مذبحة نيوزيلندا تدق ناقوس الخطر: التطرف الأبيض يتصاعد عالميا

اضيف الخبر في يوم السبت ١٦ - مارس - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


مذبحة نيوزيلندا تدق ناقوس الخطر: التطرف الأبيض يتصاعد عالميا

تسلط المذبحة التي راح ضحيتها 51 شخصا في نيوزيلندا الجمعة الضوء على طرق انتشار أيديولوجية اليمين المتطرف والعنف في القرن الحادي والعشرين حتى إلى دولة لم تشهد حوادث إطلاق نار لأكثر من عقدين، ونادرا ما كان يرتبط ذلك بأقصى اليمين.

قد تكون نيوزيلندا على بعد آلاف الأميال من أوروبا أو الولايات المتحدة، لكن مقاطع الفيديو الخاصة بالسفاح الأسترالي ذي الأصول البريطانية تظهر أنه راسخ بعمق في أقصى اليمين العالمي، وهو شخص على دراية تامة بالأيقونات والمبادئ واللغة التي تتبناها جماعات متطرفة عدة في أنحاء أوروبا وأستراليا وأمريكا الشمالية، وكذلك هو مواطن ينتمي للشبكة المتطرفة على الإنترنت.

ويشير بيان للسفاح، بثه عبر حسابه على وسائل التواصل الاجتماعي صباح يوم المذبحة، إلى أن اعتبر نفسه تلميذا ورفيقًا للقتلة من أنصار نظرية تفوق العرق الأبيض.

وأشاد السفاح، الذي تم تحديد هويته في أوراق المحكمة باسم "برينتون هاريسون تارانت"، بالرئيس الأمريكي "دونالد ترامب". وسخر من مهارات "ترامب" القيادية، لكنه وصفه بأنه "رمز لتجديد الهوية البيضاء والغرض المشترك".

ووجهت إلى "تارانت" يوم السبت تهمة القتل.

وتأثر "تارانت" بشكل خاص بأفكار "أندرس بريفيك"، الإرهابي النرويجي اليميني المتطرف الذي قتل 77 شخصًا في هجوم نفذه ببلاده عام 2011، والذي ألهم بيانه المكون من 1518 صفحة العديد من المتطرفين المقلدين بما في ذلك، وفقا للسلطات الأمريكية، "كريستوفر هاسون"، وهو ملازم بخفر السواحل في الولايات المتحدة يواجه اتهامات فيدرالية بالتخطيط لهجوم إرهابي محلي على غرار "بريفيك".

كما استلهم "تارانت" بيانه من "ديلان روف"، الأبيض الذي قتل 9 أمريكيين من أصل أفريقي في كنيسة في ساوث كارولينا عام 2015، وكذلك "لوكا ترايني" و"أنتون لوندين بيترسون" و"دارين أوزبورن"، وجميعهم نفذوا هجمات عنصرية في أوروبا خلال السنوات الأخيرة.

كانت ملابسه وأسلحته منسقة بعناية أيضا. إذ وضع على ملابسه شعارا تستخدمه العديد من جماعات النازيين الجدد في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك أستراليا. وكان منقوش على بندقيته شعار عقيدة قومية بيضاء شاعها الإرهابي الأمريكي والنازي الجديد "ديفيد لين". وعلى سترته كان هناك رمزا شائعا تستخدمه كتيبة "آزوف"، وهي منظمة شبه عسكرية نازية أوكرانية.

وبينما كان يبث فيديو من سيارته، قام بتشغيل أغنية تشير لـ"رادوفان كاراديتش"، وهو سياسي صربي مسؤول عن مقتل الآلاف من المسلمين البوسنيين والكروات خلال حرب عرقية في البلقان في التسعينيات.

التطرف على الإنترنت

وقال مدير مركز تحليل اليمين الراديكالي وهي مجموعة بحثية مقرها بريطانيا "ماثيو فيلدمان" إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في كل مكان، وكذلك سهولة الوصول إلى مواقع مثل 4chan و8chan  حيث يتجمع اليمين المتطرف على الإنترنت، سمح للجاني بأن يغمر نفسه بسهولة في أحاديث متطرفة.

وأضاف "فيلدمان": "من المحتمل أن يكون الأشخاص الذين قرأوا هذه الأشياء في نيوزيلندا أو النرويج أو كندا كما هو الحال في أمريكا"، مشيرا إلى سهولة الأمر؛ حيث إن "الإنترنت بلا حدود. ليس فقط  بلا حدود، لكن تم إنشاء مواقع مثل 4chan للمتطرفين اليمينيين.. لديك هوية مجهولة إذا كنت ترغب في ذلك، ولن يتم حذف مشاركات التحريض هذه على الفور".

لكن إذا كان البيان يوضح انتشار التطرف عبر الإنترنت، فإنه يوضح أيضا كيف انحرف الخطاب المتطرف في السياسات والإعلام السائد.

"ترامب"، الذي أدان الهجمات، كثيرا ما أدلى بملاحظات عنصرية، وأقر سياسات ضد المهاجرين والمسلمين، وتودد للقوميين البيض، الذين قال إنه يوجد بينهم "بعض الأشخاص الطيبين للغاية".

والجمعة، وصف "ترامب" عمليات القتل في نيوزيلندا بأنها "شيء مخزي فظيع". وعندما سأله الصحفيون عما إذا كان يعتبر القومية البيضاء تهديدا متزايدا في جميع أنحاء العالم ، قال "ترامب" إنه لا يرى ذلك.

وقال "ترامب": "أعتقد أنها مجموعة صغيرة من الناس لديها مشاكل خطيرة للغاية ، كما أعتقد". "إذا نظرت إلى ما حدث في نيوزيلندا ، فربما كان هذا هو الحال. لا أعرف ما يكفي عنها حتى الآن".

وكان الهدف الأساسي للسفاح منع المسلمين وغير البيض من السيطرة على المجتمع الغربي، ودعوة البلدان ذات الغالبية البيضاء إلى "سحق الهجرة"، وترحيل غير البيض، وإنجاب المزيد من الأطفال للحفاظ على التفوق العددي للمواطنين البيض.

واحتوى البيان على كلمات مثل "طرد الغزاة" و"استعادة أوروبا".

وتجد هذه الأهداف أصداء في الخطاب الغاضب للعديد من الساسة في أوروبا، بمن فيهم وزير الداخلية الإيطالي "ماتيو سالفيني"، ورئيس وزراء المجر "فيكتور أوربان".

وأدان "أوربان" مفهوم المجتمع المتعدد الأعراق، وقدم نفسه مرارا وتكرارا كمدافع عن أوروبا المسيحية ضد "الغزاة الإسلاميين"، ونفذ سياسات تشجع الأمهات المجريات على إنجاب المزيد من الأطفال.

والجمعة، بعد ساعات فقط من إطلاق النار في كرايست تشيرش، عاد "أوربان" إلى هذه الموضوعات في خطاب رئيسي لم يشر فيه إلى المذبحة التي وقعت في نيوزيلندا.

وقال: "بدون الثقافة المسيحية، لن تكون هناك حرية في أوروبا. إذا لم نحم ثقافتنا المسيحية، فإننا نفقد أوروبا".

وعلى الرغم من أن عضويته قيد المناقشة حاليًا، إلا أن حزب "أوربان" جزء من تحالف على مستوى أوروبا يضم أحزابا من يمين الوسط، من بين أعضائه المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" ورئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر".

إن قدرة القاتل على بث الهجوم عبر قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة به -التي أدت إلى نشر الفيديو والبيان الرسمي عبر "يوتيوب" و"فيسبوك" والعديد من وسائل الإعلام الرئيسية- تسلط الضوء أيضا على كيف استغل اليمين المتطرف نطاق وسائل الإعلام وشركات التكنولوجيا، حتى مع استمرار نشر رسالتها عبر الزوايا المظلمة لمواقع الإنترنت الغامضة.

ومن خلال بث وقائع المجزرة بنفسه، كان القاتل قادرًا على التحايل على ما يُعرف بـ"حراس البوابات الإعلامية" التقليديين، مع تشجيع حراس البوابة أنفسهم على إعادة تجميع بعض اللقطات وتضخيم أفكاره ونقلها عن غير قصد إلى ملايين المقلدين المحتملين.

ومن خلال كتابة معظم البيان في شكل سؤال وجواب، توقع القاتل بشكل واضح وصحيح أن يتم توزيعه بواسطة شبكات الوسائط الرئيسية؛ مما يضاعف أفكاره أكثر من أي وقت مضى.

وقال "فيلدمان" من مركز تحليل اليمين الراديكالي إن "أحد أكثر هذه الأجزاء المرضية إزعاجًا بالنسبة لي هو أن عمليات القتل، والهجمات الإرهابية الفعلية، هي شكل من أشكال الدعاية لهذه التصريحات"؛ فهم "يلفتون الانتباه إلى تصريحاتهم من خلال أفعالهم".

وأضاف "فيلدمان" أن هذا يترك المؤسسات الإعلامية في مأزق أخلاقي؛ حيث يمكن أن تؤثر التغطية الإعلامية على شخص آخر، فتصنع متطرفين جددا.

اجمالي القراءات 671
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق