الدكتور مراد وهبة في ندوة «المصرى اليوم» : المثقفون أكبر طائفة خائنة للمجتمع

اضيف الخبر في يوم الجمعة ١٦ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: المصرى اليوم


أعدت الندوة للنشر مها البهنساوي ودارين فرغلي ١٦/٥/٢٠٠٨

تصوير - احمد المصري
مراد وهبة في ندوة «المصري اليوم»
أكد المفكر المعروف الدكتور مراد وهبة أن المزاج العام للشارع المصري حالياً يستطيع أن يصل بالتيار الإسلامي إلي السلطة في حالة إجراء انتخابات دون قيود، مشيراً إلي أن جماعة الإخوان المسلمين تسود المجتمع المصري بما فيه الحزب الوطني.

مقالات متعلقة :


ووصف وهبة، خلال ندوة عقدت بمقر «المصري اليوم»، المثقفين بأنهم «أكبر طبقة خائنة في المجتمع»، موضحاً أنهم «لم يؤدوا مسؤولياتهم سواء تجاه تنوير المجتمع أو في الوقوف ضد الأصوليات الدينية».

وقال إن عدم وجود تيار علماني ينافس الأصوليات الدينية في مصر يجعل البلاد «بعيدة كل البعد عن التقدم»، مشدداً علي أن وجود التيار العلماني يؤدي إلي «إحلال السلام بين الدول» مثلما سبق أن ذكر في مؤتمر كوبنهاجن.

وأشار إلي أن غياب قيمة العلم في المجتمع حوّلت وزارة التربية والتعليم إلي وزارة «الفجالة» حسب تعبيره، وهو ما نشأت عنه أزمة العقل المصري والعربي.

وفيما يلي نص الندوة:

* البعض يري أن العقل المصري يعاني من أزمة أو خلل ما.. فكيف نبني عقلاً وطنياً قادراً علي بناء مستقبل أفضل؟

- هناك تداخل بين التفكير المصري والعربي والإسلامي في وأد العقل مما أدي إلي وجود أزمة، ومن وجهة نظري أن كلمة «أزمة» تعني أننا نعاني من تناقض ما.. لذا فهناك سؤال يطرح نفسه: ما التناقض الذي وقع فيه العقل المصري وكيف يمكن التخلص منه؟

ومن خلال متابعتي للعقل المصري والإسلامي والعربي وجدت أن العقول الثلاثة في أزمة، ومعني ذلك أن العقل المصري لا يستطيع أن يتحرر من العقل العربي والإسلامي، وبالتالي الدوائر الثلاث ستكون متداخلة، ومثال علي ذلك ما حدث عام ١٩١٣ مع نشأة الجامعة المصرية، عندما ذهب منصور فهمي في بعثة إلي فرنسا للتخصص في علم الاجتماع علي يد أساتذة كبار هناك وكان موضوع رسالته «المرأة في الإسلام»، وأبلغت الدوائر الدينية أن هذا الموضوع يخل بالعقل، وطالبت فهمي بأن يلغي رسالة الدكتوراه ويعود إلي مصر لكنه رفض وناقش رسالته وطرد من الجامعة، وبعد ٦ سنوات وجدوا أنه يصلح أن يكون مديراً لجامعة القاهرة. وفي السياق نفسه ما حدث عام ١٩٢٥ عند مصادرة كتاب «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ علي عبدالرازق،

وأخيراً ما حدث من محاولة لاغتيال نجيب محفوظ بسبب روايته «أولاد حارتنا»، لذا هناك وأد للعقل المصري حيث إنه ليس من حق العقل المصري أن يفكر إلا في مجالات محدودة هي التي تقع خارج الدوائر التي ذكرت من قبل، وإذا اتجهنا للعقل العربي فهو أيضاً يعاني من مصادرة الفكر كما حدث مع المفكر اللبناني «فرح أنطون» عندما وجد في ابن رشد وسيلة لبث روح العلمانية فألف كتاباً بعنوان «ابن رشد وفلسفته» فدخل في جدل حاد مع الشيخ محمد عبده،

وفي التسعينيات قامت الهيئة العامة للكتاب بنشر كتاب فرح انطون الذي يشتمل علي ابن رشد - حياته واضطهاده -، ثم فلسفته، وأخيراً الحوار الذي دار بينه وبين الشيخ محمد عبده لكننا وجدنا أن الهيئة حذفت من الكتاب المقدمة - التي تضمنت لماذا اتجه إلي ابن رشد لبث روح العلمانية - والفصل الأول والحوار بين فرح انطون ومحمد عبده، أي أنها حذفت جوهر الكتاب، وقيل وقتها إن العمال يتدخلون فيما تصدره هيئة الكتاب، وهو ما يؤكد فكرة وجود وأد للعقل العربي.

أما بالنسبة للعقل الإسلامي ففي القرن الثاني عشر اتهم ابن رشد بالكفر وأحرقت مؤلفاته، ونفي إلي قرية «اليوسانا» بإسبانيا في الوقت الذي ترجمت فيه مؤلفاته مع بداية القرن الثالث عشر في أوروبا، والذي أدي إلي ظهور تيار «الرشدية اللاتينية» التي دخلت في صراع مع السلطة الدينية وتغلبت عليها، ولذلك أقول «إن ابن رشد حي في الغرب، وميت في الشرق».

* كيف نتعامل مع عالم أساسه الأصوليات الدينية، وكيف ننشر تلك الكتب في عصر تسوده لغة التطرف؟

- أنتقد استخدام بعض الألفاظ مثل التطرف واليمين المحافظ، ولا أفضل استخدام تلك الكلمات المتداولة، وإنما أفضل استخدام مصطلحات مثل الأصوليات الدينية بدلاً من التطرف وأدخل اليمين المحافظ في نفس المصطلح إذا كان راغباً، إنما لفظ «محافظ» غير «أصولي»، ويقصد به التراث، لكن «الأصولي» مسألة أخري ليس لها علاقة بالتراث، إنما لها علاقة بكيفية استخدام العقل في النص الديني، والأصولية الدينية سواء في اليهودية أو المسيحية أو الإسلام تمنع إعمال العقل في النص الديني أي أنها تلتزم بحرفية النص الديني، وسبب مطاردة ابن رشد أنه قال إن النص الديني يحتوي علي معني ظاهر وآخر باطن،

والمعني الباطن هو المجاز وعلينا أن نُعمل العقل في النص الديني للتعرف علي المعني الباطن وهو ما يسمي «التأويل»، ورفض تكفير من يؤول. الأصولية الدينية تكفر التأويل وهناك مقولة شهيرة لابن تيمية بأن «التأويل بدعة من الشيطان وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار» وابن تيمية كفّر ابن رشد، والآن الأصوليات الدينية لا تختلف عما يقوله ابن تيمية في الديانات الثلاث، وهي ضد العلمانية والليبرالية والتنوير،

فإذا أنت رغبت أن تنخرط في التيار الأصولي فلابد أن تعي أنك ضد الليبرالية والعلمانية والتنوير سواء شئت أم لا، أما إذا أردت أن تكون منحازاً لتلك التيارات الثلاثة فعليك أن تقف موقفاً مضاداً للأصوليات وهو ما يحدث في أمريكا وإسرائيل، ففي الولايات المتحدة تيار علماني قوي وأستطيع أن أقول بحكم الخبرة إن أمريكا دولة علمانية، أما إسرائيل فتيارها العلماني قوي جداً بالرغم من وجود تيار أصولي، أما في مصر فلا يوجد تيار مضاد للأصولية الدينية لا علمانية ولا تنوير ولا ليبرالية.

* هل تعتقد أن المثقفين فشلوا في القيام بدورهم في مواجهة تيار الأصوليات؟

- نعم.. المثقفون فشلوا في مواجهة هذا التيار، وأقر بأن هناك تياراً كاملاً هُزم أمام تيار الأصولية، لكنني أرفض استخدام كلمة «تيار» لأن هناك أفراداً تنويريين، وآخرين ليبراليين، وكذلك علمانيين لأن كلمة «تيار» تستلزم تراكماً، وأنا لدي مصطلحان «تراكم بالتقدم وآخر بالتخلف»، ونحن من هواة التراكم بالتخلف أي أننا كلما وجدنا التخلف نضمه إلي الركام الهائل الذي نمارسه، وكلما وجدنا فرصة للتقدم نزيحه جانباً وبعنف.

* ما مفهومك لكلمة التخلف، وهل تعني بها الأصولية أم الردة السلفية؟

- مفهوم التخلف لدي مرتبط بمسار الحضارة، وهو مسار من الفكر الأسطوري الخرافي إلي العقلاني، لأن الحضارات تقوم علي العلم والعقل، وبالتالي عندما تأتي ثقافة تقف أمام العلم أو إعمال العقل أقول إن هناك تخلفاً، وأنا أنشغل دائماً في القراءة في مسار الحضارة لأعرف إلي أين نتجه، ووجدت أننا نتجه ضد مسار الحضارة، وكوني أقول هذا فأنا لا أقف صامتا، لذا أري أن الوقت قد حان لظهور السلطة الثقافية التي ينبغي أن تضاف إلي السلطات الأخري في الدولة مثل السلطتين التنفيذية والتشريعية وغيرهما، أي أن المثقف كتعريف هو الذي يبحث عن جذور الوهم في المجتمع الذي يعيش فيه، ويحاول أن يجتث هذه الجذور وهذا هو دوره، ولا يعتمد علي أي سلطة أخري، ويمكن للسلطات الأخري أن تستعين به..

أما المثقف الذي لا يريد أن يمارس سلطته فلابد أن يعلن تنازله عنها بل إنه مشارك في التخلف. ومثال علي ذلك أستاذ الجامعة المنشغل بتوزيع الكتاب المقرر فقط والحصول علي المال من الطلاب، صحيح أنه لا يمتلك أكثر من راتبه إلا أنني أري أنه يتنازل عن عمله الأكاديمي ويتفرغ لبيع الكتب، لأنه ليس من حقه أن يجمع بين منصبه كأستاذ أكاديمي، يربي الأجيال، وأن يمد يده ليجمع المال من الطلاب، وأعترف أنني عانيت من التخلف في نظام التعليم أثناء فترة تولي الدكتور فتحي سرور وزارة التربية والتعليم، وهو الأمر الذي مازال مستمراً حتي الآن.

* ما مفهومك للعلمانية؟

- بحكم انغماسي في القراءة الفلسفية منذ صيف ١٩٤٤ حتي الآن، بالإضافة إلي انشغالي بما يحدث في بلدي هنا وفي الخارج، كل تلك الهموم والانشغالات لا تعطي أي مساحة للتفكير في أي شيء آخر سلبي، ورؤيتي للعلمانية مختلفة، لذا نقلت العلمانية من المجال السياسي إلي المعرفي، بمعني أن تعريفي للعلمانية أنها التفكير في النسبي بما هو نسبي، وليس بما هو مطلق، وأنا حصلت علي هذا التعريف من عالم فلكي بولندي يدعي «نيكولا كوبارنيكوس»، وهو الذي قال نظرية إن الأرض تدور حول الشمس في القرن السادس عشر، وصدر الكتاب، بعد تردد كبير منه وتوفي فور تسلمه النسخة الأولي من الكتاب الذي تردد في نشره ١٣ عاماً، وبمجرد وصولي لخاتمة الكتاب وجدت أنه يقول إن نظرية دوران الأرض حول الشمس ليست الأولي لأن «فيثاغورس» في القرن الثامن قبل الميلاد آمن بنظرية دوران الأرض، وحذر أتباعه من الإعلان عن تلك النظرية، ولكنها أعلنت وأحرقت داره،

وسألت نفسي: لماذا تنزعج السلطة الدينية من تلك النظرية؟ فوجدت أنها تنزعج لأنه إذا كانت الأرض تدور فهي لم تعد مركزاً للكون، وبالتالي فالإنسان ليس مركزاً للكون، لذا فليس من حقه أن يدعي أنه يملك الحقيقة المطلقة، أي أنه يظل في الإطار النسبي، ومن يدع ذلك فهو داخل في الإرهاب الذي يلزمه بالقتل لأن المطلقات متسارعة، لذا إذا اعتقدت أن هناك حقيقة مطلقة فاعرف أنك مهدد، ممن يزعم بأنه يملك حقيقة مطلقة أخري، وتدخل معه في صراع دموي وهذا هو الحاصل في القرنين العشرين والواحد والعشرين،

ويبدو واضحاً من خلال أصوليات، من مختلف الأديان، متناحرة في الهند والشرق الأوسط، وهنا أنقل تعريفي للعلمانية من المجال السياسي إلي المجال المعرفي، أي أن العقل لا يستطيع أن يزعم في لحظة ما أنه يملك الحقيقة المطلقة، في إطار هذا التعريف للعلمانية نجد أن كل مجتمع له الحرية في إدارة شؤونه، فالبعض يري أن مسألة فصل الدين عن الدولة مسألة أولية، لكن الأصل أنها مسألة تالية لأن العلمانية في إطار العقل تمنعك من فرض حقيقة مطلقة علي المجتمع.

* ماذا عن مأساة المفكر فرج فودة، وهل لديك تخوف من أن تلقي نفس مصيره؟

- مأساة فرج فودة أنه أخذ العلمانية في الإطار السياسي، وليس المعرفي فاصطدم بقوي مختلفة، وجدت أنه ليس من حقه أن يدخل في هذا المجال، ومن وجهة نظري أن الدين له معنيان، الأول بمعني الإيمان والآخر بمعني المعتقد، فالدين بمعني الإيمان يعني أنك آمنت برسالة ولك الحرية في ذلك، والآية القرآنية تقول «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، أما الإيمان في اللغة العربية فمعناه الثقة والتصديق، وتلك مسألة قلبية وليست عقلية، ولكن بعد ذلك تريد أن تعمل عقلك فيما آمنت به، فهناك محاولات من المؤمنين في إعمال العقل في الرسالة الدينية لفهمها.

ولكن تتكون سلطة دينية تحدد بنود الإيمان وتلك العملية يقوم بها في الإسلام علم الكلام وفي المسيحية علم اللاهوت، وتنشأ علوم المعتقد في مرحلة متأخرة بعد انتشار الرسالة الدينية، فاللاهوت بدأ بعد ٤ قرون، وعلم الكلام بعد ١٠٠ عام من الإسلام، وتنشأ البنود ويتفق عليها ثم نجد أن من يخرج عنها يتهم بالكفر وهو ما حدث لفرج فودة، لكن إذا كانت علوم المعتقد محصورة في المؤمنين فلا مشاكل، ولكن إذا امتدت للمجتمع والدولة وتفرض نفسها عليهم، فليس من حقها وهذا ما يحدث الآن من صدام فالمادة ٢ في الدستور تمنع تكوين أحزاب غير دينية وتنص علي ضرورة «تكوين أحزاب دينية» وهذه هي المفارقة، والسلطة تقول ممنوع لكن المادة ٢ تنص علي ذلك.

وأنا لم أخف علي نفسي بعد فرج فودة لكنني هُددت من أستاذ جامعي وشابين تليفونيا فذهبت للمأمور الذي أمر بتخصيص حراسة خاصة لي طوال فترة التهديد.

* ما رأيك في الحزب الوطني الديمقراطي؟

- تيار الإخوان المسلمين يسود المجتمع المصري بما فيه الحزب الوطني وممكن أن أكون مخطئًا، ولكن هذا تصوري المنطقي، والمعروف أن منطق الفكرة أقوي من صاحب الفكرة وتلك هي منطقية المادة الثانية لابد أن تكون واضحة، لكن نشأت مبادئ الشريعة التي قال عنها المستشار طارق البشري «قانون إلهي» غير أن فتحي سرور قال «ده تعبير عن الحضارة الإسلامية» لكنني ملتزم بمنطقية الفكرة وهي أنها تؤكد علي ألا تصرح بحزب ديني»، لكن المزاج العام للشارع المصري يستطيع أن يصل بالتيار الإسلامي إلي السلطة إذا تم إجراء انتخابات بلا قيود.

* ماذا حدث في مؤتمر كوبنهاجن؟

- استلمت خطابًا من وزير الخارجية الدانماركي يدعو إلي المشاركة في تجمع أردني مصري إسرائيلي فلسطيني، وقبلت بلا تردد، وذهبت واتهمنا بالخيانة العظمي قبل أن نصل كوبنهاجن واجتمعنا، وبعد أن اتفقنا علي البيان واعتمدناه طلبت الكلمة لوجود ملحوظة لدي قلت إنني أري أن الشرق الأوسط محكوم بأصوليات دينية ثلاث إسلامية ومسيحية ويهودية، وطالما أنه محكوم بذلك فلا سلام لأنها متصارعة ضد بعضها البعض،

ولابد أن تقضي إحداها علي الأثنتين الأخريين،وبناء عليه فنحن تجمع من أجل السلام، كما أننا بحاجة لتأسيس تيار علماني يسمح بالوقوف ضد التيار الأصولي، ويمكن في هذه الحالة عندما ندخل في مفاوضات قبول تنازلات معينة، لأن المفاوضات يحكمها تفكير نسبي وليس مطلقًا، وقد هوجمت في الحال من اثنين من المؤتمر أحدهما أصولي يهودي والآخر إسلامي ورغم أنهما أعداء إلا أنهما اتفقا ضدي وطالبا بإعادة صياغة البيان، ولو تتبعت ستجد أن ما قلته في كوبنهاجن هو ما يحدث الآن.

والحقيقة أن أكبر طبقة خائنة في المجتمع هي طبقة المثقفين وأكثر من السلطة السياسية لأن المثقفين لم يؤدوا مسؤولياتهم سواء تجاه تنوير المجتمع أو في الوقوف ضد الأصوليات الدينية.

وأتذكر أنني في عام ١٩٨٨ حضرت المؤتمر العالمي الفلسفي والذي عقد في برايتون - إحدي ضواحي لندن - وكان من حقنا في هذا المؤتمر أن نقترح عقد ندوة بعد أن نحصل علي موافقة بها وبالفعل اقترحت إقامة ندوة تحت عنوان «الأصولية العلمانية في الشرق الأوسط المعاصر» وكان موعد الندوة الساعة الواحدة ظهرًا، وقبل ميعاد الندوة بقليل ذهبت إلي القاعة المخصصة لعقدها ففوجئت بتواجد الجمهور أمام القاعة التي كانت مغلقة علي الرغم من أن باقي القاعات مفتوحة.

وذهبت لأسأل المنظمين عن سبب إغلاق القاعة التي ستعقد فيها الندوة، فقالوا لي إن الأمن سيفتحها في موعدها المحدد فعلمت أن «الموضوع فيه حاجة». وفي نفس هذا العام قررت الأكاديمية الأمريكية للعلوم والآداب منح جامعة شيكاغو ٥،٢ مليون دولار لدراسة الأصوليات في العالم بحيث تصدر ٥ مجلدات تتحدث عن كل الأصوليات.

ولاشك أن العالم العربي والمصري في غيبوبة عن هذه الأجزاء ومن الضروري قراءة هذه المجلدات خصوصًا أنه لا توجد أصولية في هذا العالم تنفرد بنفسها، فالأصولية البوذية موجودة في باكستان والهند، والأصولية الإسلامية واليهودية في الشرق الأوسط، وأنا أرفض الخلط بين الإسلام والأصولية الإسلامية، وينطبق هذا علي المسيحية والأصولية المسيحية واليهودية والأصولية اليهودية لأن مفهوم الأصولية له خصائص معينة، وله نسق فكري محدد، فهي تعتمد علي حرفية النص الديني أي عدم إعمال العقل في النص الديني ومعارضة النظريات العلمية التي يتوهم الأصولي أياً كان أنها ضد العقيدة، بالإضافة إلي المقاومة الشرسة للعلمانية والتنوير والليبرالية، فالدين شيء والأصولية الدينية شيء آخر.

* ما رأيك في منظومة التعليم في مصر؟

- قيمة العلم غائبة في المجتمع، ففي أواخر الثمانينيات قدمت مشروعاً للدكتور فتحي سرور عن الإبداع والتعليم العام ورحب به بشدة، وبالفعل قمت بتحديد أبعاد هذا المشروع، وقال لي سرور نريد بث روح الإبداع في التعليم، وتساءلت وقتها كيف يمكننا «هز المنظومة التعليمية»، وطرأت عليه فكرة محاولة تغيير تلك المنظومة عن طريق الامتحان، حيث اقترحت أن يتم وضع سؤال في الامتحانات يتم من خلاله اختبار درجة الإبداع للطلبة، أي أنه يستلزم إبداعًا وإجابته تكون دون نموذج، ويترك للمدرس أن يري مدي إبداع الفكرة التي يعرضها الطالب، وقلت وقتها أهم شيء أن تشمل الإجابة ألفاظًا واضحة المعني، وأن يكون هناك تسلسل منطقي في أفكار الطالب وليس من المهم أن لا يصل إلي نتيجة غير مرغوبة،

ولكن المهم أن يكون مسار تفكيره علميا، فقال الدكتور سرور إن هذا يستلزم أن نقوم بإنشاء مركز للامتحانات ويقوم هذا المركز بالضغط علي المنظومة التعليمية كلها بحيث يعمل كل من المدرس ومؤلف الكتاب والمفتش في إطار العملية الإبداعية، واقترح سرور أن يتم تخصيص شعبة لهذا المشروع، لكنني عرضت عليه أن يكون مركزًا وعللت ذلك بأن المركز سيصبح له تأثير قوي ولكن الشعبة ستصطدم مع الشعب الأخري ووافق علي اقتراحي وقال أن هذا سيستلزم قرارًا جمهوريا لتنفيذ الفكرة وبالفعل صدر القرار الجمهوري وتم إنشاء المركز ولم أدع إلي افتتاحه وتحول بعدها إلي بنك للأجوبة والأسئلة بحيث يتم تدريب الطلبة علي هذا النظام وبهذا تحول إلي نظام مضاد للإبداع وتم إفساد المركز،

وبعد أن قام الدكتور سرور بتعييني رئيسًا للجنة الفلسفة وجدت أننا يجب أن نجبر المسؤولين في الوزارة علي تطوير الكتاب بحيث يسمح بتنفيذ العملية الإبداعية خاصة أن الكتاب يتم طبعه ورميه بعد ذلك ويقوم الطلبة بشراء كتب «الفجالة» التي تحتوي علي ملخص للمناهج، واقترحت أن نمنع طبع أي كتاب خارجي بالوزارة لأجبرها علي تطوير كتاب الفلسفة واحتجت «الفجالة» علي هذا القرار لأن هذا سيشكل خسارة كبيرة لها ونجحت «الفجالة» وقلت للدكتور حسين كامل بهاء الدين وزير التعليم الأسبق في إحدي المرات أنت وزارة الظل لكن الوزارة الحقيقية هي وزارة الفجالة.

* لماذا يتراجع دور المثقفين في القيام بدورهم؟

- كنت أريد أن أعرف السبب في تراجع دور المثقفين فقمت بتأليف كتاب بعنوان «جرثومة التخلف» وأثناء دراستي لطبقات الجراثيم وصلت إلي طبقة تسمي المحرمات الثقافية والمقصود منها ممنوع التفكير في «كذا وكذا وكذا»، وتداعي إلي ذاكرتي أنه بالرغم من أن أوروبا كان بها محرمات ثقافية إلا أنه كان هناك نخبة مسؤولة دفعت الثمن، ومن الممكن أن نجد هنا مطاردة لأفراد، لكن السؤال: هل هؤلاء الأفراد دفعوا الثمن؟ لكنني أعتقد أنهم لم يدفعوا الثمن وإلا كانوا أحدثوا تيارًا، فالمفكر عندما يجد نفسه مهددًا لا يدفع الثمن وبالتالي نحن عاجزون عن إحداث تراكم بالتقدم.

والمثقف الآن يستنكف أن يقول أنا معجب بفكرة مثقف آخر لكنه إما أن ينسبها لنفسه أو ينسبها لشخص آخر نكاية في هذا الشخص وقد حدث معي أن نقل أحدهم صفحة كاملة من أحد كتبي ونسبها إلي صامويل هانتنجتون وقال: يقول هانتنجتون فإتصلت به وقلت له هل تريد أن يقولوا عني إني «حرامي» وطلبت منه أن يكتب اعتذارًا في الجريدة وفعل ذلك.

* ما تحليلك للشارع المصري في ظل حالة الاحتقان السائدة ضد السلطة؟

- أنا اهتم برجل الشارع وقد نظمت مؤتمراً دولياً يناقش موضوع رجل الشارع، وخصوصا أنني أري أن الثورة العلمية والتكنولوجية أفرزت ظاهرة جديدة وهي لفظ اسمه «mass» وترجمته الكتلة أو الجمهور وقد استخدمت معني الجمهور، لأنني وجدت مصطلحات أخري ظهرت مثل وسائل الإعلام، فلفظ وزارة الإعلام خاطئ والأصح هو وزارة الإعلام الجماهيرية، لأن مسؤوليتها في هذه الحالة هي الجماهير ونفس الشيء ينطبق علي مصطلح «mass culuture» وتعني الثقافة الجماهيرية.

وعملنا مع رجل الشارع نقيض ما تطلبه الثورة التكنولوجية، فالقنوات الفضائية علي سبيل المثال، والتي نشأت من الثورة العلمية التكنولوجية هي السوق الذي يعمل فيه المثقف المستنير مع رجل الشارع، فيمكن تنوير رجل الشارع عن طريق القنوات الفضائية، وعلي سبيل المثال قضية الانفجار السكاني تحاول النخبة المستنيرة أن تزيل من ذهنه مفهوم أن القضية ليست في مصطلحات «المكتوب علي الجبين أو القدر» خصوصاً أن هناك سلطة دينية تعمل علي دفع الانفجار السكاني،

لذلك فالقنوات الفضائية ستقوم بتوعية الجمهور ليدرك أنه في إطار التنمية والثورة العلمية والتكنولوجية نحن مضطرون أن نحد من الإنجاب لننتهي من قضية الانفجار السكاني، خصوصا أن السلطة السياسية تعلن دائماً أن هناك مشكلة هي الانفجار السكاني، لكنها في الوقت نفسه، لا تستطيع تغيير نسق القيم التي تؤدي إلي الانفجار السكاني فهذه مسؤولية السلطة الثقافية، وعلينا أن نلجأ للأسلوب المناسب،

وعلي سبيل المثال في القرن الثالث عشر عندما وقف الحاكم ضد السلطة الدينية، قال له المثقفون: أنت محتاج لابن رشد، فوافقت السلطة السياسية ولم يسألوا «ابن رشد هذا ملته إيه»، ونشأ تيار الرشدية اللاتينية وقد أثبت بالوثائق تأثير ابن رشد في الإصلاح الديني.

لكن للأسف العلم في مصر لا يجد من يحميه، ولكن الدين له من يحميه، فالمشكلة أننا نريد أن نبحث عمن يحمي العلم، ولذلك قاموا بدعوة أحمد زويل فـ «مشي»، وفي إحدي المناسبات دعيت للحوار معه في دار الأوبرا وسألته «يا دكتور زويل كيف تقدمت في أمريكا وجيناتك «متخلفة»؟ فأجابني بأسلوب الخطابة قائلاً: لا إحنا الجينات بتاعتنا فرعونية».



اجمالي القراءات 2873
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق