بشرى سارّة لفقراء العالم: العلاج الرخيص حقٌ لكم.. لكن مافيا الدواء مستمرة!

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٣١ - يناير - ٢٠١٧ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


بشرى سارّة لفقراء العالم: العلاج الرخيص حقٌ لكم.. لكن مافيا الدواء مستمرة!

يحق لكل إنسان أن يتمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه ويفضي إلى العيش بكرامة

على هذا تُؤكد الأمم المتحدة في المقرر الخاص المعني بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية، إلا أن كثيرًا من سكان العالم غير قادرين على التمتع بهذا الحق، وذلك بالحصول على الأدوية الأساسية بسبب الفقر، إذ تهيمن شركات الأدوية العالمية الكبرى على براءات اختراعات الأدوية لعلاج معظم الأمراض الموجودة بالعالم، وتطرح هذه الشركات أدويتها بأسعار مرتفعة جدًا.

وتحتكر شركات الأدوية العالمية إنتاج هذه الأدوية، إذ لا يجوز لأي مصنع آخر إنتاج دواء معين إلا بعد موافقة الشركة صاحبة الاختراع، إلا أن الدول الكبرى سعت لاستثناء مصانع الأدوية في دول العالم الثالث من تلك الحقوق باعتبار أن صناعة الدواء تتعلق بجانب إنساني واجتماعي أكثر منه تجاري، وأن العديد من الأبحاث والاكتشافات الطبية تمت من مراكز ممولة من الحكومات الغربية.

وحدث ذلك من خلال اتفاقيات التجارة الدولية بحقوق الحماية الفكرية الطبية، إذ سمحت منظمة التجارة العالمية في عام 1995 لحكومات الدول الفقيرة بإنتاج الأدوية المكافئة لأسواقها المحلية، وذلك دون الحصول على موافقة الشركات صاحبة براءة الاختراع، ولكن رغم ذلك لم تتمكن الدول الأكثر فقرًا، التي لا تملك قدرات تصنيع من الحصول على هذه الأدوية والاستفادة من هذه الفرصة.

وفي قرار يعد تاريخيًا، بدأ سريان اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تسمح للدول الأكثر فقرًا باستيراد الأدوية المكافئة، في 23 يناير (كانون الثاني) الجاري، بحسب ما قال روبرتو أزيفيدو المدير العام للمنظمة، وذلك بعد أكثر من 14 عامًا، من موافقة أعضاء المنظمة على إعطاء مثل هذه الدول إذنًا مؤقتًا لاستيراد الأدوية، ولكن هل سيستفيد الفقراء من هذا القرار هذه المرة؟

كيف ستستفيد الدول الأكثر فقرًا من قرار «التجارة العالمية»؟

في البداية تعرف الأدوية المكافئة أو «الجنيسة» بأنها أدوية تكافئ منتجًا دوائيًا ذا علامة تجارية من حيث الشكل الدوائي وخصائصه واستخدامه، وغالبًا ما يُسوّق باسمه الكيميائي بدلًا من الاسم التجاري المُعلن، إذ تسعى شركات صناعة الأدوية الكبرى لإجراء أبحاث مكثفة في معاملها الكيميائية لابتكار أدوية جديدة تفوق في مفعولها ما سبق من أنواع الدواء، وتبلغ تكلفة تلك الأبحاث ملايين الدولارات.

الاتفاق الجديد يسمح للبلدان الأكثر فقرًا بالحصول على الأدوية المكافئة، من خلال أساسٍ قانوني للمصدرين والمستوردين يسمح باستيراد الأدوية بأسعار معقولة من البلدان التي تمتلك براءة اختراع الأدوية، كما يمنح الدول المصدرة تراخيص إجبارية للموردين، حصرًا، لغرض تصنيع وتصدير الأدوية اللازمة للبلدان التي تفتقر إلى القدرة على الإنتاج.

المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، روبرتو أزيفيدو، أوضح أن السماح للدول الفقيرة باستيراد الأدوية الجنيسة، جاء بعد الموافقة المطلوبة لثلثي الأعضاء على هذا القرار الذي استغرق أكثر من عقد ليصاغ في شكله النهائي. ويفتح هذا الاتفاق بصيغته النهائية، الطريق أمام وصول عقارات علاج أمراض مثل الإيدز والسُل والملاريا، إلى جميع سكان العالم.

من جانبها رحبت مارجريت تشان، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بهذه التعديلات، التي رأت أنه رغمها إلا أنه لا يزال أمام البشرية الكثير لتحقيق العدالة العالمية في توفير الدواء.

هل يوفر القرار الدواء لملايين الفقراء في العالم؟

يُعرّض احتكار الشركات الكبرى لتصنيع الدواء عبر براءات اختراع، الفقراء للحرمان من الحق في التداوي، إذ يؤكد عبد العزيز صالح، خبير الأدوية في منظمة الصحة العالمية، أن حماية ملكية براءة الاختراع يمنع توفر الأدوية، بخاصة تلك التي تعالج أمراضًا أساسية لكثير من المرضى في دول العالم الثالث التي لا تستطيع الوفاء بهذه بالأسعار المرتفعة التي تطلبها الشركات.

وقد يتمثّل الحل إذًا في توازن تسعير هذه الأدوية في الدول المختلفة، «ليس مقبول أخلاقيًا أن يوجد الدواء ولا يُمكن إتاحته لمريض بسبب تسعيره بأسعار عالية»، يقول صالح الذي لم ينس الإشارة إلى أن تسعير الدواء أمر مُعقد لارتباطه بمصالح اقتصادية وصناعية.

جان هارفي برادول، رئيس منظمة أطباء بلا حدود، يرى أن إمكانية تخفيض السعر ممكنة ولكن بشرط «أن تكون هناك منافسة في الأسواق»، فببساطة المنافسة بين المنتجين تُؤدي إلى القضاء على الاحتكار، وبالتالي تقليص الأسعار.

في المقابل لذلك تمامًا، هُناك من يعتقد تمامًا في أن «حماية براءات الاختراع» هي السبب في وجودة أدوية وعلاجات جديدة، وهو ما يعني بشكل أو بآخر حماية احتكار صناعة الدواء، والدفاع عن ارتفاع أسعاره.

من بين هؤلاء جوديث كوفمان، التي عملت مديرة مكتب شؤون الصحة الدولية في وزارة الخارجية الأمريكية. ويدافع الرأي الذي تتبناه كوفمان عن حقوق الشركات في حماية براءة اختراعاتها، أو احتكار اختراعاتها العلاجية، لأنه في رأيها حافز قوي للمخاطرة باستثمار ملايين الدولارات في صناعة الدواء.

«لا يُشكِّل السعر دائمًا السبب، لكن هناك مسائل يجب معالجتها، أهمها تشجيع عدد أكبر من الابتكارات، ولا سيما بالنسبة للأدوية ذات الأسواق المحدودة أو التي تعالج أمراضًا تنتشر بدرجة أكبر في البلدان ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، كما تستطيع الدول المتقدمة تقديم حوافز ضريبية لتشجيع الابتكار»، وهكذا رأت كوفمان الحل.

 

مافيا الأدوية العالمية مستمرة

صحيح أن الدول الأكثر فقرًا ستستفيد من قرار منظمة التجارة العالمية، لكن ذلك لا يعني أن أسعار الدواء ستنخفض، قد تتوقف عند ما هي عليه لكنها لن تنخفض، قريبًا على الأقل، وفقًا للخبير الاقتصادي مدحت نافع.

وفيما يخص «مافيا الدواء العالمية» فهي مُستمرة كما كانت، فقرار منظمة التجارة العالمية، قرار استثنائي لأدوية الجنيسة، لذا العبرة في التصنيع المحلي للدواء، التي لم تعد حقوق الملكية تقف عائقًا أمامه.

وعن مصر، أوضح نافع لـ«ساسة بوست» أنها مصنّفة ضمن الدول النامية ولا تعد من الدول الأكثر فقرًا وفقًا لاتفاقية تريبس الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية، والتي تسمح للدول أن تقوم بتصنيع الأدوية الجنيسة وفقًا لأكثر من تمديد للمهلة المخصصة لتلك الدول لتطوير الصناعة بها.

في المقابل تتمتع مصر بميزة الترخيص الإجباري لتصنيع الدواء محليًا دون تقيّد بحقوق الملكية الفكرية، وذلك فيما يخص أدوية الأمراض المستعصية والأوبئة المنتشرة، وهو ما حدث مع علاج التهاب الكبد الوبائي «فيروس سي» في مصر، إذ كان المرض بمثابة وباء في البلاد، لأن نحو 20% من سكانها مصابين به.

خريطة صناعة الأدوية في العالم

تختلف صناعة الأدوية عن غيرها من الصناعات في العالم، وذلك لارتباطها الوثيق بحياة الإنسان، ورغم ذلك فإن هذه الصناعة لها تأثير كبير على اقتصاديات الدول، إذ يبلغ حجمها نحو  750 إلى تريليون دولار، وحجم مبيعات الدواء عالميًا نحو تريليون دولار، تستحوذ الشركات الأمريكية على 30% منها والأوروبية 30% واليابانية 21% والباقي موزع على بقية دول العالم.

وعربيًا لا ترقى صناعة الدواء في المنطقة إلى القدرة على مواجهة موجة الاحتكار والاستحواذ من مصانع الأدوية الأجنبية للمصانع، إذ تؤكد تقارير أن 65% إلى 80% من الأدوية بالمنطقة مستوردة من الخارج، فيما تعتبر الدول العربية من أكبر الأسواق استهلاكًا في العالم، وهو ما يدفع كبرى شركات الأدوية لتأسيس فروع لشركاتها الأم في المنطقة أو بالاستحواذ على شركات وطنية، بالرغم من ذلك الأسعار باهظة جدًا.

اجمالي القراءات 3855
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق