جابر عصفور: عقلية الأزهر المحافظة غير مؤهلة لتجديد الخطاب الديني

اضيف الخبر في يوم الخميس ١٠ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العرب


جابر عصفور: عقلية الأزهر المحافظة غير مؤهلة لتجديد الخطاب الديني

جابر عصفور: عقلية الأزهر المحافظة غير مؤهلة لتجديد الخطاب الديني
  • دعا جابر عصفور، وزير الثقافة المصري السابق، في حوار مع «العرب»، إلى ضرورة وجود مشروع عربي عقلاني موحد لتطوير الحوار الديني والسياسي في المجتمعات العربية لمواجهة ثقافة التطرّف والإرهاب؛ فيما تحفظ على مطالبة الأزهر وقياداته بتولي مهمة تجديد الخطاب الديني، انطلاقا من أن العقليات المحافظة في الأزهر الشريف لن تنقلب على نفسها لتصبح منفتحة بين يوم وليلة.
العرب أيمن عبدالمجيد [نُشر في 11/09/2015، العدد: 10035، ص(12)]
 
جابر عصفور: اختلفت مع قيادات الأزهر لأنني أريد دولة مدنية حديثة وهم يريدون جرنا إلى الدولة الدينية
 
شدد الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري السابق، على أن تفشي ظاهرة الإرهاب في العالم العربي، ناجمة عن غياب الحوار العقلاني وانحدار المستوى الثقافي، واختصار الدين في المظهر. وأكّد، في حوار مع “العرب”، أن مواجهة الإرهاب، واقتلاعه من جذوره تتطلب منظومة مواجهة ثقافية متكاملة إلى جانب المواجهة الأمنية والقانونية. ودعا إلى ضرورة تطوير منظومة الدفاع العربي المشترك، لتتجاوز حدود العمل العسكري إلى مواجهة ثقافية للفكر المتطرف.

تحفظ عصفور على مطالبة الأزهر وقياداته بتولي مهمة تجديد الخطاب الديني، انطلاقا من أن العقليات المحافظة في الأزهر الشريف لن تنقلب على نفسها لتصبح منفتحة بين يوم وليلة، ومن ثمة فهي غير قادرة على تجديد الخطاب الديني. لكنه استطرد قائلا إن رأيه هذا لا يعني أن الأزهر بلا مجددين، بل على العكس تملك المؤسسة مجموعة من العقول المستنيرة، غير أنها محاصرة بالتعصّب.

وشغل عصفور منصب وزير الثقافة مرتين، أولاهما في الحكومة الأخيرة للرئيس الأسبق حسني مبارك عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وهي حكومة الفريق أحمد شفيق التي استمرت نحو أسبوعين، والثانية في حكومة إبراهيم محلب الحالية والتي غادرها قبل حوالي ثلاثة أشهر.

سألت “العرب” جابر عصفور عن الفارق بين مقعد المثقف، صاحب الرؤية الإصلاحية، ومقعد المسؤولية التنفيذية، فقال إن المثقف رجل يحلم بمستقبل أفضل لبلده والناس، ولهذا يجب أن يكون على مسافة من الأجهزة التنفيذية للدولة، وأن يعمل من خارجها، حتى ولو كان عضوا في الحكومة، حيث يجب أن تكون نظرته من الخارج أعم وأشمل وأكثر خيالا، وأن يتصور أشياء أكبر من الطموح السياسي للموظف، وهذا ما حدث في الحكومة الثانية التي شاركت فيها وعملت بها ثمانية أشهر، فكنت مهموما بسؤال هل أتعامل كمثقف أم كسياسي. وأضاف، كنت في اختبار خاص بأفكاري أنا، هل أتنازل عنها في سبيل منصب، أم أستقيم مع نفسي كمثقف وأعبر عن هذه الأفكار؟ وقد انحزت للخيار الثاني.

الصدام مع الأزهر

عن أهم القضايا الخلافية والصدامات التي واجهها كمسؤول وعطلته عن تنفيذ رؤاه، قال إن أبرز قضية هي الصدام مع الأزهر، فهو يرى أنه في دولة مدنية ديمقراطية حديثة، والأزهر يريد جرّنا للدولة الدينية، وأضاف أنه يطالب بتجديد الخطاب الديني تجديدا كاملا، لكن العقليات المحافظة التي تدير الأزهر الشريف، لن تنقلب على نفسها لتصبح منفتحة على كل ما هو جديد، وبالتالي فهي ليست مؤهلة لهذه المهمة.

من الصعب على أي تيار أو حزب سياسي الحصول على الأكثرية في البرلمان القادم والغلبة ستكون للمستقلين والمدنيين

وعن مفهومه لتجديد الخطاب الديني، أوضح وزير الثقافة السابق أنه يرتكز على فكرة أن أركان الإسلام الخمسة ثوابت تمثل العقيدة، وفيما عداها هناك الفقه، أي الأحكام التشريعية، وهذه تفسيرات واجتهادات بشرية يمكن أن نأخذ منها ونرد.

وعلى سبيل المثال، حجاب المرأة والسفور، فقد أكد عصفور أنه يرى أن الحجاب ليس فرضا، والمجتمع المصري حارب كثيرا من أجل السفور، وصدرت مجلة عام 1918 اسمها السفور كانت تدعو إلى سفور الوجه والعقل. وحول انحيازات وزير الأوقاف، مختار جمعة، حيال خلاف عصفور الفكري مع قيادات الأزهر، قال “هو يؤيد معظم أرائي، ففي قضية الحجاب قال لي “نترك الأمر للناس ولتختار كل سيدة ما تشاء”.

وأوضح عصفور أن ابنة شيخ الأزهر في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كانت سافرة، أي لا ترتدي حجابا، والرئيس عبدالناصر كان شاهدا على كتب كتابها، فقد كان شيخ الأزهر حينها لا يرى السفور مخالفا للشريعة.

وأشار إلى أنه حتى العام 1970 لم تكن هناك امرأة في مصر تضع على رأسها حجابا إلا المسنات، ومن الخطأ اختزال عفة المرأة وحيائها في الحجاب، فهذا امتهان بالغ لها، خاصة ونحن نعيش في مجتمع حديث، مضيفا أن رفاعة الطهطاوي كتب عام 1835 في كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، بأن عقول الناس أخطأت عندما خلطت الصلاح والعفة بالملبس، فالسفور لا يعني الخلاعة، ومن الممكن أن تكون المرأة محجبة وهي أفسد خلق الله، لكن التيارات الدينية وظفت فيما بعد الخلط بين الملبس والجوهر لصالحها، فأصبح كل من يرتدي جلبابا ويطلق لحيته شيخا، وما تبع ذلك من تسييس للدين لأهداف دنيوية وهو ما نعاني منه حتى الآن.

وأضاف عصفور نقطة أخرى، كانت مثار خلاف بينه وشيخ الأزهر، هي قضية تصوير الأنبياء في الأعمال الدرامية، فالوزير السابق يرى في تجسيد ممثل للأنبياء والرسل، ما قبل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مسألة مقبولة، ويجب أن يكون خاتم الرسل هو فقط المستثنى من تجسيد ممثل لشخصه في الأفلام، بينما الأزهر رفض ذلك، وطالب بمنع عرض أي عمل يجسد أي نبي.

وقال عصفور إنه يذكر أن هناك قصة للدكتور طه حسين اسمها “الوعد الحق”، تروي قصة ظهور الإسلام وتحولت إلى عمل درامي، صوّر فيه النبي تصويرا رمزيا عبر راو ينقل عن الرسول فيما ظهرت قيمة رمزية كضوء، ولم يعترض أحد على ذلك، أما الآن فهناك دول تظهر الأنبياء في أعمالها مثل إيران، ولن تستطيع أنت أن تمنع تلك الأعمال من الانتشار في العالم، حتى لو منعته من العرض في بلدك.

 
غياب العدالة الاجتماعية أخطر إخفاقات المرحلة الانتقالية لأن الشعب إذا شعر بالجوع لن يهمه أحد
 

استئصال الإرهاب ثقافيا

يعتقد عصفور أن الثقافة “أسلوب التعامل في الحياة”، لذلك فاستئصال الإرهاب من جذوره يستوجب محاربته فكريا وثقافيا، لغرس ثقافة السلام والتعايش، وليس الموت والتفجير، وهذا يتطلب جهدا جماعيا من الأزهر ووزارات التعليم والإعلام وتطوير العشوائيات، والعمل وفق منظومة ثقافية، يمكنه أن يحدث تغييرا جذريا في فكر المجتمع، خلال عشر سنوات فقط، بشرط أن يتوازى ذلك مع تطوير المنظومة الأمنية والقانونية لمواجهة الجريمة الإرهابية.

وبشأن رؤيته لقانون مكافحة الإرهاب الذي أقر مؤخّرا، خاصة المادة 34 التي أثارت جدلا في الأوساط الإعلامية، قال عصفور، الذي سبق له رئاسة تحرير مجلة فصول الثقافية، إنه ضد حبس الصحفي، ومع التعديل الذي طرأ على المادة باستبدال عقوبة الحبس بالغرامة المالية، والإرهاب يقاوم بإطلاق حرية الإعلام، وهناك دور كبير للإعلام في مواجهة الإرهاب ونظام الإخوان.

حيل حزب النور

حول رأيه في البرلمان المصري المقبل كاستحقاق ثالث من تفاصيل خارطة المستقبل، قال عصفور إن الخطر القادم يتمثل في السلفيين، لأننا بالفعل في سبيلنا إلى تأسيس دولة مدنية حديثة، وأخطر عائق يعرقل الوصول لهذا الهدف هو الوجود السياسي للسلفيين، وهو مخالف للدستور الذي يحظر إنشاء أحزاب على أسس دينية.

رؤية عصفور تتفق مع حملات تطالب بحل الحزب السلفي، باعتباره حزبا دينيا، وهو ما تنفيه قياداته الحالية، مستندين إلى أحكام قضائية ومطابقة للقانون، بدليل حصوله على رخصة الصدور من لجنة شؤون الأحزاب. وقد علق الوزير السابق على ذلك بقوله “ورقيا هم يقولون إنه ليس حزبا دينيا، لكن فعليا هو كذلك، والشعب لا يزال يذكر موقف نواب الحزب الذين رفضوا الوقوف احتراما للسلام الوطني في أولى جلسات البرلمان الماضي، أثناء تقاربهم مع الإخوان”.

وعن رأيه في دفع السلفيين بأحقيتهم في تأسيس حزب يحمل مرجعية دينية، مثل حق غيرهم في تأسيس أحزاب بمرجعيات مدنية أو اشتراكية، قال عصفور إن هذه هي خطورة المرجعية الدينية التي تعتبر مخالفيها منكرين لشرع الله، أما غيرهم فمرجعيتهم بشرية.

الإعلام لعب دورا مهما في محاربة الإرهاب، ويجب تكريم كل إعلامي توعده الإخوان بالقصاص

ويرى عصفور أن السلفيين يتلقون دعما سياسيا وماليا قويا من الخارج، إلى جانب ذكائهم السياسي وقدرتهم على المناورة، وهو ما ظهر في وقوفهم مع مؤسسات الدولة ضد الإخوان في ثورة 30 يونيو 2013.

وبخصوص قدرة الأحزاب المدنية على مواجهة السلفيين في الانتخابات، قال إنه من الصعب على أي تيار أو حزب سياسي الحصول على الأكثرية في البرلمان القادم، وإنما ستكون الغلبة للمستقلين والمدنيين، وهذه المكونات المتباينة المتوقعة، ستجعل البرلمان يشكل حكومة ائتلافية.

ولفت جابر عصفور إلى أن من أهم مهام البرلمان المقبل مراجعة التشريعات التي صدرت في غيابه خلال الـ15 يوما الأولى، مثل قانون التظاهر، الذي تسبب في سجن عدد من الشباب، مؤكدا أن على الدولة مراعاة أهمية التصالح مع هؤلاء وإطلاق سراحهم حتى لا تخلق منهم السجون أعداء للنظام.

وعن تقييمه لأداء الرئيس السيسي قال إن السياسة الخارجية من أهم إنجازاته، لإتباعه سياسة الانفتاح على الجميع وفق المصالح المشتركة، والتحرر من التبعية لأميركا، إلى جانب نشاطه الكبير في العمل وسرعة الإنجاز بعكس أداء الحكومة الذي لا يوازي أداء الرئيس.

وبرأي عصفور فإن أخطر إخفاقات المرحلة غياب العدالة الاجتماعية حتى الآن، مضيفا أن الشعب إذا شعر بالجوع لن يهمه أحد، فالعدالة الاجتماعية قنبلة موقوتة، ويجب إتاحة فرص عمل ومنح فرص عادلة للكفاءات، والقضاء على الفساد في التعيينات بالمؤسسات الهامة، ويجب أن تكون الكفاءة هي العامل الحاسم في حصول أي شخص على أي منصب.

اتهامات وردود

ختم عصفور حواره مع “العرب” بالرد على الانتقادات الموجهة له، أولها مجاملات المجلس الأعلى للثقافة، الذي ترأسه لمدة 15 عاما، في منح جوائز الدولة التقديرية، وقال إن الجوائز سوف تظل بها مجاملات وليس محاباة، فالمجاملات تنتج عن تكوين المجلس، فليس كل أعضائه من المثقفين، إنما هناك ممثلون لوزارات مختلفة، وبالتالي يكون اختيارهم للمرشحين قائم على مدى شهرتهم الإعلامية وليس قدراتهم الإبداعية.

وحول اتهامه بالانتهازية لقبوله حقيبة وزارة الثقافة في الأيام الأخيرة من حكم حسني مبارك، قال جابر عصفور إن “ما حدث أن الفريق أحمد شفيق اتصل بي وقال هل لديك استعداد أن تشارك معنا في إنقاذ مصر، قلت بكل سرور ومن يتردد في المشاركة في إنقاذ مصر، لكنني أعترف بأنها كانت غلطة ناتجة عن كوني غير سياسي، لأنني مثلا لم أسأله عن الشخصيات الأخرى التي ستشارك في الحكومة، وكانت المفاجأة عندما ذهبت لحلف اليمين، حيث اكتشفت أن أغلب أعضاء الحكومة المقترحة من الوجوه المتهمة بإفساد الحياة السياسة، وكان أمامي خيار، إما أن أتراجع في لحظتها، وعندها سيتهمني البعض بـ”الشو الإعلامي”، أو أن أحلف اليمين ثم أستقيل عقب أول اجتماع للحكومة”.

السلفيون يتلقون دعما سياسيا وماليا قويا من الخارج، إلى جانب ذكائهم السياسي وقدرتهم الكبيرة على المناورة

وأضاف وزير الثقافة المصري السابق قائلا: فضّلت الخيار الثاني، وفعلا أقسمت اليمين وفي أول اجتماع وزاري تحدثت عن ثلاث نقاط، الجانب الأول هو إيجابية الجيش في حماية المتظاهرين، والثاني عدد القتلى الذين قيل إنهم وصلوا إلى 300 متظاهر، فرد وزير الصحة وكان عضوا في لجنة السياسيات التي كان يرأسها جمال مبارك، أن عددهم 80 فقط فقلت له حتى لو كان قتيلا واحدا فمن قتل مصريا واحدا كمن قتل الشعب بأسره.

أما القضية الثالثة فكانت تتعلق برؤيتي لضرورة تشكيل حكومة ائتلاف وطني، تضم ممثلين من مختلف الأحزاب والقوى السياسية، وهنا ثار وزير الإعلام الأسبق أنس الفقي، وقال إن هذه هي حكومة الحزب الوطني الديمقراطي، الذي يرأسه الرئيس محمد حسني مبارك، وأن حكومة الحزب الوطني جاءت بي كخبير في الشؤون الثقافية، وحدثت مشادة كلامية بيننا، تركت على أثرها الاجتماع وعدت إلى مكتبي لأكتب استقالتي من الحكومة، وكتبت بعد ذلك أؤكد أن إنقاذ مصر لن يكون إلا بحكومة ائتلاف وطني.

وأشار جابر عصفور إلى أنه لم يكن يعرف الفريق شفيق جيدا، بالتالي لا يعرف استقامته من عدمها، إلا أن صبره الشديد على وزير الإعلام أنس الفقي خلال ذلك الاجتماع طرح علامات استفهام داخلي، خاصة أن أنس الفقي قبض عليه في تهم فساد بعد ذلك، عقب تنحي مبارك، ثم شكل شفيق حكومته الثانية، وكانت أقرب لحكومة الائتلاف الوطني دون أن ينسب الفضل لي كوني أول من ألح على تشكيل حكومة ائتلاف وطني.

اجمالي القراءات 3451
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق