من دفتر احوال فقراء مصر دموع خلف الأسوار: «ياما فى السجن.. غارمات»

اضيف الخبر في يوم الأحد ٠٤ - أكتوبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: الوطن.


من دفتر احوال فقراء مصر دموع خلف الأسوار: «ياما فى السجن.. غارمات»

دموع خلف الأسوار: «ياما فى السجن.. غارمات»

اليوم AM 11:03
 

دموع خلف الأسوار: «ياما فى السجن.. غارمات»

عدد من الغارمات بعد الإفراج عنهن

خلف أسوار عالية وقضبان من حديد، حياة بائسة تنتظرهم، قد يذهبون إليها من نفس الطريق، لكن كل منهم يحمل قصة مختلفة، أحدهم تثقل أقساط الأجهزة الكهربائية خطاه، وتهدد مصيره، وثانيهم واجه شبح السجن بعجزه عن دفع قرض البنك الذى حصل عليه لسداد أقساط سيارته الجديدة، فاضطر لبيعها، فيما اضطر ثالث للإقامة فى منزل شقيقه بعدما اضطر لبيع منزله ومحل عمله لسداد القرض، قصص مختلفة، وحالات متعددة، كان بطلها الوحيد هو «التقسيط» بوابة الفقراء، والأغنياء أحياناً، إلى الحبس.

الطريق إلى الزنزانة يبدأ دائماً بـ«كمبيالة وقسط».. وينتهى إلى «مأساة تبحث عن الحرية».. وحكايات متكررة فى عالم الغلابة

«فوزية محمد حسن» تبلغ من العمر 33 سنة، لديها ثلاثة أبناء من زوجها أحمد «عبدالرحمن»، الذى منعه فقد بصره من الإمضاء على شيكات مالية مقابل أجهزة كهربائية يحصل عليها لتزويج شقيقاته، فكانت زوجته هى الضامن الوحيد له، تقول: «كانت وصية والدته يجوز إخواته البنات، وبدأ يساعدهم فى تجهيزهم، وجابوا أجهزة كهربائية بقيمة 55 ألف جنيه، ومضيت بدلاً منه، وسددنا منهم 12 ألف بس»، مفاوضات أفضت إلى الفشل خاضها جيران من أهالى حى صقر قريش بالمعادى مع صاحب الشيكات، والتصالح بدلاً من اللجوء للمحاكم، إلا أنه أصر على التمسك بموقفه، لتصبح السيدة الثلاثينة على أبواب الحبس: «اتحددت جلسة للنطق بالحكم يوم 15 سبتمبر، ومفيش طريقة نسدد بيها الدين، مش معانا نقسط باقى المبلغ، وصاحب الشيكات رافض يستنى تانى»، لم يخطر ببال فوزية أنها ستلقى ذلك الكم من الصعاب والمآسى، وأن تتحول حياة الأسرة الصغيرة بين ليلة وضحاها إلى بؤس وعذاب، زوجها «محمد عبدالقوى» الذى تجاوز عامه الخمسين، لم يجد أمامه إلا الجمعيات الخيرية والاجتماعية ليطرق أبوابها، ليسدوا الدين عنه إلا أن المساهمات التى يقدمونها لا تكفى، حسب قول الزوجة: «جوزى مش لاقى شغل، وإخواته بعد ما اتجوزوا مش عايزين يسددوا الدين أو حتى يساعدوا، رغم أن الأجهزة دى كانت بتاعتهم هما، واتجوزا بيها»، تخشى فوزية مصير السجن وأسواره العالية، وتؤكد أنها ليس لها أى ذنب، وزوجها أيضاً لم يكن يقصد السرقة أو النصب، إلا أن طريق «الآجل» بحسب وصفها، هو الذى وضعهم فى هذا الموقف.

مأساة أخرى تعيشها «سناء محمد على»، التى تحولت من ربة منزل إلى بائعة مناديل فى إشارات المرور وأمام المساجد بعد إجراءات معقدة من التقاضى انتهت بإنذارها بالدفع أو الحبس لمدة تصل إلى 3 أعوام، فى دعوى قضائية أقامها أحد تجار الأجهزة الكهربائية بمدينة 6 أكتوبر ضدها، تقول: «خدنا أجهزة بالأقساط فعلاً من التاجر، بس بعد ما بنتى اتجوزت أبوها مات، والحال اتغير ومش معايا 13 ألف جنيه أسدد بيهم القيمة المتبقية»، بعد إنذارها اضطرت السيدة الخمسينة أن تذهب للشارع لأول مرة، لا لكى تمد يدها أمام المارة، ولكن لبيع المناديل، مضايقات عديدة تتعرض لها على مدار اليوم، وطريق طويل نحو جمع المبلغ الذى تحتاج إليه تعرف أنها لن تستطيع مواصلته من خلال المناديل، إلا أنها تحاول بما تعرف وبما تستطيع: «مش عارفة أعمل إيه، واللى بصحى فيه بنام فيه، وشغل الشارع مش هيجيبلى 13 ألف جنيه علشان أسدد الدين اللى عليَّا، وكل اللى يشوفنى يقولى يا حاجة انتى مش شبه اللى بيقعدوا فى الشارع»، بعد أن زوجت سناء ابنتها الوحيدة، سافرت الأخيرة إلى عش الزوجية مع زوجها بمدينة المنصورة، وتركت الأم وحدها بعد وفاة الزوج تواجه عقوبة الحبس 3 سنوات، تضيف: «مش معايا حتى فلوس أوكل بيها محامى، وعرفت إنه اتحكم بالسجن غيابى، وأهل الخير قالوا لى نعمل صلح ونسدد الدين، بس منين»، فوجئت سناء بإحدى سيدات الأعمال التى تطوعت لها بسداد 5 آلاف جنيه من المبلغ، لكن ما زالت المشكلة قائمة والطريق معقد نحو اكتمال الـ13 ألف، تنعى حالها: «قاعده قدام الجامع أبيع المناديل ومش متعودة على قعدة الشارع، وآخر مرة اتسرق منى كيس فيه 300 جنيه».

«فوزية» حاولت أن تضمن زوجها الكفيف فأصبحت مهددة بالحبس.. و«سناء» لجأت إلى بيع المناديل لسداد الأقساط

«القسط والجمعية والسلف»، ثلاثة حاول أن يتجنبها «عاطف محمد صابر»، الذى ورث محل أعمال الخياطة من والده بحى روض الفرج، مرض زوجته وابنه الصغير بالقلب، وطفله الآخر بجلطة بالمخ، جعله لا ينتظم فى سداد القرض الذى حصل عليه لتطوير أعمال محل الخياطة، ما اضطر البنك للحجز عليه: «أخدت قرض أطوّر بيه المحل واشترى مكان جديد ولما تعثرت بسبب مرض الزوجة والأولاد حجزوا عليَّا»، لم يجد الرجل الأربعينى عملاً يعوضه عما فقده، وأيضاً يمكنه من توفير تكلفة علاج أفراد أسرته، اللجوء لبيع المحل كان الحل الوحيد أمامه: «القرض كان بخمسين ألف، اضطريت لبيع المحل، وبيع البيت اللى كنت ساكن فيه، وقعدت عند أخويا فى شقته، وسددت القرض وعملت عمليه لابنى»، معاناة عاطف لم تنته، وعلاقته بالقروض لم تتوقف، فما زال ابنه «إياد» ذو الثلاثة أعوام، يحتاج عملية جراحية، ولا يزال طريق القرض هو الطريق الذى يراه مفتوحاً أمامه، رغم خطورته: «لما الناس عرفت إنى بعت المحل ومافيش شغل، محدش عايز يسلفنى، ولا حد عاوز يتعاون معايا، بفكر أعمل قرض جديد، بس خايف يبقى مصيرى السجن، لأن ماعنديش حاجة أبيعها المرة دى»، «عاطف» يستدرك قائلاً: «لو اتحبست، ابنى ومراتى هيموتوا».

«عاطف» خسر محل عمله وإقامته بسبب القرض.. و«أيمن» عرض سيارته الجديدة لـ«البيع» بعد أسابيع من شرائها

لم يكن الفقراء أو محدودو الدخل فقط من بين الذين ينتظرهم السجن تحت سيف «الدفع بالأجل»، «أيمن طه» 31 سنة، يعيش حياة متوسطة المستوى، إلا أنه تعثر فى سداد واستكمال أقساط سيارته الجديدة، «حطيت العربية فى معرض عربيات بعد ما اشتريتها بشهرين»، لم يتوان الشاب الثلاثينى ككثيرين من بين جيرانه بحى مدينة نصر عن بيع سيارته الحديثة، بعد أن تعثر من الشهر الرابع فى سداد أقساطها، وفق قوله: «العربية بـ160 ألف جنيه، وكان مطلوب قسط 2500 كل شهر وده تلات أرباع مرتبى»، لم يصب صاحب المعرض بدهشة من إقبال «أيمن» وغيره على بيع السيارة، رغم أنه لم يمر عليها سوى أسابيع، الشاب الذى يعمل محاسباً بأحد المستشفيات الاستثمارية، يقول: «كتير من الشباب بعد ما اشتروا عربيات بالقسط مقدروش يكملوا أقساطها، ماكنتش متوقع إنى أقابل المشكلة دى، وأبقى مهدد بالدفع أو قضايا واتهامات وحبس، واضطريت للتخلص من السيارة وبيعها»، حال مشابه تعرض له شقيقه الأكبر، بحسبه، بعد أن تعاقد على إحدى الوحدات بالمشروعات السكنية بالمدن الجديدة، وتابع: «فيه حاجة اسمها فايدة مركبة، وبعدها بتدخل فى فايدة مضاعفة، وده أسهل طريق للسجن».

اجمالي القراءات 3939
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق