جيوبوليتيكال فيوتشرز»: تقييم قوة الجيش التركي.. كيف تستعد أنقرة للتوسع خارج حدودها؟

اضيف الخبر في يوم السبت ٠٢ - يونيو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الخليج الجديد


جيوبوليتيكال فيوتشرز»: تقييم قوة الجيش التركي.. كيف تستعد أنقرة للتوسع خارج حدودها؟

يفرض موقع تركيا بين أوروبا وآسيا العديد من التحديات الأمنية، حيث يحدها من الشمال البحر الأسود ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط، وهما جسمان كبيران من الماء يحتاجان إلى سلاح بحري للدفاع عنهما. وعبر هذه البحار يوجد خصمان تاريخيان، روسيا واليونان، بالإضافة إلى بقية أوروبا الشرقية، حيث حارب العثمانيون للسيطرة على هابسبورغ. وإلى الشرق تقع إيران، الخصم الرئيسي الآخر للعثمانيين. وإلى الجنوب، سوري، حيث احتدمت الحرب الأهلية على مدى السنوات السبع الماضية ولا تظهر أي علامات على الانتهاء.

ولدى تركيا أيضا العديد من المخاوف الأمنية الداخلية فقد تعاملت البلاد مع المقاومة الكردية بشكل أو بآخر عبر تاريخها، وبعد الانقلاب العسكري في عام 1980، تحولت تلك المقاومة إلى معارضة مسلحة منظمة تسعى إلى استقلال الأراضي التي يتواجد عليها الأكراد في الجنوب الشرقي. ويخوض حزب العمال الكردستاني حربا دموية في البلاد منذ ذلك الحين في نزاع خلف 40 ألف قتيل. ولا تزال تركيا تعتبر الانفصال الكردي، والذي غالبا ما تشير إليه الحكومة بـ«الإرهاب»، تهديدا كبيرا إلى اليوم. ويعد ذلك أحد الأسباب الرئيسية لتدخل تركيا في سوريا، التي بها عدد كبير من الأكراد. وكلما تم سحب تركيا إلى سوريا والعراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني، وكلما اقتربت من الحدود الإيرانية يزيد مع هذا خطر المجابهة المباشرة بين تركيا و إيران (أو على الأقل وكلاء إيران).

على الورق، يبدو أن تركيا لديها جيش كبير: هو ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة مع أكثر من 1.2 مليون جندي، بما يشمل القوات العاملة، والقوات شبه العسكرية الاحتياطية. لكن أعداد القوات وحدها لا تشير إلى الطبيعة الحقيقية للجيش فقد لعب الجيش التركي دورا فريدا في السياسة والأمن في البلاد منذ أن أصبحت البلاد جمهورية علمانية، وشهد تغييرات كبيرة في العقدين الماضيين، لا سيما بعد محاولة الانقلاب في عام 2016.

نحن نتوقع أن تصبح تركيا قوة إقليمية كبرى في السنوات المقبلة، وقوة جيشها ستحدد إلى حد كبير الدرجة التي ستتمكن بها البلاد من إظهار القوة في الشرق الأوسط وما وراءه. سوف نقوم خلال هذه المادة بتقييم حالة الجيش التركي من خلال التركيز على التطورات في بنية العلاقات المدنية العسكرية في البلاد والتغييرات التي تمت بعد الانقلاب الفاشل في عام 2016.

العلاقات المدنية العسكرية

ولدت تركيا الحديثة من رماد الحرب العالمية الأولى وهزيمة الإمبراطورية العثمانية. وعرف «مصطفى كمال أتاتورك»، وهو جنرال تركي بأنه مؤسس تركيا الحديثة. وكانت الإمبراطورية العثمانية، التي تأسست عام 1299، إمبراطورية متعددة الأعراق تمتد من بحر قزوين إلى شمال أفريقيا ووسط أوروبا ولكن مع مرور الوقت، لم يكن بمقدورها مواكبة مستوى التطور الصناعي في أوروبا. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان لدى بريطانيا 20 ألف ميل (32000 كيلومتر) من السكك الحديدية، وكانت ألمانيا تمتلك 38 ألف ميل، لكن العثمانيين امتلكوا حوالي 3800 ميل فقط، مما جعل حركة القوات والإمدادات صعبة للغاية.

وبدأ العثمانيون يفقدون الأراضي مع اندلاع الثورات في مناطقهم الأوروبية وولدت دول جديدة. ومع بداية الحرب العالمية الأولى، فقدت الإمبراطورية العثمانية كل أراضيها تقريبا، بما في ذلك في البلقان (على الرغم من أنها احتفظت بأراضي سوريا والعراق الحاليتين). وينبع خوف تركيا من الانفصال الكردي جزئيا من الذاكرة التاريخية للثورات التي مزقت الإمبراطورية. (الخريطة: الإمبراطورية العثمانية)

وهكذا خسر العثمانيون الكثير من عمقهم الاستراتيجي، وبقيت المنطقة مقسمة بعد الحرب بين هيمنة فرنسا وبريطانيا على دول الشرق الأوسط الحديث. لقد رأى «أتاتورك» الفوضى التي عانت منها الإمبراطورية، وكان يعرف أنه أيا كانت الأراضي الذي احتفظت بها الجمهورية الجديدة، فلا يمكن أن يتم عقدها معا إلا إذا تحولت تركيا إلى دولة قومية علمانية حديثة، تشبه إلى حد كبير دول أوروبا الغربية، حيث الهويات الأساسية للسكان مرتبطة بجنسيتهم وأرضهم. واعتقد «أتاتورك» أن تركيا لن تواجه بعد ذلك التهديدات النابعة من اختلاف الإثنيات والهويات القومية التي أسقطت العثمانيين. وسيستمر الإسلام في لعب دور رئيسي في المجتمع التركي، لكنه سيكون سمة من سمات حياة الأفراد الخاصة وليس سمة مميزة للحكومة. وستكون تركيا، أولا وقبل كل شيء، للشعب التركي.

كانت العلمانية جزءا جديدا وحرجا من الجمهورية التركية، وهو تغيير يتطلب أيضا تغيير دور الجيش، الذي أصبح المدافع النهائي عن رؤية «أتاتورك» العلمانية لتركيا وفي عدة مناسبات في القرن العشرين، تدخل الجيش لإبعاد القادة الذين اعتبروا تهديدا للمثل العلمانية للبلاد. وقد كان للجيش علاقة فريدة بالدولة، منذ تأسيس الجمهورية ودافع عنها ضد التهديدات الخارجية (كما تفعل جميع الجيوش) ولكنه أيضا منع الحكومة من التخلي عن جذورها العلمانية والتحول نحو الإسلاموية.

وكانت نهاية الحرب الباردة نقطة تحول للعلاقات المدنية العسكرية في تركيا فقد زادت الحكومة المدنية سيطرتها على الجيش تدريجيا، وزادت من تطوير صناعة دفاع محلية وكانت أنقرة قد بدأت في تطوير صناعة دفاعية بعد غزوها لقبرص عام 1974، وبعد ذلك فرضت الولايات المتحدة حظرا على الأسلحة على تركيا. لكن خلال الحرب الباردة، كانت أنقرة شريكا حاسما في الناتو، وأمكنها أن تعتمد على التحالف من أجل الدعم العسكري. وعندما انهار الاتحاد السوفييتي، تضاءلت المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، ووجدت تركيا نفسها محاطة بشرق أوسط غير مستقر بشكل متزايد وكانت تركيا لا تزال حليفة للولايات المتحدة، ولكنها كانت بحاجة إلى أن تدافع عن نفسها.

وفي أوائل عام 2000، بدأت الحكومة المدنية في السيطرة على الجيش ومجلس الأمن القومي، المسؤول عن سياسة الأمن في البلاد. كما اكتسبت الحكومة حق الرقابة على ميزانية الجيش ومعداته وكان أحد الأسباب الرئيسية وراء رغبة الجيش في تسليم المزيد من السلطة للحكومة هو اعتبار العضوية في الاتحاد الأوروبي جزءا هاما من خطة تحديث البلاد، التي كانت تتطلب إصلاحات سياسية بعينها، بما في ذلك خضوع الجيش لسلطة مدنية. ومع مرور الوقت، اكتسبت الحكومة خاصة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، بقيادة «رجب طيب أردوغان» المزيد من الصلاحيات. كما حاولت استرضاء العناصر الدينية للمجتمع التركي من خلال السماح للإسلام بلعب دور أكبر في الحياة العامة.

وقد مكنت الإصلاحات القضائية التي أجريت في عامي 2006 و 2010 من محاكمة أفراد الجيش أمام المحاكم المدنية. وبحلول عام 2007، قام «أردوغان»، الذي كان رئيسا للوزراء آنذاك، بفصل كبار الضباط العسكريين الذين اعتقد أنهم قد يقفون في طريق الحكومة. وبلغ هذا ذروته بتطهير المسؤولين العسكريين المتهمين بالتخطيط لانقلاب في عام 2003 في ما كان يسمى مؤامرة المطرقة. ووفقا لورقة نشرتها مجلة إنسايت تركيا، وهي مجلة مختصة في شؤون الشرق الأوسط، فقد تم فصل نصف أدميرالات تركيا و 10% من جنرالاتها بحلول عام 2012. وأدى هذا لانخفاض معنويات الجيش وتنامي الاستياء من هذا التطهير.

تداعيات انقلاب فاشل آخر

وفي يوليو/تموز 2016، جرت محاولة انقلاب أخرى، وهذه المرة من قبل مجموعة داخل الجيش الذي كان يخشى من أن «أردوغان» كان يقود البلاد بعيدا جدا عن جذورها العلمانية. وفشلت هذه المحاولة، لكن ليس قبل أن تترك 250 قتيلا ، معظمهم من المدنيين الذين خرجوا إلى الشوارع لمعارضة الانقلاب. وبينما يرى الكثيرون الانقلاب الفاشل كنقطة تحول في العلاقات المدنية العسكرية، فإن الحقيقة هي أنه مع حلول عام 2016، كانت قوة واستقلال كبار الضباط في الجيش قد تآكلت بالفعل. ولكن محاولة الانقلاب في المقام الأول كانت علامة على أن رئيس هيئة الأركان العامة وغيرهم من كبار القادة لم يكن لهم السيطرة الكاملة على مرؤوسيهم. واقترحت ورقة كتبها الباحث «لارس هاوغوم» من المعهد النرويجي للدراسات الدفاعية أن الجنرالات والكولونيلات المتورطين «تصرفوا خارج التسلسل القيادي» بدلا من اتباع أوامر القيادة العليا للجيش.

وقد تلي ذلك تطهير شامل للبيروقراطية العسكرية والمدنية. في المجموع حيث تم طرد 150 ألف شخص من وظائف القطاع العام وتم إلقاء القبض على 50 ألفا. وتختلف التقديرات حول أرقام الفصل في القوات المسلحة، ففي سبتمبر/أيلول 2016 ، قدر الباحث «هاوغوم» أن 7500 من العسكريين قد فصلوا ومنهم 4200 منهم من الضباط. وفي يناير/كانون الثاني 2018، أفادت صحيفة حريت التركية أنه تم فصل 8000 ضابط بشكل كلي، وقال وزير الدفاع في أبريل/نيسان إن 3000 شخص آخر يشتبه في أنهم جزء من حركة كولن، التي اتهمتها الحكومة بالتخطيط لمحاولة الانقلاب، سيتم فصلهم. لكن موقع «TurkeyPurge»، وهو موقع يتتبع عمليات الفصل المتعلقة بالانقلاب، يدعي أن الرقم أعلى من ذلك بكثير. ووفقا للموقع، فقد تم فصل ما يقرب من 25 ألفا من أعضاء الجيش حتى أبريل/نيسان وهذا يشير إلى انخفاض بنسبة 5% في تعداد القوات المسلحة التركية، التي يبلغ مجموعها 512600، باستثناء الاحتياطيات ولكن بما يشمل الدرك.

وفقا لمقالة في مجلة السياسة التركية الفصلية التي تتخذ من إسطنبول مقرا لها، انخفض العدد الإجمالي للضباط بنسبة 8% بين مارس/أذار وسبتمبر/أيلول 2016. وقد أفاد المجلس الأوروبي أن الجيش التركي تقلص بنسبة الثلث بحلول أكتوبر/تشرين الثاني 2016، ولكن هذا الانخفاض الهائل يرجع ذلك بشكل كبير إلى نقل قوات الدرك، التي يعتقد أنها شاركت في الانقلاب وتتكون من حوالي 152 ألف شخص بالإضافة إلى قوة خفر السواحل البالغ قوامها 4000 جندي من الجيش إلى وزارة الداخلية.

استهدف التطهير كبار الضباط، الذين تم استبدالهم من قبل ضباط أقل رتبة. وكان هناك 150 جنرالا و أميرالا من بين هؤلاء الذين فصلوا في أواخر عام 2016. وهكذا، فإن عددا من الألوية يقودها الآن كولونيلات سابقون وليس جنرالات يتمتعون بالخبرة، وقد أوصى حزب العدالة والتنمية بالعديد من هذه البدائل على أساس الولاء للحزب وليس الجدارة.

وثمة مشكلة أخرى محتملة تتمثل في النقص في عدد الطيارين في القوات الجوية، التي فقدت ما يقرب من 265 من 400 طيار في أعقاب محاولة الانقلاب، مما أدى إلى انخفاض في نسبة عدد الطيارين إلى عدد الطائرات من اثنين إلى 0.8، ومن الصعوبة بمكان استبدال الطيارين بالنظر إلى الوقت الذي يستغرقه تدريبهم.

استخدم «أردوغان» الانقلاب الفاشل كفرصة لإعادة هيكلة سلسلة القيادة العسكرية التركية وتخصيص صلاحيات أكبر للرئاسة حيث سيتم تعيين رئيس الأركان العامة الآن مباشرة من قبل الرئيس، وسيتبع قادة القوات البحرية والجيش والقوات الجوية لوزارة الدفاع، التي لم تكن تملك سلطة في السابق على الجيش. ويستطيع الرئيس الآن إصدار الأوامر مباشرة إلى قادة جميع الفروع العسكرية الثلاثة دون الحاجة إلى المرور برئيس الأركان العامة. وهذا يقلل إلى حد كبير من سلطة رئيس الأركان العامة، الذين يساعد الآن في التنسيق بدلا من قيادة الجيش.

مشكلة التجنيد

يتكون الجيش في المقام الأول من المجندين، وهو السبب الرئيسي في أن تركيا لديها ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي. ففي سن العشرين، يُطلب من جميع الرجال الخدمة في الجيش لمدة 12 شهرا، وقد يُطلب من جميع الرجال حتى سن 41 عاما الخدمة في حالات الطوارئ. (يتم منح بعض الاستثناءات لأولئك الذين يسعون للحصول على درجات علمية، ويمكن لخريجي الجامعات أن يختاروا العمل كضابط احتياط لمدة 12 شهرا أو لمدة ستة أشهر).

ومنذ تأسيس الجمهورية ، كان نظام التجنيد جزءا أساسيا من عقيدة الأمن القومي التركي واستراتيجيتها لحماية الجمهورية من التهديدات الداخلية والخارجية كما ساعد تركيا على الحفاظ على خط الاحتواء ضد السوفييت خلال الحرب الباردة. لكن فترة الخدمة القصيرة للمجندين تحد من كمية الخبرة التي يمكن أن تتراكم، وبالتالي فإن فعالية المجندين في العمليات الهجومية أقل من العمليات الدفاعية، التي تركز ببساطة على الاحتفاظ بالأرض. وإذا أرادت تركيا تأمين مصالحها الأمنية الخارجية في السنوات القادمة، فإن العمليات الهجومية ستكون ضرورية.

وهناك أيضا التكاليف المرتبطة بارتفاع معدل التدريب المستمر للمجندين الجدد. وبمرور الوقت، ستحتاج تركيا إلى النظر إلى ما وراء حدودها لضمان أمنها الخاص حيث تعزز التهديد الكردى بسبب فراغ السلطة في سوريا، حيث تمكن الأكراد السوريون من السيطرة على منطقة كبيرة ووجد مقاتلو حزب العمال الكردستاني الأتراك ملجأ لهم هناك. كما سمح الاضطراب في سوريا لإيران باكتساب موطئ قدم هناك، بالإضافة إلى التهديد المستمر من قبل المتطرفين العنيفين، وهذا سيجبر تركيا على أن تصبح أكثر مشاركة في المنطقة مما كانت عليه في الماضي. قد يكون من الضروري إجراء المزيد من الإصلاح العسكري، مثل إنشاء قوة تطوعية أو مد أوقات خدمة المجندين لتطوير قوة مقاتلة تتمتع بالخبرة والفعالية يمكنها التعامل مع العمليات بعيدا عن الوطن.

تركيا في سوريا

بعد شهر من الانقلاب الفاشل، أطلقت تركيا عملية درع الفرات في شمال سوريا. وكان التدخل محملا بالمشاكل. وبحسب ما ورد استغرق الأمر أكثر من المتوقع للاستيلاء على مدينة الباب، وفشلت تركيا فشلا تاما في تأمين مناطق أخرى وترجع المشاكل جزئيا إلى الدعم الأمريكي للأكراد في مدينة منبج الشمالية. ومع ذلك، فقد أنجزت تركيا في نهاية المطاف أحد أهدافها الأساسية ألا وهو: إحداث فاصل بين مواقع وحدات حماية الشعب في منبج وعفرين وحولهما. وفي حين ركزت العملية رسميا على محاربة الدولة الإسلامية، فقد كان الهدف منها منع توحيد المدينتين اللتين يسيطر عليها الأكراد كما أوضحت العملية تنامي سيطرة «أردوغان» على القوات المسلحة. وقبل الانقلاب الفاشل، حذر بعض كبار القادة من القيام بعمليات أكبر في الخارج، وبدلا من ذلك دعوا إلى عمليات محدودة عبر الحدود والتركيز على الأمن الداخلي. ولا شك أن الغزو كان يهدف إلى تعزيز الروح المعنوية العسكرية وإظهار أنه على الرغم من التطهير، فإن تركيا لديها قوة قتالية قادرة.

وفي أوائل عام 2018، شنت تركيا غزوا آخر في شمال سوريا، وهذه المرة في عفرين ولعبت القوة الجوية دورا رئيسيا في العملية، على النقيض من التوغلات السابقة لتركيا في سوريا عندما تم استخدام القوة الجوية بشكل محدود. وفي وقت مبكر، تم إطلاق قصف جوي كبير، وضرب 108 هدفا باستخدام 72 طائرة وهي نسبة 25% من الطائرات الحربية التركية وفقا لمركز الدراسات الاقتصادية ودراسات السياسة الخارجية، وهو مركز أبحاث مقره إسطنبول. وعلى الرغم من الانخفاض الهائل في عدد الطيارين بعد عمليات التطهير العسكرية، تمكنت تركيا من تنفيذ غزوتين منسقتين نسبيا باستخدام قواتها الجوية. وقد سمحت هذه العمليات سمحت للقوات الجوية التركية باكتساب خبرة قتالية. (الرسم: مقارنة بين الأصول العسكرية المستخدمة في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون)

وتعتبر تدخلات تركيا في سوريا هي أول عمليات رئيسية عابرة للحدود تخوضها البلاد منذ غزوها لقبرص في عام 1974. وكانت إقالة الآلاف من الضباط بعد محاولة الانقلاب، وكثير منهم من الرتب العالية، كانت مؤثرة بلا شك على قدرات الجيش. لكن العمليتين في سوريا تشيران إلى أن تركيا لا تزال تملك قوة قتالية كبيرة فقد تم السيطرة على عفرين خلال شهرين، في حين أن عملية درع الفرات استغرقت سبعة أشهر، وهذا يظهر أن تركيا استمرت في ترسيخ قدراتها العسكرية بعد عمليات التطهير وأن الجيش تمكن من تنفيذ التغييرات التي جعلت العملية الثانية أكثر فاعلية من الأولى.

ومع ذلك، كانت هذه العمليات محدودة نسبيا والأراضي التي تم استهدافها كانت صغيرة وشنت كلا الحملتين ضد قوى ضعيفة التجهيز وأقل بكثير في العدد. بالإضافة إلى ذلك، اعتمدت عمليات تركيا في سوريا بشكل كبير على الجيش السوري الحر، الذي تكبد غالبية الضحايا في الهجمات. إن تمكن تركيا من إلحاق الهزيمة بـ«وحدات حماية الشعب»- وهي ميليشيا كبيرة ولكنها محدودة بما يقدر بنحو 8000 إلى 10 آلاف مقاتل - في عفرين خلال شهرين لا يعني أنها قد تهزم جيشا يتمتع بقدرات بحرية وبرية وجوية في حرب كاملة. وإذا انخرطت تركيا في مواجهة مباشرة مع إيران في سوريا على سبيل المثال، فسيكون ذلك اختبارا أكثر صرامة.

وعلاوة على ذلك، فإن الجيش التركي القائم على التجنيد يقيد قدرته على القيام بعمليات هجومية واسعة النطاق طويلة الأجل. وبالنظر إلى أن القوات الجوية التركية تعرضت لضربة قوية بشكل خاص في عمليات التطهير، فإننا نتوقع أن تسعى تركيا للحصول على فرص لتدريب طياريها في حالات القتال المباشر التي لا تشكل خطرا كبيرا كما فعلت في سوريا في وقت سابق من هذا العام.

ومع ذلك، فإن الانقلاب الفاشل أدى إلى تسوية مسألة من هو المسيطر فعلا في تركيا: الحكومة المدنية أم الجيش. لم يعد من الممكن اعتبار الجيش سلطة مستقلة وحامية للجمهورية العلمانية بعد أن وقع الآن تحت سيطرة الحكومة المدنية. ومع تقليص خطر الانقلابات العسكرية إلى حد كبير، أصبح الزعماء الأتراك الآن أحرارا في دعم دور متزايد للإسلام في المجتمع التركي، الأمر الذي سيساعد تركيا على لعب دور قيادي بين الدول ذات الأغلبية المسلمة كما ستتمتع الحكومة أيضا بحرية أكبر في صياغة سياسات وأولويات الدفاع التركية.

وبالرغم من أوجه القصور الحالية في الجيش، والتي يعتبر كثير منها مؤقت، فإن إعادة هيكلة العلاقات المدنية العسكرية في تركيا يمثل خطوة حاسمة في نهوضها كقوة إقليمية. ويمكن لتركيا الآن أن تنظر إلى ما وراء حدودها دون أن تكون يدها مربوطة خلف ظهرها في منطقة تعج بالفوضى وبالخصوم التاريخيين على أعتابها.

اجمالي القراءات 1661
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق