مفتي سوريا يرد على اتهامه بـ"التشيع" ويرفض تكفير العلويين
نفى المفتي العام لسوريا، الشيخ أحمد بدر الدين حسون، صحة تقارير صحفية نشرت خارج سوريا تحدثت عن "تشيعه" وعن انتشار التشيع بين أهل السنة بدعم إيراني وموافقة رسمية سورية. وبينما ذكر أنه طمأن الداعية السعودي الشيخ سلمان العودة أنه لا صحة لهذه التقارير، أشار الشيخ حسون إلى ازدياد عدد المدارس الشرعية التي تدرس الفقه الحنفي والشافعي فقط.
وتبرز أهمية تصريحات الشيخ أحمد بدر الدين حسون في هذا الحوار، وهو الحائز على درجة الدكتوراه العالمية من الأزهر الشريف بدرجة امتياز في الفقه الشافعي، من كونه رئيسا للمجلس الأعلى للإفتاء في سوريا فضلا عن علاقاته الواسعة مع جميع الطوائف الدينية، ويوصف بأنه قوي في الافتاء ويؤخذ برأيه في الأوساط الشعبية والرسمية وأنه من الداعين لنبذ العنف و التقريب بين المذاهب والحوار مع غير المسلمين. وقد تقلد هذا المنصب بعد وفاة المفتي السابق الشيخ أحمد كفتارو، عبر مرسوم رئاسي صادر عن الرئيس بشار الأسد.
وقال المفتي العام لسوريا لـ"العربية.نت" إن الذين يتحدثون عن تشيعه إنما يسوقون اتهامات مضحكة، وأضاف: في سوريا يوجد مفت للجمهورية ومفت للشافعية والأحناف والجعفرية. أرجو من هؤلاء الذين ينقل عنهم هذا الحديث أن يعلنوا عن أسمائهم وأن يقولوا نحن الذين نتهم لا أن يقولوا والله أخبرنا بعض العلماء من حلب أنهم نصحوا المفتي ألا يتشيع، هذا الكلام ليس فيه إلا نص واحد جاء في القرآن الكريم "يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصحبوا على ما فعلتم نادمين".
وتناول الشيخ حسون تقارير صحفية تحدثت عن تشيع بين أهل السنة بدعم من إيران وموافقة من الحكومة السورية، فقال: تابعت الأمر بشكل شخصي وتبين أنه غير صحيح، واتصلت بالشيخ سلمان العودة وطلبت منه أن يدلني على موقع من المواقع التي يقال إن فيها انتشار للتشيع بسوريا، وكان سعيدا بتوضيح الأمور له، وقال إن هذه الأنباء جاءته من بعض الإخوة ولذلك تكلمت بها، فدعوته لزيارة سوريا ليرى حقيقة الأمور.
واستطرد بأن الذين يتحدثون عن تشيع لا ينتبهون إلى أنه منذ 15 سنة أنشئ في سوريا أكثر من 35 مدرسة شرعية تدرس الفقه الشافعي والحنفي فقط .
وتابع: السؤال أوجهه إلى من يتحدثون عن انتشار التشيع بسوريا إذا كانوا يتقون الله: كم مسجدا وكم جامعا بني في سوريا خلال العشر سنوات الأخيرة ؟ وكم مدرسة شرعية أسست؟ وكم عدد العلماء الذين ينتشرون في سوريا وكليات الشريعة التي فتحت في حلب؟ والتي لها 3 مراكز بدمشق مثل مجمع أبوالنور ومجمع الفتح، وهناك جامعات اسلامية ليست سنية ولا شيعية.
وأشار إلى وجود حالات مثل العودة إلى بناء قبور الصالحين والمشايخ عند السنة والشيعة، مشددا على أن تعبير "سني وشيعي " "هما سياسيان وليسا دينيين" ، وقال إن "المسلمين في سوريا يعتبرون كل المذاهب الاسلامية من الجعفرية والاسماعيلية والموحدين والعلويين مسلمين، والمذاهب التي يختلفون فيها هي مذاهب فقهية لا مذاهب عقائدية ".
العلويون مسلمون
ورفض الشيخ أحمد حسون التشكيك في إسلام العلويين كما تضمنت مواقع ومنتديات اسلامية سورية معارضة في الخارج في سياق حديثها عن انتشار التشيع بسوريا، قائلا: "العلويون مسلمون وكذلك الموحدون(الدروز) والاسماعيليون وكل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مسلم وهذه المذاهب جميعها تقول ذلك ولا تنكره".
وأضاف: كلهم مسلمون ولهم مدارس فقهية ابتعد بعضها قليلا عن النصوص وأولوها، فعلينا أن نعيد الحوار بيننا وبينهم حتى يعودوا للأصل. وعلينا جميعا أن ننظر إلى المشتركات في المذاهب الفقهية الاسلامية ونحاول أن نجمع جميع أبناء المذاهب الاسلامية على المحور الذي هو الكتاب والسنة، فإذا استطعنا أن نجمعهم نكون قد قربنا وأزلنا هذه الفوارق التي كانت في يوم من الأيام فوارق مصطنعة من بعض القيادات الدينية التي ابتعدت عن الاصل ودخلت في أنفاق مظلمة.
وأما التقارير التي شككت في انتماء العلويين للاسلام، والتي رد عليها مفتي سوريا، فهي تصريح لحركة الإخوان المسلمين نشرته نشرة صادرة عن جامعة جيمس تاون الأمريكية في 11 آب/ أغسطس 2005 ونشرها موقع أخبار الشرق السوري حديثا، وفيه أن "الإخوان المسلمين لن يشككوا في صدق انتماء العلويين الإسلامي إذا سموا أنفسهم مسلمين. مع ذلك يرفض مراقب الجماعة أن يقول هو نفسه إنهم مسلمون. أتباعه ومعظم المشايخ ربما يأكلونه حياً لو قال ذلك. طبعاً ليس ثمة سبب يجعل ضرورياً اعتقاده بأن العلويين مسلمون، إذا كان الإخوان المسلمون عازمين على فصل الدين عن السياسة، وهو أمر طالما رفضه الإخوان المسلمون بجلاء".
لست مفتي النظام
ورد الشيخ حسون على الحملة التي تستهدفه شخصيا وتتهمه بأنه مفتي النظام السوري، قائلا: هذا اتهام مضحك. وأقول لمن يخرج هذه الإشاعات نحن في ميدان الدعوة ليس عمرنا جديدا فوالدي كان استاذ الفقه الشافعي في الثانويات الشرعية في سوريا ومن قبله جدي وإخوتي وأنا أعتبر نفسي مفتيا للجمهورية العربية السورية ولست مفتيا لمذهب واحد أو طائفة.
وأضاف: "أما كلمة مفتي النظام، فهناك من هم خارج الوظيفة الرسمية والذين يعطون لأنفسهم الشرعية في إصدار الفتاوى لجذب الجماهير، ويقولون إن فلانا هو مفتي النظام لجذب الناس إليهم، وأنا أتحداهم أن يأتوا بمثال واحد يشير إلى أن المفتي في سوريا منذ 40 سنة أن يكون أفتى لصالح حاكم في البلاد".
المرأة في وظيفة الافتاء
في سياق الحوار مع المفتي العام لسوريا أثارت "العربية.نت" أيضا معه مجموعة من القضايا المثيرة للجدل على الساحة السورية مثل زواج المسلمين والمسيحيين وإمكانية نشوء أحزاب دينية في سوريا.
وكشف الشيخ أحمد بدر الدين حسون لـ"العربية.نت" عن مشروع تقدم به إلى الرئيس السوري بشار الأسد حول إعادة إحياء مجلس الافتاء الاعلى ليضم 11 عالما سوريا وأن تكون بينهم امرأة عالمة في الشريعة، ويضم جميع المذاهب في سوريا بصفته المجلس الشرعي الذي يساعد المفتي ويكون له ضوابط في تطبيق الشريعة الاسلامية بمنهجية دقيقة.
وأوضح أنه سيحاول وضع امرأة مجازة في الشريعة ومتخصصة في الشؤون النسائية للافتاء في كل دائرة من دوائر الافتاء . وقال: "نحن في بعض المواقع الاسلامية همشنا المرأة، وفي بعض المواقع التقدمية استبحنا المرأة، فلا أنا مع الاستباحة ولامع التهميش، أي ألا نجعل المرأة سلعة ولا أمة وإنما أن نجعلها في موقعها الذي يجب أن تكون فيه، فلا مانع أن تكون عضوة في مجلس الافتاء ولا مانع أن تكون مفتية في أي مدينة من المدن في القضايا النسائية".
زواج المسلمين والمسيحيين
ورد المفتي العام لسوريا على انتقاد ناشطات سوريات من أجل حقوق المرأة حول حظر زواج المسلمة من مسيحي إلا إذا اشهر اسلامه باعتباره ذميا، وقال إن "هذه قضية القانون السوري والشريعة وحتى في أوروبا المرأة المسلمة لا تتزوج برجل مسيحي إلا إذا آمن بدينها".
وأضاف: "سبب ذلك أنا قلته للإخوة المسيحيين وهو أن أي مسلم يريد أن يتزوج من مسيحية وهولايؤمن بالمسيح ولا الانجيل لا نعقد له ويعتبر بالنسبة لنا كافرا، لذا أي مسيحي يريد أن يتزوج فتاة مسلمة يجب أن يؤمن بدينها، وكذلك المسلم إذا أراد أن يتزوج مسيحية يجب ألا ينكر دينها ويجب ألا يقول لها إن المسيح كاذب أو الإنجيل كاذب".
وتابع "هنا الشريعة طالبت بالمثل ونحن نعترف أنك من أهل الكتاب ايها المسيحي ونعترف أن لك إنجيلا ولك نبيا اسمه المسيح فعلى المسيحي الذي يريد أن يتزوج مسلمة أن يبادل هذه المسلمة بما يفرضه على المسلم إذا أراد أن يتزوج مسيحية ويؤمن بنبيها وكتابها وعندها نعقد له عليها".
وأوضح كلامه: عندما نقول إنه على المسلم ألا ينكر دين المسيحية التي يريد الزواج بها ليس القصد الإيمان بالدين المسيحي وإنما القصد الإيمان بالمسيح والإنجيل والعذراء كما ذكر في القرآن وهذا لا يعني أن يتحول عن دينه، وإن لم يؤمن بهم كما ذكر بقرآننا فهو كافر لا نعقد له. أما المسيحي الذي يريد الزواج بمسلمة فإذا آمن بالرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) فقد تحول عن دينه، لأننا نحن المسلمين إذا آمنا بالمسيح لا نترك محمدا ولكن مشكلة المسيحيين أهم إذا آمنوا بمحمد عليهم أن يطبقوا شريعته فيتحول المسيحي طبيعيا إلى الاسلام، لكن لا نقول إنه ترك دينه وإنما أكمل دينه.
وأضاف: "المسلم حينما يسلم لا يترك المسيح ولا يترك موسى ولا ابراهيم؛ فنحن لا نترك ديننا إنما نتم ديننا، فاليهودي والمسيحي عندما يسلمون يكملون دينهم، ويكون قد ترك ما صنعه الرهبان وليس ما أنزله الله لأن المسيحية الصحيحة واليهودية الصحيحة موجودة في القرآن".
الأحزاب الإسلامية تسيء للدين
ورفض الشيخ حسون إنشاء أحزاب دينية في بلاده، مطالبا الاسلاميين "الذين يريدون الاشتراك في السلطة أن يدخلوا في أحزاب سياسية وليس في أحزاب تحمل أسماء دينية"، والسبب كما يقول: أن سقوط هذا الحزب الاسلامي في الانتخابات سيعتبره الناس سقوطا للإسلام، والأمة كلها مسلمة، وعليهم أن يعرفوا أن الدين هو الرقابة على الاخلاق والقيم والانسان وليس هو السلم الذي نستثمره لنجعل الناس في طاعة أهدافنا السياسية أو الاقتصادية أو الاهواء الشخصية".
وقال إنه يقصد بذلك حركة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الاسلامي، وتابع: أناشدهم بالله، أي الأخوة في حزب التحرير والإخوان أن يعيدوها (جماعاتهم وتنظيماتهم) إلى جمعيات ثقافية وتربوية وتعليمية كما أرادها الشيخ حسن البنا والشيخ تقي الدين النبهاني اللذين كانا يقصدان إنشاء جمعية تربوية اخلاقية روحية فكرية ثقافية وليس أحزابا سياسية تتصارع على السلطة مع الآخرين.
وأضاف: "لذلك أرجو من إخوتي في الإخوان المسلمين وحزب التحرير أن يعيدوا دراسة هذا الموضوع فإن ما أسيء به إلى الاسلام باسم الأحزاب السياسة الاسلامية أكثر بكثير مما خدم به الاسلام، وهذا ما جعلنا في سوريا نلقى أشد الآلام حينما أرادت بعض الأحزاب الوصول إلى السلطة عن طريق الاسلام فكانت هناك ردة فعل في مصر وفي سوريا وأعتقد أن إخوتنا في حماس بدأوا ينتبهون إلى هذه القضية تماما ويعيدون النظر في قضية الأحزاب الاسلامية.
سوريا ليست علمانية
ونفى الشيخ أحمد حسون أن تكون سوريا دولة علمانية، وقال: إخوتنا من الاسلاميين يحاربون العلمانية دون أن يفرقوا بين العلمانية الفرنسية والعلمانية التي تقوم على العلم ، فهي بكسر العين الدولة التي تقوم على العلم وأما بفتح العين فهي تقوم على العالمية. الاسلام لا يصطدم مع العلم ولا مع الدولة العلمانية ويعطي للعلمانية القائمة على العلم ضوابطها الاخلاقية، فإذا كان الاسلام لا طائفيا ولا تعصبيا ولا مذهبيا سنرى أنه لن يتصادم مع العلمانية، فنحن نؤمن بالعلمانية التي لا تصطدم بالدين ولكن نرفض العولمة التي هي قهر الآخر، ونقبل العالمية.
وبخصوص سوريا، حدد إجابته قائلا: "سوريا ليست دولة علمانية وفق المعنى الفرنسي لكلمة العلمانية، فأنا عندما كنت أرى الرئيس الراحل حافظ الأسد يدخل ويصلي مع الناس ويصوم رمضان، وحينما أرى الآن الرئيس بشار الأسد يقسم أمام مجلس الشعب بالله العظيم، والعلماني لا يقسم بالله العظيم وإنما يقول أقسم بشرفي ومعتقدي القسم الذي كان موجودا في السابق ولكن ألغي، فأي دولة علمانية هذه والقرآن يطبع فيها باسم رئيس الجمهورية وله صورة يمسك فيها بالقرآن يقبله ويضعه على جبينه.
اجمالي القراءات
14970