رقم ( 3 )
الفصل الثانى : الابتلاء بالكوارث الطبيعية

بسبب ظلم الانسان ( ظهر الفساد )

أولا : الميزان والتوازن بين شرع الله جل وعلا وخلق الكون والانسان

1 ــ إن الميزان هو أساس الخلق وأساس التشريع، وينبغي أن يكون أساس السلوك البشري، فإذا انحرف ذلك السلوك البشري عن الميزان والقسطاس المستقيم حدثت الكوارث .

2 ــ  تفاعل المادة بحساب دقيق أو بتقدير إلاهى مُحكم : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً (2) الفرقان ) إن المخلوقات الحية والمادة وعناصرها والأجرام السماوية مخلوقة بتقدير الاهى غاية فى الدقة والحساب:( وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)   )الأنعام ) ، يسرى هذا على حركة الذرات والكواكب والنجوم والمجرات ( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)) يس) . إنه الميزان أو ما نسميه بالتوازن في حركة الأفلاك "( الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5))( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)( الرحمن ). كل ذلك بحساب دقيق أو الميزان هو الذي يحفظ كل شيء في مداره وحركته وبدايته ونهايته ، يسري ذلك على الكون المادى فى ذراته وعلى الانسان فى خلاياه الحية ، وهو الذي جعله الله جل وعلا خليفة في الأرض مطالبا بالحفاظ على هذا التوازن في الكون: ( أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) الرحمن )، وفى التعاملات البشرية : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9) الرحمن ) .

3 ــ إذن هناك ميزان ـ أو توازن إلهي ـ  في الكون المخلوق أو الطبيعة ، وهناك ميزان إلاهى  آخر نزلت به شرائع الرحمن ، يقوم على أساس العدل والقسط.. يقول تعالى في ذلك الميزان التشريعي: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) الحديد  ) ، فالكتاب السماوي هو الميزان الذي ينبغي أن يقوم عليه القسط في حياة الانسان. ويقول تعالى عن القرآن الكريم آخر كتاب سماوي : ( اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) (17)  الشورى).

4 ـ وعندما يختل الميزان يكون الفساد وتقع الكوارث

يقع المرض في جسد الانسان حين لايراعي الميزان أو التوازن في طعامه وشرابه واستمتاعه وحركته، وحين يتدخل عامل خارحى فى جسده يؤثر فى هذا التوازن . ويقع الوهن في مجتمعه حين ينحرف عن الحق والعدل وحين تنتشر المظالم والفساد وما يتبعها من النفعية والسلبية والتواكلية . موظف صغير يسرق المخزن الذى يحرسه ثم يشعل فيه النار ليُخفى سرقته، فتمتد النار لتحرق وتفسد فى الأرض. المترفون الظالمون يحتكرون الثروة والسلطة فيلجأ الفقراء الى السكن فى أحياء عشوائية تنشر المرض والتلوث، وتصبح كوارث مستقرة ومستمرة . يؤجج المترفون الحروب التى تُهلك الزرع والضرع وتدمر البنية الأساسية ، وتنشر الخراب وتلوث البيئة . ويصل التدمير الى درجته القصوى باستعمال أسلحة الدمار الشامل ؛ الذرية والكيماوية و الجرثومية . هذه كلها مظالم مُحرمة شرعيا لأنها تتناقض مع الشرع الالهى القائم على ميزان القسط والعدل ، ويترتب عليها تلوث البيئة وتدميرها . 

5 ـ هذا الابتلاء بالكوارث سببه تدخل الانسان بالظلم لأخيه الانسان . ولكن قد يصل ظلم الانسان للبيئة مباشرة فيفسد التوازن الذى أوجده الخالق جل وعلا فيها . الأمثلة كثيرة ، ليس أولها النفايات المُشعّة وليس آخرها ثقب الأوزون. وهناك تجارب علمية مٌهلكة يتعدى فسادها الى البيئة . وفطنت البشرية مؤخرا لما يُحدثه التطور التكنولوجى من كوارث طبيعية ، فتنادت الى عقد مؤتمرات لرعاية ( الأرض ) . ولكن ستظل كوارث الأرض مستمرة ما بقى ظلم الانسان لنفسه ولبيئته .

ثانيا : ظهر الفساد

فى جريدة الاحرار بتاريخ 12ــ 10ــ 1992، ظهر لى هذا المقال بعنوان : ( ظهر الفساد فى البر والبحر !!) قلت فيه :

1 ـ فى طريقى إلى قريتى ( أبوحريز ) بمحافظة الشرقية قال أحدهم أنه يعيش فى قرية يسكنها أكثر من خمسين الفا، وبيوتهم عامرة ، وكل المسئولين فى القرية من أبناء القرية ، وجميعهم يصرفون مياه المجارى فى (البحر) الذى يشربون منه ، لا فارق فى ذلك بين مندوب الصحة أو مسئول الوحدة المحلية أو حتى العمدة وشيخ الخفر ، ويطل على البحر مصنع للطوب ، وقداعتاد صاحب ذلك (التنور) أن يصرف مخلفات  المصنع من السولار والقطران فى مياه النهر، وقال ان أهالى القرية المجاورة لهم اعتادوا غسل براميل المبيدات فى نفس النهر، وعندها كان يحدث تسمم عام للاسماك فى النهر فتطفو على السطح ويصطادها الاهالى ويأكلونها ويصاب بعضهم باغماء أو قىء ، ولكن لم تحدث وفيات ..وعندها لم  أستطع الصمت فقلت له : " إن الوفيات ربما لم تحدث حتى الآن ، ولكن انتظر بضع سنوات وسنرى نتيجة ذلك الاهمال والتراخى، سنرى كيف سيصاب الجميع بأمراض لا نهاية لها إلا بالموت ، بدءا من الفشل الكلوى إلى السرطان." . وقلت له : " ان ذلك التلوث الذى نصنعه بأيدينا هو المسئول عن انتشار ظاهرة الفشل الكلوى والسرطان فى شرق الدلتا على وجه الخصوص، واذا ذهبت الى معهد السرطان فى القاهرة وجد ت معظم المرضى من الارياف ، وقد استدعت هذه الظاهرة المؤلمة إلى انشاء معهد للسرطان فى محافظة الشرقية لكى يخفف العبء عن معهد الاورام فى القاهرة ، كما أن ذلك المرض اللعين قد بدأ فى الظهور على أجساد الاطفال الابرياء . ومعظم المرضى يزدحمون على المعهد فى القاهرة ، ومن يتمكن من الحصول على سرير فيه سرعان ما يتركه ليكمل العلاج فى بيته ليتيح الفرصة لمريض آخر ينتظر دوره على الرصيف المجاور للمعهد .

كما أن أقسام الكلى فى المستشفيات لم تعد تكفى المترددين عليها فأنشأ أحد أبناء المنصورة العظماء وهو الدكتور غنيم مركزا لعلاج الفشل الكلوى.  ومهما بذل فاعلوا  الخير فى تدعيم  تلك المعاهد والمراكز فإن جهدهم سيضيع هباء طالما ظل المصرى يعيش هذا التبلد والانانية، بصرف مخلفاته فى النيل، وتحملها مياه النيل الى الآخرين ليشربوها، فيتحول الماء الذى هو سبب الحياة الى سبب للموت، لأننا لانجد فارقا بين الكوب الذى نشرب منه والمرحاض الذى  نتبول فيه .!!"

2 ـ ماالذى حدث لنا ؟ أهى الرغبة المصرية الدفينة فى مقاومة السلطة الحاكمة ! فاذا كانت السلطة تعاقب من يلوث النهر فإننا بدافع المقاومة والانتقام نعصى الأوامر، وليس مهما أن كنا نحن الضحايا؟ . ولكن القرية التى تصرف مخلفاتها فى النيل ليس لديهم ذلك الخوف من المسئولين لأن المسئولين أنفسهم يفعلون ذلك .أهى الرغبة فى الانتحار البطىء لدى الفقراء بعد أن يئسوا من العلاج؟  ربما قالوا لأنفسهم إن الحيتان الكبيرة ترتع فى الفساد فى البر فلماذا لا نفسد نحن البحر؟ واذا كنا قد عجزنا عن مقاومة أولئك المفسدين المترفين فلنلوث لهم النهر الذى يشربون منه ليذوقوا بعض مانعانيه! ربما يفكرون بهذه الطريقة المضحكة، وإن كانوا لايعلمون أن المترفين لايشربون من النيل بعد أن اتضح لدى المترفين فى الداخل والخارج أن معدل التلوث فى النيل يفوق المسموح به، فأصبحوا يشربون المياه المعدنية، وتركوا النيل للفقراء يشربون منه ويقذفون بفضلاتهم فيه ..!!  أهى العادة السيئة المصرية التى تقول " وانا مالى" ؟ هل هى الانانية  والاهتمام بالفردية دون النظر للآخرين ؟ ربما.. ففى عصور القهر والاستبداد واتساع الفجوة بين الاثرياء   والفقراء ينكب كل انسان على نفسه ولا يعبأ بالآخرين، واذا كان ذلك واضحا بين الصفوة والنخبة فهو أكثر وضوحا بين جموع الشعب ، ونرى ذلك فى حادث فتاة العتبة وفى طريقة الحياة فى اللحظة الحاضرة ، أو المهم أن نعيش اليوم ولاداعى لأن نفكر فى الغد أو أن نفكر فى الغير.

3 ــ ومهما كان السبب فى ذلك التطور السلبى الذى طرأ على الشخصية المصرية فهو أخطر من تلوث ماء النيل ، إن تلوث النفس يظل أفظع من تلوث النهر . ومن السذاجة أن نطالب  فقط  بتطهير ماء النيل من التلوث ونترك أنفس المصريين مستنقعا لملوثات فكرية ومشاعر سلبية . صحيح أنه يمكن بالدعاية المكثفة فى التليفزيون وأجهزة الاعلام أن ننبه الغافلين الى خطورة التلوث وفظاعة أن نسمم مياه النيل بأيدينا ،لابد أن تتكاتف أجهزة الدولة لحماية النيل وحماية من يعيشون عليه من أنفسهم ، هذا ممكن ومطلوب بشدة وعلى وجه السرعة .. ولكن الاقتصارعلى ذلك سيجعل المشكلة أكثر حدة وأكثر تفجرا ،لأن الذى سيحدث أن تثور ضجة اعلامية وتحدث مواكب وتنطلق الزفة وتصدر الشعارات والتصريحات ثم ينفض المولد الى أن تظهر بدعة جديدة ينشغل بها الناس ، ويعود النيل أكثر تلوثا ، ويزداد الفقراء سلبية ويأسا ومرضا وقرفا .

4 ــ ان الحل الحقيقى هو علاج النفس المصرية من التلوث الذى يهدد حاضرنا ومستقبلنا ، ان المصرى ليس فاسدا بطبعه ، ولكن حين تنهمك أقلية من المصريين فى النهب والفساد فليس من حقك أن تلوم الأكثرية الضائعة الجائعة إذا سارت فى طريق الانتحار البطىء ..

5 ــ فى مصر بالذا ت يبدأ العلاج من فوق . من النخبة والصفوة والقدوة ، إن الله تعالى حين أرسل موسى لم يبعثه الى المصريين وإنما أرسله الى فرعون فقط ، بينما كان كل نبى مبعوثا

الى القوم أجمعين .. ولأن فرعون وآله كانوا من المفسدين  فقد دفع المصريون جميعا الثمن .. وذلك مانتعلمه من القرآن والتاريخ .

5 ـ ان الله تعالى يقول : (  ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم ) ، أى أن الفساد نتيجة لما يرتكبه الناس بأيديهم ، وهو أيضا عقوبة لهم.. وبالتالى فانه يمكن أن نحارب الفساد ونمنع أسبابه وظهوره فى البر والبحر ، ذلك اذا صدقت النوايا وآمنا بأننا جميعا فى مركب واحد يسبح فوق مياه النيل ، وأنه اذا غرق المركب غرقنا جميعا.. لافارق بين غنى وفقير أ و حاكم ومحكوم ..

6 ـ إن فساد الأقلية المترفة هو سبب شقاء الأكثرية .. وسبب تلوث النيل ..

                  

                                                                                         

 

 

السيول فى العصر العباسى

 

تعرضنا لابتلاءات الكوارث الناتجة عن ظلم الانسان بما يؤثر على الميزان ، أى التوازن فى البيئة وعناصرها من مناخ ومواد . لكن هذا التوازن فى حد ذاته يحتاج الى أن يُصلح ذاته بذاته ، طبقات الأرض قد تحتاج الى تعديل فتنشأ الزلازل. الكرة الأرضية تشبه مجازا البرتقالة . قشرتها تُخفى ما تحتها . القشرة الأرضية تحتها ( اللافا او الماجما ) أى الصخور الملتهبة الذائبة. الجبال هى مثل المسامير التى تثبت القشرة الأرضية حتى لا تميد بنا فوق هذه اللافا الملتهبة. والله جل وعلا يصف الجبال بأنها ( أوتاد ) : ( النبأ 7 ) وأنها :( رواسى ) ( النحل 15 ، الأنبياء 31 ، لقمان 10 )و( أوتاد ) ( النبأ 7 ) . جوف الأرض تحت القشرة الأرضية ينوء بما يحمل من هذه الصخور الذائبة الملتهبة فيدفعها الضغط لأن تتقيأها الجبال براكين متفجرة ، تبدو كارثة تدمر ما حولها .  نتكلم هنا عن كوارث لا دخل للإنسان فيها . وهى كوارث ينطبق عليها وصف الابتلاء . ولأنها إبتلاء ففيها المحنة والمنحة ، النعمة والنقمة . صحيح أن الظاهر للعيان هو الجانب الكارثى ، ولكن لا تخلو من فوائد ، يستطيع المتخصصون شرحها .

ولأن تخصصنا هو تاريخ المسلمين ، فإننا نعرض لبعض الكوارث الطبيعية التى أرّخ لها المؤرخون المعاصرون لها. ونبدأ بالسيول متذكرين تسونامى .

أولا : من أخبار السيول في العصر العباسي

مقدمة

1 ــ المؤرخ ابن الجوزي ولد عام  511 ومات سنة 597 هـ في خلافة الناصر بعد ان قاسي منه الامرين . ولم يستطع المؤرخ المسكين أن يسجل الظلم الذى حاق به فى أواخر أيامه تاركا تلك المهمة لمن جاء بعده من المؤرخين . ابن الجوزى كان يعيش شيخوخته عندما تولي الخليفة الناصر الحكم ،وحين ادرك المؤرخ العجوز جبروت الخليفة الشاب كف عن التأريخ ، وانهي كتابه الهام في التاريخ وهو كتاب (تاريخ المنتظم ) بنهاية الخليفة المستضئ ،او بمعني اصح سنة 574 هـ قبيل موت المستضئ . وفي عهد الخليفة المستضئ والد الناصر كان ابن الجوزي في اوج شهرته كأعظم علماء عصره في الحديث والتاريخ والفقه والوعظ ،وكان في تأريخه في السنوات الاخيره من تاريخ المنتظم يشير الي مجالس وعظه وتوليه المناصب بعناية العباسيين ،وانتهي ذلك كله بمجئ الناصر العباسى وظلمه ..

2 ــ لم تنقطع ظاهرة السيول في أي عصر، ولكنتسجيلها في أحداث التاريخ هو الذي كان ينقطع, والقليل من المؤرخين العرب والمسلمين هم الذين اهتموا برصد الظواهر الطبيعية من السيول والزلازل والأحوال المناخية وحركات النجوم والشهب والكواكب . ومن أولئك المؤرخين كان الفقيه المحدث عبد الرحمن الجوزي في تاريخه "المنتظم " الذي يرؤخ فيه للدولة العباسية بالذات بتفصيل اتسع لتسجيل النكبات والظواهر الطبيعية ومنها السيول .

3 ـ ونقتطف من تاريخ المنتظم لابن الجوزي موجز لكوارث السيول في العصر العباسي ، وقد ذكر بعض تفصيلات لها فى لأجزاء الأخيرة من المنتظم .  

أولا : فى القرن الخامس الهجرى

1 ـ في سنة 420 هـ  حدث سيل في نواحي النعمانية بالشام وتكاثرت فيه الكرات الثلجية الكبيرة ( برد )، وكان وزن الواحدة منها يصل عدة أرطال، وصاحبت السيول ريح سوداء اقتعلت أشجار الزيتون العتيقة وطرحتها بعيداً واقتلعت بعض النخيل وسقف المسجد الجامع في بعض القرى. وعثروا على كرة ثلجية تزيد على مائة رطل " وكانت كالثور النائم " وقد أحدثت في الأرض حفرة هائلة..

2 ــ سنة  489 : (  ..وكان الناسينتظـرون الغرق فوصل الخبر بأن الحاج حصلوا في وادي المناقب بعد نخلة فأتاهم سيلعظيم فنجا منهم من تعلق برؤوس الجبال وأذهب المـاء الرحـال والرجـال . ) . .‏

ثانيا : فى القرن السادس

1 ــ في سنة 515 هـ وقعت سيول هائلة بالعراق أهلكت الثمار والفواكه والأشجار وما في الخزائن من غلات واستمر سقوط الثلج عدة أيام وملأ الشوارع، واستمر يسد الطرقات فصنع منه الأطفال تماثيل وألعاباً.. وأصاب الثلج والسيول قدوم الحجاج من الحجاز وهم يدخلون الكوفة فأصابهم ببلاء شديد. ويقول ابن الجوزي في التعليق على هذا الخبر أن ذلك الثلج وقع في سنين كثيرة في أيام المقتدر والرشيد والطائع والمطيع والقادر بالله والقائم وما سمع أحد بمثل ذلك الثلج وذلك السيل الذي وقع في ذلك العام 515 هـ وقد بقي ذلك الثلج خمسة عشر يوماًقبل أن يذوب وأهلك الشجر والثمر.

3 ـ فى العام التالى   516 يقول : ( وفي هذه السنة‏:‏ زاد الماء حتى خيف على بغداد من الغرق . ) ( وفي يوم الأربعاء رابع عشر صفر‏:‏ مضى الوزير أبو علي بن صدقة ومعهموكب الخليفة إلى القورج واجتمع بالوزير أبي طالب ووقفا على ظهور مراكبهما ساعة ثمإنصرفا فما استقر النـاس فـي منازلهـم حتـى جـاء مطـر عظيـم أجمـع الأشيـاخ أنهـملـم يـروا مثلـه فـي أعمارهم ووقع برد عظيم معه ولم يبق بالبلد دار إلا ودخل الماءمن حيطانها وأبوابها وخرج من آبار الناس‏.‏)

 4 ــ سنة  549  : ( وحـدث فـي هـذه السنـة فـي دجلـة زيـادة واحمـرار الماء لم يعهد في ذلك الوقت وحدثفي هذه السنة في دجلة في عدة نواحي بلاد واسط ظهور دم من الأرض لا يعلم له سبب‏ . )

5 ــ سنة 553 : ( وفي يوم الجمعة العشرين من شوال‏:‏ وقع ببغداد مطر كان فيه برد مثلالبيض وأكبر على صورمختلفة وفيه برد مضرس ودام ساعة وكسر أشياء كثيرة . ‏)

6 ــ سنة 554 :

2 ـ  وشاهد ابن الجوزي بنفسه السيول التي وقعت في دجلة في ثامن عشر ربيع الأول سنة 554هـ , إذ فاض دجلة وزحفت منه السيول إلى البلاد فامتلأت الصحاري واقتحم الأسوار وملأ الشوارع في المدن وعزلها عن بعضها , ويقول ابن الجوزي أنه خرج من داره وقت الضحى فاحتلها الماء وقت الظهر, فلما جاء العصر وقعت البيوت كلها , وأخذ الناس يعبرون هاربين من السيل يركبون السفن التي ارتفع سعر ركوبها في تلك الكارثة ثم تناقص الماء بعد يومين  ورجع ابن الجوزي إلى بيته فلم ير فيه حائطاً قائماً ولم يعرف أحد موضع داره إلا بالتخمين إذ أصبحت المدينة تلالاً واستدل ابن الجوزي على موضع بيته بمنارة المسجد القريب منه والتي لم تسقط ..يقول : ( وفيها‏:‏ وقع برد عظيم فهلكت قرى وذكر أنه كان في بعض البرد ما وزنه خمسـة أرطـالوأهلكت الغلة فلم يقدروا على علف‏.‏) ( وفي ثامن عشر ربيع الأول كثر المد بدجلة وخرق القورج ، وأقبل إلىالبلد فامتلأت الصحارى وخندق السور وأفسد الماء السور ففتح فيه فتحة يوم السبت تاسععشر ربيع ، فوقع بعض السورعليها فسد بها ، ثم فتح الماء فتحة أخرى فأهملوها ظنًا أنهاتنفس عن السور لئلا يقع فغلب الماء وتعذر سده فغرق قراج ظفر والأجمة والمختارةوالمقتدية ودرب القيار وخرابة ابنجردة والزيات وقراح القاضي وبعض القطيعة وبعض باب الأزج وبعـضالمأمونيـة وقـراح أبـي الشحم وبعض قراح ابن رزين وبعض الظفرية وثب الماء تحت الأرضإلى أماكن فوقعت ).

ويحكى ابن الجوزى عن تجربته مع هذا السيل : ( قال المصنف‏:‏ وخرجت من داري بدرب القيار يوم الأحد وقت الضحى فدخلإليها المـاء وقت الظهر فلما كانت العصر وقعت الدوركلها وأخذ الناس يعبرون إلىالجانب الغربي فبلغت المعبرة دنانير ولم يكن يقدرعليها‏.‏ثـم نقـص المـاء يـوم الإثنيـن وسـدت الثلمة وتهدم السور وبقي الماءالذي في داخل البلد يدب في المحال إلى أن وصل بعض درب الشاكرية ودرب المطبخ . وجئتبعد يومين إلى درب القيار فما رأيت حائطًا قائمًا ، ولم يعرف أحد موضع داره إلابالتخمين ، وإنما الكل تلال ، فاستدللنا على دربنا بمنارة المسجد فإنها لـم تقـع . وغرقـتمقبـرة الإمـام أحمـد وغيرهـا مـن الأماكـن والمقابـر ، وانخسفت القبور المبنيـة،  وخـرج الموتـى علـى رأس المـاء وأسكـر المشهـد والحربيـة . وكانـت آيـة عجيبة ثم إنالماء عاد فزاد بعد عشرين يومًا فنقض سد القورج فعمل فيه أيامًا‏.‏)

6 ـ عام   568 - وتكرر السيل في شعبان سنة 568 هـ وبنفس التفاصيل وقام الدعاة في المساجد يحثون على العمل في تلافي أخطار السيل, وظلت آثاره إلى رمضان .. وارتبط ذلك السيل بحدوث حرائق وهبوب رياح سوداء استمرت إلى رمضان وكان ابن الجوزي في ذلك الوقت يعطي درسا في باب بدر في بغداد . ثم عاد السيل طوفاناً في رمضان إذ فاض دجلة وهطلت الأمطار والثلوج فانهدمت البيوت ومات كثير من الناس والحيوانات وبلغ وزن الثلج الساقط اكثر من سبعة أرطال للواحدة وبتوالي السيول ساحت البيوت, فخرج الناس إلى الصحراء يقيمون في الخيام وعملوا سدودا لحصر السيل , وتولى بناءها الجند والعوام ولكن كان السيل يغلبهم ويضج الناس حينئذً بالبكاء والتضرع إلى الله تعالى وغلى السعر وندرت الأقوات ولم تنج قصور الخلافة العباسية من السيل حتى خرج عنها الخليفة وامتلأت المقابر بالماء فتغيرت ملامح المدينة ولم يعد هناك فارق بين البيوت المهدومة والمقابر المنثورة وكان الناس ينتقلون من شارع لآخر بالسفن .. وفي الثاني والعشرين من رمضان ازداد السيل فملأ الصحراء يطارد الناس اللاجئين إليها فكثر التضرع لله .. ووصل السيل إلى أغلب المدن خصوصا الموصل والبصرة وما بينهما , وهلكت القرى والمزارع   ..  والغريب أن نهر دجلة قد نضب وهلكت المزارع حوله من العطش.. وسرى الوباء والغلاء هنا وهناك من كثرة الماء أو من الجفاف ..

4 - وتفاصيل أخرى عن ( تسونامى ) حدث  فى عام  569 ، ننقل بعضها:  ( وفـي غـرة رمضـان‏:‏ زادت دجلـة زيـادة كثيـرة ثـم تفاقـم الأمـرفـي سابـع رمضـان .وجـاء مطـر كثير في ليلـة الجمعـة ثامـن رمضـان ووقـع فـي قـرىحـول الحظيـرة وفـي الحظيرة برد ما رأوا مثله، فهدم الدور وقتل جماعة من الناس وجملةمن المواشي . وحدثني بعض الثقات انهم وزنوا بردة فكان فيها سبعة أرطال . قال وكانتعامته كالنارنج يكسر الاغصان . وساخت الدور . ثم زاد الماء في يوم الاحد عاشر رمضانفزاد على كل زيادة تقدمت منذ بدأت بـذراع وكسـر . وخـرج النـاس وضربوا الخيم علىتلال الصحراء ، ونقلوا رحالهم إلى دار الخليفة ، ومنهم من عبر وتقدم بالعوام يخرجوابالوعاظ إلى القورج ليعملوا فيه فخرجنا وقد انفتح موضع فوق القورج بقرية يقال لهاالزور تقية

الابتلاء
مقدمة كتاب ( الابتلاء )
كان مقالا فأصبح كتابا ..
كالعادة : سؤال يرد لى فأبحث عن الاجابة فى القرآن الكريم ، وأكتب مقالا ، فتتكشف لى حقائق قرآنية جديدة ، فيتحول المقال الى مقالات ، ثم ينتهى الأمر بكتاب . جاءنى سؤال من قرأنى تعرض لابتلاء ، فكتبت مقالا فى حتمية ابتلاء المؤمنين ، وتشعب الموضوع ليصبح هذا الكتاب .
بعد خمسين عاما من معايشة القرآن ؛ كلما إزددت منه علما إزداد إحساسى بأنى لا ازال تلميذا على ساحل التدبر فى آياته .
سبحان من أنزله نورا وهدى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَه ُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُ هُمْ مِنْ الظُّلُمَا تِ
more