الكونجرس يبحث تراجع صورة أمريكا عالمياً

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ١٥ - يوليو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً.


الكونجرس يبحث تراجع صورة أمريكا عالمياً

"أثرت السياسة الخارجية الأمريكية خلال الحرب علي الإرهاب بشكل سلبي علي المكانة الدولية للولايات المتحدة"، هذا هو الاستنتاج الرئيسي الذي توصلت إليه اللجنة الفرعية للمنظمات الدولية وحقوق الإنسانSubcommittee on International Organization & Human Rights بلجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأمريكي House Committee On Foreign Affairs في تقريرها الصادر يوم 11 يونيو 2008 بعنوان "تراجع سمعة الولايات المتحدة دوليا : لماذا ؟ " "The Decline in American Reputation ,Why ? " والذي كان موضع جلسة الاستماع التي عقدت في ذات اليوم لمناقشة ما ورد في التقرير من نتائج بمشاركة عدد من المتخصصين الأكاديميين في العلاقات الدولية ودراسات الرأي العام.



حيث أشار بيل ديلاهنت Bill Delahunt رئيس اللجنة الفرعية للمنظمات الدولية وحقوق الإنسان في افتتاح الجلسة إلي أن غالبية استطلاعات الرأي توصلت فيما يشبه التوافق العام إلي أن السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة الرئيس بوش الابن قد أدت لتنامي تيارات مناوئة للمصالح الأمريكية سواء في منطقة الشرق الأوسط أو في إطار حلف شمال الأطلسي أو بين دول أمريكا اللاتينية الفناء الخلفي للولايات المتحدة الأمريكية وهو ما أثار تساؤلاً هاماً حول أسباب هذه الظاهرة وأثرها علي وضع الولايات المتحدة في النظام الدولي الذي يشهد تحولات في طبيعة التفاعلات الدولية ووزن الفاعلين الدوليين المشاركين في إطارها.


مؤشرات تراجع الصورة الدولية للولايات المتحدة
أشار التقرير إلي أن الحرب الأمريكية علي الإرهاب بما انطوت عليه من مبادئ مثيرة للجدل مثل الضربات الإستباقية، والتقسيم الثنائي للعالم بين محوري الخير والشر. فضلاً عن استدعاء مقولات الصدام الحضاري، قد أثرت علي تحول حالة التعاطف الدولي مع الولايات المتحدة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلي شعور بالاستياء تجاه السياسات الأمريكية، لدرجة أن بعض القائمين علي مؤسسات استطلاع الرأي أكدوا أن تأييد الولايات المتحدة لم يشهد تدنياً إلي هذا المستوي في أي من فترات تاريخها بما في ذلك الحرب الباردة.

فقد كشفت استطلاعات الرأي بين عامي 2002 و2006 عن تراجع شعبية الولايات المتحدة خلال هذه الفترة بنسب تتراوح بين 45% في اندونيسيا و40% في تركيا و27 % في بريطانيا، بينما تصاعدت المؤشرات الإحصائية الدالة علي تنامي كراهية الولايات المتحدة في الدول الإسلامية وأمريكا اللاتينية لتصل إلي 82% و86% علي التوالي، وتعززت هذه النتائج بما كشف عنه مركز بيو لاستطلاعات الرأي العام Pew Research Center survey في استطلاعه الدولي عام 2006 من تقلص لشعبية الولايات المتحدة دولياً بين عامي 2002 و2006 من حوالي 81 % إلي 22% ممن شملهم استطلاع للرأي في عدد من دول العالم، مما دفع أندرو كوهت Andrew Kohut رئيس مؤسسة بيو للقول بأن هذا التناقص يُعد الأبرز في تاريخ الولايات المتحدة خلال الخمس والعشرين عاما ً الماضية.

وأشار جون جلين John Glenn مدير صندوق مارشال الألماني German Marshall Fund إلي أن نسبة الأوروبيين الذين يعتبرون القيادة الأمريكية لشئون العالم غير مرغوبة قد تصاعدت إلي حوالي 57% عام 2006 في مقابل 31 % عام 2002 ، وهو ما توازي مع إعلان جيمس زغبي James Zogby مدير مركز زغبي الدولي لاستطلاعات الرأي العام Zogby International عن أن حوالي 86 % من المنتمين للنخبة السياسية في دول أمريكا اللاتينية يرون أن السياسة الأمريكية تجاه دولهم لا تتمتع بتأييد شعبي.

وفي السياق ذاته تبلورت توجهات مناهضة للحرب الأمريكية علي الإرهاب علي مستوي الرأي العام العالمي، فلم تتعد نسبة مؤيدي هذه الحرب حوالي 19 % في الصين و10% في مصر و14 % في تركيا و43 % في فرنسا.

إن كافة هذه المؤشرات الإحصائية تُشير إلي التراجع الحاد الذي شهدهُ التأييد الدولي للولايات المتحدة وهو ما أثار التساؤلات داخل لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب حول أسباب هذا التراجع وتداعياته علي المصالح الدولية للولايات المتحدة.


جدلية الصراع الحضاري ورفض السياسات الأمريكية
أدي تصاعد الاهتمام بتفسير تراجع شعبية الولايات المتحدة دولياً إلي انقسام الخبراء والمحللين إلي اتجاهين متناقضين، يحاول أولهما إعادة هذه الظاهرة إلي الصدام الحضاري بين الغرب والإسلام وتطلع دول العالم للقوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية بقدر كبير من النقمة أو بمعني آخر التناقض بين منظومة القيم الأمريكية والمنظومات الحضارية الأخرى، في مقابل تأكيد الاتجاه الثاني علي أن السياسات الأمريكية علي المستوي الدولي هي السبب الرئيسي لتراجع شعبية الولايات المتحدة، وفي هذا الإطار جاءت إفادة سكوت هيبارد Scott W. Hibbard الأستاذ بقسم العلوم السياسية بجامعة ديبول DePaul University أمام اللجنة حيث أشار إلي وجود إشكالية تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية تتمثل في تعارضها مع القيم المجتمعية الأمريكية مؤكداً أن سياسات من قبيل إسقاط نظام صدام حسين والحرب علي العراق وتشديد الإجراءات الأمنية علي الحدود الأمريكية المكسيكية لمنع تسلل المهاجرين، فضلا عن احتجاز المتهمين دون محاكمة في معتقل جوانتنامو واستجوابهم بأساليب تتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان قد دفعت لتصاعد التوجهات الرافضة للسياسات الأمريكية عالمياً.

واستدل ستيفن كول Steven Kull مدير برنامج توجهات السياسة الدولية بجامعة ميرلاند the Program on International Policy Attitudes (PIPA) at the University of Maryland علي صحة هذه الفرضية باستطلاع للرأي أجرتهُ الجامعة عام 2006 أشار فيه حوالي 73 % ممن شملهم الاستطلاع في 26 دولة رفضهم لاستمرار الحرب الأمريكية علي الإرهاب التي أضحي العالم في ظلها أكثر خطراً، بينما أكد حوالي 62 % من المواطنين في ستة دول عربية علي أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية غير محايدة وهو ما اتضح بشكلٍ واضح خلال الحرب الإسرائيلية علي لبنان.

ويفرق سكوت هيبارد بين ثلاثة فئات في إطار الرأي العام العربي من منظور مواقفهم تجاه منظومة القيم الأمريكية وفق انتمائهم للتيار الإسلامي الأصولي، حيث يرتكز موقف غالبية الجماهير العربية علي رفض السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط نتيجة إعلائها لمصالحها الجيواستراتيجية التي تتطلب في كثير من الأحيان دعما لبعض النظم السياسية الأوتوقراطية في مقابل إغفال التنمية الاقتصادية والتحول الديمقراطي بينما يؤيد المنتمين لهذه الفئة القيم الأمريكية ونمط الحياة الأمريكي وفق نتائج استطلاع للرأي أجراه مركز زغبي عام 2002 أكد فيه حوالي 54% عن تأييدهم للديمقراطية وفق النمط الأمريكي فيما تضاءلت نسبة تأييد السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط لتصل إلي حوالي 8% فقط.

ويرفض أنصار التيار الإسلامي هذه الازدواجية ابتداءاً إذ يعلنون رفضهم لمنظومة القيم الأمريكية إجمالاً لاعتبارهم إياها نوعاً من الاستعمار الفكري القائم علي رؤية علمانية لا تتسق مع منظومة القيم الإسلامية، في مقابل اتجاه الجهاديين الإسلاميين لتحويل رفض منظومة القيم الأمريكية لاستهداف عسكري للمصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط نتيجة تحولهم من التركيز علي العدو القريب (النظم الحاكمة في المنطقة العربية ) إلي العدو البعيد (الولايات المتحدة والدول الغربية ) تحت وطأة الملاحقات الأمنية التي أسفرت عن تحويل مركز نشاطهم الرئيسي إلي خارج المنطقة العربية، ومن هذا المنطلق يقترح هيبارد التركيز علي دفع عملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية وإيجاد بدائل للنفط الذي تتجه أرباحهُ المتراكمة لدعم الإرهاب علي حد تعبيره.


الأحادية الأمريكية وافتقاد التماسك في إطار حلف الناتو
أفرز اتجاه الولايات المتحدة المفرط للاعتماد علي الآليات العسكرية في إطار الحرب علي الإرهاب لتبلور اعتقاد دولي مفاده تجاهل الولايات المتحدة للتوافق الدولي وانتهاكها للقواعد القانونية الدولية وفي هذا الإطار أكد آيثر بريمر Esther Brimmer مدير مركز العلاقات الأطلسية THE Center for Transatlantic Realionsالتابع لجامعة جون هوبكنز علي تراجع وضع الولايات المتحدة في إطار المنظمات الدولية نتيجة السياسات المثيرة للجدل لإدارة الرئيس جورج بوش التي بلغت أوجها عام 2003 بقيادة تحالف دولي لإسقاط النظام العراقي السابق دون تفويض من مجلس الأمن، ورصد بريمر في هذا الصدد تصويت الدول النامية ضد عضوية الولايات المتحدة للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عقب رفضها التصديق علي معاهدة كيوتو حول التغير المناخي ومعاهدة روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية.

وأشار بريمر إلي أن انتهاج الولايات المتحدة لسياسات أحادية يحمل في طياته خطراً علي مكانتها الدولية انطلاقا من عدم ملائمة التوقيت وفق ثلاثة أبعاد أولها يتعلق بحالة الانفتاح الديمقراطي التي تشهدها دول العالم والتي تتناقض مع الإجراءات الأمنية والعسكرية الأمريكية التي لا تضع حقوق الإنسان ضمن أولوياتها، أما الجانب الثاني فيتعلق بصعود قوي إقليمية اقتصادية وسياسية مناوئة للولايات المتحدة مثل الصين وروسيا أو قوي ساعية لتوسيع نطاق دورها الدولي مثل الاتحاد الأوروبي والهند.

ويتمثل البعد الثالث فيما تفرضه ظاهرة العولمة من ضرورة بلورة قواعد قانونية دولية تتمتع بدرجة عالية من المصداقية والعدالة لتنظيم تدفق السلع والخدمات والمعلومات بين دول العالم ومن ثم فإن اتجاه الولايات المتحدة لتجاهل وتهميش الإرادة الدولية يتناقض مع مصالحها الاقتصادية في دفع العولمة والتجارة الدولية قدما.

أما علي صعيد علاقة الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين في إطار حلف شمال الأطلسي فلقد أشار بريمر لوجود عدة عوامل دفعت لحالة من التباعد بين الطرفين كان أهمها نزوع الإدارة الأمريكية نحو أحادية التصرف علي الصعيد الدولي وإتباعها للسياسات تتعارض مع القيم الليبرالية، وهو ما أدي لبروز قضايا خلافية بين الطرفين مثل توسيع حلف الناتو شرقاً ليضم دولاً مثل مقدونيا وأوكرانيا واستمرار زيادة عدد القوات التابعة للدول الأوروبية في إطار قوات المساعدة الدولية إيساف ISAF التابعة للحلف فضلاً عن التعاون الاستخباراتي لاسيما علي صعيد تبادل البيانات الخاصة بالمسافرين الأجانب وتسليم بعض المشتبه بانتمائهم لتنظيمات إرهابية للولايات المتحدة خاصة بعد الكشف عن وجود سجون سرية أمريكية في بعض الدول الأوروبية لاستجواب المشتبه بانتمائهم لتنظيمات إرهابية وهذه الملفات كانت موضع جدل حاد خلال القمة الأخيرة لحلف الناتو في بوخارست في ابريل 2008 .


الولايات المتحدة في نظام دولي ذو حدود مغلقة
بينما تركزت إفادة جون تيرمان John Tirman المدير التنفيذي لمركز الدراسات الدولية بمعهد ماساشوتس للتكنولوجيا Center for International Studies of Massachusetts Institute of Technology خلال جلسة الاستماع علي أن الدور الدولي للولايات المتحدة يتعرض للتقلص بشكل كبير نتيجة إعادة رسم الحدود الجيوسياسية الدولية في ضوء ثلاثة عوامل رئيسية تتمثل فيما يلي:

1- نهاية الاستقطاب الإيديولوجي الدولي الذي ساد إبان فترة الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي بما أفرغ مقولات الصراع لتحقيق الليبرالية من مضمونها لتحل محلها مقولات الصراع الحضاري غير واضحة المعالم نتيجة وجود شبكة علاقات حضارية متداخلة يصعب في ظلها الفصل التحكمى بين الحضارات المختلفة، وفي هذا الإطار ساد اعتقاد في الدول الإسلامية يعتبر الحرب علي الإرهاب بمثابة حرب علي الإسلام وهو ما أكدته نتائج استطلاع الرأي الذي أجراهُ برنامج توجهات السياسة الدولية (PIPA) في عدد من الدول الإسلامية والتي أكد فيها 92 % ممن شملهم الاستطلاع في مصر و78 % في المغرب و73% في باكستان وإندونيسيا علي أن الحرب علي الإرهاب ليست إلا حرباً أمريكية علي الإسلام، وهو ما قد يعزي إلي تصريحات الرئيس الأمريكي حول الحرب الصليبية وأطروحات عدد من وسائل الإعلام الأمريكية حول الطابع الديني للحرب علي الإرهاب.

2- ظهور تكتلات اقتصادية منافسة للولايات المتحدة مثل الاتحاد الأوروبي والصين وبعض المنظمات الإقليمية مثل منظمة شنغهاي للتعاون Shanghai Cooperation Organization التي تضم في عضويتها كل من روسيا والصين ودول آسيا الوسطي والتي صنفت بكونها تحالف دولي لرافضي الأحادية القطبية الأمريكية بما يعني استبعاد الولايات المتحدة من بعض التفاعلات الإقليمية التي تقتصر عوائدها وتبعاتها علي أطرافها.

3- تصاعد أهمية القضايا البيئية ذات الصلة بالتنمية المستدامة والتي طرحت بقوة بعض الثوابت الايكولوجية مثل محدودية الموارد الطبيعية المتاحة لتحقيق النمو الاقتصادي المستمر وخاصة مصادر الطاقة غير المتجددة بما يعني وجود قيود علي فرص النمو الاقتصادي العالمي.

ومن هذا المنطلق دعي تيرمان إلي مراجعة السياسات الأمريكية دوليا بحيث ترتكز القيادة الأمريكية للعالم علي العوامل الاقتصادية والعسكرية والايكولوجية من خلال إيلاء قدر أكبر من الاهتمام لقضايا التنمية المستدامة ومحاربة الفقر ومكافحة التلوث البيئي والاحتباس الحراري وهي سياسات من شأنها توسيع النطاق الدولي المتاح للدور الأمريكي ومن ثم الارتقاء بالتأييد الدولي للسياسة الخارجية الأمريكية كركيزة للاستقرار العالمي والتنمية.
المصدر: تقرير واشنطن

اجمالي القراءات 2390
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق