كيف لمصر أن تخرج من هذا النفق المظلم؟ (٢-٥)

اضيف الخبر في يوم الأحد ٢٨ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصرى اليوم


كيف لمصر أن تخرج من هذا النفق المظلم؟ (٢-٥)

بقلم د.حسن نافعة ٢٨/ ٩/ ٢٠٠٨
٢- الحاجة إلي مرحلة انتقالية

أشرنا في مقالنا السابق إلي أن مصر دخلت نفقاً مظلماً، يتطلب الخروج منه تشكيل حكومة إنقاذ وطني، يتوقف نجاحها علي توافر شرطين أساسيين، الأول: اعتراف الرئيس مبارك بالمسؤولية الأولي عن وصول الأوضاع في مصر إلي ما وصلت إليه من حالة ترد شامل باتت تنذر بانفجار كبير، وإبداء استعداده للقيام بكل ما هو ضروري، لإنقاذ مصر مما هي فيه، مهما كلفه ذلك من تضحيات، والثاني: مراجعة «قوي المعارضة» لسلوكها وسياساتها القديمة التي تتحمل بدورها جزءاً من مسؤولية ما جري، وإبداء استعدادها أيضاً للقيام بكل ما هو مطلوب منها لإحداث التغيير المنشود.



غير أن اقتناع أطراف العملية السياسية بأن تشكيل حكومة إنقاذ وطني بات يشكل المدخل الصحيح لإخراج مصر من مأزقها الراهن لا يكفي وحده ضماناً للنجاح. فأي حكومة للإنقاذ الوطني هي بطبيعتها مؤقتة، وبالتالي يجب أن تنحصر مهمتها في إدارة مرحلة انتقالية يتم خلالها معالجة الأوضاع التي أفضت إلي الخلل الراهن في الحياة السياسية المصرية، وتهيئة البلاد لمرحلة جديدة ترسي أسساً وقواعد متينة لنظام سياسي جديد أكثر ديمقراطية.

وبهذا المعني يبدو واضحا أن المرحلة الانتقالية هي فترة عازلة أو فاصلة بين نظامين: أحدهما قديم يتداعي، يتعين إزاحته تدريجيا وبهدوء وبأقل تكلفة سياسية واجتماعية ممكنة، والآخر جديد لم تتحدد معالمه بعد، يتعين بناؤه علي أسس تتلافي عيوب النظام القديم وتضمن انطلاق البلاد نحو غد أفضل.

لذا يتعين أن تركز حكومة الإنقاذ الوطني جهدها في بداية المرحلة الانتقالية علي عمل كل ما هو ضروري لإزاحة واستئصال كل ما قد يشكل عقبة أمام بناء نظام ديمقراطي حقيقي ويمهد للاتفاق علي دستور جديد للبلاد تجري علي أساسه انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة في نهاية تلك المرحلة.

وإذا صدقت النوايا فلا يوجد في تقديري ما يحول دون الشروع فوراً في تشكيل حكومةإانقاذ وطني، تكلف بإدارة مرحلة انتقالية تنتهي بنهاية الولاية الحالية للرئيس مبارك في نوفمبر من عام ٢٠١١.

وقبل أن أدخل في التفاصيل المتعلقة بكيفية تشكيل «حكومة الإنقاذ الوطني»، موضوع المقال القادم، أريد أن أتوقف في مقال اليوم عند المهام الأولية التي يتعين علي هذه الحكومة أن تقوم بها لتصبح قادرة علي وضع أسس صحيحة لنظام ديقراطي مستقر وقابل للدوام.

ولأنه يستحيل، في تقديري، إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل أوضاع خلل وعدم تكافؤ تتسم بها الحياة السياسية المصرية، خاصة الحزبية، فمن الضروري أن يتركز الجهد الأساسي لحكومة الإنقاذ في بداية المرحلة الانتقالية علي إزالة الأسباب التي أفضت إلي هذه الأوضاع، وهي مهمة تفرض عليها العمل علي حل مجموعة من الإشكاليات الناجمة عن:

١- الجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحزب الحاكم. فرغم أن مبدأ الجمع قد لا يكون معيباً في حد ذاته، خصوصا أن نظما ديمقراطية كثيرة تقره وتطبقه بنجاح، إلا أنه في الحالة المصرية -تحديداً- يعكس وضعا خاطئا ومغلوطا من الأساس. فحزب «الأغلبية» ليس هو الذي أتي بالحاكم، كما هو الحال في النظم الديمقراطية الحقيقية، وإنما الحاكم هو الذي أتي بحزب صنعه علي مقاسه، أثناء وجوده في موقع سلطة تولاها بطريق المصادفة، ليصبح أداته في الحكم، ومكنه من الحصول علي أغلبية مزيفة من خلال انتخابات مزورة لم تراعي فيها أبسط قواعد الشفافية.

فالحزب الوطني نشأ بقرار من رئيس دولة، كان قد ورث السلطة من سلفه قضاء وقدرا، وليس عبر انتخابات حرة ونزيهة، والرئيس الحالي ورث من سلفه سلطة الدولة والحزب معا قضاء وقدراً أيضاً، وليس عبر انتخابات حرة ونزيهة. صحيح أن استفتاءات أو انتخابات رئاسية جرت في الحالتين، لكنها لم تكن سوي إجراءات شكلية لتقنين أمر واقع جري فرضه من خلال عمليات توريث فعلي للسلطة، كانت تتم حتي الآن بالاختيار وليس بالدم، لم تعكس أبداً أو تعبر عن الإرادة الشعبية الحقيقية.

ولكي يتضح لنا حجم الفارق بين الوضع في مصر والوضع في دول أخري، يكفي أن نشير إلي ما حدث مؤخراً في جنوب إفريقيا، حين قررت اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم تنحية رئيس الدولة الذي امتثل فوراً للقرار، وهو أمر يستحيل تصور حدوثه في مصر حيث بوسع رئيس الدولة أن ينهي وجود الحزب تماما وليس العكس.

ولا يمكن لحكومة «إنقاذ وطني» أن تؤدي مهمتها في مصر بنجاح إذا استمر الجمع بين منصبي رئيس الدولة ورئيس الحزب الحاكم أثناء المرحلة الانتقالية. لذا فإن موافقة الرئيس مبارك علي تشكيل حكومة إنقاذ وطني يجب أن يسبقها أو يصاحبها علي الفور قرار بالموافقة علي تخليه عن رئاسة الحزب الوطني، والذي يجب أن يمارس نشاطه خلال المرحلة الانتقالية كحزب عادي عليه أن يتنافس مع الأحزاب الأخري وفق قواعد متكافئة.

٢- القيود المفروضة علي حرية تشكيل الأحزاب. فقد ترتب علي هذه القيود في الماضي ظهور «أحزاب ورقية» كثيرة، وحالت في الوقت نفسه دون تمكين قوي أخري عديدة، لها حضور حقيقي وملموس في الشارع السياسي، من تشكيل أحزابها السياسية، مما تسبب في إصابة الحياة السياسية بركود وصل إلي حد الشلل التام.

ولأنه يصعب تصور وجود عملية سياسية حقيقية في غياب أحزاب قوية فاعلة وممثلة لخريطة القوي السياسية والفكرية والاجتماعية، فإن إطلاق حرية تشكيل الأحزاب وتمكينها من ممارسة نشاطها دون أي عوائق أو قيود هو أول ما يتعين علي حكومة تسعي «للإنقاذ الوطني» أن تقوم به. فمن شأن خطوة كهذه أن تساعد علي تحقيق ثلاثة أهداف متكاملة:

أ- تمكين قوي محجوبة عن الشرعية، كانت قد اضطرت إلي النزول تحت الأرض أو آثرت الانطواء والعزلة، من العودة للمشاركة رسمياً في الحياة السياسية.

ب- إزالة احتقان متراكم داخل أحزاب قائمة كان قد أفضي إلي صراعات مشينة بين الأجنحة المتنافسة فيها وتسبب في شللها، وهو أمر كان يسهل تلافيه لو كان بوسع الأجنحة المنشقة تشكيل أحزابها الخاصة بسهولة ويسر.

ج- إضفاء قدر معقول من الشفافية علي القواعد المنظمة لمنافسة حرة وشريفة بين مختلف القوي والتيارات بما يسمح بإزالة الالتباس القائم بين السياسي والديني والنقابي.

قد يقول قائل إن إطلاق حرية تشكيل الأحزاب قد يخلق حالة من الفوضي في الحياة السياسية المصرية، لكن الفوضي المحتملة في البداية، إن حدثت، ستكون مؤقتة بطبيعتها وسرعان ما تزول تحت تأثير حالة تفاعلية لا بد أن تفضي حتما، وخلال فترة وجيزة نسبيا، إلي إعادة تشكيل الخريطة السياسية المصرية علي نحو يضمن لها الاستقرار والمصداقية في آن.

ولا شك عندي في أن إطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية طوال المرحلة الانتقالية سيساعد «حكومة الإنقاذ الوطني» علي التعامل بشكل أفضل مع المعضلات الناجمة عن الخلط بين العمل السياسي والعمل الدعوي، كما هو الحال عند جماعة الإخوان المسلمين، وهو خلط يسبب إزعاجاً كبيراً ليس فقط لمؤسسات الدولة ولكن للعديد من مؤسسات المجتمع المدني.

فعندما يتاح مناخ يسمح لكل القوي السياسية والفكرية والاجتماعية بتشكيل أحزابها السياسية وممارسة نشاطها والوصول إلي السلطة وتداولها فيما بينها، وفقاً لما تقرره صناديق الاقتراع وحدها، لن يكون أمام جماعة الإخوان المسلمين سوي الاختيار بين بديلين: التحول إلي حزب مدني يمارس العمل السياسي كأي حزب آخر أو إلي «جماعة دعوة» للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن بعيداً عن السياسة. أما الجمع بين الاثنين فسوف يكون صعبا ويسهل تجريمه قانونا في ظل مناخ يضمن حرية العمل السياسي والحزبي.

ولأن «حكومة الإنقاذ الوطني» سوف تكون مطالبة بإدارة شؤون الدولة والمجتمع ككل علي الصعيدين الداخلي والخارجي، إضافة إلي مهمتها الأساسية المتمثلة في إزالة الاحتقان الحادث في الحياة السياسية والحزبية، تمهيداً لوضع دستور جديد تجري علي أساسه انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة تحت إشرافها، فمن الطبيعي أن يثور سؤال ملح: هل يمكن حقا تشكيل «حكومة إنقاذ وطني» في ظل استمرار الرئيس مبارك في أداء مهامه، وكيف يمكن تنظيم العلاقة بين رئيس الدولة ورئيس حكومة الإنقاذ في حالة ما إذا حدث توافق علي تشكيلها؟. هذا ما سنحاول إلقاء الضوء عليه في مقال الأسبوع القادم بإذن الله.

غير أنني أود، قبل أن أودع القارئ، أن أذكره بشيء مهم جدا وهو أننا نناقش سبل إخراج مصر من مأزقها الراهن في ظل الافتراض الذي سبق أن أشرنا إليه وهو وعي كل الأطراف المعنية، بمن فيهم الرئيس مبارك، بخطورة الوضع الراهن واستعدادهم للقيام بكل ما يلزم لتجنب الانفجار المتوقع.

وقد يري البعض أنه افتراض غير واقعي، خصوصا ما يتعلق منه برئيس الدولة، وهذا أمر وارد طبعاً وسنناقش عواقبه، ولكن في مقال آخر بعد أن نفرغ من مناقشة السيناريو الأكثر تفاؤلا، أي سيناريو الهبوط الآمن عقب اكتشاف قنبلة!.

اجمالي القراءات 1380
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق