المستشارة نهى الزيني تكتب: ياقضاة مصر الشرفاء امتنعوا عن المشاركة في انتخابات الإعادة

اضيف الخبر في يوم الجمعة ٠٣ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الدستور


المستشارة نهى الزيني تكتب: ياقضاة مصر الشرفاء امتنعوا عن المشاركة في انتخابات الإعادة

"إركن على جنب إنت مش طالع من هنا تاني" ...

مقالات متعلقة :


هكذا خاطب ضابط مصري قاضياً مصرياً بعد أن خطف كارنيه نادي القضاة من يده طالباً منه بلهجة آمرة أن "يركن على جنب" ...

لم يكن القاضي يقود سيارته بشكل متجاوز ليؤمر بأن يركن على جنب ، ولم يكن الضابط من العاملين بإدارة المرور لكي يطلب من مواطن بدرجة قاض أن "يركن" بسيارته المخالفة على جانب الطريق ...

 لكن القاضي كان داخلاً على قدميه إلى المدرسة التي تُجرى بها الانتخابات التشريعية ليؤدي مهمته الموكلة إليه بموجب القانون في الاشراف على سير عملية الاقتراع ، ولأن القاضي تجاوز الدور المرسوم له بأن يجلس مع باقي القضاة ليتناولوا القهوة والمشاريب في غرفة داخل قسم الشرطة ليس بها أية وسيلة اتصال وغير مسموح للمواطنين من المرشحين ومندوبيهم أو الناخبين بالوصول إليهم لتقديم شكاوى بشأن عمليات التزوير التي سارت على قدم وساق داخل لجان الاقتراع ، ولأن القاضي "اعتقد" أن من حقه – بل من واجبه – القيام بجولة على اللجان للاطمئنان على سير الأمور فقد كان جزاؤه تلقي سيل من الاهانات بدءاً من البلطجي الواقف على باب لجنة مخصصة لتصويت السيدات ليقوم بمنعهن من الدخول أو التحرش بهن عند اللزوم ، إلى ضابط المباحث وحتى الموظفة المكلفة بتسويد البطاقات والتي سألها القاضي في براءة فطرية مدهشة عما تفعل فأجابته بتحد : "عايز تقول إني بازور ؟ أيوه بازور" ثم أخبره شقيقها الذي كان بصحبتها داخل اللجنة ! في تحدٍ أكبر عن اسمها الثلاثي ..

أسماء الأبطال الثلاثة الذين أدوا أدوارهم في هذه الرواية الهزلية كلها معلنة : القاضي وليد الشافعي رئيس بمحكمة استئناف القاهرة ، الضابط أحمد مبروك رئيس مباحث البدرشين والموظفة داليا مخلص الدالي "مسودّة" بطاقات لجنة مدرسة البدرشين الإعدادية بنين ومسودّة وجه مصر الذي فضحته انتخابات العار التي لم تشهد أكثر البلاد تخلفاً مثيلاً لها والتي كشفت فجاجتها جميع وسائل الإعلام – أقول الإعلام وليس التوجيه والإرشاد –  المحلية والعربية والعالمية بالصوت والصورة والتعليقات التي أجمعت على أن ماحدث لم يكن انتخابات ولابرلمانية ولايحزنون .

لست أحب أن أبدو مثل هؤلاء الذين يدّعون الحكمة عند كل موقف فأردد : لقد قلت من قبل .. لقد حذرت من قبل ..
لكنني اليوم أجدني مدفوعة كلما اتصل بي أحد المراسلين ليسألني عن رأيي فيما حدث إلى أن أردد هذه الكلمة التي تبدو سخيفة رغم حقيقتها : لقد سبق وحذرت من ذلك !

نعم ، لقد أطلقت صيحتي للقضاة منذ أعوام وطلبت منهم الامتناع عن المشاركة في هذه المسرحيات الهزلية التي تسمى انتخابات ، ففي مصر لاتوجد انتخابات ولكن توجد بلطجة الاستحواذ على المقاعد ، بدءاً من انتخابات الاتحادات الجامعية التي جُربت فيها "البلطجة الرسمية" لأول مرة ونجحت وحتى جميع انتخابات المحليات والتشريعية والرئاسية المقبلة أيضاً ، فأي دور للقضاة حينئذ إلا أن يصبحوا ستراً للتزوير أو أن  يُذلوا ويهانوا وتُخسف بهم وبمنصاتهم الأرض ؟

ولقد صدّقت الأحداث المتوالية على صيحتي المحذرة ، فمن منا نسي ماتعرض له القضاة من إهانات وتعدي واحتجاز داخل اللجان في الانتخابات التشريعية الماضية ؟ ومن منا نسي منظر ذراع القاضي محمود حمزة المكسورة بعد اعتداء الأمن عليه أمام نادي القضاة ؟ ومن نسي الحملات الإعلامية الموجهة التي تعرض لها القضاة الشرفاء الذين رفضوا أن يتم التزوير باسمهم ؟ ثم ذلك التعدي على منصات الأحكام الذي لم يحدث قبل توريط القضاة في الانتخابات واتهام بعضهم بالتزوير وتعرض الشرفاء منهم لسهام الأقلام المسمومة ..

 ولقد بدأت الإهانة هذه المرة من القمة ، من مجلس القضاء الأعلى الذي تجاهلته اللجنة العليا للانتخابات في انتدابها القضاة المشاركين في الانتخابات مع انه الوحيد المنوط به قانوناً الموافقة على هذه الانتدابات ، هذه اللجنة التي قال رئيسها للقاضي وليد الشافعي انها غير مختصة بما تعرض له من إهانة ، نعم ، هي غير مختصة حتى بالغضب أو بالاحتجاج المترفع لما تعرض له قاض حاول أن يؤدي واجبه فكان القهر والإذلال من نصيبه ..

أما هؤلاء الذين ملأوا الدنيا صراخاً حين تعدى محاميان شابان على وكيل للنيابة وأخذوا يلوحون بأن الشرف الرفيع للقضاء لايسلم من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ ، هؤلاء صمتوا جميعاً إزاء ماحدث إلا من همهمات ضعيفة تفضح التخاذل أكثر مما تستره ولم نر غاضباً إلا الوجوه ذاتها التي تغضب دائماً وحقاً لكرامة القضاء ولانتهاك العدالة ، تبرز دائماً على واجهة الأحداث رغم مانالها من تطاول ومن رذاذ كلمات سافلة .
 
ولكن كيف نضع حداً لهذا الهوان ؟

إنها نفس الصيحة التي أطلقناها من قبل ونكررها اليوم : امتنعوا تماماً عن المشاركة في هذه المهازل الانتخابية – بدءاً من انتخابات الإعادة الأحد القادم – فأنتم أكبر وأسمى من ذلك ، عليكم إملاء شروطكم الصعبة والحاسمة لتحقيق انتخابات نزيهة تليق بمشاركتكم –حتى في صورتها الرمزية الحالية- وإلا فلا إشراف ولامشاركة ولاتواجد فعلي أو رمزي لقاضي من القضاة ..

لايليق بالقضاة أن يشتركوا في عمل واحد مع البلطجية المأجورين ، فالمكان لايسع الإثنين : فإما قاض وإما مجرم ، صدقوني إن كرامة منصة العدالة كشرف الفتاة لايضئ إلا لمرة واحدة ثم يبقى ملوثاً إلى الأبد .           

اجمالي القراءات 2709
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق