولهو ولعب يتقلبون فى غرور الدنيا : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) ( الدخان 9  )

رابعا : جهنم مصير من يكفر بلقاء الله جل وعلا ويكذّب أو يشكّ فى آياته

1ـ ويوم القيامة يُحال بينهم وبين ما كانوا يشتهون ويحلمون من مزاعم شفاعاتهم ، شأنهم شأن من سبقهم من الكافرين ، فهذا هو مصير من يعمر قلبه بالشّك فى الآخرة : ( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ )( سبأ 54 ) .

2 ـ فقد صوّرت لهم أحاديث الشفاعة المزعومة رب العزة الاها مغلوبا على أمره ، وصوّرت لهم يوم القيامة مهرجانا للشفاعات والوساطات كأحد الأسواق الشعبية والمصالح الحكومية فى دولة استبدادية . وستكون المفاجأة قاسية يوم لقاء الله جل وعلا ، إذ سيبدو لهم من الله جل وعلا ما لم يكونوا يحتسبون ، وستبدو لهم سيئات أعمالهم وسخريتهم بالدين الالهى فيما زيّفوه من أحاديث، وحينئذ سيتمنون لو أنّ لهم أضعاف ما فى الأرض ليفتدوا به أنفسهم من سوء العذاب : ( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون  ) ( الزمر 47 : 48 )

خامسا : التذكير بلقاء الله فى الحديث القرآنى عن عذاب الكافرين

1 ـ يقول جل وعلا عن يأس الكافرين من رحمة الله وعذابهم الأليم ويصفهم بتكذيب لقاء الله جل وعلا وبالقرآن معا :( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )( العنكبوت 23) ، ويتكرر نفس الوصف لهم وهم فى العذاب مُحضرون : ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ )( الروم 16). ويتكرر نفس الوصف لهم وقد أحبط الله جل وعلا عملهم وجازاهم بكفرهم بلقائه وبآياته : (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(الأعراف 147 )، وإحباط عملهم يعنى ألا يكون لأعمالهم وزن : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ) (الكهف 105 ).

2 ـ وتأتى تفصيلات عن مصير الكافرين بلقاء الله جل وعلا ، فهم يتحسرون بينما يحملون أوزارهم على ظهورهم : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ )(الأنعام 31 ). وفى خسرانهم الأبدى يتذكرون الدنيا التى إغتروا بها ، وقد مضت هذه الدنيا بكل ذكرياتها كأنها ساعة من النهار : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ )(يونس 45 ) .

ثم يُساقون الى جهنم ، وحين تفتح أبوابها لهم يُقال لهم تأنيبا إن هذا جزاؤهم لأنهم كذبوا بلقاء الله وبالكتب السماوية : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا ) (الزمر 71 ). ثم وهم فى الجحيم يقال لهم أيضا للتأنيب:( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا  )(السجدة 14  ) .

سادسا : الغفلة عن اليوم الاخر والتكذيب بلقاء الله جل وعلا

1 ـ كان الأولى بهم أن يتفكروا أن الله جل وعلا لم يخلق هذا الكون عبثا : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)(المؤمنون 115)، وأن يتذكروا أن لهم موعدا يلقون فيه ربهم: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ )(الروم 8 ) . ولكن أكثرية الناس كافرون بلقاء ربهم وكافرون بآياته تكبرا . وهم عنها وعن اليوم الاخر غافلون (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ  )( الاعراف 146 ).

2 ـ الواقع العملى المُعاش يؤكد أن الأغلبية الساحقة من الناس فى غفلة عن الآخرة . ولو قمنا بإجراء إحصاء عن من يؤمن باليوم الآخر على حقيقيته القرآنية  فستجد الأكثرية غافلين ، بل ربما لا تجد أصلا من يهتم بالمشاركة فى هذا الإستبيان .

3 ـ وهذا بسبب تركيزهم فى الصراع على زينة الدنيا التى جعلها الله جل وعلا إختبارا لنا ليبلونا أينا أحسن عملا فرسب معظمنا فى هذا الاختبار:( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا  )( الكهف 7 ). لقد رضوا بالحياة الدنيا وإطمأنوا بها ووجهوا قلوبهم نحوها فقط ، وفى سبيلها غفلوا عن آيات الله فى القرآن ، لذا فمصيرهم جهنم : ( إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ )( يونس 7 : 8 ).

4 ـ ويوصف أصحاب جهنم بأنهم الغافلون ، سواء كانوا من الانس أم من الجن ، فقد عطّلوا عقولهم وقلوبهم فأصبحوا غافلين وأضل حالا من الأنعام : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ  ) ( الاعراف 179 ). كما يوصفون بأنهم الغافلون الخاسرون:( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ  ) ( النحل 108 : 109 ).   5ـ وترى عباقرة العلوم الطبيعية وكبار العلماء والفلاسفة والمفكرين يشاركون عوام الناس وأغلبية الخلق فى هذه الغفلة عن لقاء الله جل وعلا ، فهم لا يعلمون إلا ظاهرا من هذه الدنيا بينما هم غافلون عن تذكر الأخرة ، وهم لا يتفكرون فى حكمة خلق الله جل وعلا للسماوات والأرض ، وما سيتلو هذا من القيامة ولقاء الله جل وعلا : ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) ( الروم 7 : 8 ).

سابعا :  إستمرار الغفلة عن لقاء الله جل وعلا بعد نزول القرآن والى وقت قيام الساعة

1 ـ القرآن هو خاتم الرسالات السماوية ، بمعنى أنه كلمة الله جل وعلا الأخيرة للبشرية قبيل تدمير هذا العالم ، وقد أصدر رب العزة أمره بقيام الساعة مع نزول القرآن ، ولكن تنفيذ الأمر سيأتى بالزمن الأرضى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) ( النحل ) . يقول رب العزة عن الاختلاف فى الزمن بيننا وبين الملكوت الأعلى: ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ )( الحج 47  ) . وقبل نزول القرآن بأكثر من ألف عام وفى أول وحى الاهى خوطب به موسى عليه السلام أكّد ربّ العزة جل وعلا مجىء الساعة : ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ) ( طه ). ثم جاء القرآن الكريم بأقترابها : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ )( القمر:1 )  لذا يأتى القرآن ينذرهم بيوم الحسرة الآتى لهم إذا ظلوا غلى غفلتهم وكفرهم بلقاء الله جل وعلا : (  وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ )( مريم 39 : 40 ).

2 ـ لقد إقترب يوم لقاء الله جل وعلا ، ونحن الآن على وشك قيام الساعة التى أخبر بهذا رب العزة منذ 14 قرنا بإقترابها، ومع ذلك فلا يزال الناس من وقتها وحتى الآن فى غفلة ، وهم مُعرضون عن كتاب الله جل وعلا لاهية قلوبهم : ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ  ) ( الأنيياء 1 ـ  ). وسيظل الناس فى غفلتهم حتى آخر جيل من البشر يعيش فى هذه الدنيا ويشهد تدمير هذا العالم ، عندها سيعترفون بغفلتهم وبظلمهم : ( وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ) ( الأنبياء 97 ).

3 ـ وقتها سيكون المشهد فى حدّ ذاته عذابا لمن يحضره ويشهده ، إذ يبلغ الفزع بالناس أن تذهل المرضعة عن رضيعها فلا مجال للرضاعة أو حياة للرضيع ، وأن تجهض الحامل فلا مجال لمواليد جُدُد، ويصاب الناس بما يشبه الإغماء ، فيكونون سُكارى من الهول ، وما هم بسكارى من الخمر: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )( الحج ).

4 ـ ولأنهم يعيشون فى غفلة وسيظلون فى غفلة جيلا بعد جيل فسيفاجأون بالساعة وقد أتتهم ( بغتة )وهم لا يشعرون : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ  )( الزخرف ) . وهى ( بغتة لا يشعرون بها ) لأنهم فى غفلة عنها ولم يتحسّبوا لها . يقول جل وعلا عن خسارتهم وحسرتهم وبغتتهم :( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ )( الأنعام 31 ).

5 ـ المؤمنون بالله جل وعلا وبلقائه وبآياته لا تصيبهم البغتة ، يقول جل وعلا عنهم :( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ). امّا الآخرون الكافرون فسيظلون فى شكّهم حتى العذاب يوم القيامة أو مجىء الساعة بغتة إذا كانوا فى آخر جيل من البشر : ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ) ( الحج 54 ، 55 ) .

6 ـ ولأن القرآن نزل مع إقتراب الساعة فإن التحذير الالهى يدعونا للتعجيل بالتوبة قبل الموت وقبل أن تأتى الساعة بغتة : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ     وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ )(الزمر 53 : 55  ) .

7 ـ ومن عجب أن جاءت أشراط الساعة وتبدت بعض علاماتها المذكورة فى القرآن الكريم ، ومع هذا فالمحمديون فى غيّهم سادرون : (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) ( محمد 18 ) . وسيقال لأحدهم يوم لقاء الله جل وعلا : ( لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )( ق :  22 ).

ودائما : صدق الله العظيم .!

 

 

 

 الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة    

الفصل الثالث : أنواع الكفر باليوم الآخر 

مقدمة :

1 ـ فى أوائل التسعينيات دعانى إستاذ فى جامعة عين شمس لحضور ندوة ، كان هذا الاستاذ الجامعى متخصصا مثلى فى ( التاريخ الاسلامى ) ومشهورا بعلمانيته وشيوعيته . وتعرّضت بعض كتبه للمصادرة . أى كان هناك بعض إتفاق بيننا . وقمت لأعلّق على محاضرته ، ففوجئت به يقول وهو يقدمنى للحاضرين أننى فلان ( مُنكر السّنة ) ويتحدث وهو يتبرأ من مشروعى الفكرى .

2 ـ تكرر نفس الموقف تقريبا مع كثير من العلمانيين ، ما إن يبدأ النقاش بيننا حتى يتحول ذلك العلمانى الى سُنى يدافع عما توارثه من أسلافه ، وتتبخّر القشرة الالحادية العلمانية ، ويظهر على حقيقته طالما تعلق الأمر بالبخارى وبالسّنة وبحديث الشفاعة وتقديس النبى محمد . إيقنت بعدها إنه يوجد بين البشر هذا الصنف الذى أسميته ( علمانى محمدى ) . حين يُواجه هذا الصنف بنقاش حول معتقداته المتوارثة تراه وقد إصفرّ وجهه خوفا ، وانطلق يدافع عن هويته الدينية التى تقبع فى أعماق قلبه .

3 ـ بل ربما يتندر ساخرا على القرآن وما جاء فيه من عذاب مستكثرا هذا ( الإلحاح ) على العذاب ، متناسيا وجود ( إلحاح ) آخر مواز عن حرية البشر المُطلقة فى الايمان او الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، وأن يوم الدين هو يوم المُساءلة والثواب والعقاب على هذه الحرية، وأن الالحاح على العذاب يساويه الإلحاح على نعيم الجنة. هذا العلمانى المحمدى يتعلّق بالشفاعة طوق نجاة له ، تعطيه حرية الكفر والفسوق والعصيان مع الأمل فى النجاة من العذاب بشفاعة النبى التى سينتج عنها طبقا لآساطير الشفاعة الخروج من النار لكل من فى قلبه ذرة من إيمان .

4 ـ وفى عام 1987 صدر كتابى الصغير ( المسلم العاصى : هل يخرج من النار ليدخل الجنة ) وقد صودروكان سببا مباشرا فى القبض علىّ وقتها . وأتذكّر أنه أحدث صدمة هائلة لمن سمع به ، فقد كانوا يعيشون على أمل الشفاعة غافلين عن الآخرة وعن قيامها على القسط والتحكم المُطلق لرب العالمين مالك يوم الدين . أتذكر أنه كان من بين المُستائين بعض من عرفتهم وقتها من العلمانيين المُلحدين . ومن هذه التجارب الشخصية تأكّد لى أكثر وأكثر عظمة وروعة الإعجاز القرآنى ، الذى قام بتوصيف دقيق لأنواع الكفر باليوم الآخر ، وكيف أن هذا ينطبق تماما على ( المحمديين ) العلمانيين منهم والسلفيين .

أولا : اليوم الآخر بين الكفر السلوكى والكفرالعقيدى

1 ـ وقلنا من قبل إن هناك كفرا سلوكيا باليوم الآخر يتركز فى الانغماس فى المعاصى بدون حاجة الى تبرير دينى أو تشريع أرضى ، وهذا الكفر السلوكى بالله جل وعلا وباليوم الآخر وقع فيه الصحابة بجريمة ( الفتوحات ) وما نجم عنها من قتل ونهب واسترقاق وإغتصاب وإحتلال وقهر وسبى لشعوب بأكملها باسم الاسلام . ثم تم التسويغ والتشريع الدينى لهذا بأثر رجعى فى العصر العباسى فيما يعرف الان بالجهاد السّنى ، والذى لا يزال يجرى بهمّة ونشاط من جانب الوهابيين . وهذا الكفر السلوكى بالله جل وعلا وباليوم الآخر يوجد على مستوى الأفراد السادرين فى غفلتهم المنهمكين فى المعاصى والتقاتل على حُطام الدنيا بطريقة ( علمانية ) أى بدون التحجّج بأحاديث أو تسويغات دينية من دينهم الأرضى . تجد هذا لدى المجرم العادى فى العصابات العادية كما تجد هذا أيضا فى مستبد علمانى يقهر شعبه باسم الوطنية أو القومية أو حقوق العمال والعدالة الاجتماعية ، كما كان يوجد فى الجزيرة العربية فى غارات الأعراب فى منطقة ( نجد ) وغيرها على القوافل .

2 ـ ولكن يختلف الأمر حين يتم إضفاء مبرر دينى على نفس الجرائم ، وهذه وظيفة الدين الأرضى الذى تتأسّس عليه الدولة الدينية . والدولة السعودية الأولى قامت بتحويل غارات القبائل الى ( جهاد دينى )  وهو نفس ما فعله منشىء الدولة السعودية الراهنة عبد العزيز آل سعود ، حين أقنع شباب البدو بأن يمارسوا نفس السلب والنهب والقتل والاغتصاب والسبى للآخرين بعد إتهامهم بالكفر ، فمن ليس وهابيا فهو حلال الدم والمال والعرض ، ويجب الجهاد ضده وإحتلال أرضه وقهره . وفى صعيد مصر نجح المتطرفون فى أن يضموا اليهم  قطّاع الطرق الذين يعتصمون بالجبال فأصبح هؤلاء اللصوص يمارسون نفس الجُرم من قتل وسلب ونهب تحت مُسمى الجهاد ( الاسلامى ) .

3 ـ المُسفاد أن الدين الأرضى يقوم بتقعيد الكفر السلوكى وجعله ( دينا أرضيا ). وبهذا يتم التشجيع على ارتكاب الجرائم ، فقد أصبح إرتكابها عبادة ، ( وجهادا ) . ومن هنا يتم بسهوله إقناع الشباب بارتكاب  العمليات الانتحارية على أنها جهاد ، وأن الانتحارى الذى يفجّر نفسه ليقتل الأبرياء عشوائيا سيجد سبعين من جميلات الحور العين يفتحن أحضانهن وأرجلهن له ، وبعض الروايات تبشّره بأن عضوه الذكرى الذى سينكح به هؤلاء الحور العين سيكون فى حجم جبل أُحُد ..يا للهول ..!!

4 ـ وبتبرير وتسويغ الجرائم يتنوع الكفر العقيدى ـ طبقا لما جاء فى القرآن الكريم ، الى ثلاث حالات : الإنكار ، التحريف والتزييف ، والجمع بين الانكار والتحريف . ونتعرض لها بإيجاز :

ثانيا : إنكار اليوم الآخر :

1 ـ يقول العلمانيون اليوم ما كان أقرانهم من كُفّار قريش يقولونه فى إنكار اليوم الآخر ، يقولون أنها حياة واحدة فقط نحياها ، ثم نموت كما يموت السابقون واللاحقون فى هذا الدهر:( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ ). ويردُّ عليهم ربّ العزة:( وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24) ( الجاثية ). ويتكرر فى حديثنا العادى وحتى فى الدراما أن يقال ( إحنا بنعيش مرة واحدة ) ، وهو إنكار صريح لليوم الآخر ، وهو الحياة الخالدة الذى لا موت فيه فى الجنة أو فى الجحيم ، أو هو بالتعبير القرآنى ( الحيوان ): (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) ( العنكبوت ). ولنا هنا ثلاث ملاحظات :

2 ـ الملاحظة الأولى : أنه جاء التركيز على بداية اليوم الآخر وهو يوم البعث لأن ما يتلوه مؤسّس عليه.  وحول البعث دارت تساؤلات المنكرين لليوم الآخر من العرب وقت نزول القرآن الكريم ، وكالعادة لم يقم النبى بالردّ لأنّ الذى يتولى الردّ هو رب العزّة بالوحى القرآنى . فقد إعتبروا البعث سحرا : ( وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ )( الصافات 15 ـ  ). وبعضهم إعتبر البعث من أساطير الأولين ، وإتّهم بهذا ملة ابراهيم التى وصلت اليهم عن طريق آبائهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ). وجاء الأمر للرسول أن يقول لهم سيروا فى الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المجرمين : ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ )(النمل 67 : 69 ) . وتساءل بعضهم فى عجب وهو يُنكر البعث:كيف يبعث الله جل وعلا جثة أصبحت ترابا:( وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ). وجاءهم التهديد المباشر من رب العزة : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )( الرعد 5 ).

وبعضهم ضرب الأمثال بعظام بشرية قد بليت فكيف ستعود اليها الحياة ، وجاء الردّ عليه من الرحمن بجملة إعتراضية مُذهلة هى : (وَنَسِيَ خَلْقَهُ ) :( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)( يس ). أى إنه نسى أنه مخلوق الآن ولم يكن قبل ذلك شيئا مذكورا . هو مخلوق من منى وبويضة ، وتم تخليقهما من طعام أكله الأب والأم ، وتم هضمه وتمثيله ، وهذا الطعام جاء من عناصر طبيعية تكون منها النبات والحيوان ، ثم سيموت هذا الجسد ويتحلّل ويعود الى نفس العناصر الطبيعية ، وتتكرر دورة الحياة والموت والبعث فى صورة مبسّطة فى هذه الدنيا ، قبل أن يأتى البعث الأكبر باليوم الآخر . ثم أتى رب العزة بحُجّة عقلية : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79). أى أن الذى خلق هو القادر على أن يعيد ما خلقه ، وهو العليم بكل ما خلق . ثم يأتى رب العزّة بردّ علمى يخاطب كل مُنكر للبعث،  فهو الذى يحيل النبات الأخضر الى طاقة ونار :( الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80). فالمادة الخضراء فى النبات هى طاقة متجمدة تأتى أصلا من الشمس مصدر الطاقة والحياة، وتتحول الى خشب ووقود. بل إن الفحم والبترول كانت فى الأصل غابات هائلة من الشجر الأخضر ، وبالضغط والحرارة الهائلة فى ملايين السنين تحولت الى أهم مصادر الطاقة الآن . وفى سورة الواقعة يشير رب العزّة الى أن أصل الطاقة التى نعيش عليها الآن هو شجرة : (  أَفَرَأَيْتُمْ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ (73) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) الواقعة) .وهذه التحولات فى داخل أجسادنا وحولنا من مادة الى طاقة والعكس هى عمايات متعاقبة من الخلق والبعث. وتمتد لتشمل السماوات والارض وما بينهما من نجوم ومجرات تولد وتتضخم وتنفجر وتندثر وتتحول الى أشباح أو ثقب أسود أو أبيض ليعاد خلقها من جديد ، وسبحان المبدىء المعيد . ثم يشير جل وعلا فى الاية التالية  الى أنه جل وعلا هو الذى خلق السماوات والأرض وهو القادر على تدميرها وإعادة خلقها :( أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81 )( يس ) . ووصف (الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ) هنا غاية فى الإعجاز والإيجاز ، فهو الذى يبدأ الخلق ثم يعيده ، وتتكرر عملية الخلق والبعث أو إعادة الخلق ، بل إن البعث اسهل عليه جل وعلا من الخلق أول مرة : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  ) الروم 27 ).

 3 ـ الملاحظة الثانية : أن الردود الالهية عن البعث وارتباطه بالخلق تحوى أحيانا بعض الحقائق العلمية ، ومنها ما تم إكتشافه كما سبقت الاشارة اليه عن الطاقة والمادة داخلنا وحولنا ، وكقوله جل وعلا يخاطب البشر جميعا عن مراحل خلق الجنين والمراحل العمرية للإنسان فى سياق التدليل على البعث : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ )( الحج 5 : 7 ).

ومنها ما لم نكتشفه بعد كقوله جل وعلا فى سورة ( ق ):( بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءَهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ  )2 : 3 ) . الرد العلمى الأول هو قوله جل وعلا ( قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4) ق ) . فكل فرد يستهلك جسده قدرا محددا سلفا من الماء والاوكسجين والمعادن التى يتكون منها طعامه وشرابه وتنفسه . ثم يموت ويتحلل جسده الى عناصره الطبيعية لتعود تلك العناصر للأرض بخارا وترابا لو إختلط به الماء صار طينا . أى جاء من التراب والى التراب يعود . وبينهما فكل ( الفاقد ) من هذا وذاك وكل المستهلك وكل العائد يتم حفظه فى كتاب الاهى حفيظ ، فيه مقدار ما استهلكناه من الأرض ، من ترابها ومائها وغازاتها وأوكسجينها وثانى أوكسيد كربونها . هذا الحساب فوق طاقتنا .

أيضا فإنّ ألية البعث يوم البعث لم يكتشفها علمنا البشرى بعد ، وإن جاءت الاشارة اليه فى القرآن الكريم . ففى نفس سورة ( ق ) يقول جل وعلا يخاطبنا : ( أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8) وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)ق ) . هنا يدعونا جل وعلا للنظر الى الخلق فى السماء وفى الأرض . ونزول السماء بالماء ، وحياة الأرض بالنبات ، ثم موت النبات ، ثم إعادته للحياة ، ويختم جل وعلا بقوله (كَذَلِكَ الْخُرُوجُ  )، أى بنفس الطريقة سيكون البعث أو الخروج من القبر ، أوالنشور:( وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)( فاطر ) . والبعث هو عملية عكسية للخلق (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29)  ( الأعراف ) ويشمل هذا إعادة خلق السماوات والأرض فى يوم القيامة (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)( الأنبياء )، وذلك سهل ويسير على الله جل وعلا : ( مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) (28) ( لقمان ).

4 ـ الملاحظة الثالثة : إن الخطاب بالبعث جاء للبشر جميعا لأن إنكار البعث والكفر باليوم الآخر عادة سيئة لمُعظم البشر . قال ذلك قوم عاد للنبى هود عليه السلام : ( أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ )( المؤمنون 35 : 37 ). وردّد نفس القول كفرة العرب وقت نزول القرآن فقالوا مثل ما قال الأولون : ( بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِن قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ )( المؤمنون 81 : 83 ). وسيظل الكفرة يقولون هذا الكفر بالبعث الى أن تقوم الساعة . ويؤتى بهم يوم القيامة الى النار من أصحاب الشمال ، وقد وصفهم رب العزة فقال: ( وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَ آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ ). ويأتى الرد عليهم مقدما بما ينتظرهم من العذاب:( قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ  ) ( الواقعة 46 : 56 ) .

ثالثا : التحريف والتزييف وصناعة يوم آخر يالشفاعات

1 ـ وليمتع العاصى بعصيانه والمجرم الطاغى بطغيانه يكون الحل أحيانا ليس بالكفر الصريح باليوم الأخر ، ولكن بصناعة وصياغة يوم آخر على هوى البشر ، يزدحم بالشفاعات ، ويدخل العصاة والمتقون الجنة معا ، وهذا ما يفعله المحمديون بأساطير الشفاعة ، وما يفعله المسيحيون بأساطير الخلاص ، وكلم يتخذون شفعاء لهم من دون الله جل وعلا . وقد ردّ رب العزة عليهم فقال جل وعلا : ( أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44) الزمر ).وجعلهم بافتراءاتهم هذه  أظلم الخلق :( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِوَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) يونس ).  2 ـ وليس من عدله جل وعلا أن تساوى الصالح بالطالح ، وحتى ليس هذا فى قوانين البشر التى تحاول تأسيس العدل أن يتساوى المجرم بالبرىء . يقول جل وعلا ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) القلم ) ،(  أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) ( السجدة ) (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) ( ص )

 رابعا : النوعان معا

وبعضهم ينكر اليوم الآخر ، ولكن يقول: وحتى لو كان هناك هذا اليوم الآخر فسأجد فيه النعيم مهما فعلت من عصيان . قالها الرجل صاحب الجنتين فى المثل الذى ضربه رب العزة لمن يغترُّ بالدنيا ويعبد حُطامها فيكفر بالله جل وعلا وباليوم الآخر ، ويفقد حطام الدنيا نفسه ويخسر الدنيا والآخرة معا : ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) الكهف ) وتنهى القصة وقد دمّر رب العزة جنتيه : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42)( الكهف ). قال عن كفره بالآخرة (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ) ، وفى نظره حتى لو كان هناك يوم آخر سيجد خيرا من جنته : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً  ). وقالها رجل من العرب ونزل الرد عليه فى القرآن الكريم : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80)  مريم )

وهى عادة سيئة للإنسان ، يقول رب العزة : (لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) ( فصلت ). يقول منكرا الآخرة شاكّا فيها (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً )، وفى نظره أنه حتى لو صحّ وقوعها سيجد الجنة أو الحُسنى فى إنتظاره مهما أجرم : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى ). ويأتي الردُّ : ( فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ   ) .

ودائما : صدق الله العظيم .

 

 

 الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة    

الفصل الرابع : إرادة الدنيا سبب كفر المحمديين  باليوم الآخر

مقدمة : بالديمقراطية العلمانية وثقافة حقوق الانسان إستطاع الغرب تخفيف المعاناة فى الدنيا فكسب الدنيا وتمتع أبناء الغرب بالدنيا . أما المحمديون فهم فى قهر أديانهم الأرضية يعيشون فى ظل الاستبداد والفساد وشقاء الأقلية المترفة بما تكدّس لديها من اموال وصراعها الدامى فيما بينها ، وشقاء الأغلبية فى فقرها وجوعها وكونها مجال التحكم للمترفين وضحايا الحروب المذهبية ووقود نيرانها . أى أن المحمديين فقدوا الدنيا مقارنة بالغرب ، وفقدوا أيضا مثله الآخرة . وهذا الخسران العظيم لآنهم أرادوا الدنيا وكفروا بالآخرة فما أغنت عنهم دنياهم ولا أفلحوا فى آخرتهم . هذا مع أن الهدى القرآنى يوضح لهم الطريق ، ولكنهم بأديانهم الأرضية أتّخذوا القرآن مهجورا .

 أولا :  موقع الحياة الدنيا فى عقيدة المؤمن باليوم الآخر

1 ـ ليس مطلوبا ممّن يؤمن باليوم الآخر الزهد فى الدنيا والاعراض عن المُتع الحلال فيها . فالمتاع الحسن نعمة من رب العزة ، وهذا المتاع نزل به الأمر من رب العزة مع هبوط آدم وحواء للأرض:( وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )(البقرة 36 )( قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )( الأعراف 24 ). هو ( متاع الى حين ) أى طيلة مدة حياة الفرد فى هذه الأرض، أى الى أن يحين أجله بالموت للفرد وبتدمير هذا العالم فى (الأجل المسمى ):( وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى )(هود 3 ). 

2 ـ ولكن المؤمن منهىُّ عن شيئين بالنسبة لهذا المتاع الحسن: ألا يحرّم هذا المتاع الحسن ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )( الاعراف 32  ). وألّا يغترّ به لأنه مؤقت ولأنه متاع نهايته الموت الذى لا مفرّ منه وما الحياة الدنيا إلّا متاع الغرور:( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران 185). فالعبرة بالآخرة،والفائز الحقيقى هو من يتزحزح عن النار ويدخل الجنة .

3 ـ  المؤمن بالآخرة لا ينسى نصيبه فى الدنيا ، وفى نفس الوقت يسعى فى طلب الفوز فى الآخرة :( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  ) ( القصص 77  ). وأولئك المُغترُّون بالدنيا قد راهنوا على متاع زائل فرحوا به ونسوا الآخرة:( وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ  ) ( الرعد  26 ). متاع الدنيا قليل ومع ذلك يغتر به المغرورن بالدنيا ، أو بالتعبير القرآنى يفرحون بها :( اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقْدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ) ( الرعد 26 ).  فالفارق هائل بين متاع الدنيا الزائل وما سيأتى فى الآخرة بعذابها الخالد الذى ينتظرهم (  وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) ( القصص 60 : 61 ). لذا فإن المؤمن باليوم الآخر لا يغترّ بمواكب الظالمين وجاههم وتقلبهم فى البلاد ، فهو متاع قليل وزائل ، ومصيرهم للجحيم مقابل جنات مُعدّة للمتقين :( لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ)( آل عمران 196 : 198)

ثانيا : مقارنة بين نعيم الدنيا ونعيم الاخرة

1 ـ تكرر هذا فى القرآن الكريم إصلاحا للناس وتذكيرا لهم بالآخرة ، لأن الايمان بالآخرة والعمل من أجل الفلاح فيها هو الذى يُصلح الدنيا ويُصلح الانسان فيها ، بل و يُصلح نفسيته ، ويُقلّل من العداء والمشاكل والأزمات والحروب بين الأفراد والجماعات والدول . الايمان بأن هناك حياة وحيدة للإنسان فى هذه الأرض فى هذه الحياة الدنيا ولا حياة بعدها ولا مُساءلة بعدها يجعل البشر يتكالبون ويتصارعون ويتقاتلون على حُطام الدنيا ، ولأنه لا مُساءلة فى الآخرة ولا وجود لها فى عقيدتهم فإنه لا رادع لأى تطرف فى العدوان ، فيتسع المجال للصراع كمّا وكيفا ، ويستحل القوى أن ينهش الضعيف ، ويفقد الضعيف الأمل . أى تتحول الدنيا الى غابة تتفوق على الغابة الحيوانية . الايمان بالآخرة يخفّف من هذه النار المُستعرة . فلو آمن الناس بها فإن متاع الدنيا الزائل يصبح أقل أهمية ، كما إن الايمان بيوم الحساب يُلطّف من حدة الصراع ، ويؤمن الناس بأن لا شىء فى هذه الدنيا يستحق أن نفقد حياتنا من أجله ، ولا يستحق أن نعانى الخلود فى الجحيم فى سبيله . كما أن المطحون والمهزوم والمقهور فى هذه الدنيا يجد العزاء والسلوى والأمل فى الآخرة ، فيستريح بالا ، ويعمل على ألّا يخسر الآخرة كما يخسر الدنيا بأن يعمل صالحا ويصبر ويتسامح ويغفر أملا فى نعيم خالد فى الجنة ، وقد ضمن رب العزة جل وعلا لكل ذكر او انثى حياة طيبة لكل مؤمن يعمل عملا صالحا : (  مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ( النحل ). وفى النهاية فإن كل نعيم الدنيا لا يساوى لحظة فى نعيم الجنة ـ وكل عذابات البشر فى الدنيا ليست بشىء مقارنة بلحظة عذاب فى الجحيم . هذا ما يعلمه المؤمن بالآخرة ، لذا يكون وجوده فى حدّ ذاته عامل إصلاح فى قومه ومجتمعه ، يتعلمون منه قيم التسامح والعفو والكرم والإيثار وعمل الخير إبتغاء مرضاة رب العزّة جل وعلا . ولهذا يتنوع الخطاب القرآنى فى المقارنة بين نعيم الدنيا والاخرة .

2 ـ قد يأتى بإيجاز وإعجاز كقوله جل وعلا:( نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ )( لقمان 24 ) ( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ )(  الانعام 32 ) ( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( العنكبوت 64 ).

3 ـ وقد يأتى بضرب الأمثال بما يحدث للنبات كقوله جل وعلا : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا ) ، ثم تأتى العظة بأن المال والبنون مجرد زينة فى هذه الحيالة الدنيا ، وهى زينة زائلة ، أما الأصل الباقى والدائم فهو العمل الصالح الذى يصلح به صاحبه لنعيم الجنة: ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا ) ( الكهف 45 :  46 ).

4 ـ وكقوله جل وعلا : ( اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ). وطالما أن هذه الدنيا هى متاع الغرور ويليها عذاب أو مغفرة ورضوان فإنّ الذى ينبغى أن يكون التسابق ليس فى سبيل هذا المتاع الزائل ولكن فى سبيل الجنة بالعمل الصالح والإيمان الخالص : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ). وحتى تستريح نفسية المؤمن ويهدأ باله فإن رب العزة يقول له إن كل ما يصيب الانسان من حتميات من خير أو شرّ قد تم تقريرها سلفا ومكتوبة من قبل ، ولهذا لا ينبغى أن يحزن أو أن يبالغ فى الفرح لما يحدث له من مصائب :( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) ( الحديد 20 : ـ  ).

5 ـ وقد تأتى المقارنة بصورة تقريرية بأن الناس قد زُيّن لهم حب الشهوات الدنيوية وأصنافها ولكن الأفضل هو متاع المتقين فى الجنة :( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ) ( آل عمران 14 : 15 ).

6 ـ وقد تأتى المقارنة بحكاية قصة مثل قصة قارون ، وموقف المنبهرين بموكبه وأمواله : ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ ) ، ثم خسف الأرض به وتغير موقف المنبهرين بموكبه : ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)). ثم تأتى العظة فى أن الفوز بالآخرة هو عاقبة الذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا : (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص ).

رابعا : إرادة الدنيا وإرادة الآخرة

1 ـ يتوقف الأمر على إرادة الفرد. هل يريد الدنيا أو الآخرة . إن أراد الدنيا فلن يفوز منها إلّا بالرزق المُقدّر له سلفا سواء كان غنيا أو فقيرا ، ثم سيصلى الجحيم يوم القيامة . أما إن أراد الآخرة وسعى لها سعيها بالعمل الصالح وهو مؤمن فسيأخذ رزقه الدنيوى المقدر له سلفا وسيتنعم أيضا بالجنة فى الآخرة :( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ) ( الاسراء 18 : 21 ) .

2 ـ وقد يعمل مريد الدنيا عملا صالحا يبتغى به رضا الناس والجاه بينهم والمراءاة وحُسن الشُّهرة . وهذا يؤتيه رب العزة نصيبه فى الدنيا ويُجزيه خيرا بخيره فى الدنيا فقط ، أى يتمتع فى الدنيا جزاء عمله الصالح فيها ، ولكن لا نصيب له فى الآخرة ، إذ يحبط عمله الصالح الذى كان فى سبيل الدنيا بفناء الدنيا ، ولا يبقى له سوى عمله السىء الذى يستحقّ به الخلود فى الجحيم : ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ  ) ( هود 15 : 16 )

خامسا أغلب البشر يؤثرون الدنيا على الآخرة

1 ـ ومع ذلك فإنّ أغلب البشر قد تزينت الدنيا أمام عيونهم فأصبح هذا من سمات الكفر: ( زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا )  البقرة 212 )، وهم يؤثرون الدنيا الفانية على الآخرة الخالدة الباقية : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى )( الأعلى  16 : 17 )، يقعون فى هيام الدنيا و( غرامها )، وفى سبيلها يضحُّون بالآخرة : (كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ )( القيامة 20 : 21 ). يحبون الدنيا العاجلة وينسون يوما ثقيلا هو اليوم الآخر :( إِنَّ هَؤُلاء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا ) ( الانسان 27 ) . وفى سبيل هذه الدنيا يُعرضون عن الحق القرآنى :( فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ) ( النجم 29 : 30 ) . أى يكفرون باليوم الآخر حُبا منهم فى هذه الدنيا . بل يصل بهم الكفر الى الطغيان ، ومصيره الجحيم : ( فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ) ( النازعات 37 : 39 )

2 ـ واستحباب الدنيا يصل الى إنكار البعث والصد عن سبيل الله جل وعلا ، وأولئك ينتظرهم عذا شديد لو ماتوا بكفرهم :( وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ )( ابراهيم2 : 3 ).

3 ـ وعبادتهم للدنيا وغرورهم بها يجعلهم يتصورون الاخرة يوما للشفاعات . وهذا ما حذّر منه ربّ العزة فقال : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )( لقمان 33 : 34 ) .

4 ـ ومن صفات الشيطان انه ( الغرور ) وهو نفس صفة الدنيا . والشيطان يقوم بإغراء الانسان وخداعه ليغتر بزخرف الدنيا وينسى الآخرة ويفقد مستقبله فيها بالخلود فى النار . لذا قال جل وعلا يحذّر من غرور الدنيا ومن غرور الشيطان معا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )(  فاطر 5 : 6 ).

سادسا : من يريد الدنيا يعانى من عذاب فى الدنيا وعذاب فى الآخرة أيضا

1 ـ فى مقابل متاع قليل فى الدنيا فإن من يريد الآخرة يعانى من عذاب شديد فيها ، ثم إذا مات على كفره عانى من عذاب خالد فى الجحيم ، يقول جل وعلا : ( فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ  )( آل عمران 56 ). يرتبط عذابه فى الدنيا بصراعه مع منافسيه فى سبيلها . لهذا الصراع آثار جانبية من المعاناة والقلق . هو إن خسر فى الصراع ضاع ، وإن إنتصر فلن يهنأ بانتصاره لأن الصراع مستمر حتى الخسارة أو الموت . وبهذه المعاناة وذلك القلق لا يهدأ له بال ، ولا يعرف الاستمتاع بما لديه من مال وأولاد ، بل يكون ماله وأولاده سبب شقائه . فلا يجد وقتا للتواصل والسعادة مع بيته وأولاده ، وينشأ أولاده غرباء عنه بسبب إتشغاله عنهم ، فلا يجدون مجالا لملء فراغهم العاطفى إلا بإساءة أستخدام الأموال المتوافرة فى أيديهم ، وهو لكى يعوّض إنشغاله عنهم يُغدق عليهم الأموال ، ويعطيهم بجاهه النفوذ والحصانة من العقاب ، فينطلق الأبناء فى الانحلال والفساد والإدمان . وهذا يحدث فى الطبقة المترفة التى هى علامة شؤم فى أى مجتمع تتحكّم فيه ، وتأخذه الى طريق التدمير. 2 ـ ولهذا فلا ينبغى للمؤمن بالآخرة أن ينبهر إعجابا بمواكب المترفين ممّن يسير على سُنّة قارون ، فخلف هذه المواكب معاناة وقلق . ولقد قال جل وعلا لخاتم المرسلين : ( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) (  وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) (التوبة 55 ، 85 ).

2 ـ وعذاب الآخرة ينتظر من يريد الدنيا بلا تخفيف : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ )( البقرة 86  ). وفى هذا العذاب يجأر المترفون الذين غمرتهم الدنيا فانهمكوا فى العصيان وكذبوا بالقرآن : ( بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لا تُنصَرُونَ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ ) ( المؤمنون 63 : 66 ) . لقد كذّبوا بآيات القرآن ونسوا لقاء الله جل وعلا فنسيهم الله من رحمته فهم خالدون فى النار : ( وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ )( الجاثية 34 : 35 ) .إتّخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا وجحدا بآيات الله: ( الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) ( الأعراف 51 ). غرتهم الحياة الدنيا وإنخدعوا بها ، ومن أجلها كذبوا بآيات الله وكفروا بلقاء الله ، وهذا ما سيقال لهم وهم فى جهنم : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا ) (الانعام 130 ). ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ ) ( الاحقاف 20 ).

3 ـ وأفظع الناس عذابا يوم القيامة هم أئمة الأديان الأرضية الذين يفترون على الله الكذب بأحاديث تراثية ضالة ويشترون بآيات الله ثمنا قليلا إنحيازا منهم للدنيا وكفرا منهم باليوم الآخر . يقول جل وعلا عنهم : (  قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ )( يونس 69 : 70 )( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( النحل 116 : 117 ). ويقول جل وعلا عنهم : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ) ( البقرة 1ذ74 / 175 )

أخيرا : نعيم الدنيا للمؤمن

1 ـ  تخيل ثريا يسكن قصرا فخيما يرتع فى الأضواء ، ويعجّ بالمواكب والولائم والأفراح ، ويعمل فيه بستانى فقير مؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر . تخيب ما يحدث لهما فى هدأة الليل بعد إنفضاض المواكب والموائد . البستانى الفقير ينام هادىء البال سعيدا فليس مطلوبا وليس مُطاردا وليس فى صراع مع أحد ، ولا يخشى أحدا لأن الله جل وعلا ضمن له رزقه ، وهو يسعى فى طلب هذا الرزق بعمله المخلص ، وهو مستعد للموت فى أى لحظة ، وليس لديه ما يخاف عليه ، وهو لم يظلم أحدا ليعيش فى خوف من إنتقامه . أما صاحب القصر المنيف فهو ينام عل الحبوب المنومة ويصحو على الحبوب المهدئة ، لا يحسّ بمتعة الطعام الفاخر لإنشغاله بصراعاته وهمومه وتحالفاته ومكر الصديق وغدر العدو ويخشى تقلبات الأيام و مكر الأعداء والأصدقاء و ( الأعدقاء ). الكل يتنمّر به ويتآمر عليه ، يبتسم له وهو يحقد عليه ، أو هو هكذا يتخيل ويتصوّر . لا يمكن لهذا الثرى بكل ثروته وجاهه أن يعيش حياة راضية مطمئنة سعيدة هانئة ، فهو لا يأمن الخسارة وضياع كل شىء ، وجسده المترف لا يتحمل الفقر والسجن . والذين تغلب عليهم والذين صعد سُلّم الثروة والجاه على أجسادهم لهم أنصار سينتقمون منه ، وحتى لو لم يكن لهم أنصار فهناك من أتباعه من هم على إستعداد لبيعه والتضحية به وخيانته عند أول صفقة ، أو هو يتخيل ذلك . أى يعيش فى كوابيس تطارده . ووساوسه وضحاياه تمنعه النوم ، ويظل يتقلب على هذه الأشواك فى يقظته ومنامه . ويظل يخرج من معركة ليدخل أخرى حتى يفاجأ بغتة بالموت فيصرخ ـ دون جدوى ـ باسم ربه الذى نساه يقول (رب ) ويرجو ملائكة الموت إمهاله فترة قصيرة يعمل فيها عملا صالحا ( أرجعون لعلى أعمل صالحا ) . ولكن ( انتهى الدرس يا غبى ) . يقول جل وعلا : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ( المؤمنون ).

2 ـ صاحبنا البستانى الفقير المؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر يتمتع باللقمة التى يأكلها ، ويتمتع بلقائه الجنسى بزوجته التى تكفيه عن نساء الدنيا ، ويتمتع بالوقت الذى يقضيه مع زوجته وأولاده . يعيش متعة يحمد عليها ربه جل وعلا . هو يعمل صالحا ما إستطاع ، وهو على صلة بربه جل وعلا آناء الليل وأطراف النهار يدعوه خوفا وطمعا فى صلاته ونسكه وعباداته فيزداد قلبه إطمئنانا . صاحبنا هذا ينطبق عليه قوله جل وعلا :( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ ) ( النحل 30 ) ( قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )  ( الزمر 10 ) .

ودائما : صدق الله العظيم .

 

 الباب الثانى : كفر المحمديين بيوم الدين أساس أسطورة الشفاعة    

الفصل الخامس : الصحابة وإرادة الدنيا  والكفر بالآخرة

اولا : لمحة عن الصحابة قبل وبعد موت النبى

1 ـ كل ماسبق فى الفصل السابق عن إرادة الدنيا والتحذير منها خوطب به الصحابة أولا ، ثم من أتى ويأتى بعدهم . ونتوقف هنا مع بعض الآيات القرآنية التى تشير خصوصا للصحابة فى موضوع إرادة الدنيا .

2 ـ والصاحب فى مصطلحات القرآن هو الذى يصحب صاحبه فى الزمان والمكان ، أى يكون معه فى نفس الزمان والمكان سواء كان صديقا له أم عدوا له . وبالتالى فكلامنا عن الصحابة يشمل أهل مكة والمدينة وبقية العرب الذين كانت لهم علاقة بالنبى محمد عليه السلام ـ سواء من كان منهم كافرا ومات على كفره ، أو من كان منافقا ، أو من دخل فى الاسلام بعد فتح مكة ،أو من الأعراب . وكل أولئك جاء لهم ذكر فى القرآن الكريم عن تفاعلهم مع النبى والاسلام بالايجاب أو بالسلب . ومنه نتعرف على  سبب الانقلاب الهائل الذى دفعهم  بعد موت النبى الى ( الفتوحات ) قتالا فى سبيل الدنيا وليس فى سبيل الله جل وعلا ، فالسبب هو إرادة الدنيا وتفضيلها على الآخرة .

3 ـ كانت إرادة الدنيا كامنة أو ظاهرة فى الصحابة الذين نطلق عليهم ( صحابة الفتوحات ) الذين تصدروا القيادة بعد موت النبى عليه السلام ، ووقعوا فى جريمة (الفتوحات ) التى قتلوا فيها مئات الألوف وقهروا شعوبا وسلبوهم واسترقوهم واحتلوا بلادهم وقتلوا الأحرار المدافعين عن أوطانهم ، كل ذلك حُبا فى الدنيا وكُفرا بالآخرة وإستهانة بيوم الحساب أمام الواحد القهّار . ولو كان هناك أدنى إعتبار للموقف العظيم أمام رب العالمين فى يوم الدين ما وقعوا فى هذا الكُفر السلوكى بتشريعات رب العزة فى القرآن التى تحصر القتال فى رد العدوان فقط ، وتُحرّم الاعتداء على الآخرين :( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ) ، وتجعل الذى يقتل متعمدا فردا واحدا مسالما مأمون الجانب مستحقا للعنة الله جل وعلا وغضبه والخلود فى جهنم (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ) ، فكيف بمن يقتل ( فى سبيل الدنيا وتمسُّحا بالاسلام ) مئات الألاف من أهل الشام والعراق وفارس ومصر خلال الفتوحات فى عصر أبى بكر وعمر وعثمان ؟ ثم يتنازعون على المال السُّحت المنهوب فتندلع  بينهم الفتنة الكبرى فى الجمل وصفين والنهروان ، ويقتلون عشرات الألوف من داخلهم ، حدث هذا خلال ثلاث عقود فقط بعد موت النبى عليه السلام وإنتهاء القرآن نزولا .  كيف حدث هذا من صحابة كانوا يعايشون النبى عليه السلام ويشهدون نزول القرآن عليه ويشهدون تطبيق النبى عليه السلام وسنّته الحقيقية فى تطبيق شرع الله جل وعلا فى القرآن الكريم ؟

4 ـ يخطىء من يتصور الصحابة نمطا واحدا متساوين فى الطاعة أو فى المعصية . بل كان منهم السابقون ومن خلط عملا صالحا وسيئا ، ومنهم أنواع مختلفة من المنافقين الصُّرحاء ومنهم من مرد على النفاق ، ومنهم كان فى قلبه مرض ، ومنهم الموصوف بالخيانة وموالاة الأعداء . وهذا كله جاء فى القرآن تعليقا على مواقفهم .

ويخطىء من يتصور الصحابة قد تفرغوا لدراسة القرآن حول النبى وأنهم فهموا آياته واستوعبوها وطبقوها ؟ لوحدث هذا ما تزايدت آيات التوبيخ والتأنيب للصحابة فى السنوات الأخيرة فى حياة النبى عليه السلام ، أى كان العصيان والتمرد يزداد بين المنافقين وغيرهم بمرور السنوات ويتزايد التعليق عليه فى القرآن الكريم من بعد معركة ( أحد ) فى  سورة آل عمران الى غزوة الأحزاب فى سورة الأحزاب الى أن نصل الى قمة التمرد الذى نلاحظه فيهم طبقا لما جاء فى سورة التوبة قبيل موت النبى عليه السلام .

ثم إنّ ظروف تأسيس الدولة الاسلامية فى عهد النبى كانت إستثنائية. كانت جزيرة للديمقراطية والعدل وسط ثقافة إستبدادية ظالمة سائدة معادية لها داخل وخارج الجزيرة العربية . ثم هى دولة تواجه أعداءا فى داخلها ( المنافقون ) وعلى حدودها ( اليهود ) وعلى تخومها الأعراب والمشركون ، ثم مع ذلك كانت تفتح ذراعيها لاستقبال من ينضم اليها من معسكر الأعداء يزعم انه ( مسلم ) . مع هذا الحصار والخطر المُحيق بها فلم تعرف تلك الدولة الأحكام العُرفية والاجراءات الإستثنائية التى تُصادر حرية المعارضة فى القول وفى التظاهر السلمى، بل كان المنافقون والمنافقات يجوبون شوارع المدينة يأمرون بالمنكر وينهون عن المعرف مقابل نشاط آخر للمؤمنين والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر( التوبة 67 ، 71 )  .  هذا المناخ المتفاعل بالحركة والحرب الدفاعية ومواجهة المكائد ونزول الوحى القرآنى لم يُعط مجالا هادئا لكى ينتظم كل الصحابة فى دروس قرآنية ، مع إفتراض أنهم جميعا كانوا من السابقين فى الاسلام . ولم يكونوا كلهم كذلك  . هذا كان حال الصحابة إجمالا فى حُبّ الدنيا ، فكيف كان حال النبى نفسه ؟

ثانيا : نهى النبى عن ارادة الدنيا

1 ـ كان مثل كل البشر يمُدُّ عينيه إعجابا بالثروة. حدث هذا فى مكة فنزل عليه التنبيه :( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) طه 131 ). تفاعل هذا الاعجاب بالثروة مع حرص النبى عليه السلام على هداية أصحاب الثروة أملا فى أن ينتصر بهم الاسلام . وهو أمل خادع لأن الذى يكسب ثروته بالظلم يحافظ عليها حرصا على مكانته الاجتماعية وعلى أُسس مجتمعه الذى يتنفس الظلم ، أى لا بد لهذا الثرى الظالم أن يتخذ موقفا معاديا للاسلام ودعوته للقسط . وهذا لا يمنع أن يحاول المُداهنة والخداع ، وهذا ما كان الملأ القريشى يفعله مع النبى فى مكة ، ويشجعهم عليه إعجاب النبى بثرواتهم. وهذا الاعجاب بالثرة والحرص على هداية الأثرياء إنعكس بدوره على معاملة النبى للفقراء المُستضعفين من أصحابه المؤمنين ، فكان يتأفّف منهم حرصا على إرضاء الملأ المترف المستكبر من قريش، فقال رب العزة للنبى يؤنّبه:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) ( الكهف 28 ). كلمة (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ) تعنى الكثير مثلها مثل كلمة (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ  ).  والسبب هو (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )، ومن أجل هذا كان يطيع هذا الملأ القرشى فجاءه التأنيب والزجر والنهى (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )

2 ـ ومع هذا إستمر النبى فى المدينة على إعجابة بالثروة.!. وكانت الثروة فى أيدى المنافقين ، فنزل النهى له مرتين فى سورة التوبة قبيل موته ، النهى عن إعجابه بأموال المنافقين وأولادهم :( فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) (  وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ  ) التوبة 55 ، 85  ).

3 ـ وإذا كان هذا هو حال النبى نفسه باعتباره بشرا فكيف بالصحابة ؟

ثالثا :  الملأ القرشى وإرادة الدنيا

1 ـ تزعّم الملأ القرشى أهل النبى ( بنو عبد مناف : الهاشميون والأمويون )، وقد كانوا المسيطرين على البيت الحرام ورعاية الحج وعلى رحلة الشتاء والصيف والايلاف . معظمهم آثر تكذيب القرآن حرصا على مصالحه الدنيوية الاقتصادية فقال جل وعلا لهم :( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ )(الواقعة 81 : 82 ).أى كانوا يجعلون رزقهم فى تكذيب القرآن الكريم . هذا مع انهم إعترفوا بأنه (هُدى) ولكنهم زعموا انهم لوإتّبعوا هذا الهدى فستحاربهم العرب ( وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا )( القصص 57 ).

وهذا يذكّرنى بإمام كبير من السنيين فى مصر . أقرأه إبنه ما جاء فى البخارى من طعن فى النبى ورب العزة والقرآن والاسلام ، فذهل الرجل ، ومن المفترض فيه أنه كان دارسا للبخارى ، ولكن كعادة الإئمة فى عصرنا البائس كان يكتفى بأن يُرصّع مكتبته بكتب التراث دون أن يقرأ شيئا منها مثل الحمار الذى يحمل اسفارا ( الجمعة 5 ) . فلما أخذ إبنه نسخة البخارى من مكتبة أبيه وأطلعه على ما فيها ، واسترشد بكتابى ( القرآن وكفى ) ذُهل الرجل ، وإستعطف إبنه وترجّاه ألّا يذيع هذا الأمر ، وألّا يتحدث فيه فى خطبة الجمعة بين الناس لأن الناس ( بقر ) وقد يقتلونه ويقتلون أباه ، أى لو أذاع الحق فسيتخطّفه الناس !. الشيطان لم ولن يقدّم إستقالته .!

2 ـ وهذا الملأ القرشى فى حربه للنبى والمسلمين فى المدينة كان يتمتع بولاء الكثيرين من الصحابة المهاجرين فى المدينة ، وبسبب هذه الموالاة مع المشركين القرشيين المعتدين نزل القرآن يؤنب مؤمنى الصحابة المهاجرين ، وتكرر هذا التأنيب من بداية إقامتهم فى المدينة كما جاء فى سورة الممتحنة الى قبيل موت النبى فى سورة التوبة. وهذا الملأ القرشى دخل فى الاسلام قبيل موت النبى ، وتزعم المهاجرين وقاد المسلمين فى الفتوحات تطبيقا لإيثاره الدنيا على الاخرة.

3 ـ وعموم المؤمنين كانوا ينشغلون بالدنيا والتجارة عن حضور صلاة الجمعة ، بل يتركون النبى عليه السلام قائما يخطب إذا جاءهم نبأ وصول قافلة تجارية ( الجمعة 9 : 11 ) .

4 ـ  وداخل بيت النبى نفسه كانت أزواجه يتطلعن الى زينة الدنيا فنزل تخييرهن بين الطلاق النهائى أو إرادة الآخرة:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (الاحزاب 28 : ـ  ).

رابعا : الجهاد بالنفس والمال فى سبيل الله جل وعلا هو الميزان والمقياس

1 ـ مُريد الدنيا يحرص على ماله وعلى حياته . أما مريد الآخرة فهو يضحى بماله وحياته فى سبيل الله جل وعلا . ولهذا فقد عقد ربّ العزة مع المؤمنين صفقة بأن لهم الجنة والنصر مقابل أن يجاهدوا فى سبيله فى هذه الدنيا ( الصف 10 : 13 ) ( التوبة 111 ). وكان إختبار الجهاد بالنفس وبالمال فى سبيل الله جل وعلا هو الميزان والمقياس إذ  يعنى أن تبيع الدنيا فى سبيل الآخرة وأجرها العظيم :( فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا )( النساء 74 ). ومثلا ، فالذى يريد الدنيا يستأذن النبى معتذرا عن عدم الجهاد بالنفس والمال بينما يسارع الى الجهاد ذلك الذى يبيع الدنيا أملا فى جنّة الآخرة: (  لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ  ) ( التوبة 44 : 45 ).

2 ـ وفى هذا الاختبار رسب المنافقون إذ تقاعسوا عن الجهاد بالنفس والمال ورضوا بأن يكونوا مع الخوالف من ضعاف النساء والرجال والولدان:( التوبة 81 ، 87 ، 93 ) وكان بُخلهم شديدا . كانوا لا يكتفون بالامتناع عن الانفاق فى سبيل الله:( المنافقون 7: 8 ) (  التوبة 67  ) بل كانوا أيضا مع ثرائهم يطمعون فيما ليس من حقهم من فىء وصدقات (الحشر 7 : ـ  ) ( التوبة 58 : 60 ) . 

3 ـ موقف معظم المؤمنين من الصحابة كان مماثلا تقريبا فى إيثار الدنيا . كرهوا تشريع القتال حُبا فى الحياة الدنيا فقال لهم جل وعلا ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) ) ( البقرة )، وطلبوا تأجيل تنفيذ القتال الدفاعى حرصا أيضا على حياتهم الدنيا وخوفا من الموت ، فقال جل وعلا عنهم : (  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ )، وجاء الردّ عليهم  ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً )( النساء 77 ).

4 ـ وفى موقعة بدر كانوا يأملون فى الفوز بالقافلة بدون قتال ، فلما تحتم عليهم مواجهة الجيش القرشى إرتعبوا خوفا وجادلوا النبى فى الحق الذى تبين وكانوا كأنما يُساقون الى الموت وهم ينظرون ( الانفال  5 : 8 )،  ثم تشاجروا على ( الأنفال ) أو الغنائم فنزلت سورة الأنفال  تأمرهم بتقوى الله جل وعلا إن كانوا فعلا مؤمنين ( الأنفال 1 )  نما يُساقون الى الموت وهم ينظرون

 

 . وأخذوا الفدية المالية مقابل إطلاق سراح الأسرى فنزل التأنيب الشديد لهم لأنهم أخذوا هذا المال من الأسرى، وكان يجب إطلاق سراحهم مجّانا ، وفى هذا يقول جل وعلا : (  مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ). ويأمر رب العزة النبى أن يقول للأسرى وعده جل وعلا بتعويضهم عمّا أُخذ منهم  ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( الأنفال 76 :  ـ ). وفى نفس السورة تحذيرات واتهامات للمؤمنين المهاجرين وقتها سببها إيثارهم للدنيا : ( الانفال 24 : 29 )

 5 ـ مع هذا فلم ينقطع إيثار الدنيا من قلوبهم فكانوا كما وصفهم رب العزة فى القتال فى موقعة (أُحُد ) فريقين : فريق يريد الدنيا وفريق يريد الآخرة، وتسبّب فريق الدنيا فى الهزيمة بعد النصر لأنه سارع للغنائم :( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ) ( آل عمران 152 ). ونزل تحريم المبادرة بقتل من يستسلم من جنود العدو فى أرض المعركة ، وأنه بمجرد أن يومىء بالسلام فلا بد من حقن دمه . وهذا لأن بعض المؤمنين كان يسارع بالقتل طمعا فى ( عرض الدنيا ) أى سلب ما على القتيل بينما كان يسارع الأسير بالاشارة بالسلام لينجو من القتل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا  ) ( النساء 94 ).

6 ـ وظل التثاقل عن القتال الى اواخر ما نزل من القرآن ، ففى سورة التوبة يتكرر الأمر لهم بالقتال الدفاعى فى كل الظروف حماية لأنفسهم من خطر الإستئصال ( انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ( التوبة 41 ). ومع هذا يتثاقلون فينزل التأنيب لهم بأسلوب حاد مؤلم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ ). ويأتيهم تهديد مباشر من رب العزة بأن يعذبهم فى الدنيا وأن يستبدل بهم غيرهم إن لم ينفروا بالقتال دفاعا عن انفسهم:( إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( التوبة 38 : 39 ).

7 ـ والتبرع بالمال جهادا كان إختبارا آخر فشل فيه أغلبية الصحابة برغم عشرات الآيات القرآنية التى كانت تدعو للإنفاق فى سبيل الله . يكفى هنا أن هذا الانفاق كان سبيلا لإنقاذهم من التهلكة :( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة 195 ) . كانت الحرب الدفاعية الوقائية سبيلهم لتفادى الاستئصال من أعداء يحيطون بهم من كل الجهات . وهذه الحرب تستلزم إنفاقا فى سبيل الله جل وعلا . وقد جاءهم الوعظ بالانفاق فى سبيل الله لتقوى الدولة على الصمود الحربى فى مواجهة أعدائها المحيطين بها :( إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ) ثم يقول جل وعلا لهم مذكّرا لهم بما إعتادوه من بُخل ، ومهددا لهم بأن يستبدل قوما غيرهم لو ظلوا على بُخلهم وإيثارهم للدنيا وكفرهم بالآخرة :( هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) ( محمد 36 : 38 ). وهو نفس التهديد الذى جاء لهم بسبب تقاعسهم عن القتال الدفاعى : ( إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )( التوبة : 39 ). ولكن أكثرية المؤمنين خصوصا الأغنياء منهم لم يكتفوا بالبُخل بل جعلوا أولوياتهم فى الحفاظ على مصالحهم التجارية وعلاقاتهم مع أقاربهم الكافرين، واستمر هذا حتى قبيل موت النبى عليه السلام ، فأمر الله جل وعلا رسوله الكريم أن يقول لهم مهددا:( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )( التوبة 24 ).أى يصفهم بالفاسقين لو إستمروا. ولقد إستمروا بعد موت النبى فكانت الفتوحات فى سبيل الدنيا .

خامسا : السابقون مريدو الآخرة :

1 ـ جاءت عنهم إشارات قليلة ، ففى البداية كان أغلبية المهاجرين فى المدينة قد أصبحوا فقراء لأنهم تركوا أموالهم فى مكة، ووجدوا من مؤمنى الأنصار من كان يؤثرهم على نفسه:( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ).

2 ـ وفى أواخر ما نزل كان الفقراء المؤمنون لا يجدون إلا جهدهم فيتبرعون بالقليل الذى يملكون فيسخر منهم أثرياء المنافقين :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )( التوبة 79 ). وبعضهم كان يبكى لأنه لا يجد ناقة يركبها ليقاتل بها مع النبى :( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) ( التوبة ).

3 ـ وفى النهاية كان مع النبى مؤمنون صادقون جاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله فاستحقوا أن يقول عنهم رب العزة : ( لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)التوبة).

سادسا : بعد موت النبى

1 ـ العادة أن يكون المؤمنون أقلية . الأغلبية ضالة كما قال رب العزة عن قوم النبى عموما : ( وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) الانعام ) لكن هذا لا يمنع وجود أقلية مؤمنة أشرنا اليها بين المهاجرين والأنصار . وبنفس الاسلوب يقول جل وعلا عن عموم الأعراب : ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ). وهذا التعميم لا يمنع وجود أقلية إعرابية مؤمنة : ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )( التوبة 97 : 99 )

2 ـ هذه الأغلبية من الصحابة التى كانت تريد الدنيا إستراحت بموت النبى وإنتهاء الوحى نزولا ، وكان فى حياة النبى ينزل يفضحهم ويؤنبهم . ومن المُستغرب أن ينقطع الحديث فجأة عن المنافقين الذين كان يبدو من حديث القرآن عنهم وعن مكائدهم أنهم كانوا أغلبية فى المدينة . يبدو الأمر كما لو كانوا قد تابوا فجأة عن النفاق بعد موت النبى . وهذا إفتراض مضحك . الواقع إنهم بكثرتهم وأموالهم ونفوذهم قد أصبحوا القادة بعد إنقطاع الوحى القرآنى فلم يعودوا يخشون منه . يقول جل وعلا عن حذرهم من نزول القرآن بفضائحهم : ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) ( التوبة ). بعد موت النبى وإنتهاء القرآن نزولا لم يعودوا يحذرون فاستثمروا أموالهم وجاههم وخبرتهم فى التآمر فى أن يكونوا قادة المؤمنين بعد موت النبى عليه السلام .

3 ـ العامل الأكبر فى نجاحهم تمثّل فى ( الخلايا النائمة ) للمنافقين من المهاجرين والأنصار . هى خلايا نائمة مردت على النفاق وكتمته فى أعماق قلوبها ، وعاشت بقرب النبى وحوله بلا أى مظهر يفضحها ويكشف نقاقها وعداءها ، فكان النبى لا يعلمهم ، وقد قال رب العزة عنهم : (  وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة ). توعدهم رب العزة بعقوبة فريدة فى نوعها ؛ توعدهم بعذاب مرتين فى الدنيا بعد موت النبى ثم بعذاب عظيم فى الآخرة ، أى أنهم لن يتوبوا بل سيتضاعف مكرهم بعد موت النبى .

4 ـ وقد تضاعف مكرهم بالفتوحات التى كانت المستنقع الذى غرق فيه المسلمون ولا يزالون . ففى هذا المستنقع نبتت الأديان الأرضية للمحمديين التى تشرّع القتال فى سبيل الدنيا أى فى سبيل الشيطان .

5 ـ فالقتال إن لم يكن فى دفاعيا فى سبيل الله فهو كُفر بالآخرة وقتال فى سبيل الدنيا وفى سبيل الطاغوت . وصدق الله العظيم :( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76)( النساء )

ودائما : صدق الله العظيم .

كتاب الشفاعة : ( النبى لا يشفع يوم الدين )
يتناول هذا الكتاب الشفاعة بين الاسلام وبين المسلمين ، موضحا وقوع ( المحمديين ) فى الاشراك بالله جل وعلا حين جعلوا محمدا مالكا ليوم الدين . وويوضح أصوليا وتاريخيا نشأة وانتشار أساطير الشفاعة عند المسلمين المحمديين ، واثرها فى نشر الانحلال الخلقى بينهم . مع التركيز على دور البخارى.
more