رقم ( 5 )
الفصل الثالث : الفشل فى الابتلاء

 

  فشل المحمديين فى ابتلاء هذه الحياة الدنيا

 

 أولا : العالم حين نزل القرآن الكريم

1 ـ فى عصر نزول القرآن كان العالم المعروف فى الشرق والغرب تحكمه الديانات الأرضية ، وتشتعل فيه الحروب الدينية والمذهبية ومحاكم التفتيش ، ويسود فيه التعصب الدينى والإكراه فى الدين جنبا الى جنب مع الاستبداد والاسترقاق والظلم والفساد بكل أعوانه .

2 ـ نزل الاسلام قرآنا يتناقض مع هذه الثقافة الدينية السياسية الاجتماعية السائدة . وقلنا سابقا : (  الحرب فى سبيل الله جل وعلا الاسلام لا مثيل لها فى حروب البشر . حرب البشر فى الصراع الدنيوى تصل بالانسان الى مرتبة أحطّ من الحيوان ، وتتمثل فيها الهمجية بأبشع ما فيها ، ويدفع الثمن فيها المستضعفون ، ويفوز فيها وينجو ويكسب المستكبرون المترفون . الحرب فى سبيل الله يتجلى فيها أروع ما فى البشرية من نُبل ورقى حضارى . العدو المقاتل فى الجيش المعتدى يتم حقن دمه فى أرض المعركة لو نطق بكلمة السلام ، أو إستجار بالمسلمين ، ثم تتوقف الحرب ضد المعتدين بمجرد توقفهم عن الاعتداء ، وبمجرد توقفهم عن الاعتداء يصبح أخوة  فى الدين ( الاسلام السلوكى القائم على السلام) ، بل يغفر الله جل وعلا للمشركين المعتدين إذا إنتهوا عما هم فيه . وفى كل الأحوال فعلى المؤمنين رد الاعتداء بمثله دون زيادة ، وأن يكون إستعداهم الحربى ليس للإعتداء بل لردع المعتدى حتى لا يعتدى ، أى إستعداد حربى لتأكيد السلام ، لأن الاسلام هو دين السلام.  ) .

ثانيا : دخول العرب فى الاسلام ( الظاهرى ) أفواجا

1 ــ إن الدعوة للإسلام كانت تعنى السلام بديلا عن الحرب و التسليم لله جل وعلا وحده قلبيا وتعبديا. وقلنا إن للإسلام والايمان معنيان : فى التعامل القلبى مع الله جل وعلا هو التسليم له جل وعلا وحده والانقياد له وحده إلاها لاشريك له ولا تقديس لغيره . ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) الأنعام ).

والإيمان فى معناه القلبى هو الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله دون تفريق بين الرسل (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة  ).وهذا الاسلام القلبى والايمان القلبى مرجعه لله جل وعلا وحده يحكم فيه بين الناس يوم القيامة فيما هم فيه مختلفون : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)) الزمر ).

أمّا فى التعامل مع الناس ، فالاسلام هو السلام ، والمسلم هو المُسالم مهما كان دينه وعقيدته . والمؤمن هو من يأمنه الناس من الأمن والأمان . والمنافقون فى عصر النبى كان ينزل القرآن بكفرهم وتآمرهم ، ومع ذلك فهم مسلمون ظاهريا لأنهم لا يرفعون السلاح ، وكان التزواج بينهم وبين المسلمين المؤمنين قائما لأن الفريقين إشتركا فى السلام ، أى الاسلام بمعناه السلوكى الظاهرى . والايمان فى معناه الظاهرى هو التمسك بالأمن والأمان .

2 ــ المؤمنون حول النبى كانوا ـ فى الأغلب ــ مؤمنين بالظاهر بمعنى الأمن والأمان ، ومعظمهم لم يحقق الايمان القلبى ، أى كان كافرا بقلبه  مع إلتزامه بالأمن ، لذا دعاهم رب العزة الى تحقيق الايمان القلبى بأن يؤمنوا بالله ورسله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) النساء ).

أولئك المؤمنون حول النبى كان منهم من يأكل الربا فهددهم رب العزة قائلا : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275))، ثم يقول لهم رب العزة جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) البقرة ).  يخاطبهم رب العزة بالذين آمنوا ، ليس بالايمان القلبى الذى ليس لديهم ، ولكن الايمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان .

وكان أولئك ( المؤمنون ) الصحابة يعبدون الأوثان فى المدينة متمتعين بالحرية الدينية المطلقة التى أرسها الاسلام فى دولة الاسلام فى المدينة فى عهد خاتم النبيين عليه وعليهم السلام . قال الله جل وعلا لهم : ( وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج ) فلم يسمعوا ولم يطيعوا ، وظلوا على عبادة الرجس عاكفين ، ثم فى أواخر ما نزل قال لهم جل وعلا يخاطبهم بالذين آمنوا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة ) قال لهم جل وعلا (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ثم تأتى الآية التالية تحملهم المسئولية وأن ما على الرسول سوى البلاغ المبين دون إكراه فى الدين : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ).

3 ــ ولأن الاسلام دين السلام فإن الله جل وعلا إعتبر دخول العرب فى السلام دخولا فى دين الله جل وعلا فقال لخاتم النبيين : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2)  النصر). الذى رآه النبى هو الاسلام الظاهرى ، أى السلام وتوقف الحروب . ليس بوسع النبى أن يعلم غيب القلوب ، ليس بوسعه معرفة الاسلام القلبى والايمان القلبى بالله جل وعلا وحده الاها ، فالله جل وعلا قال له عن بعض أصحابه الملازمين له إنهم مردوا على النفاق ، وهم أسوأ المنافقين وسيعذبهم الله جل وعلا مرتين فى الدنيا ـ بعد موت النبى ، ثم ينتظرهم عذاب عظيم فى الآخرة . هؤلاء الصحابة المجرمون الملازمون للنبى لم يكن النبى يعرف ما فى قلوبهم : (  وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة )  . هؤلاء الصحابة الذين مردوا على النفاق وتوعدهم رب العزة بالعذاب مرتين فى الدنيا وعذاب عظيم فى الآخرة كانوا مؤمنين مسالمين حسب الظاهر ، شأنهم شأن الذين دخلوا فى السلام ـ دين الله جل وعلا ـ أفواجا .  ثم إرتكبوا فيما بعد خطيئة الفتوحات والفتنة الكبرى.

4 ـ  الكفر و الشرك سواء. هما قرينان فى مصطلح القرآن لذلك يأتيان مترادفين فى النسق القرآنى. ( 9 / 1 ، 2 ، 17) ( 40/42 2)ـ الكفر فى الغة العربية يعنى التغطية, أى كفر بمعنى غطى , والكفر العقيدى يعنى التغطية على الفطرة النقية بتقديس آلهة وأولياء مع الله جل وعلا .و فى نفس الوقت فان ذلك هو أيضا شرك لأنه حول الألوهية الى شركة وجعل لله تعالى شركاء فى ملكه ودينه   وعليه فكما للاسلام معنيان (الايمان بالله وحده الاها والانقياد والاستسلام لله وحده) حسب العقيدة القلبية فى التعامل مع الله، و( الأمن والثقة والسلام ) فى التعامل مع كل الناس ، فان الشرك والكفر معا يعنيان النقيض ؛ الظلم والاعتداء، اى الظلم لله تعالى والاعتداء على ذاته بالاعتقاد فى آلهة أخرى معه ، وتقديس غيره ، فيما يخص العقيدة ، والظلم والاعتداء على البشر بالقتل للابرياء وسلب حقوقهم وقهرهم، في التعامل مع الناس، كما فعل الصحابة فى الفتوحات.  

ونجح القرآن فى إقناع العرب  بالسلام ، وكانوا وقتها يتقاتلون بسبب وبدون سبب . دخل العرب فى الاسلام الظاهرى بمعنى السلام وحرية الدين المطلقة. بموته عليه السلام تسيّد منافقو قريش فى عصر الخلفاء الراشدين ، فارتكب العرب جريمتى الفتوحات والفتنة الكبرى ، وحكمت قريش خلال الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والفاطميين ، وفى حكمهم تم عقد الصلح مع ثقافة العصور الوسطى السائدة ، من الحروب الدينية والمذهبية والدولة الدينية والاستبداد الدينى والسياسى ، وتأسّست وترعرعت وتحكمت فى ( المسلمين ) الأديان الأرضية التى تنسب نفسها الى الاسلام زورا ، وهى السنّة والتشيع والتصوف .

 5 ــ  هذه الأديان الأرضية لكى تنتشر وتسود وتسيطر لا بد من تغييب العقل تماما ، والتعقل أساس فى الاسلام .وتكرر فى القرآن الكريم الدعوة للتعقل والتبصر والتفكر والفقه ، وكلها بمعنى واحد ، بل جاء تعليل نزول القرآن باللسان العربى لعلهم يعقلون :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف ) ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف ). وبإنكار التعقل وبخصومتهم مع القرآن الكريم وإتخاذه مهجورا تأسست للمحمديين شرائع غير إسلامية تمارس الارهاب على أنه جهاد وتقتل الاسير وتأكل حق اليتيم وتغتال قيم الحرية والعدل والمساواة وحقوق الانسان والحرية الدينية المطلقة والعلمانية الشريفة . وهذا ما ترتكبه الوهابية الآن ، وتنسبه للاسلام .

ثالثا : إنكارهم نعمة القرآن الكريم

1 ـ  فشل المحمديون فى الاختبار بإنكارهم نعمة القرآن ، وهى أعظم نعمة منّ بها الله جل وعلا عليهم .

2 ــ لقد وصف الله جل وعلا القرآن بالنعمة . فى البداية أمر الله جل وعلا رسوله بالدعوة الى الاسلام بالتحديث بحديث الله جل وعلا فى القرآن ، فقال له جل وعلا :(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)الضحى ) . كان قبل أن ينزل عليه القرآن الكريم يلقبونه بالصادق الأمين ، فلما بدأ يدعوهم بالقرآن أصبحوا يتهمونه بالضلال والغواية فقال لهم رب العزة مدافعا عنه : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) النجم ) . إتهموه بالجنون والكهانة بسبب ( نعمة القرآن ) ، فقال له جل وعلا :( مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) القلم ) (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29)) الطور ). وتعهّد رب العزة بإتمام القرآن أو نعمة القرآن ، فقال جل وعلا مؤكدا :( وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) البقرة). وبإنتهاء القرآن الكريم نزولا فقد أتمّ رب العزة نعمته و إكتمل الاسلام دينا : (  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً )(3) المائدة ).

3 ــ إختلف موقف قريش التى كانت تصدُّ عن سبيل الله وتجعل رزقها فى التجارة بالدين ، لذا كانوا كما وصفهم رب العزة يؤمنون بالباطلويكفرون بالقرآن الذى هو نعمة إلاهية ، يقول جل وعلا لهم : ( أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) النحل )، ولأن الاسلام مؤسس على الحرية الدينية وأنه ما على الرسول سوى البلاغ فقد قال جل وعلا لهم فى نفس السورة عن إستمرارهم فى إنكار نعمة الله مع أنهم يعرفونها : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ (83)) النحل ).

وقد كانوا ينكرونها مع معرفتهم أن القرآن ( هدى ) ولكنهم إعتقدوا أنهم لو إتّبعوا ذلك الهدى فستنتهى تجارتهم بالبيت الحرام الذى جعله الله جل وعلا للناس عامة وليس لأن تتحكم فيه قريش ( أو السعودية ) ، قالوا فى تعليل كفرهم بالهدى القرآنى أو النعمة القرآنية : ( إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) (57)  القصص ). كان لتكذيبهم بنعمة القرآن سبب إقتصادى بحت ، قال لهم رب العزة جل وعلا :( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة ). لذا يقول جل وعلا عن القرشيين :(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ  أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) العنكبوت ) آمنوا بالباطل وكفروا بنعمة الله ، وإشتروا لهو الحديث ليضلوا الناس عن أحسن الحديث ( لقمان 6 ) لذا قال جل وعلا فى قاعدة عامة :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) العنكبوت ).

4 ــ لقد توعّد الله جل وعلا بنى إسرائيل بالعقاب الشديد لو ( بدّلوا نعمة الله ) أى آياته البينات : ( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) البقرة ).

وقريش بعد موت النبى بدّلوا نعمة الله جل وعلا القرآنية كفرا سلوكيا  بالفتوحات ، فحق عليهم العقاب سريعا بالفتنة الكبرى. وبالفتوحات والفتنة الكبرى تأسست أديان أرضية تبدل نعمة القرآن بمزاعم النسخ والتأويل والتفسير وإفتراء أحاديث شيطانية ، وهذا لا يزال ساريا وسائدا ، وبه تتنزل العقوبات الالهية على المحمديين . أى ينطبق عليهم قوله جل وعلا : ( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) البقرة ).

أخيرا

1 ــ نعمة القرآن الكريم محفوظة من لدن الله جل وعلا ، ولولا حفظها لقام أئمة المحمديون بمحو كل الآيات التى تنفى شفاعة النبى وشفاعة البشر والآيات التى تنفى عصمة النبى وتؤكد بشريته ، والآيات التى تنهى عن التفريق بين الرسل ، ولوضعوا مكانها أحاديثهم المسماة بالنبوية والقدسية . جعلوا تلك  الأكاذيب التى صنعوها بعد موت النبى بقرنين وأكثر ـ وحيا ، وأسموها (سُنّة ) وزعموا انها تنسخ أى تُلغى القرآن وتعلو عليه . ولم يستطيعوا تحريف النّصّ القرآنى فاسسوا ما يعرف بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن ــ ولنا مقال بهذا العنوان منشور هنا ـ وزعموا النسخ بمعى إلغاء الأحكام التشريعية القرآنية ، وإفتروا أن النبى كان أميا بمعنى انه لا يعرف القراءة والكتابة ، وأنه أوكل لأصحابة كتابة القرآن ، وأنهم نسوا آيات كذا وكذا ، وفندنا هذه الافتراءات فى أبحاث منشورة هنا أيضا .

2 ــ الخلاصة : أنهم إبتلاهم الله جل وعلا بنعمة القرآن فكفروا بالقرآن .

3 ــ هم الآن أضحوكة العالم ، ومن لم يتب منهم فهو خالد فى جهنم .

4 ـ خسروا الدنيا وخسروا الآخرة .

5 ــ لقد قال جل وعلا عمّن يخسر الآخرة فقط (  إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) ) الزمر )( إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)  الشورى ).

6 ــ فما بال الذى يخسر الدنيا والآخرة معا ؟

 

 

  الفشل الجزئى للغربيين فى ابتلاء الحياة الدنيا

 مقدمة :

تكرر فى القرآن الكريم الدعوة للتعقل والتبصر والتفكر والفقه والسمع ، وكلها بمعنى واحد. ولكن يلفت النظر قوله جل وعلا فى خطاب خاص للعرب بأن  نزول القرآن باللسان العربى لعلهم يعقلون :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف )( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف ). أى لم يكونوا يعقلون فنزل القرآن الكريم باللسان العربى لعلهم يعقلون . ولم يعقل العرب فخسروا الدنيا والآخرة كما سبق بيانه . فما هو حال ( الغرب ) فى التعقل ، وهم الذين لم ينزل القرآن الكريم بلسان من ألسنتهم ؟ .

 بعون الله جل وعلا وتوفيقه نقول :

أولا : ماهية التعقل

 لم يرد فى القرآن الكريم مصطلح (العقل )، ولكن جاء إستعماله ( يعقلون ) ومرادفاتها من التبصر والتفكر والتفقه والسمع . أى إن المهم هو إستعمال ذلك العقل ، وبدون إستعماله لا يكون العقل موجودا أى عديم الفائدة. بل يكون الانسان ( الحيوان العاقل ) بدون التعقل أحطّ من الحيوان العادى : ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) الفرقان ). ومصيرهم الى جهنم ، يقول جل وعلا : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف ). الغفلة عن الحق من مظاهر عدم التعقل ، فما هو التعقل ؟

فما هو التعقل ؟

1 ـ الذكاء ليس تعقلا ، قد يتضمنه ( العقل ) ولكن التعقل شىء مختلف عن الذكاء أو إستعمال الذكاء. النصّاب ذكى وبذكائه يخدع البسطاء . هذا النصاب الذكى يشمل ليس فقط النصاب العادى البسيط الذى يبيع الترام للفلاح القادم للقاهرة ويخدع عشرات الأشخاص فى الطريق والأسواق ووسائل المواصلات ، هناك نصّابون أخطر وأضل سبيلا ، من السياسيين والذين يخلطون السياسة بالدين يخدعون الملايين، وبهذا النصب صاروا زعماء وأسسّوا دولا ودخلوا التاريخ ، منهم معاوية وآل العباس ( محمد بن على بن عبد الله بن عباس ، وذريته السفاح والمنصور ) ، ومنهم فى عصرنا آل سعود وخاتمتهم عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة الحالية . وهناك الشيخ الدجّال البسيط الذى يخدع النساء والبسطاء ، ولكن هناك شيوخ الدجل الكبار من أئمة الأديان الأرضية المسيحية والمحمدية والبوذية والهندوسية . الدجال العادى والنصاب العادى مصيره الى السجن ، اما النصابون الكبار فهم من عظماء التاريخ. هؤلاء النصّابون ـ جميعا ـ غاية فى الذكاء . ولكنهم ليسوا عقلاء ، لو كانوا عقلاء لأدركوا أن كل نعيم الدنيا فهو لا يساوى لحظة نعيم فى الجنة أو لحظة عذاب فى النار .

وهناك عباقرة فى العلوم الطبيعية ، بإختراعاتهم وإكتشافاتهم تتقدم البشرية . أحدهم يستعمل اقصى ما لديه من ذكاء ونبوغ وهو فى المعمل باحثا مُنقّبا ، ولكنه يترك عقله وهو يقف خاشعا أمام صنم بوذا ( فى اليابان ) أو صنم للمسيح والعذراء فى الغرب .

 2 ـ  التعقل هو أن يُدرك الانسان عاقبة ما يفعل مؤمنا أن الله جل وعلا خلقه ليختبره ويبتليه وأنه جل وعلا أعطاه الحرية والفطرة السليمة لكى يتساءل من طفولته تلك الأسئلة الفلسفية الكبرى عن معنى الوجود وهدفه .  المعنى الأساس للتعقل هو نقيض إستعمال الهوى ، وهذا ما جاء فى قوله جل وعلا : (أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) الفرقان ).

إن من يتحكم فيه هواه يستحيل أن يهتدى خصوصا علماء الدين  الأرضى، إذ يستخدم أحدهم علمه وذكاءه فى إضلال الناس ، وهذا ما كانوا ـ ولا يزالون ـ يفعلونه . ولقد قال جل وعلا عنهم مقدما :( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية 23 )، بل وضرب لهم مثلا بالكلب اللاهث : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) الأعراف ). وينطبق هذا على أئمة المحمديين المقدسين من مالك والشافعى وابن حنبل والغزالى الى ابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن باز والشعراوى والقرضاوى . وفى كل الأحوال ، فالهوى يسلب التعقل والهداية من الانسان ويجعله أضل من الحيوان .

ثانيا : الغرب والتعقل فى الدنيا دون الدين

1 ـ و( تعقلت ) أوربا والغرب وتخلصت من  سيطرة أديانها الأرضية ، وإنطلقت تسير فى الأرض وتكتشف وتخترع ، وتؤسس نُظُما سياسية ديمقراطية ، وتعقلت أكثر فإنحازت الى قيمة ( العدل ) وحقوق الانسان وكرامته وحرية الدين التى أكدها القرآن قبلهم بأكثر من عشرة قرون ، بينما لا يزال المحمديون  بأديان مختلفة يتصارعون ، يقتلون أنفسهم بأيديهم بالجهاد المزعوم ، ويهتفون بلا خجل : الله أكبر .!!.

2 ــ بالتعقل والفطرة السليمة وصلت أوربا والغرب الى القيم الاسلامية العليا التى بشّر بها القرآن من قبل . تلك الفطرة التى نسميها ( الضمير ) ، والتى تنحاز الى العدل والحرية والخير والسلام .

3 ــ ولكن الغرب الأوربى والأمريكى ( واليابانى ) توقف بهذا التعقل عند حدود الدنيا بتطبيقه الديمقراطية وحرية الدين وحقوق الانسان وحقوق الأقليات والمرأة بل حتى حقوق الحيوان مع شعار ( العدل للجميع ) أو (  Justice for all)،كما أن الغرب قد توقف بهذا التعقل الاصلاحى فى داخل حدوده الاقليمية ، دون جهد حقيقى للتبشير بهذه القيم داخل مجتمعات المحمديين ، خصوصا وأن نشر هذه القيم ( الاسلامية القرآنية الأصل ) يرفضها أغلب المحمديين من السادة والغوغاء معا ، ثم لا ننسى إن تقاتل المحمديين يزيد من مبيعات السلاح الغربى ..

4 ــ وصلت أوربا والغرب بالتعقل الى تطبيق القيم الاسلامية ( الفطرية ) فى الحياة الدنيا ، ولكن تركت الايمان العقلى بالله وحده لا شريك له والايمان الحق باليوم الآخر ضحية للفساد الكنسى وخرافاته عن المسيح .

5 ــ ومن عجب أن يصل الغرب بذكائه الى فهم بعض أسرار ومعجزات الخالق جل وعلا فى الكون من الذرّة الى المجرّة  دون أن يؤثر هذا على تغيير رؤيته للخالق جل وعلا . العالم الغربى المتخصص فى الفضاء ينبهر وهو يكتشف آلاء الله جل وعلا ، وكلما تعمق إزداد إنبهارا ، وارتد اليه بصره و(هو حسير ).! ولا يدرك أن الله جل وعلا خلق الموت والحياة ليختبرنا :  ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعْ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) الملك ).

لا يزال الغرب العلمى يكتشف آلاء الله منبهرا بما فى داخل الخلية والذرة والمجرة ، دون أن يؤمن بالخالق جل وعلا ؛ ينبهر بمخلوقات ( الخالق ) دون تقديس ( للخالق )، ودون إدراك للإبتلاء الالهى للبشر ، وأنه  جل وعلا خلق السموات والأرض ليختبرنا أينا أحسن عملا : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً  (7 ) هود ).

6 ــ إن هذا الإعجاز المُبهر فى خلق السماوات والأرض كفيل لأولى الألباب ( العُقلاء ) لكى يخشعوا ، ويتحول إنبهارهم بالخلق الى تقديس للخالق وحده وإنكار لتقديس أى مخلوق كمحمد أو عيسى أو بوذا. إن الله جل وعلا يقول عن المتعقلين أولى الألباب : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)آل عمران )

7 ــ الذكاء الغربى لم يصل الى هذه الدرجة من التعقل.  إقتصر التعقل الغربى على التعامل البشرى ، أو الاسلام السلوكى ، ولكنه أهمل التقوى القلبية وإسلام القلب لله جل وعلا وحده . لو سلّط تعقله على خرافات الكنيسة لأنهى خرافاتها عن تأليه المسيح. ولهذا تجد عجبا ؛ العالم الغربى فى معمله يكتشف مستعملا أقصى ما لديه من ذكاء فى علوم ( الطبيعة ) والكون المادى ( فيزيقا ) ، ولكنه يترك عقله حين يستمع مستسلما لخرافات القسيس حول الاله الذي كان جنينا فى بطن العذراء ، ثم وُلد ، ثم سمح لمخلوقاته أن تقتله وأن تهينه وأن تصلبه تكفيرا عن ذنوبهم ، ثم يقوم قيامته من قبره ، ثم يرجع آخر الزمان ومعه ملائكته .! هذه الخرافات يرفضها الطفل الصغير لو إستعمل عقله ، ولكن العالم الغربى بكل ما أوتى من ذكاء وعبقرية لا يستعمل عقله فيها، لأنه إعتاد عادة سيئة هى أن مجاله هو الفيزيقا والعالم المادى ، أما تلك ( الميتافيزيقا ) فلا مجال للعقل فى نقدها . نجح الغرب فى الدنيا ولكنه يخسر الآخرة . ونحن نتكلم عن الأغلبية وليس على العموم .

ثالثا : فساد المحمديين وصل الى الغرب

 1 ــ اللعنة التى تحيق بالمحمديين حتى الآن سببها رفضهم القرآن وحده مرجعية للإسلام وتكذيبهم به وكفرهم به تعصبا للبخارى وغيرة من أئمة الٍسُّوء ، وإضطهادهم لدُعاة الحق القرآنى الداعين الى الاصلاح السلمى بالاحتكام الى القرآن ، وهو فريضة منسية مُستنكرة . وتتأكّد هذه اللعنة فى أن المحمديين يرتكبون هذا الظلم لله جل وعلا ودينه ورسوله ، وهم معهم القرآن باللسان العربى . أى معهم الهداية فإزدادوا بها طغيانا وكفرا ، والنتيجة أنهم خسروا الدنيا وخسروا الآخرة . وما يحدث الآن فى مقارنة الغرب والمحمديين يؤكد هذا .

2 ــ أوصل المحمديون الوهابيون لعنتهم الى الغرب فشوّهوا صورة الإسلام أكثر فى الغرب . هرب ملايين المحمديين الى الغرب ، لأسباب شتّى ، من أهمها الاضطهاد الدينى والسياسى فى بلادهم الأصلية . جاءوا للغرب يحملون أوزارأديانهم الأرضية فى قلوبهم ، ومنها الكراهية الدينية للغرب الذى يستضيفهم ـ وهى كراهية دينية وتعصب بعثته الوهابية من مرقده . ومن تلك الأوزار إعتبار الوهابيين أن دينهم ( الأرضى ) الشرّير المنتسب زورا للإسلام والمتناقض معه ـ هو أعلى من الأديان الأرضية المسيحية، مع أن الوهابية شرُّ وأضل سبيلا .

3 ــ بالمال السعودى والنفوذ السعودى تسللت الوهابية للغرب وتشعبت منذ عهد الملك فيصل ــ ولا تزال ـ حيث أنفقت السعودية وحدها حوالى مائة مليار دولار فى نشر الوهابية وإفساد العالم وتخريبه وتشويه صورة الاسلام ، ولتفسد مجتمعات ( المحمديين ) فى الغرب . سيطرت الوهابية على المراكز العلمية فى الجامعات الأمريكية المتخصصة فى الاسلام والشرق الأوسط واللغة العربية ، لتمنعها من دراسات علمية تناقش وتنقد الوهابية ، وسيطرت على أغلبية المساجد والمراكز ( الاسلامية ) فى الغرب .

4 ــ وبهذا أفلحت الوهابية السعودية فى تحقيق كارثتين :

4 / 1 :  إفساد الجاليات المحمدية فى الغرب بالوهابية ، ونشأة أرهابيين من داخل تلك الجاليات ترتكب  أعمالا إرهابية فى وطنهم الأمريكى والأوربى ، وخارجه بزعم الجهاد. والان أصبح معروفا إستقطاب ( داعش ) للجيل الثانى من المهاجرين المحمديين .

4 / 2 : المفترض فى المحمديين الأمريكيين والأوربيين ـ الذين نشأوا فى الغرب وتعلموا فيه قيم الحرية الدينية والتسامح والحرية والعدل ـ أن يكتشفوا أصول هذه القيم فى القرآن الكريم فيصبحوا مسلمين حقيقيين ، وأن يقوموا بدور إصلاحى فى بلادهم الأصلية التى لا تزال تحمل أوزار أديانها الأرضية وتحكمها فى تلك البلاد ، ومنتظر أن يكون هؤلاء المسلمون الغربيون الأقدر على إستخدام وسائل الاتصال الحديثة فى نشر ذلك الاصلاح . ولكن الذى حدث هو العكس . إنتقلت الوهابية لتفسد ( مسلمى ) الغرب .

5 ــ ومن المُضحك أن ( المحمدى ) الأمريكى والغربى يستطيع أن يشترى كنيسة أو معبدا يهوديا ويحوّله الى مسجد ، وتُتيح له الثقافة الغربية أن ينشر دينه بين الغربيين ، وفى نفس الوقت فإن هذا ( المحمدى الغربى ) يرفض مجىء بعثات تبشيرية للدعوة لدينها فى بلاد المحمديين ، ولا يتصور ــ مجرد تصوّر ــ ان يتم تحويل مسجد فى مصر أو غيرها الى كنيسة ، والسعودية تمنع بناء كنيسة فى مملكتها ، وتطارد المسيحيين المغتربين فيها لو حدث وأقاموا صلاة مسيحية فى بيوتهم . بل إنه بالنفوذ السعودى تتم مطاردة أهل القرآن المصريين لو صلوا الجمعة أو الجماعة داخل بيوتهم . وهذا ينال الرضى والاستحسان من المحمدى الوهابى الأمريكى ، بل إنه يبذل جهده فى إكراه غير المحمدى على إعتناق دينه المحمدى ، ويبذل جهده وجهاده لمنع المسيحيين المصريين من بناء كنائس جديدة أو إصلاح مرافق كنائسهم القديمة ، ثم يهُلل لداعش وهى تذبح المسيحيين وغيرهم ممن يخالفون دينه ومذهبه . ولا يشعر بالعار والخجل ، بل يتطوع أفراده للقتال مع داعش ..

أخيرا

1 ــ بهذا يتأكد أن المحمديين خسروا الابتلاء ، وخسروا الدنيا والآخرة ، بينما خسر الغرب الآخرة  فقط و كسب الدنيا . بلاد الغرب هى الأكثر رخاءا وثراءا وأمنا ، والغربيون هم الأكثر سعادة وتمتعا بالحياة . أما فى بلاد المحمديين فتجدها تحتكر الضنك والأزمات والشقاء والخوف ( خوف الحاكم من المحكوم وخوف المحكوم من الحاكم ) والارهاب ( إرهاب السُّلطة وارهاب الوهابيين الثائرين ) والقلق والأمراض والمذابح وتجاور الثراء الفاحش للمترفين مع الفقر المُدقع للمحرومين. 

2 ــ يقول جل وعلا عمّن أعرض عن ذكره جل وعلا وعن كتابه : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)  طه ).

3 ــ تدبر هذه الآيات الكريمة التى تنطبق على المحمديين وأئمتهم .

تدبرها وقل معى: 

ودائما ..صدق الله العظيم .!!

 

 

  لماذا يفشل أغلب البشر فى ابتلاء الحياة الدنيا

 

أولا : ملمح نستفيده من قصة ابراهيم عليه السلام

1 ــ مبكرا بدأ الفتى ابراهيم  راشدا يحتج على ابيه وقومه : (  وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) الأنبياء ). كانوايعبدون الله جل وعلا ، ويعبدون معه أوثانا ينحتونها  تمثل الكواكب والشمس والقمر. قبلها دخل الفتى ابراهيم فى حوار مع نفسه عن القمر والشمس والكواكب التى يعبدها قومه : ( الأنعام 74 : 78  )، وتوصل بعقله الى عبادة الخالق وحده، وأعلن لقومه: ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام ). ودخل فى صراع مع أبيه وقومه والملك الذى زعم الألوهية وأنه يحيى ويميت ، فناقشه ابراهيم عليه السلام وتحداه أن يأتى بالشمس من المغرب ، فبُهت الذى كفر ( البقرة 258 ). واجههم ابراهيم بالحجة العقلية المنطقية بأن يعبدوا الخالق وحده ، وليس مخلوقاته معه ، أن يعبدوا الله جل وعلا وحده لا أن يعبدوا ما ينحتون من أصنام وقبور مقدسة ، فألقوه فى النار ، فأنجاه الله جل وعلا منها : (  قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمْ الأَسْفَلِينَ (98) الصافات ).  

 2 ـ محور الهداية فى قصة ابراهيم هى خلق السماوات والأرض . إن الله جل وعلا هو وحده خالق السماوات والأرض وبالتالى فلا يصح أن يكون معه إله آخر لم يخلق شيئا ، بل هو من مخلوقات الله. ومن حُمق البشر ــ من محمديين ومسيحيين وبوذيين وهندوسيين ــ أنهم يعبدون مخلوقات خلقها الله جل وعلا ، ويرفعونها الى مرتبة الخالق جل وعلا : ( أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) الأعراف )، (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) النحل ) ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ )( 3) الفرقان ). يصل الخبل العقلى الى الحضيض حين يأخذون مواد الأرض التى سخرها الله جل وعلا لهم ، والتى يدوسون عليها بأقدامهم من تراب وأحجار وحصى وخشب ، والتى  يستعملونها فى بناء البيوت والحظائر ودورات المياه ، ويقيمون بها قبورا يجعلونها مقدسة بدعوى أن تحتها رفات من يقدسونه ويعبدونه . وكانت حجة ابراهيم عليه السلام موجهة الى أولئك المغفلين الذين يعبدون ما ينحتون . ويعبدون الأجرام السماوية التى سخرها الله جل وعلا لنا . هى الحجة التى قال عنها رب العزة : (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) الانعام ) .

3 ـ حين كان الفتى ابراهيم يفكر وحيدا فى خلق السماوات والأرض فى ليلة ونهارها (الأنعام 74 : 78) لم يكن معه سوى عينيه وعقله الواعى . لم يكن مُتاحا له تليسكوبات فضائية تتجول فى الفضاء الخارجى تغوص فى هذه المجرة ، ولم يكن متاحا له ميكروسكوبات تتيح له الغوص فى الفضاء الداخلى للذرة ونواة الذرة . ولو كانت متاحة له ما تغير فى الأمرشىء لأن العقل الواعى  يدرك بسهولة أن الله جل وعلا لم يخلق السماوات والأرض باطلا . يكفى أن تغمض عينيك وتفكر فى خلق السماوات والأرض متعقلا لتكون من أولى الألباب :( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران )

4 ـ من قصة ابراهيم عليه السلام نفهم أنه من الخبل أن تجعل بشرا من الأنبياء شريكا لله جل وعلا ، وهذا النبى لم يخلق شيئا ، بل هو مخلوق ، وهو فى حياته لا يستطيع أن يلمس أقرب جُرم سماوى وهو القمر ، فكيف ببلايين المجرات وما بينها من بلايين السنوات الضوئية ؟ وما قيمة النبى المخلوق والبشر كلهم بالنسبة لخلق السماوات والأرض ، وخلقها أكبر من خلق البشر جميعا : ( لَخَلْقُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (57) غافر )؟

ثانيا : تقديس الأنبياء والرسل يعنى أن البشر لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره

1 ــ يرسل الله جل وعلا الرسل والأنبياء يدعون الناس الى أنه لا إله إلا الله . ثم لا يلبث هؤلاء الناس أن يقدسوا نفس الأنبياء ويجعلوهم شركاء لله جل وعلا فى ألوهيته وربوبيته . ينسون أن :

1/ 1 :  النبى هو بشر محتاج للطعام كى يعيش ، محتاج للحصول عليه ، ومحتاج الى إبتلاعه ومحتاج الى هضمه ، ثم هو محتاج الى إخراجه بولا وريحا و فضلات قذرة . ولو تعطل حصوله على الطعام أو بلعه للطعام أو تعطل هضمه أو تعطل إخراجه للبول أو البراز لأصبح فى أزمة هائلة . ولهذا فإنه جل وعلا يستخدم موضوع الطعام ردا على من يقدس المسيح وأمه لأنهما كانا يأكلان الطعام : ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَانظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) المائدة ) وكذا كل رسل الله : (وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً (20)الفرقان ). هل تضع هذا النبى المحتاج الى الطعام الى جانب الخالق جل وعلا ؟ .

1/ 2 : أن البشر فى حياته كان يمارس الجنس مع زوجته . يقول المثل البريطانى : ( لو تكلم السرير ( الفراش ) لإحمرت وجوه كثيرة ) يعنى أن السرير لو نطق بما يتم فوقه من لقاء جنسى لأصيب الناس بالخجل . لماذا ؟ لأن الفرد من البشر ـ ذكرا كان أو إنثى ـ عندما يُمارس الجنس فإنه يفقد إحترامه لنفسه ويتحول الى حيوان جنسى يفعل ما يستحى منه فى أوقاته العادية ويقول ما يخجل منه فى الأوقات العادية، ويستحى أو تستحى من حكاية ما يحدث على ملأ من الناس أو للأهل والأولاد . الأنبياء تزوجوا وأنجبوا ، أى مارسوا الجنس مثل أى بشر آخر . تخيل النبى محمدا وهو يمارس الجنس مع إحدى أزواجه .! . هل يوضع هذا النبى الى جانب الخلّاق العظيم ؟!

1 / 3 : ــ كل الأنبياء جاءوا من أب وأم ، وكانوا نطفة من ماء مهين شأن كل مخلوق من البشر: (السجدة 8 )، هل يوضع هذا النبى المخلوق من نطفة مهينة الى جانب الخلاق العظيم ؟ !.

1 / 4 : ــ كل نبى مات شأن كل نفس بشرية ماتت او تموت او ستموت.  والموت يعنى رجوع النفس الى البرزخ الذى أتت منه ، ورجوع جسدها بالتحلل الى تربة الأرض.وهذا التحلل يعنى تعفن وترمُّم الجسد بحيث يكون جيفة نتنة الى ان ينتهى الى تراب وعظام نخرة. والله جل وعلا قال لخاتم النبيين فى خطاب مباشر له وعن خصومه يؤكد له وقت أن كان حيا :( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31) الزمر ) موت النبى مساو لموت خصومه ، لا فارق بين النبى محمد وأبى جهل وابى لهب وعقبة بن أبى معيط. كل منهم تحول جسده الى جيفة نتنة شأن كل بشر يموت . هل يوضع هذا النبى الى جانب الخلّاق العظيم ؟! .

2 ـ ليس هذا إقلالا من شخص النبى محمد عليه السلام ، بل هو إثبات لحقيقة بشريته ، فهو بشر مثلنا ولكن يوحى اليه : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ )(110) الكهف) هو رجل منهم : من قريش : (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) (2) يونس ) هو رجل من العرب الأميين : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ  )(2) الجمعة ).

3 ـ الذى يعتبر هذه الحقائق القرآنية إقلالا من شخص النبى محمد يقع فى جريمة وخطيئة عُظمى : أنه لم يقدّر الله جل وعلا حق قدره . إن تقديس البشر والأنبياء يعنى عدم تقدير الله جل وعلا حق قدره . لأن التقديس هو حق لله جل وعلا وحده لأنه الخالق وحده . هناك مساحة فى النفس البشرية ( أو القلب ) للتقديس يجب أن تكون خالصة لرب العزة . إذا جعلت نسبة منها لتقديس النبى فأنت لا تقدر الله جل وعلا حق قدره . وهذا هو السبب الرئيس فى فشل البشر فى إختبار وإبتلاء الحياة الدنيا . 

 ثالثا : الحسابات الخاطئة للبشر

1 ـ البشر الأذكياء عندما يفكرون فى مشروع ما يبدأون بعمل ( دراسة جدوى ). البشر العقلاء الذين يقدرون الله جل وعلا حق قدره يتحسبون للآخرة القادمة الباقية الخالدة ، ليفوزوا فى إبتلاء الدنيا وليفوزوا بالخلود فى الجنة ولينقذوا أنفسهم من الخلود فى النار. دراسة الجدوى لمشروع تجارى أو صناعى فى هذه الحياة الدنيا لا تعنى حتمية نجاح المشروع ، وحتى لو نجح المشروع فصاحبه لا بد أن يتركه بالموت . أما دراسة الجدوى التى يسير عليها المؤمن الصادق الذى يؤمن باليوم الآخر والذى يقدّر الله جل وعلا حق قدره ـ فهى مضمونة النجاح ، والذى يضمن نجاحها هو الله جل وعلا الذى لا يُضيع أجر من أحسن عملا ، والذى لا يُخلف الوعد ولا يُخلف الميعاد ، والذى لا تبديل لكلماته ، جل وعلا. هنا يكون المؤمن الصادق ناجحا فى إبتلاء الآخرة ، ولذا فإنه فى أواخر حياته يرجو لقاء ربه متشوقا وآملا وطامعا فى رحمة ربه جل وعلا .

2 ـ يختلف الحال مع أغلبية البشر الذين لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره ، لذا تكون حساباتهم خاطئة ، وخطرها يعنى فشلهم فى إختبار الحياة الدنيا ، وخلودهم فى الجحيم . والله جل وعلا يتوعدهم بسبب ظنهم هذا الظّن السّيىء به جل وعلا : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً (6) الفتح )

2 / 1 : لأنهم لا يقدرون الله جل وعلا حق قدره ، فهم يقدسون معه أولياء وأربابا . وهذه الأولياء والأرباب لا تستطيع أن تخلق ذبابا ولو إجتمعوا له ، وإن يسلبهم الذباب شيئا لا ستنقذوه منه ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)) ثم يقول بعدها : ( مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74) الحج )

هنا تتجلى الحسابات الخاطئة فى إتخاذ عباد الله أولياء من دون الله ، يتخذونها وهم ( يحسبون أنهم يحسنون صُنعا ) ، يقول جل وعلا لهم : ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) الكهف )

2 / 2 : الحسابات الخاطئة فى  الظن السىء بالله جل وعلا بأنه جل وعلا غافل عن العالمين ، أى خلق العالم وتركه غير مهتمّ به . وتكرر نفى هذا مرارا وتكرارا فى القرآن الكريم بأساليب شتى .

وفى سورة البقرة وحدها قوله جل وعلا ( وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) ( 85)( 140 )( 149 ) البقرة ).

ويقول جل وعلا عن ملائكته التى تسجل أعمال كل فرد : ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80) الزخرف ). ويقول جل وعلا عن علمه الشامل بنا : ( أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7) المجادلة )( هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) الحديد ). وتكرر أنه جل وعلا على كل شىء شهيد : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (33) النساء ) الاحزاب (55) ).

لذا يقول جل وعلا عن بعض الصحابة الخائنين المتآمرين الذين كانوا يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله جل وعلا وهو بهم محيط : ( يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108) النساء )، ويقول عن بعض مشركى قريش : ( أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) العلق ). هذه الآيات تنطبق على أغلبية البشر .

إن الله جل وعلا يرانا ويسمعنا وهو الشهيد علينا . هذا هو ما يؤمن به الذى يريد النجاح فى إختبار الحياة الدنيا ، والذى يقدر الله جل وعلا حق قدره . أما أغلبية البشر الذين يخسرون فى إبتلاء الدنيا أصحاب الظن السىء بالله جل وعلا فستشهد عليهم يوم القيامة سمعهم وبصرهم وجلودهم ، ويقال لهم : ( وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنْ الْخَاسِرِينَ (23)فصلت ).

2/ 3 : الحسابات الخاطئة فى الابتلاء بنعيم الدنيا . سبق أن قلنا أنهم يحسبون ( خطأ ) أنهم بالنعيم الدنيوى سابقون ، يقول جل وعلا لهم : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (59) الانفال ). هم لا يدركون أن هذا النعيم إبتلاء ، وهم بعدم تقديرهم لله جل وعلا سيزدادون بهذه النعمة إثما ، أى هى حسابات خاطئة ، قال عنها جل وعلا : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) آل عمران ). ومنهم هذا الذى وهب حياته لجمع المال السُّحت يحسب أن ماله أخلده ، ثم تكون عاقبته الخلود فى النار : ( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) الهمزة )

2 / 4 : وتأتى النهاية لأولئك الذين لم يقدروا الله جل وعلا حق قدره . تأتى لهم نتيجة الحسابات الخاطئة يوم القيامة . يقول جل وعلا عن ذاته جل وعلا وتمام هيمنته يوم القيامة وتمام تحكمه فى يوم الدين : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(67) الزمر ) (  وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر )

عندها وهم فى الجحيم يتمنون الافتداء بما فى الأرض جميعا لو كانوا يملكونه ، وبدا لهم من الله جل وعلا ما لم يكونوا يحتسبون فى حساباتهم الخاطئة :( وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (48) الزمر )

كانوا ـ فى عدم تقديرهم لرب العزة حق قدره ـ يحسبون أنه لا بعث لعظام نخرة ، مع ان الله جل وعلا قادر على ذلك لو شاء ، بل هو جل وعلا قادر لو شاء أن يعيد البصمة لكل أصبع بشرية :( لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) القيامة )

كانوا ـ فى عدم تقديرهم لرب العزة حق قدره ـ ينكرون البعث ، فقال جل وعلا لهم :( أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى (39) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) القيامة )

كانوا ـ فى عدم تقديرهم لرب العزة حق قدره ـ يطنون ان الله جل وعلا خلقهم عبثا وأنه لا بعث ولا نشور . وسيقال لهم فى النهاية نفس الأسئلة الكبرى التى كانت من قبل فى طفولتهم وفطرتهم تُلحُّ عليهم :  ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون )

أخيرا

ماذا لو تدبرنا قوله جل وعلا لنا :( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ )؟؟!!

ودائما : صدق الله العظيم .!!

 

   الخلود فى النار وعدل الله جل وعلا ورحمته

مقدمة

الابتلاء الأكبر هو فى الحرية المطلقة للبشر فى الايمان او الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، وما يترتب على هذه الحرية المطلقة من جزاء مطلق بالخلود فى الجنة أو الخلود فى النار. إدراك عاقبة هذه الحرية المطلقة للإنسان فى هذه الدنيا وأنه الخلود فى نعيم دائم أو عذاب دائم يجعل الحرية التى نتمتع بها أفدح إبتلاء لنا. والعادة أن أغلب البشر يخسرون فى هذا الابتلاء لأنهم يتمتعون بحريتهم ولا يدركون مسئوليتهم ، مع إن البشر يعرفون فى حياتهم الدنيا أن الحرية تقابلها المسئولية . يطبقون هذا فى تعاملهم فى الدنيا ولا يطبقونه فى الدين . إذا قيل له عن الخلود فى النار إستكثره ورآه ظلما دون أن يلوم نفسه . ولقد جاءتنى أسئلة من نوعية : (هل من العدل الخلود فى النار على عصيان استمر طيلة حياة الانسان وهى قصيرة  ؟) ونجيب هنا على هذا السؤال .

أولا : عدل الله جل وعلا فى الخلود فى الجنة أو الخلود فى النار :

 السائل يرى فقط الخلود فى النار ويستبشعه ، ولا يرى المُعادل له وهو الخلود فى الجنة ، أى هو العدل بين هذا وذاك . أكثر من ذلك لا يرى الحقائق القرآنية التالية :

  حرية البشر فى الاختيار بين هذا وذاك

1 ـ إن قرار دخول الجنة أو دخول النار يكون بمشيئة الفرد . هناك حتميات لا إختيار لنا فيها ، ولسنا مُحاسبين عليها . وهى : ما يتعلق بالميلاد ، والموت و الرزق والمصائب . بعدها فنحن أحرار فيما نختاره لأنفسنا .

2 ـ  لقد سألتنى أمريكية من أصل أفريقى عن العدل الالهى فى أن تكون سوداء بينما غيرها أبيض . وقلت لها : ما يخص الميلاد ولون الانسان وملامحه هو من الحتميات المُقدرة سلفا ، ولا نملك تغييرها ، ولسنا مؤاخذين عليها ، ثم هى مرتبطة بحياة دنيوية قصيرة زائلة ستنتهى سريعا بالموت . الأهم هو الخلود فى الآخرة فى الجنة أو فى النار . وهذا الخلود فى الجنة أو النار يقرره الفرد بمشيئته وإختياره ، إذا شاء أن يؤمن ويعمل صالحا يرجو الآخرة ورحمة ربه فإن الله جل وعلا ــ الذى لايُخلفُ الوعد والميعاد ــ سيدخله الجنة خالدا فيها. إذا غفل عن الآخرة وغرته الحياة الدنيا ولم يقدر الله جل وعلا حق قدره وعصى وطغى وبغى فقد إختار بمشيئته وعمله الخلود فى النار. وقلت لها إن اللون الأسود الذى تبغضينه فى هذه الدنيا يمكنك بإيمانك وعملك الصالح أن تبدليه بوجه أبيض وبنور دائم خالد فى الجنة ، بينما ذلك الأبيض العاصى فى الدنيا سيكون أسود الوجه خالدا فى النار . يقول جل وعلا : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) آل عمران ) .ويقول جل وعلا : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42) عبس ) ويقول جل وعلا عن أئمة الأديان الأرضية وسواد وجوههم يوم القيامة ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) الزمر )

 العدل المطلق أساس يوم الحساب

1 ـ العدل المطلق لا وجود له فى هذه الدنيا ، ولكن يقيمه يوم الحساب الرحمن جل وعلا الذى يملك التحكم يوم الدين ويعلم خائنة الأعين وما تخُفى الصدور. هو عدل مُطلق يقول عنه رب العزة جل وعلا : ( الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) غافر ) فلا ظلم يوم الحساب ، وهو على حسب ما فعلته كل نفس ، ويقيمه الذى ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ (20) غافر).

2 ـ  ثم التوفية فى يوم الحساب تعنى الحكم العادل الذى لا مجال فيه للظلم ، ولهذا تكرر فى القرآن الكريم توفية كل نفس بشرية حقها بلا ذرة من الظلم : ( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (281) البقرة )، وبما يشمل الأنبياء : ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) آل عمران ). 

3 ـ ومن ملامح المحكمة الالهية العادلة يوم الحساب وزن العمل بميزان يقيس العمل بالذرة وأجزاء الذرة ، يقول جل وعلا : ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الانبياء ). 

4 ـ ومنها تنوع الشهادات . إذ يُتاح لكل نفس بشرية أن تٌجادل وتدافع عن نفسها أثناء توفية عملها يوم الحساب: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111)النحل ) . وتشهد عليها جوارحها :( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) النور )، ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) فصلت ).

ثم هناك شاهد أو شهيد على كل قوم من داخلهم : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً (41) النساء )، ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء )  (89) النحل ).

والشاهد الهام هو كتاب الأعمال الفردى لكل فرد ، وكتاب الأعمال الجماعى للفرد مع مجتمعه . إن كل ما يطير من الانسان من عمل هو طاقة لا تتبد ، بل يتم حفظها وتسجيلها من صوت وحركة ومشاعر . يتم تسجيلها وتخزينها وحفظها فى كتاب أعماله ليتعلق بعنقه يوم القيامة ، يراه ليقرأه بنفسه ليكون بنفسه حسيبا على نفسه . ولهذا فإن من يهتدى فهو يهتدى لنفسه ومن يضل فإنما يضل على نفسه ، ولا يتحمل أحد وزر أحد ، ، ثم إنه جل وعلا لا يُعذّب من لم يبعث له رسولا . وهذه قمة العدل. يقول جل وعلا عن كتاب الأعمال الفردى : ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الاسراء ).  يوم القيامة يرى المجرمون بأنفسهم ( فيديو ) الاهى يُجسّمُ تاريخ حياتهم فى خلواتهم وأسرارهم وعلانيتهم وما كانت تكُنُّه قلوبهم. يُصابون بالذهول من هذا الكتاب الذى لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وجاء بعملهم ( الماضى ) حاضرا. ولا يظلم ربك أحدا . عن كتاب الأعمال الجماعى يقول ربى جل وعلا : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف ).

 أصحاب النار يتعذبون بعملهم ، وأصحاب الجنة يتنعمون بعملهم

1 ـ فى مقارنة بين أصحاب الجنة وأصحاب النار يقول جل وعلا : ( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ (76) الزخرف ). أصحاب الجنة ورثوها بعملهم ، وأصحاب النار خالدون فيها بلا تخفيف ، وما ظلمهم الله ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم ، فبعلمهم السىء يتعذبون .

2 ـ وفى مقالات بعنوان ( لكل نفس جسدان ) ناقشنا قرآنيا آلية النعيم فى الجنة بالعمل الصالح وآلية التعذيب فى جهنم. بالعمل السىء. الانسان يُولد ومعه وعاءان ؛ أحدهما للعمر المحدد الذى سيعيشه فى هذه الحياة الدنيا ، ويبدا العدُّ التنازلى لعمره بأول ثانية ودقيقة حين يولد ، ويستمر الى أن ينتهى أجله بالموت ، وكل ثانية أو دقيقة تمر من وعاء العمر المحدد له تنزلق الى الوعاء الآخر وهو وعاء العمل ، تنزلق مُحمّلة بعمله ، حيث يتم تسجيل أعماله بالصوت والصورة والمشاعر ، وبإنتهاء ( أو توفية ) وعاء العمر يمتلىء ( أو تتم توفية ) وعاء العمل ، أو كتاب العمل ، ويموت الانسان أو ( يتوفى ) أى تتم وفاة وتوفية عمله وعمره ، وتعود نفسه الى البرزخ الذى أتت منه ، وهى تحمل جسدا آخر بدلا من الجسد الأرضى المادى الذى كانت ترتديه فى الدنيا ثم غادرته وتركته ليبلى فى الأرض . وفى البعث تأتى النفس تحمل عملها . إن كان عملها سوءا يكون حملها وزرا ، يقول جل وعلا عن القرآن الكريم ومن يُعرض عنه فيأتى يوم القيامة يحمل وزرا : (وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً (101) طه ) ويقول جل وعلا عن الخاسرين يوم القيامة وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم : (  قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) ويقول جل وعلا بعدها ناصحا واعظا:( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (32) الأنعام ). أئمة الأديان الأرضية وشيوخها ووُعّاظها سيحملون أوزار أنفسهم كاملة ومعها (بعض ) أوزار أتباعهم : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)  النحل ) . وفى كل الأحوال : ألا ساء ما يزرون . لن هذا الحمل السىء به سيُعذّبون .! وهنا لا ظلم من رب العزة ، بل هم الذين كانوا أنفسهم يظلمون . يقول جل وعلا عن الجميع عند البعث: ( إِنْ كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) يس ) . ويقول جل وعلا عنهم قبيل الحساب ، وكل أمة جاثية ترى كتاب أعماله وتنتظر دورها حيث يتم جزاؤها بعملها : ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية )

3 ـ آيات كثيرة فى تنعم أهل الجنة بعملهم ؛ يقول جل وعلا  : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) النحل )( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الاعراف )( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (72) الزخرف )( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) الرحمن )

4 ـ وآيات أكثر فى تعذيب أهل النار بعملهم ؛ نذكربعضها أملا فى ان يتدبرها القارىء الكريم . يقول جل وعلا : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (84) القصص )( ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) يونس )( إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39) الصافات)( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) الطور )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) التحريم )( يَوْمَ يَغْشَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55) العنكبوت )( فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) السجدة ).

وعن تعذيبهم بأموالهم التى بخلوا بها فى دنياهم يقول ربى جل وعلا بأسلوب التأكيد الثقيل :( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(180) آل عمران )، وعن تعذيب أئمة الأديان الأرضية بما يجمعونه من مال السُّحت وبما يكنزونه من ذهب وفضة يقول ربى جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنْ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ (35) التوبة ). هل يتعظ أصحاب البلايين من المحمديين ؟ ألا يقرأون هذا القرآن العظيم ؟ هم بلا شك به عارفون ، وبه يكذّبون ، لذا فهم فى العذاب خالدون .

وأملا فى العظة : نتوقف بالتدبر مع قوله جل وعلا عن تعذيبهم : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)  فاطر ). هم فى خلودهم فى النار أحياء خالدون ، حياة فظيعة ، لايتمتعون براحة الموت ولا براحة التخفيف من العذاب . وهم من شدة العذاب يصطرخون ـ وليس فقط يصرخون ، يرجون رب العزة الخروج لفرصة أخرى : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ). لم يقولوا : ربنا أخرجنا نؤمن ، فقد آمنوا فعلا ـ ولكن بعد فوات الأوان . الذى ينقصهم وهم فى النار هو العمل الصالح ، إذ أنهم يتم تعذيبهم فيها بعملهم السىء ، وحتى يتم تخليصهم من هذا العذاب لا بد من تبديله بعمل صالح غير الذى كانوا يعملونه ، لذا يطلبون الخروج ليعملوا عملا صالحا غير الذى كانوا يعملون . ويأتيهم الرد الذى يجب أن نعتبره جيدا لننجو : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ) . أى أعطاهم الله جل وعلا عمرا فى الدنيا أتاح لهم أن يتذكروا وأنزل لهم النذير  فأعرضوا ، وإكتسبوا لهم جسدا من أعمالهم السيئة يتم به تعذيبهم . لذا يقول جل وعلا : ( وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) النحل ).

هذا هو العدل المطلق يوم القيامة ، وتلك أيضا هى مسئولية الحرية المطلقة التى يستخدمها الانسان فى الضلال والإضلال والعصيان والطغيان ، ثم يتعجب من عقابه بالخلود فى الجحيم جزاءا عادلا ، مع أنه يستطيع بسهولة جدا أن يكون من الخالدين فى الجنة، لو أراد .

 ثانيا : بين العدل والرحمة

  تشريعات الخير فى الاسلام :

 من يريد الخلود فى الجنة يساعده على هذا أن تشريعات الاسلام قائمة على

1 ــ الخير والاصلاح  للفرد والمجتمع ، كما جاء فى سور الأنعام ( 151 : 153 ) والإسراء ( 22 : 39 ) والفرقان ( 63 ــ ) والنحل ( 90 : 97 ) والنساء ( 36 : 39 ).

2 ــ التخفيف .

2/ 1 : فلا حرج ولا مشقة فى الشريعة الاسلامية :( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ )( 6) المائدة ) ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ )(78) الحج )( يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ) (28) النساء )( ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ (178) البقرة )

2/ 2 ــ والله جل وعلا لايكلف نفسا إلا وسعها ( البقرة 286 ) (الأنعام 152 )(الأعراف 42 ) ( المؤمنون 62 ) ( الطلاق 7 ) . 

2/ 3 ـــ والله جل وعلا لا يؤاخذ على الخطأ غير المقصود والنسيان : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) ) البقرة )، بل الخطأ المتعمد : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (5) الاحزاب ).

2 / 4 :ويعفو عمّن يقع عليه إكراه فى العقيدة : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) النحل )، أو فعل الفاحشة ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور ). ويؤسس الاسلام على أنه لا إكراه فى الدين : ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ (256) البقرة ) ، ويمنع النبى منه :( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) يونس )، ويجعل من أهداف القتاال الدفاعى منع الإكراه فى الدين أو الإضطهاد الدينى أو الفتنة فى الدين ( البقرة  193 ، الأنفال 38 ) ، حتى يكون مجال الدين حرا ليتحمل البشر مسئوليتهم على إختيارهم الدينى يوم الحساب أو يوم الدين ، وبهذا يكون الدين لله ، فى الحرية المطلقة التى أعطاها لنا فى الدنيا وفى  مسئوليتنا المطلقة عليها أمامه جل وعلا يوم الدين .

 3 ـ والتوبة ، التى تعطى المذنب فرصة أخرى : ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) البقرة )، ويترتب على التوبة المقبولة غفران يوم القيامة : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) النحل )

4 ـ والابتلاءات ، كما سبق ، هى جرس إنذار لينتبه الغافل ويتوب العاصى .

 5 ـ يبقى بعد هذا من رحمته حل وعلا أن الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (160) الانعام ) ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) النمل )

خلاصة ما سبق : إن الله جل وعلا لا يظلم مثقال ذرة ، بل يضاعف الحسنة ، ويجازى السيئة بمثلها ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (40) النساء ).

 سبحانه جل وعلا رب العالمين .!!           

الابتلاء
مقدمة كتاب ( الابتلاء )
كان مقالا فأصبح كتابا ..
كالعادة : سؤال يرد لى فأبحث عن الاجابة فى القرآن الكريم ، وأكتب مقالا ، فتتكشف لى حقائق قرآنية جديدة ، فيتحول المقال الى مقالات ، ثم ينتهى الأمر بكتاب . جاءنى سؤال من قرأنى تعرض لابتلاء ، فكتبت مقالا فى حتمية ابتلاء المؤمنين ، وتشعب الموضوع ليصبح هذا الكتاب .
بعد خمسين عاما من معايشة القرآن ؛ كلما إزددت منه علما إزداد إحساسى بأنى لا ازال تلميذا على ساحل التدبر فى آياته .
سبحان من أنزله نورا وهدى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَه ُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُ هُمْ مِنْ الظُّلُمَا تِ
more