ولسة .. أحدث صيحات التعذيب في أقسم الشرطة في مصر بلد الأمن والريادة :نيابة كفر الشيخ تحقق في اتهام ض
جولة جديدة في صحافة القاهرة الصادرة صباح الثلاثاء والتي خيم عليها سواد الحداد على شبابنا الغارقين في الطريق إلى إيطاليا حيث استقبلت قرى الشباب الغارقين جثامينهم ...ومن عدد الثلاثاء لجريدة الدستور اليومية نطالع خبرا مستفزا عن أحدث صيحات التنكيل بالمواطنين في أقسام الشرطة حيث تحقق نيابة كفر الشيخ في اتهامات موجهة لضابطي شرطة بمركز كفر الشيخ في اتهامات بتعذيبهم همسة أطفال وإجبارهم على ممارسة اللواط معا ...ومن الدستور نقرأ لإبراهيم عيسى الذي كتب عن العالم الكبير الذي كان وتحول إلى عالم سلطان ...نقرأ:
(ماذا جرى للرجل ؟ .. كنت أتصور نفسي أحيانا من مريديه ، احضر ندوات ومحاضرات له ، أشاهده وهو يحتدم في الحوار مع متطرفين فيلجمهم ، مع أدعياء فيكشفهم ، يصارع الأفكار التقليدية في تفسير القرآن الكريم ، ويفتش بالعقل عن صحة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم .. التقيت في ندواته مع جمهور من المفكرين والعلماء الشبان ، يتفقهون في دينهم وينتصرون للعقل والحرية ، وكنا نشكر دائما هذا الشيخ العالم الذي كانت ندوته سببا لتعارفنا، وحرصت على استضافته في برنامج تليفزيوني كنت أقوم بإعداده ، كذلك كان هو الشيخ الذي رشحته بحماس
وإلحاح لتقديم برنامج دييني في قناة فضائية اعمل بها، وتابعته وأنا فخور به دون أن أتعرف عليه أكثر هما ينبغي مكتفيا بقراءة أعماله ومتابعة ندواته ، حتى قرأت يوما خبر تعيينه في منصبه الرسمي.. شهرا بعد شهر، ومناسبة بعد أخري، وحدثا بعد آخر، إذا بهذا العالم يقترب من السلطة ويبعد عن العلم ، يتخلى عن سماحته ويتكلم في المسموح فقط ، يرجع في أفكار ويتراجع عن مواقف ، تذوى صوفيته وتتمخطر ذاته .. إذا بهذا العالم الجليل تخطفه السلطة وتتخطفه الدنيا، فلا هو الشيخ المستنير المطيع، ولا هو الجسور الجريء بل المتردد المتودد، ولا هو الواثق الموثوق بل المرتبك المهزوز، ولا هو الحر بل المربوط بالسلطان ، ولا هو المقدام المبادر بل هو الخائف الوجل أن يقول رأيا أو يتحدث فيما لا يرضى السادة والساسة .. يا ربى أهذا ما تفعله السلطة والسلطان في رجل فكر وعالم دين؟ تغري إلى هذا الحد وتغوي إلى هذه الدرجة ؟ فإذا كانت قد أنزلت عالما من مكانه ورمت به من مكانته ، وضعف أمامها الزاهد المتصوف ، فما الذي يمكن أن تفعله مع استاذ جامعي نصف نظيف يقدم رجلا في الشرف ويؤخر رجلا في الفساد؟ ماذا تفعل في ضابط جاهل أو رجل أعمال نصف مثقف ، أو موظف تعود على الطاعة والنطاعة ؟ . إذا كان الاقتراب من السلطان والجلوس على مقعد السلطة والنفوذ والأمر والنهي في دولة
مثل مصر هذه الأيام أضعف مقاومة عالم وانتقل به من فسطاط العلم والفكر والترفع إلي فسطاط محاباة الرئيس والمشي في ركامه والزحف في موكبه ، إذا كانت السلطة تمكنت من عالم فقيه فمن السهل عليها جدا أن تفرم أي واحد آخر دخلها يظن نفسه شريفا أو يعتقد في نفسه انه أبو الرجال فتجيبه الأرض .. ثم إذا كان من يسعون للسلطة والحكومة هم في الأساس جماعة من المشتاقين والنهازين للفرص والراغبين في القفز على ظهر البلد كي ينهبوا فيها ويدلدلوا رجليهم فمن البديهي أذن أن تجعلهم السلطة خدما لها وخداما.)
وإلى جريدة المصري اليوم حيث نقرأ لعزب القمحاوي الذي كتب الشعب الأخر الذي يعيش في مصر ...الشعب الأصلي ..الذي فقط يغرق في مراكب الهجرة غير الشرعية ويحترق قي القطارات الحكومية البالية ..نقرأ: (لا يشبه غرق شبابنا وأطفالنا الباحثين عن فرصة عمل في الغرب، إلا غرق زنوج أفريقيا في رحلات تهجيرهم القسرية للعمل عبيداً في مزارع المستعمرة الجديدة: أمريكا!
التاريخ يعيد نفسه بالكيفية ذاتها، حتي في الكوارث الإنسانية، وما يبدو اختلافاً بين «النزح» و«النزوح» ليس إلا فرقاً في المظهر، لكن المضمون واحد.
كانت عصابات المستعمرين تلاحق المواطنين الزنوج في بلادهم وتصطادهم من الطرقات، وتنقلهم معصوبي العيون إلي السفن، ليلقي بهم مقيدين في قيعان السفن مع الدواب، وكثيراً ما كانوا يلقون بهم في عرض البحر عند الحاجة إلي تخفيف الحمولة، وبعد مائة وثلاثة وتسعين عاماً علي معاهدة منع تجارة العبيد «معاهدة فيينا ١٨١٤» عادت التجارة القبيحة من جديد إلي أرجاء القارة الأفريقية، لتشمل الساحل العربي هذه المرة، وفي مقدمته «مصر الريادة» وبالكيفية ذاتها!
صحيح أن مَنْ تسميهم الصحافة «عصابات التسفير» لا يجوبون القري لاختطاف الشباب، بل يحظون باحترام هؤلاء الشباب وذويهم الذين يذهبون إليهم بكامل إرادتهم، ويدفعون لهم ثلاثين ألف جنيه في المتوسط، دونما إيصال أو دليل علي الدفع إلا كلمة الشرف، لكن الذاهبين إلي رحلة الموت يذهبون معصوبي العيون أو كالسائرين في الأحلام، تلبية لنداء النداهة الإيطالية، حيث يكدسون كالعبيد من دون أي وثائق في زوارق متهالكة، فرص غرقها أكبر كثيراً من فرص وصولها إلي الشاطئ الآخر، وكثيراً ما يتم التخفف من الحمولة في عرض البحر كما في زمن العبودية الأول. ومن يقض حتفه منهم يغمض عينيه علي رعب الغرق لتنتهي قصته، ومن يصل يستكمل رحلته مع مهربين جدد في ثلاجات الذبائح وشاحنات البضائع، ليصل إلي المدن الإيطالية، سعيداً إن وجد سيداً يقبل بتشغيله وإيوائه في مقابل أجر زهيد بالنسبة لأسعار العمل الرسمية.
وفي كل حادث غرق أو إغراق لمهاجرين، تطلق الحكومة صيحات التحذير من غواية «عصابات التسفير» ويهتم السفير المصري في إيطاليا، ويترك القنصل أولاده ليتجه مشكوراً إلي الشاطئ، يتابع عمليات انتشال الجثث والتعرف عليها وتكفينها، وتنشر الصحف أسماء الضحايا، في مفارقة مؤسفة، فالشباب الذين صاروا معروفين وهم قتلي عاشوا غير مرئيين من الحكومة طوال أعمارهم، ولو رأتهم أو اعتبرتهم في عداد الأحياء يوماً، ما ذهبوا بأنفسهم طواعية إلي الموت.
هذه حقيقة!
هناك شعب آخر في مصر لا تعلم عنه شيئاً حكومة رجال أعمال، حصرت حركتها بين المصايف وبيزنس العقارات في المدن الجديدة، وكأنها تعلن فشلها في إصلاح حال مصر القديمة، ورأت من الأسهل إنشاء مصر أخري، مصر مسرمكة، ليس فيها قري أو فلاحون، مستغنية ليس فقط عن مشاكلهم، وإنما أيضاً عن إنتاجهم ومساهمتهم في الناتج الوطني، وأبلغ دليل علي ذلك مليون ونصف مليون قنطار قطن من العام الماضي لم تجد من يستخدمها ويحولها إلي فرص عمل ومنتجات، وسحابة سوداء تظلل سماء مصر بسبب حرق قش الأرز الذي يمكن تحويله إلي ورق وسماد.
هذا الإهمال للريف هو الذي يدفع شبابه إلي الهرب، ليس من البطالة وحدها، بل من المستوي المتدني في الخدمات. وحتي الآن لم ينتبه أحد إلي أن غالبية من يركبون زوارق الهجرة غير الشرعية هم شباب ومراهقون من القري، لم يعد الفقر السبب الوحيد لهجرتهم؛ فمن يستطع تدبير ثلاثين ألف جنيه للسفر الخطر، أو مائة وخمسين ألفاً للسفر الآمن ـ مهما قيل عن مصادر هذه المبالغ ـ لا يمكن اعتباره من المعدمين، لكن آلية السفر خلقت نوعاً من الجنون لا يمكن تبرئة الحكومة من أسبابه.
أهملت الحكومة الريف في البداية، فسعي الشباب إلي السفر، وعاد من نجح منهم بثروات قلبت موازين القري، لأن الحكومة التي أهملت الناس في فقرهم استمرت علي إهمالهم في غناهم!
هناك ملايين من الجنيهات يضخها المسافرون في القرية الواحدة سنوياً، وكان من المفترض في ظل نظام يري كل مواطنيه أن يهتم بعائدات السفر، وينصح العائدين بمشروعات صغيرة تناسب حجم ما عادوا به من أموال، أو علي الأقل يعمل علي تحديث البنية التحتية التي تحفز هؤلاء علي إقامة مشروعاتهم، لكن الذي يحدث غير ذلك تماماً!
يخرج الشاب تحت ضغط البطالة، وعندما يعود بأمواله إلي قريته المغلقة لا يجد ما يفعله بها سوي الهدر، في مظهرية تعوضه عن رحلة الشقاء، يبني بيتاً أكبر من حاجته، يقتني أجهزة كهربائية يفشل في إقناع أهله باستخدامها، ويزايد في المهر عند الزواج، هذا إن لم يلجأ إلي المخدرات وغيرها من صور التبذير الخطرة.
وهكذا، فإن المسافرين الأوائل الذين وضعتهم الحكومة تحت ضغط البطالة، أصبحوا بأموالهم المتكبرة عاملاً جديداً للضغط علي غيرهم من الأجيال الجديدة، المحاصرة بين البطالة ومظاهر الرفاهية التي يتمتع بها العائدون، وبعضهم لم يعد بالأموال فقط، بل بلغة جديدة وزوجة أجنبية.
وهكذا أصبح نداء «النداهة» للسفر أقوي من أي تحذير تطلقه الحكومة أو صحفها، حتي لو عممت ذمَّ عصابات التسفير علي المنابر، أو طلبت من المفتي أو شيخ الأزهر تفصيل فتوي لتحريم تجارة السفر! )
اجمالي القراءات
3832