المستشار فؤاد راشد : بلاغ للنائب العام هيبة القانون الضائعة !

اضيف الخبر في يوم الإثنين ١٢ - سبتمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: البديل


المستشار فؤاد راشد : بلاغ للنائب العام هيبة القانون الضائعة !

سؤال طاردني وأنا أقيم   خارج أرض وطني ,  وقد تحول السؤال بعد عودتي  الي كابوس مؤرق , ومؤدي السؤال هل تتحول مصر الي غابة حقيقية؟ هل نعود الي عصر ماقبل التاريخ والدولة ؟ وهل نصبح بلدا لامكان فيه لضعيف ؟

قبل أن أتهم بالمبالغة أو رؤية الحقيقة من خلال منظار أسود فاني أبادر الي ايراد  عناوين بعض الصحف : ماذا يحدث في جمهورية صفط اللبن  ؟ ذبح مواطن وقطع يد آخر وتشويه أربعة طبقا لحد السرقة .. أساتذة الاجتماع : كثرة حوادث السرقة أصابت المواطنين بالضيق وخلقت لديهم الرغبة في الانتقام .. (الدستور اليومي الثاني من  سبتمبر سنة الجاري )..  تحريات الشرطة تشير الي ارتكاب ستمائة انسان جريمة صفط اللبن .. هجوم مسلح يقوده مسجل خطر علي نقطة شرطة في  الأقصر.. هجوم مسلح علي مطعم في ديروط .. البلطجية يبترون يد  صاحب ورشة في باب الشعرية ..  خمسة عشر جريمة خطف وطلب فدية .. ضبط تسع عصابات وثمانية وأربعين تاجر مخدرات ( المصري اليوم  الثاني والثالث والرابع من سبتمبر الجاري ) بلطجية يقتحمون مكتب مكافحة جرائم المخدرات بفاقوس ويطلقون سراح متهم  ( اليوم السابع بتاريخ الرابع من سبتمبر الجاري ) السلاح في يد الجميع , مواجهات مسلحة بين قري في قنا , سطو مسلح في الدقهلية , الرصاص يحسم أولوية المرور في نجع حمادي ( الشروق الخامس من سبتمبر الجاري )

أعرف أن الجريمة ظاهرة انسانية اجتماعية , وأعرف أن هناك مدنا في الولايات المتحدة وأوربا  وغيرها ترتكب فيها جرائم أشنع , وأعرف أن مصر طوال تاريخها ترتكب فيها جرائم باعتبار أن ساكنيها بشر وليسوا ملائكة .

أسلم بكل هذا ولكن الجديد أن جرائم العنف صارت تتخذ صورة بالغة الخطورة لتحديها سلطة الدولة جهارا نهارا وبلا مواربة  وهو مايوفر مناخا  يهدد الثورة اذ يكسبها في كل يوم خصوما جددا من مؤيديها  , فالقضية باختصار شديد أن كل من تنتهك حرمته أو يسرق ماله أو يهدد في أمنه ليس ملوما اذا تحول الي ساخط علي الثورة , وهناك نغمة  كانت تتردد خافته ثم صارت تعلو نبرتها وتطرح في جملة من قبيل  ( هذا ما أخذناه من الثورة ) !

علينا أن نعالج الأمر اذن ,  والبداية أن نشخص  الداء لأنه يستحيل – علميا وعمليا – أن يكون القرار صحيحا في غيبة معلومات صحيحة .

تكمن خلف ضياع هيبة القانون عوامل لابد من التعاطي معها بحكمة وشجاعة ودون خداع لأنفسنا   وهذه العوامل – في تقديري – تكمن فيما يلي أولا فقدان الاحساس بالعدل وشيوع منطق مدمر مؤداه أن القانون انما يخضع له الضعفاء , فلما قامت الثورة ضعفت هيبة الشرطة فاستقوي الكثيرون وصار خرق القانون بدءا أمرا ذائعا , وما أوردته من تعالي البعض علي الخضوع للقانون  مسلم لا يتناطح  فيه عنزان , بل ان أكثر الناس خروجا علي القانون هم بعض رجال القانون  بكل أسف , وهناك عبارة شائعة تلقي بقوة لتصعق رجل الشرطة عندما يهم بتطبيق القانون علي البعض  وهي  ( الا تعرف من أنا ! ) والأمر امتداد لثقافة بالغة الرداءة يقوم علي حراستها تراث نابت من أزمنة الهوان مؤداها أن الماء لا يصعد الي العالي ! بينما في دول العالم المتقدم يخضع الجميع للقانون بدءا من رئيس الدولة والأمثلة لا تحصي , من ذلك أن القيامة قامت في بريطانيا عندما استقلت زوج رئيس الوزراء المترو دون حجز  تذكرة لأنها استيقظت من النوم متأخرة فقامت مسرعة لتلحق موعد محكمة تنعقد في  مدينة بعيدة وكانت محامية موكلة للترافع عن أحد الناس , وبرغم أنها دفعت ثمن التذكرة والغرامة في محط الوصول فان الصحافة هاجمتها هجوما ضاريا وغضب الرأي العام باعتبار أن أصحاب السلطة وذويهم  هم أحري الناس باحترام القانون .

وعلي ذكر قانون المرور فان من عجائب مصر أن هناك فئات مستثناة من تطبيق أحكامه وهم عموما كبار المسئولين ! أيليق بالله هذا ؟ وهل هناك وجه منطقي لافلات أحد كائنا من كان من الخضوع لأحكام القانون , والي متي نظل محكومين بثقافة الماء الذي لا يصعد للعالي بينما العلو الحقيقي كما تراه الأمم المتحضرة ويوافق المنطق والعقل انما يكون في احترام القانون وتطبيق أحكامه علي الجميع .

حكي لي من أثق به أنه عين وكيلا لقائد  المرور في احدي محافظات الوجه البحري , وما أن تسلم عمله حتي  أعطاه قائد المرور قائمة بأرقام سيارات محددة  منبها اياه لقيمة ومقام ونفوذ أصحابها , وحتي يلقي في نفسه الرعب راح يذكره بجزاء من تعرض لأي هؤلاء النافذين من الضباط السابقين حيث نقلوا لأماكن نائية , ولازلت أذكر من بين الأسماء اسم نائب مخضرم في البرلمان ينتمي لعائلة ثرية .

ولاشك أنه ما من مصري الا وجعبته عامرة بمئات القصص في هذا الاتجاه والنتيجة أن تطبيق القانون أصبح عند البعض دليل عجز بينما الافلات منه صار من علامات الوجاهة والنفوذ , ومن له قريب أوصديق يعمل ضابطا  بالمرور يعلم علم اليقين أنه بمجرد ضبط السيارات المخالفة فان الهواتف النقالة تصاب بالسخونة و تستنجد بالنافذين من الأهل والمعارف , حتي أن بعض الضباط يضبط عشرين سيارة فيضطر الي اخلاء بعضها ثم يشعر بالخجل من الباقين فيقول لهم توكلوا علي الله انصرفوا ! ومن آيات عدم تطبيق القانون علي الجميع مانراه علي ساحة العدالة المصرية اليوم من مفارقات موجعة تثير المرارة سيرا وراء منهج يلائم وصف جبران خليل جبران (فالسجن والموت للجانين ان صغروا والمجد والفخر والاثراء ان كبروا , فسارق الزهر مذموم ومحتقر وسارق الحقل يدعي الباسل الخطر , والتطبيق الحرفي للبيتين يجري بهمة اذ يساق صغار المجرمين الي محاكمات سريعة تنتهي بأحكام  باترة ( ولا اعتراض لي هنا ) ولكن أكابر المجرمين مدللون يتنقل كبيرهم بين مستشفيات خمس نجوم بينما يرقد من سرق بيضة في غياهب السجون وتطبق عليه لوائح السجن بحزم , وليس هذا منطق الثورات ولايمت لها بصلة ونذكر لمجرد التذكرة أن الثورة الفرنسية قامت لدواعي شبيهة  بأسباب الثورة المصرية وهي  فساد الطبقة الحاكمة والامتيازات الطبقية وتدخل الملكة ماري انطوانيت في تعيين الوزراء وضعف شخصية الملك لويس السادس عشر , وبينما أعدم في فرنسا الملك والمللكة ونحو أربعين الفا حتي النائب العام فوكييه تينفيل قد حل عليه الدور فأعدم , ولا نطالب باعدام أحد ظلما ولا في محاكمات عاجلة ولكننا نطالب بمساواة المجرم الأكبر الذي فعل بمصر وشعبها الأفاعيل بغيره من صغار المجرمين فلايعامل معاملة تستفز تسعين مليون مصري  سامهم الخسف وسلط عليهم الأوغاد فريقا يقمع وفريقا ينهب ثرواتهم , وختم بنكبة عظمي هي قتل نحو الف مصري واصابات ضعفهم بعاهات مستديمة , ثم نسمع في كل يوم عن وجع في رأسه أو نوبة اكتئاب أصابته طلبا لشفقة لامحل لها , فالأجدر بالشفقة المجني عليه لا الجاني ! أويسمح حال محاكمته بالاعتداء علي أهل الشهداء ووضعهم في متناول أيدي من لانعرف من أي نبع شربوا من الباكين علي كنز اسرائيل الاستراتيجي , ومن المفجع أن قاتل الشهداء يلقي رعاية بالغة بينما أهل ضحاياه يهانون ويتعرضون للضرب مما يقض مضاجع الشهداء في قبورهم !

والسبب الثاني  أن بعض القوانين تمثل أكبر اغراء لخرقها  , وعلي سبيل المثال فان الضرب الذي لايخلف اصابات لايحاكم مرتكبه باعتبار أن اهانة المواطن أمر لاقيمة له ,  وبالنسبة للسب مهما  كانت بشاعة الألفاظ وفحشها  فان النيابة تحفظ البلاغ  مقررة أن الأمر ليس جريمة  بناء علي تعليمات من النائب العام منذ خمسينات القرن الماضي .

لقد تحول المشرع المصري خاصة بقيادة الدكتور فتحي سرور   الي صكاكة لاخراج قوانين تحمي ولي النعم وتقنن لوراثة الحكم من بعده ولو مات أكثر المصريين قهرا , بينما لم يلتفت الي مايهم الناس في حياتهم ويسن له التشريعات الملائمة , حتي أن نهر النيل صار مصبا للمجاري ومخلفات المصانع بينما كان المصري الفرعوني  يعتقد أن أول ما يسأل عنه يوم البعث هل لوث ماء النيل أم لا  , وكل ذلك والمشرع يغط في نوم عميق باعتبار أن الدولة قد اختزلت في شخص الرئيس المخلوع وأسرته وأن مهمة المشرع بالأساس هي تحويل أحلام الأسرة الي قوانين !

والسبب الثالث يكمن في أداء الشرطة , وهو ملف ملتبس يحتاج الي حلول ثورية خلاقه , وقد قلت من قبل في مناسبات سابقة  وأكرر أن اللواء منصور العيسوي – مع الاحترام لتاريخه – ليس رجل المرحلة وأنه لابد من  توفير الضمانات اللازمة لرجال الشرطة لحسن أداء عملهم  ولابد أيضا من  محاسبة المقصرين منهم والمتقاعسين بهاجس أن علي الذين ثاروا علي اهانات الشرطة أن يدفعوا ثمن ثورتهم  , لأن الشرطي أجير لدي الناس يتقاضي راتبه من مالهم وليس من حقه اهانتهم  ! وأقترح  تخريج دفعات من خريجي كليات الحقوق ليكونوا ضباطا في غضون أسابيع بعد تلقيهم دورات شرطية وحقوقية مع مواصلة تطهير الجهاز الأمني من كل من تلوثت يداه بانتهاك كرامة المصريين أو حريتهم ,ولابد من تنظيم حملات جادة لاعادة الانضباط للشارع المصري الذي ينحدر الي هاوية من الفوضي والانفلات .

والسبب الأخير يعود الي الجهاز القضائي القائم علي تطبيق القانون  , وهناك  تياران  رئيسيان يحكمان مبدأ تناول هذا الملف الشائك , تيار  يقول أصحابه ان للقضاء حرمة تحول دون طرح ماتعلق به علنا وجهرا صونا للثقة العامة فيه , وتيار آخر- أراه محقا- يقول ان ما أثير من قضايا تتلق بالشأن القضائي  بالغ الخطورة وصار جزءا من العلم العام وأنه يستحيل مجاراة منطق التستر لأن الأمر ذائع مدوي بحيث صار جزء من هتافات ميدان التحرير ( الشعب يريد تطهير القضاء )  , وهناك أمران  تدور من حولهما علامات الاستفهام ازاء الصمت المريب وعدم فتحهما رغم أن أصواتا بحت للمطالبة بالتحقيق وهما أولا  ماقيل عن تزوير الانتخابات البرلمانية عامي الفين وخمسة والفين وعشرة وماتردد عن تورط بعض القضاة في ذلك , والغريب في القصة أن لعنة تشبه لعنة الفراعنة أحاطت بهذا الملف,  فكل من تناوله بطلب التحقيق لوحق اداريا أو جنائيا بينما بقيت الموضوع الأصلي   مغلقا محروسا بروح الغائب الحاضر حسني مبارك , والأمر الآخر هو  ماتسرب من أقبية الجهاز المقبور أمن الدولة العائد للحياة تحت مسمي الأمن الوطني , وقد نشر  أن بعض القضاة كان متواطئا  مع الأمن  يتلقي توجيهات مسبقة لاصدار أحكام معينة متفق عليها ضد خصوم النظام !

والغريب أن وزراة العدل التي أحالت قاضيا الي الصلاحية لأنه قبل منحة للدكتوراة من خلال مؤسسة فريدوم هاوس الأمريكية بدعوي أن المؤسسة تعادي مصر اذ تعلن أنها ليست محكومة حكما ديموقراطيا ابان عهد الرئيس المخلوع ,و هي نفس الوزارة التي رفعت و ترفع الي اليوم شعارها الخالد ازاء المصيبتين  وهو لاأري لاأسمع لا أتكلم !

ولقد تقدمت بطلبات الي النائب العام لكي يحقق في الأمر باعتبار أن ما ذكر  يشكل – لو ثبت  – جرائم جنايئة , وطالبت مرارا علي قنوات فضايئة ومنابر صحفية وزير العدل بالتحقيق وتشكيل لجنة من كبار القضاة لهذه المهمة مع احالة من يثبت ارتكابه جريمة جنائية من القضاة الي المحاكمة التأديبية والجنائية أو اعلان براءة الساحة القضائية مما حام من شبهات  ولكن الجواب ظل صمتا لاأعرف له سببا ولا أظن غيري يعرف .

وها أنذا أتقدم  اليوم بالبلاغ التالي الي وزير العدل والنائب العام ..

السيد المستشار وزير العدل

السيد المستشار النائب العام

تحية طيبة وبعد

فقد ورد في تقارير لمحكمة النقض بشأن الانتخابات البرلمانية لعام الفين وخمسة  أن ما أعلن من نتائج بعض الدوائر  يخالف الحصر الفعلي لأعداد من أعطوا أصواتهم لبعض المرشحين , وهو أمر يحتمل في بعض وجوهه أن يشكل جناية التزوير في اوراق رسمية من موظفين عامين حال قيام الدلائل الجدية علي ذلك , كما تسرب من وثائق جهاز أمن الدولة ما يشير الي اصدار قضاة أحكاما باتفاق مسبق مع الأمن  وهو أمر يشكل – لو صح – جريمة التوسط لدي قاضي وقبول قاضي وساطة واصدار حكم بناء عليها

وحيث أن الثوب القضائي لا يحتمل هذا العبء المرهق علي نقائه وثقة الناس فيه فانني أتقدم طالبا التحقيق في الأمر برمته اداريا وجنائيا واعلان براءة الثوب القضائي مما لحق به من شبهات أو احالة من يثبت تورطه في أمر مما تقدم الي المساءلة جنائيا وتأديبيا .. وتقبلوا التحية .. المستشار فؤاد راشد .. رئيس محكمة استئناف القاهرة .. الا هل بلغت اللهم فاشهد !

اجمالي القراءات 2136
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق