أسرار دفينة.. استثمارات البنك الدولي في مصر تدعم استغلال النفوذ والتهرب الضريبي

اضيف الخبر في يوم الإثنين ٣٠ - أبريل - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: مدى


أسرار دفينة.. استثمارات البنك الدولي في مصر تدعم استغلال النفوذ والتهرب الضريبي

في الدور الرابع عشر من مبنى حديث في القاهرة، تمتلئ متاهة من المكاتب بضجيج وحركة الباحثين والعاملين لدى مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراع البنك الدولي الذي يقرض ويستثمر في المشروعات الخاصة.

يأوي المبني ذو البرجين التوأم اللذين تعلوهما القباب الذهبية، عددًا من مقرات الشركات متعددة الجنسيات، على ضفاف النيل، ويقع على بعد أمتار قليلة من أحد أفقر أحياء القاهرة، رملة بولاق.

من موقعها المطل على النيل هذا ساعدت مؤسسة التمويل الدولية في تعزيز أوضاع اللامساواة في مصر، خلال الفترة من 1995 إلى 2015، ﻷنها لم تمانع في تمويل شركات مصرية خاصة تستخدم بكثافة أساليب التجنب الضريبي، وتخفي بعضا من مساهميها- بعضهم مستثمرون ذوو نفوذ سياسي، فيما يتعارض مع السياسات المعلنة للمؤسسة التي تسعى لتعزيز الشفافية المالية للشركات ومكافحة التهرب الضريبي.

من خلال دراسة الوثائق المتاحة على موقع مؤسسة التمويل الدولية، باسم «ملخصات الاستثمار»، والمتعلقة بـ 93 مشروعا في مصر مولتها المؤسسة التابعة للبنك الدولي من خلال شراء حصص أو تقديم قروض، اتضح أن نصف الشركات التي تلقت التمويل تملك شركات وهمية في مناطق من العالم تسمح بإخفاء البيانات المالية «ملاذات السرية المالية»، وأن ثلث الشركات التي تمت دراستها مملوكة لأشخاص ذوي صلات سياسية.

وتعد تلك المشروعات هي إجمالي عدد المشروعات التي تم دعمها ماليًا من قبل مؤسسة التمويل الدولية منذ 1995 وحتى أغسطس 2017 (هناك ثلاثة مشاريع أخرى لم تحصل على الموافقة بعد).

 https://lh6.googleusercontent.com/xAJGRTuC7tvCycoYCiM04eQlh8yDao8pQkzoO6U5TbriYdXUVgZUN8zSMn5LTdxhZ7VLItxyEZ6nFgf9E2utW4axy7_HzeuWCK4ts5qRfxRt4EI-kXWw831o38rV6wXYFyHC7LP_

مكتب مؤسسة التمويل الدولية في القاهرة، يطل على حي رملة بولاق الفقير.

من هم الملاك الحقيقيون للشركات التي تستثمر فيها مؤسسة التمويل الدولية؟

أول ملحوظة تثير التحفظ هي غياب المعلومات عن ملكيات تلك المشاريع التي تستفيد من أموال التنمية. ويعني ذلك أن السؤال الأساسي بخصوص إفصاح الشركة، «من هم الملاك المنتفعون من شركة/مشروع ما؟»، يظل دون إجابة عليه في 40.4% من الشركات محل الدراسة في هذا التحقيق.

وحتى بعد تطوير سياسة الولوج للمعلومات في مؤسسة التمويل الدولية عام 2012، لا تزال 8 شركات من كل 33 شركة  (شركة من كل أربع شركات) يكتنفها الغموض.

تجعل سياسة الإفصاح الحالية لمؤسسة التمويل الدولية المرء يأمل في المزيد، فعلى سبيل المثال، تنص السياسة على أن موقع مؤسسة التمويل الدولية يجب أن ينشر «معلومات» فقط عن المساهمين في المشروع أو الشركة المستثمر بها. ومع ذلك، لا تحدد السياسة طبيعة المعلومات التي يجب نشرها. ورفض مكتب مؤسسة التمويل الدولية بالقاهرة طلبنا بالولوج إلى الوثائق التي تظهر هياكل الملكية كاملة.

من ضمن الأمثلة للعبارات المستخدمة على موقع مؤسسة التمويل الدولية لإخفاء هوية بعض المساهمين في تلك الشركات هي عبارة «مستثمرون آخرون» أو «72% هم مستثمرون مصريون»، مثل حالة شركة الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب ANSDK، وهي شركة كان يمتلك رجل الأعمال أحمد عز حصة بها.

وعُرف عز بعلاقته الوثيقة بجمال مبارك وتولى منصبا عاليا في الحزب الحاكم في ذلك الوقت، كما كان رئيس للجنته البرلمانية.

وفي مثال آخر، يستخدم ملخص الاستثمار المتعلق بمستشفى دار الفؤاد الخاصة، تعبيرات مثل «المستثمرين الاستراتيجيين يتضمنون…» ثم يذكر بعض أسماء لأشخاص وشركات، لكنه لا يذكر اسم الشريك حاتم الجبلي، الذي كان يتولى منصب وزير الصحة في ذلك الوقت بالإضافة إلى منصب آخر مهم في الحزب الحاكم.

كما أقرضت مؤسسة التمويل الدولية مشاريع يمتلكها وزيران آخران في ذلك الوقت، وهما محمد منصور وأحمد المغربي، بالإضافة إلى أكثر من مشروع مرتبط بعائلة مبارك.

غياب الشفافية هذا يترتب عليه مجموعة من الممارسات التي أصبحت تنتقدها العديد من الأدبيات الخاصة بالحوكمة الجيدة.

في حالة مصر، توجد ممارستان تستحقان النظر إليهما، الأولى تتعلق بالتهرب الضريبي والثانية تتعلق بعلاقات المستثمرين بالسياسيين، بشكل يسمح بالتأثير على القوانين، ما يضمن للمستثمرين مكتسبات حصرية (تحديدًا أراض مدعمة وطاقة مدعمة و تمويل بنكي سخي ومدعم). وتوضح دراسات الحالة والرسوم البيانية المقبلة كيف تبرز تلك الممارستان في محفظة مؤسسة التمويل الدولية.

قبل سياسة مكافحة التجنب الضريبي وبعدها

في عام 2014، نشرت مؤسسة التمويل الدولية «سياسة المراكز المالية الخارجية/أوفشور»، حيث نصت على أن مهمة البنك الدولي هي: «أولًا، أن تساعد البلاد الأعضاء، التي تسعى إلى تحسين الشفافية الضريبية، من خلال توفير الدعم التقني. ثانيًا، أن تسعي لتضمن أن عمليات القطاع الخاص لا يتم استخدامها في أغراض التهرب الضريبي».

ومن أجل تحقيق تلك المهمة، «كخطوة تأسيسية، لا تتغير بتلك السياسة، ستستمر مؤسسة التمويل الدولية في تطبيق عملية مكثفة للوفاء بأعلى متطلبات الفحص النافي للجهالة heightened transactional due diligence لكل المعاملات الاستثمارية التي تتم من خلال ولاية قضائية وسيطة. ولن تباشر مؤسسة التمويل الدولية في استثمار ما، إلا بعدما تكون ارتضت بأن هيكل المعاملة المالية مشروع ولم يجر تصميمه لاستخدامه في تهرب ضريبي، أو سوء تعامل مع الضرائب أو أي هدف آخر غير مشروع»، بحسب سياستها الجديدة.

فشلت المهمة في مصر.

«لا أعتقد أن (السياسة) غيرت جذريًا الطريقة التي أدينا بها أعمالنا فيما سبق»، كان ذلك تعليق وليد لبادي، مدير مصر وليبيا واليمن بمكتب مؤسسة التمويل الدولية بالقاهرة خلال مقابلة شخصية معه، على تأثير سياسة المراكز المالية الخارجية/أوفشور الخاصة بمؤسسة التمويل الدولية.

ويرى لبادي أن تلك السياسة نجحت فيما يتعلق بتشجيع الشركات على أن تأخذ خطوات تجاه الشفافية، كما أن لها تأثيرا كبيرا فيما يتعلق بالضغط على الملاذات الضريبية الخارجية/أوفشور لتحسين شفافيتها.

ويوضح مدير مكتب القاهرة أن «المؤسسات المالية التنموية مثل مؤسسة التمويل الدولية هي بالفعل متسقة مع ذلك النهج حول العالم. غالبية ما نفعله في مؤسسة التمويل الدولية هو أننا نستثمر في مشروع محدد ونراقب عن قرب كيف تستخدم تلك الأموال، وكيف يتم توزيعها. لقد وضعنا من قبل السياسة الجديدة العديد من القيود على ما يمكن لتلك المشروعات أن تفعله».

على الرغم من كلام لبادي، ازداد التوجه نحو تمويل مشروعات لها شركات تابعة في الملاذات الضريبية بعدما تبنت مؤسسة التمويل الدولية «سياسة المراكز المالية الخارجية/أوفشور».

عندما ننظر إلى المشاريع التي مولتها مؤسسة التمويل الدولية منذ بداية نشاطها في عام 1995 (الشكل رقم 1)، نرى أن نصف المشاريع أنشأت شركات تابعة في واحد أو أكثر من ملاذات السرية المالية. وإذا أخذنا في الاعتبار فقط الفترة اللاحقة لتبني السياسة، ترتفع تلك النسبة إلى 81.5%.

منذ 2015، أي عدة أشهر بعد تبني السياسة الجديدة، تمت الموافقة على 27 مشروعًا، بقيمة إجمالية للقروض والأسهم تبلغ 966.3 مليون دولار. من تلك المشاريع، 22 مشروعًا ذا شبكات من مساهمين يمتلكون شركات تابعة في مراكز الأوفشور المالية أي دول ذات قواعد شفافية فضفاضة للغاية ومعدل ضريبي يتراوح ما بين صفر إلى 12%.

في حقيقة الأمر، لم يحدث أبدًا أن رفضت مؤسسة التمويل الدولية أن تستثمر في أي مشروع بمصر بسبب شركاته الخارجية/أوفشور، بحسب وليد لبادي.

بالنسبة له، المسألة تتعلق بالتعريفات. حيث تتبنى مؤسسة التمويل الدولية القائمة التي تتبناها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (نادي البلاد الأكثر تقدمًا ومناصرة للشفافية الضريبية).

الشكل 1: هل تمتلك الشركة، شركات تابعة مسجلة في ملاذات ضريبية؟ (1995 – أغسطس 2017)

يظهر الشكل البياني رقم 1 أن فقط 11.8% من الشركات لا تملك استثمارات خارجية أوفشور (Offshore). في حين أنه في ما يقارب 38% من الحالات، لا توجد معلومات كافية من مؤسسة التمويل الدولية حول ذلك الموضوع.

أحيانًا، يكون للمشروع الذي يطلب مساعدة مؤسسة التمويل الدولية شركاء مساهمين يمتلكون شركات مسجلة في ملاذات ضريبية، وهو شكل آخر للتجنب الضريبي. وجدنا أن تلك الحالة تنطبق على 28% من الحالات في أقل تقدير (الشكل رقم 2).

الشكل 2: هل لدى الشركة/المشروع مساهمون مسجلون في ملاذات ضريبية؟ (1995 – أغسطس 2017)

https://lh5.googleusercontent.com/JRC_m7hSIEFwg-2sFGgHae8toII5CeiZsHyK6Pq3Zbvf4F7VZoJ715tahcpbsu-oKACs5CNQOztI6tbcoXACGA9Oq-QJUFy0gLeUiixuD-AEZfsoGqtQ6lxU3tbQT8n4BV4xOzl8

وتعد حالة شركة الكازار للطاقة معبرة تمامًا عن كيف تعمل سياسة المراكز المالية الخارجية/الأوفشور التي تم تبنيها حديثًا، أو للدقة كيف لا تعمل.

تمتلك شركة الكازار للطاقة ثلاث مشروعات محطات للطاقة الشمسية ولها أيضًا حصة تبلغ 75% في مشروع آخر. وحصلت الشركة من مؤسسة التمويل الدولية على إجمالي قروض تبلغ 70 مليون دولار.

وعرفت مؤسسة التمويل الدولية نفسها شركة الكازار، التي تملك مشاريع في مصر، تركيا والأردن، على أنها كيان خارجي أو أوفشور/offshore، أو ما يسمونه شركة مالكة للأصول «asset holding entity».

وقال لنا مكتب مصر لمؤسسة التمويل الدولية من خلال البريد الإلكتروني، إن «الكيان الذي ينطلق من مقره الرئيسي بالإمارات هو في الحقيقة شركة مالكة للأصول (asset holding entity) لها عمليات في دبي. على الرغم من ذلك، نحن نعاملها على أنها تقع في ولاية قضائية وسيطة تنطبق عليها سياستنا للمراكز المالية الخارجية/أوفشور».

لكن يبدو أن تطبيق تلك السياسة كان متسامحا، بالنظر إلى تمكن شركة الكازار من التقدم إلى مجلس مؤسسة التمويل الدولية والحصول على موافقته.

ففي عام 2016، تم وضع دبي في قائمة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية باعتبارها «أحد الولايات القضائية الوسيطة المتوافقة جزئيا»، وهو مصطلح يترتب عليه بحسب «السياسة» أن مؤسسة التمويل الدولية لا يجب أن تمول أي مشروع ينطلق من تلك الولاية القضائية، لأنه غير مملوك لمواطن إماراتي، ولا ينفذ مشروعًا ما في الإمارة، حيث أن تلك الولاية القضائية لا تطبق قواعد إفصاح جادة.

المصطلح «ولاية قضائية وسيطة» يعني أن بلدا ما أو منطقة ما في البلد هي مكان ينشئ فيه المستثمرين شركاتهم، فقط للانتفاع من قواعد الإفصاح الفضفاضة ومعدلات ضرائب منخفضة على الشركات (قد تصل إلى صفر).

وبحسب رد مؤسسة التمويل الدولية على البريد الالكتروني فإن «الإمارات تم تصنيفها بشكل مؤقت في عام 2017 باعتبارها «متوافقة بشكل كبير» من قبل المنتدى العالمي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ما يعكس تقدما أحرزته الإمارات في تطبيق متطلبات المنتدى العالمي فيما يخص شفافية الضرائب. وبالتالي، فإن الاستثمارات المقترحة وجدت مقبولة تحت سياسة المؤسسة الدولية للتمويل فيما يتعلق بالولايات الوسيطة. ولا يزال ذلك التصنيف، أي «متوافقة بشكل كبير» قائما حتى اليوم».

ماذا يمكن أن يكون سبب اختيار دبي كمقر رئيسي؟ بحسب موقع الشركة، الشركة ليس لديها حاليًا أي مشاريع في دبي وتعمل على مشاريع في مصر، التي تسبق الإمارات في التصنيف بدرجتين فيما يتعلق بإنشاء الأعمال، حسب تقرير البنك الدولي «لممارسة أنشطة الأعمال 2016».

ويوضح محامي شركات، فضل عدم نشر اسمه، أنه بما أن الشركة تم تأسيسها في المنطقة الحرة لمركز دبي المالي الدولي، فمن المرجح أن تتم معاملتها ضريبيا كـ «مقيمين في الإمارات»، وهكذا تستفيد الشركة من معاهدة منع الازدواج الضريبي بين الإمارات ومصر. ويسمح ذلك الأمر لشركة الكازار ألا تدفع ضرائب على أرباحها الرأسمالية أو توزيعات الأرباح التي تولدها من معاملاتها في مصر.

يقول وليد لبادي مطمئنًا: «أنا واثق أنه إذا كانت هناك قاعدة ما، فقد تم اتباعها». مع ذلك، تظهر قواعد البيانات للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين أن 11 من كل 13 شركة محطات شمسية يتم تمويلها من قبل مؤسسة التمويل الدولية في بنبان (أسوان)، هي مشاريع موَطنة أو لها شركات تابعة في ملاذات ضريبية.

مصر أيضا ملاذ ضريبي

بالإضافة إلى الشركات المسجلة في مراكز مالية خارج البلاد التي تعمل بها، مهم أن نلقي النظر أيضا على وجود ملاذات ضريبية محلية أو داخلية «أونشور» (onshore).

المناطق الحرة داخل مصر تمنح حوافز ضريبية مماثلة لتلك التي يتم منحها في المراكز المالية الخارجية/الأوفشور. وتظهر البيانات أن واحدة من كل خمس شركات تستثمر بها مؤسسة التمويل الدولية، مسجلة في منطقة حرة.

ويظهر تقرير سري صادر عن صندوق النقد الدولي في ديسمبر 2017 حصلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على نسخة منه، أن «شركات [المناطق الحرة] تعمل خارج نطاق رقابة مصلحة الضرائب المصرية وهي لا تقدم بيانات الدخل. وبالتالي يمكن [للمناطق الحرة] أن تتحول فعليًا إلى ملاذات ضريبية محلية، تمكن من التجنب الضريبي وتعرض للخطر عملية تعزيز الموارد المحلية». ويحذر التقرير أيضًا من أن مصلحة الضرائب «ليس لديها معلومات عن حدود المناطق الحرة وحجم العمليات بها، ما يستحيل معه تقييم تكاليف الشركات وإيراداتها (مرجح أنها بالغة الارتفاع)».

عندما يدفع مستثمر ضرائب أقل، هل هذا أمر جيد أم سئ؟

هناك عدد من التبريرات ﻹنشاء شبكة من الشركات التابعة في العديد من المناطق في العالم التي تطبق نظام خاص للولاية القضائية يوفر سرية المعاملات المالية.

يدافع لبادي عن ذلك الأمر قائلًا: «إذا نظرنا إلى شركة بها مساهمين من جنسيات متعددة (…)، نجد من الطبيعي تمامًا أن يتم اختيار ولاية قضائية ما لتكوين الشركة». بالنسبة له، الموضوع لا يتعلق بفكرة الولاية القضائية في حد ذاتها بل بمدى الشفافية الذي تفرضه على الشركات.

وتعلق ماجي ميرفي، مديرة المناصرة العالمية في منظمة الشفافية العالمية، وهو تحالف دولي معني بمحاربة الفساد، بأن «هذا أمر شائع. معظم الشركات الكبيرة الآن متداخلة عبر الملاذات الضريبية. الكثير منها سيدعي أن ذلك يسمح له بدرجة من الاستقرار في سياق هو عادةً ما يكون غير مستقر، حيث يمكن أن يخسر أصوله إذا حدث إنقلاب أو إذا انهار الاقتصاد». لكنها تظل متشككة فيما يخص تلك الحجة. « فقد نستطيع أن نرد بأنه لا يوجد سبب يبرر لماذا لا يقع الاختيار على بلد مستقر ومستقل مثل الدنمارك أو أي بلد مماثل من حيث الحياد السياسي والاقتصاد المستقر»، بحسب ميرفي.

يمكن استخدام الولاية القضائية التي توفر سرية المعاملات المالية من أجل تمكين شركة قابضة من دفع ضرائب أقل، وهو ما يطلق عليه في المصطلحات الاقتصادية «الكفاءة الضريبية»، بحسب موقع انفستوبيديا. إنشاء الشركات، في الولايات القضائية الخارجية/الأوفشور أو في أي ولاية قضائية بها نسبة ضرائب تساوي صفر، هو أمر قانوني تمامًا.

لكن بعد الأزمة الاقتصادية الممتدة منذ 2008، وضحت أبحاث كثيرة الضرر العالمي من انتشار تلك الممارسة في عالم الشركات الكبيرة. وبدأت المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في مراجعة مواقفها من الملاذات الضريبية. كما يحث الارتفاع في عجز الموازنات العامة وتزايد الديون العامة، على تحصيل ضرائب أكثر.

أخيرا، أصبح التجنب الضريبي من خلال اللجوء إلى الملاذات الضريبية سببًا في صعود اللامساواة في البلاد المتقدمة وبدرجة أكبر في البلدان النامية. وسبب ذلك هو أن الأشخاص والشركات الأكثر ثراءًا هم الأكثر لجوءًا إلى الملاذات الضريبية، كما توضح الورقة المنشورة حديثًا تحت عنوان «من يملك ثروة الملاذات الضريبية؟: أدلة كلية وتبعات على اللامساواة العالمية».

معارك الضرائب

في سوق معولم، يصبح التجنب الضريبي أسهل للشركات العملاقة والأثرياء. «تشتبك الحكومات الآن (مع الشركات)  في معارك ضريبية»، يعلق محامي الشركات الذي فضل عدم نشر اسمه.

يمكن لتلك المعارك الضريبية أن تأخذ أشكالا ونماذج كثيرة، فهناك 400 «مخطط ضريبي هدام»،  تستخدمها الشركات لتجنب دفع ضرائب عادلة، وكلها موثقة على موقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لمساعدة الحكومات على خوض حربها.

وينتشر مؤخرا تعبير «تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح»، المعروف اختصارا بالإنجليزية بـBEPS، للتعبير عن الاستراتيجيات المختلفة للتخطيط الضريبي الذي يستهدف استغلال الفجوات والاختلالات في التشريعات الضريبية، من أجل تفادي دفع الضرائب في البلد التي تفرض ضرائب مرتفعة عن طريق نقل أرباح الشركات إلى فروع في أماكن تقل أو تنعدم فيها الضرائب حتى لو لكانت تلك الفروع ذلك المكان يقل أو ينعدم فيها النشاط الاقتصادي. وبعض استراتيجيات التخطيط الضريبي الهدام قانوني إلا أن معظمها ليس كذلك.

ويوضح الموقع الرسمي لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تآكل الوعاء الضريبي ونقل الأرباح «يقلل من عدالة ونزاهة النظم الضريبية ككل لأن الشركات التي تعمل عبر الحدود يمكنها أن تلجأ لنقل الأرباح لكسب ميزة تنافسية عن الشركات التي تعمل على المستوى المحلي»، مضيفا أنه عندما يرى دافعو الضرائب أن الشركات متعددة الجنسية تتجنب دفع ضرائب الدخل قانونيًا، يقلل ذلك من فرص الالتزام الطوعي من جانب كل دافعي الضرائب.

وبحسب محامي الشركات، فإن مصر تشهد حاليًا ما يمكن  أن يسمى بالجيل الثاني من استراتيجيات التجنب الضريبي.

بعد ثورة 2011، عدلت مصلحة الضرائب الكثير من الثغرات التي كانت تسمح بنقل الأرباح، ما جعل التهرب من دفع الضرائب في مصر من خلال شركة وهمية بالخارج (أوفشور) أصعب وأكثر تكلفة، بحسب عمرو المنير نائب وزير المالية السابق، الذي استقال بعد حديثه معنا بوقت قصير.

أصبحت المعركة إذًا بين أنداد: جماعة من البيروقراطيين المحنكين تحت إشراف كوادر مثل عمرو المنير، الذي يحمل خبرة تنفيذية سابقة في قسم الضرائب في أحد أكبر شركات المحاسبة متعددة الجنسية، وهي برايس ووترهاوس كوبر PWC، في مواجهة فريق من المحامين والمحاسبين والمدققين الماليين الذين يحوزون على أجور مرتفعة.

«أصبحت المعركة على نفس مستوى التعقيد الذي نجده في المعارك الضريبية في فرنسا، أو ألمانيا أو المملكة المتحدة. هي معارك القانون والمنطق لا الاحتيال»، على حد قول محامي الشركات.

وتظهر أمثلة من محفظة مؤسسة التمويل الدولية تغير وتعقد أساليب التهرب الضريبي، فقد شهد منتصف العقد الأول من الألفية ذروة الجيل الأول من التجنب الضريبي: الاستخدام الكثيف لتلك الجزر الصغيرة التابعة معظمها للتاج البريطاني ذات الشمس والنخيل «أوفشور» مثل جزر الكايمان أو جزر العذراء البريطانية.

ينشئ بنك الاستثمار أو شركات الاستثمار الخاص private equity شركة وهمية في ولاية قضائية أوفشور (جزيرة من تلك الجزر)، لتصبح هي الشركة الأم التي تشتري شركات وتعيد هيكلتها ثم بيعها لاحقًا إلى طرف ثالث. وتحول كل الأرباح الناتجة عن البيع إلى الشركة الأم في هذه الجزيرة، وهكذا لا تدفع الضرائب في مصر، ولا في الجزيرة لأنها لا تفرض أصلا ضرائب.

«حدث ذلك الأمر مع أمثلة كثيرة من الشركات التي تمت خصخصتها»، كما يوضح المحامي، وبالتالي، عندما يبيع الوسيط المالي أو شركة الاستثمار الخاص المباشر إلى طرف ثالث ويراكم أرباحا رأسمالية ضخمة لا يدفع عنها ضرائب في مصر على الرغم من أن مصر هي مصدر كل إيراداته.

على سبيل المثال، يشير بيان مالي للمجموعة المالية هيرميس إلى أن «معدل الضريبة الفعلي لعام 2008 انخفض إلى 10% من 13.1 % عام 2007، بسبب زيادة الإيرادات من خارج مصر وبفضل الكيانات غير الخاضعة للضريبة».

بالمثل، تمكنت شركة الاستثمار الخاص، القلعة القابضة، وهي الشركة الأم لأحد أحدث المشروعات التي وافقت عليها مؤسسة التمويل الدولية، من دفع معدل ضريبة فعلية تبلغ 0.2%، بحسب تحقيق استقصائي نشر عام 2014 في موقع مدى مصر.

في ذلك الوقت، كانت القلعة القابضة تمتلك 38 شركة مسجلة في جزر العذراء البريطانية، خمسة في موريشيوس وواحدة في لوكسمبرج. تلك الشركات مثلت ما يقارب من ثلث شركاتها التابعة.

ونفت متحدثة الشركة آنذاك أن نشاطها الخارجي/أوفشور يتم استخدامه لتجنب دفع الضرائب ووضحت لـ«مدى مصر» أن تلك النشاطات توفر مرونة أكبر لهياكل الشركات.

طريق تحويل الأرباح: من مصر إلى الدول المتقدمة عبر ملاذ ضريبي؟

كانت شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، المملوكة لعائلة ساويرس، قد أنشأت مبني «أبراج النيل» الذي يقع مقر مؤسسة التمويل الدولية بالقاهرة في أحد أدواره، وذلك قبل أن تنقسم الشركة في عام 2015 إلى شركتين، أحدهما «أو سي آي إن في»، وليدة هذا الانقسام والتي تعمل حاليا من مقرها الرئيسي الجديد في هولندا، تقدم مثالا آخر على تعقد وتطور أنظمة التجنب الضريبي.

وتشمل تلك النوعية من الأنظمة البلاد التي وقعت معها مصر معاهدات عدم الازدواج الضريبي. تلك بلاد أكبر من الجزر السياحية الصغيرة مثل الكاريبيان. وعلى عكس مصر، عادةً ما تفرض تلك البلاد ضريبة على الأرباح الرأسمالية أو توزيعات الأرباح تساوي صفرا، وهذا وضع مناسب جدًا للشركات القابضة.

وهولندا مثال لتلك الدول. تجذب شركات إلى ولايتها القضائية على شريطة أن تكون غالبية أعضاء مجلس الإدارة هولنديين لتعين المدراء الهولنديين و المدققين الماليين الهولنديين.

والشركة الأخرى، التي نتجت عن الانقسام هي اوراسكوم كونستراكشون لیمیتد، والتي نقلت مقرها إلى دبي، التي تعد إلى جانب هولندا من موقعي اتفاقيات الازدواج الضريبي.

«تمتلك مؤسسة التمويل الدولية حاليا حصة في كل من شركة «أو سي آي إن في» (OCI NV) وشركة اوراسكوم كونستراكشون لیمیتد. وهي صغيرة جدًا (أقل من 1 %). تبلغ تلك الحصة 0.48% في شركة اوراسكوم كونستراكشون لیمیتد و0.55 % في شركة «أو سي آي إن في» (OCI NV)»، بحسب بريد إلكتروني من مكتب القاهرة لمؤسسة التمويل الدولية.

المثير للاهتمام هو أن الهيكل الجديد للشركتين، والذي يسمح بتفادي دفع الضرائب العادلة على النمط الحديث، عن طريق اتفاقيات الازدواج الضريبي، يسمح أيضا بالتجنب الضريبي على الطريقة التقليدية، وهي جزر السرية المالية.

ولا يخفي تقرير 2016 لشركة «أو سي آي إن في» (OCI NV) (الشركة القابضة للأسمدة التابعة لعائلة ساويرس) أن تعدد الشركات التابعة في عدد من الولايات القضائية ذات الضرائب المنخفضة ساعد الشركة في خفض ضريبة الدخل الفعلية التي تدفعها.

«تتراوح معدلات ضريبة الدخل القانونية بين 0% و42.8% ما يؤدي إلى فارق ما بين المتوسط المرجح لتلك المعدلات القانونية ومعدل ضريبة الدخل في هولندا البالغ 25%»، بحسب التقرير. وبالتالي، في مقابل معدل ضريبة 25% في هولندا، دفعت شركة «أو سي آي إن في» (OCI NV) معدلا فعليا يبلغ فقط 21.8%، يضيف التقرير.

أدى تعدد الولايات القضائية هذا إلى تخفيض في حجم المدفوعات الضريبية بواقع 43.3 مليون دولار، بحسب تقرير الشركة السنوي.

في كتاب جابرييل زوكمان: «ثروة الأمم الخفية، آفة الملاذات الضريبية»، يكتشف الباحث أن معدل الضريبة الفعلي للشركات الأمريكية – واحدة من أكبر الديمقراطيات – انخفض من 30 إلى 20 بالمئة. ويعزي الكاتب ما يقرب من ثلثي هذا الانخفاض إلى نقل الأرباح إلى الشركات التابعة أو الشركات الشقيقة التي أنشئت في ولايات قضائية منعدمة أو منخفضة الضريبة، لتصبح تلك الشركات الوهمية على الرغم من خمولها هي المكان الذي يولد غالبية الأرباح، على الأقل على الورق.

البلدان النامية الخاسر الأكبر

في البلدان النامية حيث تشريعات الضرائب ضعيفة، تكون الخسائر أكبر بسبب المنافسة الدولية القائمة على تخفيض الضرائب  لجذب الاستثمارات.

ويقدر صندوق النقد الدولي أن تكلفة التجنب الضريبي ونقل الأرباح عبر الملاذات الضريبية أعلى بـ 30% في البلدان النامية عنها في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بحسب تقرير لمنظمة أوكسفام عن الملاذات الضريبية. يذكر التقرير تقديرا لمنظمة النزاهة المالية الدولية أن ما يقدر بـ5.7% من الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا، أو 30% من إجمالي الثروة المالية هي حبيسة الولايات القضائية التي تسمح بسرية المعاملات المالية، وهي ثروات مخفية أخرى تسكت عنها -وأحيانا تمول أصحابها- مؤسسة التمويل الدولية.

يكشف تحليل لمنظمة أوكسفام الدولية، في أفريقيا جنوب الصحراء في عام 2015، أن 51 من أصل 68 شركة تم إقراضها من قبل ذراع البنك الدولي لإقراض القطاع الخاص، لجأت إلى ملاذات ضريبية. «إجمالا، استفادت تلك الشركات، التي تستخدم ملاذات ضريبية ليس لهم علاقة واضحة تربطها بنشاط الأعمال الأصلي، من 84% من استثمارات مؤسسة التمويل الدولية في المنطقة ذلك العام»، حسب التحليل.

في مصر، تظهر مؤسسة التمويل الدولية اتجاهات مشابهة على نفس درجة الخطورة وتشير إلى تردد المؤسسة في محاربة السرية والتجنب الضريبي.

للمفارقة، تسير المؤسسة التنموية في اتجاه معاكس للمجهودات التي تتخذها الحكومة المصرية مؤخرًا في رهان صعب لإعادة ملئ خزائنها الفارغة، وذلك وفقا لما أشار إليه عمرو المنير نائب وزير المالية في حوار خاص قبل استقالته من منصبه.

مؤسسة التمويل الدولية تستثمر في شركات مرتبطة سياسيًا

عند القيام بتحليل محفظة مؤسسة التمويل الدولية في مصر، وجدنا ارتباطات سياسية في ثلث الشركات المستثمر فيها على الأقل.

هذا التحقيق يتابع ما بدأته دراسة البنك الدولي على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، «الوظائف أم الإمتيازات»، حيث تم فيها تحديد هوية المستثمرين المرتبطين سياسيًا إذا استحوذوا على مناصب حكومية أو في البرلمان أو في الحزب الحاكم قبيل 2011.

وكما يتوصل التحقيق إلى أن المصطلح ينطبق أيضًا على المستثمرين الذين تم اختيارهم بعد 2011 من قبل الحكومة كي يستثمروا في المشاريع العامة أو في شراكات بين شركات القطاع العام والخاص، أو الذين تم توفير قطع أراضٍ لهم أو أولئك الذين قدموا تبرعات إلى صندوق تحيا مصر.

وقد تتجاوز الاستثمارات التي أنفقتها مؤسسة التمويل على الشركات المرتبطة سياسيًا هذا التقدير. لأن 39.8% من محفظة مؤسسة التمويل الدولية في مصر من 93 مشروعًا، لا يتم تحديد هوية المالك الحقيقي (المالك المنتفع beneficial owner) للمشروع في ملخص الاستثمار.

في تلك الحالات، يتضمن هيكل المساهمين لمشروع مؤسسة التمويل الدولية أسماء شركات. لكن لا يوضح الموقع من هم المساهمون في هذه الشركة. الوصول لتلك المعلومات كان أيضًا صعبا على مواقع تلك الشركات ولم يكن متاحًا من خلال بحث عادي على الانترنت.

يقول لبادي إنهم يتحققون من الارتباطات السياسية أثناء القيام بمتطلبات الفحص والتقييم النافي للجهالة due diligence التي تسبق الاستثمار لكن تلك المعلومات ليست للنشر.

بالنسبة إلى ميرفي، من منظمة الشفافية الدولية، قد يكون مفهوما أن نشر الفحص الذي يعد قبيل الاستثمار من شأنه أن يفتح الباب للمساءلة قانونية. ومع ذلك، تقول ميرفي إن ذلك لا ينطبق على نشر المعلومات الخاصة بالملاك المنتفعين. فمن وجهة نظرها، أي شركة لها حق معرفة من يستثمرون فيه، أو يتعاقدون معه أو يدخلون في شراكة معه. «إذا تم إخفاء معلومة بخصوص المالك المنتفع، إذًا أنت تزيد من المخاطر على نفسك. حيث تسمح سرية هوية المالكين الحقيقيين بعدد من الفرص لإخفاء تعارض المصالح، ولذلك يجب أن يكون (الكشف عنهم) شرطا مسبقا لأي استثمار».

وتوضح دراسة البنك الدولي كيف تؤثر الشركات المرتبطة سياسيًا في مصر بشكل سلبي على النمو والمنافسة وخلق فرص العمل.

كما توضح دراسة أخرى بعنوان «القطاع المصرفي الخاص ورأسمالية المحسوبية في مصر» أن الشركات المرتبطة سياسيًا تمتص أغلبية القروض البنكية، مما يطرح السؤال التالي: لماذا تمول مؤسسة التمويل الدولية مثل هذه الشركات الراسخة المحظوظة؟ أليس الهدف من مؤسسة التمويل الدولية هو تشجيع نماذج الأعمال المبتكرة ورواد الأعمال المبدعين من خلال ما يصفه موقعها الإلكتروني بـ «خلق الأسواق وتعبئة رأس المال الخاص»؟

ومع ذلك يدافع لبادي عن اختيارات المؤسسة التي ينتمي إليها بقوله: «نحن نبذل قصارى جهدنا من أجل نزاهتنا، وإذا وجدنا أي شخص مرتبط سياسيًا في شركة ما، فإننا نتحقق من مدى ارتباطه ونقوم بفحص مدقق بناءً على سمعته integrity due diligence».

ولكن في واقع الأمر فإن 22.8% – على الأقل- من الشركات التي تستثمر فيها المؤسسة لديها مستثمر مرتبط سياسيًا وكان متورطًا في قضية فساد داخل البلاد أو خارجها (الشكل 3). كما أن المساهمين أو المُلاك في 15 شركة تستثمر فيها المؤسسة ما زالوا يخضعون للمحاكمة بتهمة الفساد.

مزيج مريب: الشركات المرتبطة سياسيًا وشركاتها التابعة في ملاذات السرية

ترمز المجموعة المالية هيرميس إلى العصر الذهبي للشركات المرتبطة سياسيًا التي تمولها مؤسسة التمويل الدولية.

كانت المجموعة المالية هيرميس- بنك الاستثمار الأكبر في مصر- مرتبطة سياسيًا مع جمال وعلاء مبارك، نجليّ الرئيس المخلوع حسني مبارك، عبر شبكة معقدة من الشركات الخارجية/أوفشور في جزر العذراء البريطانية وجزر كايمان وقبرص.

كما ارتبطت مؤسسة التمويل الدولية ارتباطًا وثيقًا بالمجموعة المالية هيرميس من خلال قروض وحصة من الأسهم تصل إلى نحو 200 مليون دولار بين عامي 2000 و2009. ولا تزال المؤسسة التنموية تستثمر حتى اليوم ما قيمته 20 مليون دولار، وفقًا لموقع المؤسسة الدولية.

تشكل الارتباط السياسي من خلال شركة تدعى «بان وورلد انفستمنت»، يملكها نجلا مبارك، بحسب ما ورد في أوراق بنما وقبلها في تقرير للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عام ٢٠١٥. وأقامت الشركة علاقاتها للاستثمار الخاص المباشر والملكية غير المباشرة في الشركات المصرية عبر شبكة واسعة من الشركات الخارجية/أوفشور في قبرص وجزر العذراء البريطانية وجزر كايمان.

وقد ظلت المعلومات سرية حول الشراكة بين نجليّ مبارك والمجموعة المالية هيرمس حتى ثورة 2011، عندما كشفت محاكمة أسرة الرئيس المخلوع عن معلومات تخص تورطهم.

في أكتوبر 2016، نشر موقع مدى مصر صورة عقدًا موقعًا بين الشركة القابضة هيرميس للاستثمار الخاص المباشر التي يمثلها جمال مبارك، وبين الشركة التابعة لها في جزر العذراء البريطانية، مما يوضح كيف أتاح الاتفاق نقل الأرباح للشركة التابعة الخارجية/أوفشور في جزر العذراء البريطانية التي تعد ولاية قضائية تمتاز بالسرية وبانخفاض قيمة الضرائب.

وبناءً على وثائق رسمية من المحكمة، قدّر هذا التحقيق الصحفي ما جمعه نجلا مبارك من علاقتهما السرية مع الشركة بدون أي استثمار يُذكر بما لا يقل عن 21 مليون دولار. وأكد تقرير للخبراء القضائيين في القضية تحويل ما لا يقل عن 497 مليون جنيه إلى الشركة التابعة في جزر العذراء البريطانية، بلغت حصة نجلا مبارك منها  17.5% على الأقل في الفترة بين يوليو 2003 وديسمبر 2009. كما ذكر التقرير عدم وجود أي إشارة إلى أن هيرميس للاستثمار الخاص المباشر سددت أي ضرائب عن هذه الأرباح.

تعليقًا على المستثمرين، المزعوم فسادهم، الذين ظهروا في استثمارات مؤسسة التمويل الدولية، قال لبادي إن المؤسسة أجرت تقييما لوضع الشركات في ذلك الوقت، ودرست الأمور المتعلقة بالسمعة، ولكن «إذا كنا سنعيد هذا الفحص الآن، لكنا أعدنا النظر في كل حالة على حدة».

ولكن بعد عام 2011، واصلت المؤسسة التنموية الاستثمار في شركات تتسم بنفس الصفات المزدوجة المريبة من علاقات وثيقة مع الحكومة واستغلال مكثف لأساليب التجنب الضريبي.

فعلى سبيل المثال، في عام 2012، كانت المؤسسة ترحب بآخر تمويلاتها إلى أوراسكوم للإنشاء والصناعة، في الوقت الذي كانت مصلحة الضرائب المصرية تتهم عائلة ساويرس -مالكة أغلبية الأسهم في الشركة- باللجوء إلى شبكة من الشركات الوهمية للتهرب الضريبي.

وبحسب بيان لرئيس مصلحة الضرائب ممدوح عمر، نُشر في صحيفة الأهرام، تعود القضية إلى عام 2007، عندما سجلت أوراسكوم صفقة قيمتها 22.8 مليار جنيه لبيع أسهم لمجموعة الأسمنت الفرنسية لافارج (بدلا من 68.6 مليار جنيه، حسب الوثائق التي قُدمت لهيئة الرقابة المالية).

وبالبحث في موقع (Open Corporates.com)، وجدنا أن أوراسكوم للإنشاء والصناعة لديها شبكة مكونة من 10 شركات مسجلة في قبرص تحت نفس العنوان، مع أنها لا تدير أي مشروعات هناك، بحسب موقع الشركة.

أما أخوا ناصف الآخرين، نجيب وسميح، فيملكان شركتين أخرتين مسجلتين على ذات العنوان. ولم ترد الشركة على محاولاتنا العديدة للتواصل معها من أجل الحصول على تعليق عبر الإيميل أو الهاتف.

ليماسول، نافبليو 15، الطابق الثاني، 2035، قبرص. يضم هذا العنوان 12 شركة تملكها عائلة ساويرس. لقطة من خرائط جوجل (التقطت يوم 20 مارس 2018).

وعلاوة على ذلك، فعائلة ساويرس معروفة بقربها من الدائرة الداخلية للحزب الوطني الديمقراطي، حسب كتاب «لحظة تغيير» (2013) الذي حرره الباحثان السياسيان رباب المهدي وفيليب مارفليت. واتخذت علاقة العائلة بالسلطة أشكالا جديدة بعد الثورة.

في عام 2011، أنشأ ناصف ساويرس، الرئيس التنفيذي لشركة أوراسكوم كونستراكشون، تحالفا يضم أكبر مقاول في القطاع العام، شركة المقاولون العرب، ومنحت الحكومة التحالف صفقة حفر ستة أنفاق تحت قناة السويس، عام 2014، عندما أصبح الرئيس التنفيذي للمقاولون العرب، رئيسًا للوزراء.

كما يعد ساويرس المساهم الأكبر في صندوق تحيا مصر الذي أنشأه ويرأسه رئيس الجمهورية الحالي، عبدالفتاح السيسي. وحرص الملياردير على إخطار وسائل الإعلام بأنه تبرع بـ 2.5 مليار جنيه مصري قيمة لضرائب استردها في إحدى حلقات التقاضي مع مصلحة الضرائب.

تحتاج سياسات مؤسسة التمويل الدولية الخاصة بالإفصاح والولايات القضائية التي توفر سرية المعاملات المالية أن تكون أكثر صرامة، كما تقول ماجي ميرفي من منظمة الشفافية الدولية، التي تقترح بدلًا من الاعتماد على القائمة السوداء لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للولايات القضائية التي توفر سرية المعاملات المالية، يمكن الأخذ بـ «مؤشر السرية المالية الذي تعده (و تحدثه) شبكة العدالة الضريبية كنقطة مرجعية». على سبيل المثال، بينما تغيب هولندا وسويسرا والمملكة المتحدة وجزرها التابعة الخارجية/أوفشور عن قائمة منظمة التعاون الاقتصادية والتنمية – وبالتالي القائمة السوداء الخاص بمؤسسة التمويل الدولية- إلا أنهم في قمة أهم الولايات القضائية التي توفر سرية المعاملات المالية بحسب شبكة العدالة الضريبية.

ومن ناحية أخرى، في حين قد يكون تركز استثمارات مؤسسة التمويل في شركات مرتبطة سياسيا، بسبب أن هذا الأمر أقل مخاطرة للمؤسسة وأكثر ربحية، إلا أن هذا الأمر يعيق التنمية والتوظيف والنمو الاحتوائي. حيث أن الشركات المتوسطة والصغيرة تكون بصفة عامة كثيفة العمالة أكثر من الشركات الكبرى وتعتبر علميا العمود الفقري الحقيقي والموظف الأكبر في أي اقتصاد.

كما تزاحم تلك الشركات العملاقة الشركات الأصغر، ما يحرم تلك الأخيرة من الدعم التقني والمالي الذي تقدمه مؤسسة التمويل الدولية والذي يحتاجونه بشدة.

* يعتمد هذا التقرير على نتائج دراسة نشرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية تحت عنوان «من وراء حجاب: استثمارات البنك الدولي بين السرية المالية ووعود التنمية.. حالة مؤسسة التمويل الدولية في مصر”

اجمالي القراءات 3482
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق