يهود الجزائر: الوطنُ ليس هنا

اضيف الخبر في يوم الثلاثاء ٢٤ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: ساسه


يهود الجزائر: الوطنُ ليس هنا

لا يعود التعصب تجاه اليهود الجزائريين إلى أسباب دينية، وإنما إلى أسباب جيوسياسية وتاريخية. يساهم هذا المقال في النقاش الدائر على موقع openGlobalRights حول الدين وحقوق الإنسان.

لا يخلو الحديث في السياسة والدين من عدد من الخطوط الحمراء سواء في الجزائر أوغيرها من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ناقش بعض الكتاب الجزائريين بشجاعة حقوق الأقلية اليهودية، إلا أنه لا يزال محظورًا طرح كثير من الأسئلة حول هذه الأقلية في الجزائر. ويفسر هذا الأمر بأن معظم الناس يخلطون بين إسرائيل، واليهودية، والصهيونية.

أعلن مؤخرًا وزير الأوقاف الجزائري محمد عيسى عن خطة لإعادة افتتاح ٢٥ كنيسًا يهوديًا كان قد تم إغلاقها أواخر التسعينات أثناء الحرب الأهلية الجزائرية، ودفع هذا الموقف عددا من المسلمين الجزائريين للتظاهر. ولكن رد وزير الأوقاف بالقول إن لليهود الجزائريين الحق في أن يكون لهم وجود. ورغم الترحيب بهذا التصريح، تكمن المفارقة في أن قلة من الجزائريين فقط تعترف علنًا بالهوية اليهودية. وفي الواقع، يدَّعي بعض المراقبين أنه لم يعد هناك وجود للجالية اليهودية الجزائرية.

يقال إن إسلاميين متطرفين قادوا المعارضة لخطة الوزير، إلا أن غضبهم لم ينبع من الإسلام بحد ذاته؛ فللمسلمين في المغرب تاريخ من التعايش مع أديان أخرى كما هو الحال في دول أخرى في الشرق الأوسط. وبدلًا عن ذلك، يعود تعصبهم تجاه اليهود في الجزائر إلى أحداث تاريخية وإلى السياسات المتبعة مؤخرًا.

شهدت قرون عدة تعايش المسلمين واليهود في الجزائر إلى أن جاء رجالُ الدين الأوروبيون بمفهوم “معاداة السامية”. قام المستعمرون الفرنيسون بمعاملة اليهود على نحو خاص، سامحين لهم بالاستفادة من فرص اقتصادية جديدة. منح مرسوم كريميو الشهير عام ١٨٧٠ الجنسية الفرنسية لليهود الجزائريين ما رفعهم من كونهم “رعايا مستعمَرين” إلى منزلة “المواطنين الفرنسيين”. يومذاك، شعر بعض المسلمين بأنه قد تمت خيانتهم وتسبب ذلك بالشرخ الأول البارز في العلاقات بين المجموعتين. وفيما بعد، اتهم مسلمو الجزائر اليهود بالفشل في دعم حرب التحرير الجزائرية.

تنامى التعصب الديني في الجزائر تجاه اليهود جراء هذه المراحل من الاستعمار وإنهاء الاستعمار، إلى جانب حرب الاستقلال التي أثارت استياءً شعبيًا جراء الشعور بالظلم.

واليوم، أمسى اليهود كالأشباح في الجزائر؛ نسمع عن وجودهم بيننا، لكننا لا نراهم أبدًا. يقول البعض إن اليهود لا يزالون يعيشون في الجزائر تحت مراقبة صارمة، إلا أن معظم الجزائريين محتارون: ألا تزال هناك مجموعة من اليهود الجزائريين بينهم؟ أهو آمن الحديث عنهم إن وجدوا؟ يشكك كثيرون بوجود هذه المجموعة، لكنهم يخشون أن هذا الموضوع متعلق بأمن الدولة ولذا لا يجب التعليق عليه.

لا يعد اليهود وحدهم ضحايا التعصب الجزائري؛ فالمسيحيون أيضًا عرضة للتمييز. إنْ اعتنقَ مسلمٌ جزائري المسيحية يصبح موضع ازدراء كونه تخلى عن إيمانه ليتبنى دين العدو السابق. وكنتيجة لذلك، يتلقى من يغير دينه تهديداتٍ بالاغتصاب أو بالموت من أشخاص قد لا يكونون متشددين دينيًا.

أما في كل من تونس والمغرب المجاورتين للجزائر، فيمكن لآخر بضعة آلاف من اليهود ممارسة شعائرهم الدينية وإرسال أبنائهم إلى مدارس يهودية. يتحدث معظم التوانسة والمغاربة – سواء أكانوا من العامة أو من الأكاديميين والباحثين ـ علنًا عن إسهامات اليهود في بلادهم. وللأسف، يبدو الأمر مختلفًا في الجزائر؛ حيث خرب الناس الرموز الدينية اليهودية والمسيحية بما في ذلك مقابرهم ودور العبادة، وذلك بعد الاستقلال عن فرنسا وأثناء الحرب الأهلية في التسعينات.

وبالطبع، عمق الصراع العربي ـ الإسرائيلي الهوّة بين يهود الجزائر ومسلميها، وقوّض الآمال بإعادة إحياء الوجود اليهودي في البلاد. ويخلط كثير من سكان البلاد العربية على نحو مؤسف بين الصهيونية ومعاداة السامية.

يقول جزائريون في أغلب الأحيان: “ليس لدينا شيء ضد اليهود؛ إن الصهيونية هي المشكلة”. ولكن حينها يقول آخرون أيضًا: “سيبقى اليهودي دائمًا مدافعًا عن مصالح إسرائيل حتى وإن كان غير صهيوني. يؤمن كل اليهود بإسرائيل، لذا فمن الأفضل منعهم من العودة إلى أوطانهم (العربية)”.

خذ اليهودي الجزائري إنريكو ماسياس كمثال. حاول المغني وهو جزائري المولد، فرنسي الجنسية، زيارة “أرض الوطن” مرة عام ٢٠٠٠ وأخرى عام ٢٠٠٧، لكن السلطات الجزائرية منعته من الدخول بعد ضغط من بعض الناس ومن شخصيات سياسية جزائرية بما فيهم رئيس الوزراء الأسبق عبد العزيز بلخادم. برر منتقدو ماسياس موقفهم بالقول إن المغني دعم سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

يسعى معظم اليهود الجزائريين لدخول الجزائر بهدف الزيارة فقط، وليس بهدف الاستقرار في البلاد. وأغلب الاعتقاد أن قلة منهم من يعتقد أن له مكانًا في موطنهم السابق.

من المرجح أن تدفن فكرة زيارة “أرض الوطن الجزائري” مع وفاة آخر اليهود المهاجرين من الجزائر. لقد أصبح “الوطن” بالنسبة لأحفاد اليهود الجزائريين يقبع في مكان آخر.

اجمالي القراءات 2035
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق