ذكرى 9/11 .. تتكرر ...الفوضى الخلاقة التي لا نهاية لها

اضيف الخبر في يوم الخميس ١١ - سبتمبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: إيلاف


سيشهد القرن الحادي والعشرين تحول الحدود الفاصلة بين باكستان وأفغانستان على إمتداد 2,250 كيلو مترا الى موقع رئيسي للحرب ضد الإرهاب الدولي. قيادة تنظيم القاعدة لا تزال تختبئ على هذه الحدود على الرغم من مرور سبعة أعوام على هجمات 11 / 9 وتتواجد في مناطق القبائل الخاضعة للسيطرة المباشرة للحكومة الفيدرالية الباكستانية، وربما ظلت مختبئة فيها لفترات قادمة لكي تخدم مصالح الولايات المتحدة طويلة الأمد في هذه المنطقة. فالنفط والغاز ليسا الأمرين الأكثر أهمية في هذه المصالح بل أن جبال افغانستان مليئة باليورانيوم الذي ينتظر من يكشف النقاب عليه. والحكومة الباكستانية لا تفهم كيف تتعامل مع " الفوضى الخلاقة " التي تثيرها السياسات والمصالح الأميركية بالمنطقة.



فكلما رغبت حكومة باكستان في الدخول في المفاوضات مع زعماء القبائل لحل الخلافات معهم بالطرق السياسية ومن خلال الحوار وجدت واشنطن صعوبات في هذا الأسلوب وعمدت الى إثارة القلاقل من أجل المزيد الأوضاع إلى سابق عهدها . لم تنجح حكومة رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني في المضي قدما في سياسة الحوار وإضطرت أمام الضغوط الأميركية للتراجع عن هذه السياسة واللجوء مجددا إلى الموجهات المسلحة مع المسلحين في شمال وشمال غرب باكستان.

حكومة جيلاني أخفقت مجددا في كسب رضا المسلحين والتواصل معهم في وقف إطلاق النار في شهر رمضان بعد رفضهم ذلك وإصرارهم على عدم القبول بالعرض الحكومي وتهديدهم بشن عمليات انتحارية في مختلف أنحاء باكستان انتقاما من العمليات الارهابية التي شنتها الحكومة مؤخرا في وادي سوات ومنطقة باجاور و هانجو وغيرها . واشنطن اعتبرت أن جهود حكومة جيلاني مع المسلحين والحوار محاولة فاشلة لإختراع العجلة بعد سنوات طويلة من الحوار غير المجدي - على حد راي واشنطن - مع المسلحين وطالبت بأن يتسمر الجيش الباكستاني في توجيه نبران مدافعه نحو أبناء قومه.

مفارقة غربية تهدد معنويات الجنود وصغار الرتب من الضباط وتجعلهم في حيرة من أمرهم حول من هو المستفيد من هذه المواجهات. وبالمقابل فإن حكومة باكستان أدركت وبما لا يدع مكانا للشك أن العمليات العسكرية والأمنية التي يشنها جيشها ضد مواطنيه لم تعمل الا على زيادة اعداد المسلحين وتصميمهم على المضي في مواجهة ما يصفونه بالإضطهاد وخدمة المصالح الأميركية التي تقع نتائجها على رؤوسهم. باكستان أدركت الآن أنها بحاجة إلى وضع سياسة شاملة للتعامل مع هذه الأوضاع .

عام 2007م كان من أشد سنوات الأزمة الأفغانية الناجمة عن هجمات 11-9، أشدها دموية. فهي لم تشهد مجرد زيادة في أعداد المسلحين بل إستخدامهم لأسلحة أكثر فتكا و تكتيكات حرب عصابات أفضل من السابق إستلهمها مسلحوا شمال وشمال غرب باكستان من تدفق الخبرات عبر إيران إليهم من العراق. ورغما عن ان المسلحين لا يزالون يعتبرون قوات الناتو والولايات المتحده كقوة احتلال لافغانستان الا انهم يفضلون في هذه المرحله توجيه ضرباتهم للقوى الاقليميه والمحليه التي تدعم هذا الاحتلال واولها باكستان بطبيعة الحال.

الجهاد المقدس

يجب فهم كلمة الجهاد المقدس الذي يدعو اليه المسلحون في مناطق قبائل البشتون على جانبي الحدود الباكستانية - الافغانية على انه محاوله لتكرار ما حدث خلال سنوات المقاومه الافغانيه ضد الاحتلال السوفيتي والتي حظيت فيها تلك المقاومة بدعم الدول الغربيه وفي مقدمتهم الولايات المتحده التي لم تبخل حتى بصواريخ ستنجر على تلك المقاومة. أميركا وقتها دربت المقاتلين وقدمت التمويل والسلاح لهؤلاء المسلحين وشاركتها في ذلك كل من باكستان والسعوديه في شراكه ثلاثية تهدف الى ابعاد الاتحاد السوفييتي عن مياه الخليج الدافئه التي كان الدب الروسي يحلم بالاقتراب منها ووضع رجليه فيها. ملايين الدولارات تم انفاقها من خلال زرع ما يصفه المحليون في باكستان وافغانستان بانه ( الايدولوجيه الوهابية ) التي رعت الجهاد بالكتب والادبيات التي تدعو لقتال الملحدين من الشيوعين.

الكل في هذه المنطقه يعرف ويدرك جيدا أن سنوات الجهاد الافغاني قبل تدفق هذه الاموال والمساعدات الأميركيه كانت افضل ولم تسهم هذه ( المشاركة ) الا في تشويش عقول المجاهدين وزرع الفرقه بينهم واخراج روسيا من افغانستان بكرامتها وبماء الوجه والفضل في ذلك لوزير الخارجيه باكستان حينها "آغا شاهي" الذي توسل اليه الجنرال ضياء الحق لكي لا يوقع على معاهدة السماح للسوفييت بالانسحاب بماء الوجه والكرامه من افغانستان.

من المؤكد انه لم يكن بوسع المجاهدين الافغان أن يستمروا في جهادهم دون تدفق ملايين الدولارات التي قامت بتوجيه اللاجئين الافغان في باكستان نحو هذه الحرب التي كان مقودها بيد مخططي السياسه الأميركيه ويسيطرون عليها باحكام وتمكنوا من توجيها للوجهة التي يريدونها وبالتالي نشر الفوضى الخلاقه بين صفوف اولئك المجاهدين تمهيدا لوقوع شيئ ما في نيويورك يجعل الولايات المتحده تجد الحق الذي يسمح لها باحتلال هذا البلد.

باكستان ادركت ايضا بعد احداث 11-9 ان لا اهميه لسياسة العمق الاستراتجي الباكستاني في افغانستان عندما يتعرض وجودها ذاته للتهديد واضطرت للتضحيه بهذه السياسه التي كانت يدعمها نظام حركة طالبان الذي اسسته باكستان لكي يخدم مصالحها في ذلك البلد ويقوم ( بطرد ) المصالح الهنديه او غيرها منه. لقد اعتمد بقاء باكستان بعد احداث 11-9 على انضمامها الى الحرب ضد نظام القاعده وحركة طالبان والا فان أميركا كانت ستعيد باكستان الى عهد العصور الحجرية. الرئيس الباكستاني مشرف قال وقتها :- "باكستان ضعيفه اقتصاديا واجتماعيا ( ما اهمية اجتماعيا سوى محاولة العمل على تغييره ) ونظام طالبان لا يستحق ان تنتحر باكستان من اجله."

ايدولوجيه لم تتغير

ايدولوجية الجهاديين او المسلحين كما يطلق عليهم الان لم تتغير حتى بعد ان قامت باكستان بادخال جنودها الى اعماق المناطق القبليه التي لم يدخلها اي غريب طوال مئات سنين الماضيه باستثناء المقاتلين الاجانب من عرب وازبك وافغان وطاجيك وشيشان.. مشاعر جزء لا يستهان به من الجيش الباكستاني لا زالت ميالة للتعاون مع حركة طالبان ومع المجاهدين الذين يفضلون الموت قتلا هم وعوائلهم على تعرض الاسلام للاذى ويرفضون ايضا عيش حياة المذله خدمة لمصالح الآخرين.. المسلحون على جانبي الحدود الباكستانيه الافغانيه افلحوا في تجنيد الكثيرين لصفوفهم ومعظهم تحت سن الثلاثين وفي حالات اخرى مراهقين تحت سن العشرين ومعظمهم كذلك ينتسبون الى عائلات فقيره نسبيا. افلحوا في ذلك لإعتمادهم على المشاعر المتاججة ضد الولايات المتحده وليس على ايدولوجيه القاعده وطالبان وحسب. هذه المشاعر ساعدتهم في تحديد هوية العدو وتوجيه سلاحهم ضده.

وهذه المشاعر التي تعتمد ايضا على اخطاء السياسة الأميركية المتتالية ساعدت القيمين على تجنيد هؤلاء المسلحين على ترسيخ حب الشهاده لديهم وبالتالي اعداد ما يزيد عن 1000 استشهادي او انتحاري جاهزين لشن حملات وهجمات ضد اهداف تهدد المصالح الباكستانيه أولا والسياسيات الأميركية ثانيا. كثيرون من هؤلاء وجدوا دوافع أخرى للقيام بذلك وفي مقدمتها مقتل عدد من اقربائهم من النساء والاطفال والشيوخ في القصف العشوائي الجوي الأميركي للمناطق التي تشك واشنطن بوجود مقاتلين أعداء لها فيها. كما يلعب موضوع الاحتلال الأميركي لبلدان اسلاميه مثل العراق دورا هاما في جمع المؤيدين لهذا الاتجاه وفي تحويل مواقف البسطاء من هؤلاء الشباب الفقراء الى مواقف اكثر راديكالية وعدوانية تحتم على الحكومه الباكستانيه ان تخلق لنفسها دورا وسياسه لها تتحاور بها مع مواطنيها وتعمل على اعادة النتائج السلبيه لهجمات 11-9 على المنطقه الى الوراء.. علما بان لا نتائج ايجابيه لها على اي كان باستثناء مساندة الولايات المتحده في الحصول على المبرر الذي يخلق لها عدوا جديدا هو الاسلام بعد انهيار الشيوعية، وفي تحديد هوية مبهمة له تجعلها تضربه في اي مكان تظن – مخطئة - أنه متواجد فيه. هذه اشاره ربما تنبئ بان بن لادن وغيره ممن يزعمون تخطيطهم لهذه الاحداث قد كانوا احجار شطرنج تعمل من اجل ايصال الاوضاع لما آلت اليه في هذه البقعه من العالم.. كثيرون من يقتنعون بهذه الافكار وهم يزدادون بمرور الوقت.

كما ان اقدام جهاز الاستخبارات الهنديه الراو على الدخول بعملياته الى منطقة قبائل باكستان مدعوما باعداد كبيرة من المسؤولين الهنود العاملين في القنصليات الهنديه المنتشره بالمدن الافغانية القريبة من الحدود الباكستانيه قد اسهم الى قدر كبير في تشويش افكار المراهقين من ( المقاتلين ) ودفعهم نحو ارتكاب الحماقات وقتل الكثيرين من الابرياء في مناطق ومدن باكستان خدمة لمصالح الهند والتي كان اخرها قتل ابرياء من العمال الذين كانوا يشتغلون في مصانع الذخيره الباكستانيه بمنطقة "واه كينت" التي لا تبعد سوى 30 كيلو متر من العاصمه اسلام اباد. هذه العمليات الانتحاريه لا تخدم الاسلام بل تشوه صورته والمستفيد منها هم من يخططون لتجنيد من ينفذها.

الا ان هناك مدارس دينيه في باكستان تسهم بدورها في تجنيد الكثير من المقاتلين وان كان بعضها يبالغ في توجيه نسبة غير يسيره منهم الى التطرف الذي يوجه السلاح نحو ابناء قومه وينسى المحتل وهذا يصب مره اخرى في مساعدة واشنطن على تصعيد مستويات ( الفوضى الخلاقة ) التي تساعدها بالتالي على تحقيق مصالحها وفي زيادة امد بقائها في هذه المنطقه لاستغلال خيراتها.

باكستان ادركت أنه ليس بوسعها الاستغناء عن المدارس الدينيه لانها تملئ الفراغ الذي يشكله نقص المدارس الرسميه التي لا تصرف عليها الحكومه سوى 2 او 3 بالمائة من اجمالي الدخل القومي في الوقت الذي تقدم فيه هذه المدارس التعليم المجاني والسكن والغذاء لابناء الفقراء. العالم يفهم موضوع الارهاب على انه عمليه جماعيه وتنظيمية ولكن لا يفهم اطلاقا ان للفرد دور مؤثر فيه ذلك ان الفرد يخضع لعوامل جذب وطرد قادرة على خلق طرق تنفيس متعددة، ولهذه الطرق الكثير من مناطق الدخول والخروج ايضا.

الدوافع وراء العنف

احتلال الدول الاسلاميه مثل فلسطين والعراق وافغانستان والمؤامره في السودان تعتبر الحوافز لدى مسلمي باكستان من ذوي التوجهات الاسلاميه لكي يخوضوا في اعمال العنف والتسلح غير المرخص او المقنن، وفوق هذا وذاك فان لدى العوام الباكستانين شعور دفين بوجود مؤامره يشترك فيها اعداء الاسلام للعمل على تهميشه واستيراد العادات الغربية الغريبة بهدف زعزعة الايدولوجيه التي من اجلها قامت باكستان وظهرت كمولود جديد لهذه الدنيا في عام 1947 م. كما ان أخطاء الولايات المتحده القاتله مثل سوء معاملة المسلمين بالعراق عامه وفي ابو غريب بخاصة وفي غوانتنامو تعتبر دوافع قويه للتوجه الى العنف متى ما كان الحصول على السلاح امر بمتناول اليد وممكن في اي وقت بل انه في بعض الاحيان يكون "تيك اوي" او "هوم ديلفري" ولا احد يستطيع تغيير ذلك، فان غرفه صغيره في اي مكان نائي من شمال باكستان تتجمع فيه بعض المعدات كافيه لتصنيع أسلحة رشاشه وبنادق ومسدسات ينتجها اناس لا "يفكون الخط" ولم يعرفوا سبيلا الى المدارس بل انهم مجرد صناع مهره.

بالاضافه الى البطاله المتفشية بقوة والتي لا تترك من خيارات مناسبه امام اليافعين والشباب سوى البحث عن طريقه ( مثالية ) لإنهاء حياتهم بل ان بعض العناصر المشبوهة قد تلجأ الى اسلوب المخدرات لجعل اليافعين ضحيه لها يسهل انقيادهم بعدها لرغبات من يوجههم نحو العنف والارهاب والتطرف. تجنيد هؤلاء يعتمد من جانب العناصر الدينيه على طرق تركز على تحديد عاطفي للهويه الاسلاميه التي تجتاز الثقافات والمشاعر الوطنيه المحليه لتصبح ذات دوافع دولية. يجب العمل على تصحيح المفاهيم لدى كل من ( الضحيه والمهاجم ) في حالة الهجمات الانتحاريه التي تقصد الحاق الضرر بابناء الوطن الواحد حيث ان استخدام القوه المفرطة ضد المهاجم لن تردعه ولن تؤودي الى الحل.

اتفاقيات سلام باكستان

باكستان وافغانستان اخفقتا في ايجاد برنامج رسمي للحوار مع المسلحين فيما نجحت دول مثل السعوديه واليمن واندونيسيا في التعاطي معهم وقطع الصله بين مجاهدي اليوم ومجاهدي افغانستان ابان الحتلال السوفييتي وفي تأهيلهم. الحكومه الباكستانيه كانت تنظر للعمليات العسكرية ضد المسلحين على انها ستكون ذات عمر قصير. الحكومة والقيادة العسكرية في باكستان يؤمنان بان الحل السياسي هو انجح طريقه للقضاء على التطرف والارهاب والتوصل الى سلام دائم. اتفاقيات السلام هي السبيل الوحيد للتعامل مع المجتمع القبلي ذو السمات القائمه على صون الكرامه ويلعب فيه الانتقام دورا محوريا.

استراتيجية مستديمة للسلام

هذا هو ما تحتاجه باكستان للتخلص من التطرف والارهاب من جهه ومن الاملاءت الأميركيه من جهة اخرى. يجب التفريق بين العناصر المعتدلة وتلك المتطرفة التي لا تهتدي بالعقل او المنطق في المجتمع القبلي. ان وجود تنظيم القاعدة وحركة طالبان والمجموعات الطائفية المتناحرة على الحدود الباكستانيه مع افغانستان والموقع الجيو - استرتيجي الهام لباكستان بالقرب من ايران وافغانستان ودول أسيا الوسطى والذي يضاف اليه السباق المحموم للسيطره على الموارد الطبيعيه سواء كانت غازا ام نفطا او يورانيوم وكذلك وجود ممرات المخدارات المتشعبة، هذا الخليط يجعل من هذه المنطقه أخطر بقاع الارض قاطبة والتي تهدد بالانفجار في اي لحظة. هناك تدفق للسلاح في كل الاتجاهات في هذه المنطقه مما يؤهلها للانفجار ويضاف الى ذلك قدرة ( رجال الدين ) من مختلف الطوائف على تسييس أي قضيه مهما كانت تافهة او لنقل غير الواعين منهم لحقيقة الصراع الذي تقوده الولايات المتحده في هذا الجزء من العلم مكملة به أجزاء لعبتها الدولية الاخرى لفرض الهيمنه والسيطره على الموارد والثروات.. يجب عدم المساس باستراتيجية السلام المستديمه من اجل مكاسب قصيرة المدى والتأثير.

اجمالي القراءات 2469
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق