بوتفليقة انتهى سياسيا
صابر بليدي
الجزائر- حسمت الرحلة العلاجية التي قام بها الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى فرنسا قضية ترشحه لدورة رئاسية جديدة، وألهبت وضعيته الصحية صراع الأجنحة داخل السلطة حول من سيخلفه في قصر المرادية (القصر الرئاسي).
بوتفليقة، الذي كان أنصاره بالحكومة والتحالف السياسي المؤيد له، يروجون بأنه يتعافى تدريجيا، ظهر في أول صور يبثها التلفزيون الحكومي، متعبا ومرهقا وملامح المرض بادية على جسده، والأكثر من ذلك هو مقعد على كرسي متحرك وأعراض شلل جزئي واضحة على جهته اليسرى.
والسؤال الذي يطرحه مراقبون: هو كيف يتصرف المنادون بتطبيق المادة 88 من الدستور التي تعالج حالات العجز؟ وكيف سيتصرف بوتفليقة بعد شهور قضاها طريح الفراش؟ هل سيتمسك بالمنصب أم سيعلن استقالته ويفتح الباب أمام انتخابات مبكرة؟.
ويقول المراقبون إن أولى اهتمامات بوتفليقة ستكون ترتيب بيت الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، الذي يعيش هو الآخر فترة فراغ بعد تنحية أمينه العام السابق عبدالعزيز بلخادم، وعدم توصل فرقاء الحزب إلى آلية تفضي إلى انتخاب أمين عام جديد.
ويؤكد هؤلاء المراقبون أن أزمة الحزب الحاكم هي مرآة عاكسة لأزمة النظام ككل، إذ ترتبط المعارك الطاحنة التي تعرفها أروقة وكواليس الحزب، بالحرب الخفية بين سرايا السلطة لتحديد مرشح الانتخابات القادمة. فأنصار الرئيس يريدون خليفة على المقاس، بينما يسعى المعارضون إلى قطع الطريق أمام أي استمرار لنهج بوتفليقة.
وظهرت بوادر “التمرد” الداخلي من خلال التجاذب الدائر بين الجناحين حول تعيين ممثلي الحزب في هيئات الغرفة البرلمانية الأولى. إذ أقدم عبدالرحمن بلعياط المسير المؤقت للحزب على تعيين شخصيات محسوبة على الأمين العام السابق، علي بن فليس في الهيئات المذكورة، وهي القائمة التي رفضها رئيس البرلمان العربي ولد خليفة. بينما ثار أنصار بوتفليقة على الخطوة وطالبوا بإجراء انتخابات داخلية لشغل المناصب الشاغرة.
وتبقى الأشهر المتبقية من ولاية بوتفليقة، برأي المعارضين فرصة أخيرة لإعادة النظر في العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تبدأ وفق جمال بن عبد السلام، وهو زعيم سياسي معارض، بالاعتراف بالأخطاء المرتكبة طيلة 15 سنة من الحكم.
وأضاف بن عبد السلام: “على الرئيس أن يستثمر في تعاطف الجزائريين ويبدي نوايا حقيقية لإخراج البلاد من هذا المأزق، ويحفظ لنفسه فرصة دخول التاريخ ونيل رضى شعبه”.
وباستثناء أنصاره في التحالف الرئاسي الذين رحبوا بعودته، فإن ردود الفعل الأخرى تراوحت بين الفتور وعدم الاهتمام.
فعلى المستوى الشعبي لم يتفاعل الشارع بقوة مع العودة، بسبب الرغبة الجامحة للسلطة في عزل الرئيس عن شعبه الذي فهم الرسالة وبادل تلك الرغبة بإهمال متابعة تطورات ملفه الصحي.
واكتفى بعض المعلقين على شبكات التواصل الاجتماعي بالسخرية من الصور المفبركة التي بثتها قناة خاصة، حيث أظهرت الرجل ينزل من الطائرة سيرا على رجليه ويرتدي رفقة معاونيه معاطف شتوية. مع أن الرجل عاد على كرسي متحرك وهو في عز الصيف، وحطت طائرته في مطار بوفاريك في سرية تامة ووسط إجراءات أمنية صارمة.
وما عدا ذلك فقد أجمع الكثير على أن “بوتفليقة قد انتهى سياسيا”، ويقول رئيس الحكومة السابق والمرشح للرئاسيات القادمة أحمد بن بيتور: “إن مرحلة بوتفليقة قد انتهت ولم يبق منها إلا لحظات اعتراف أو اعتذار على عدم توظيف 15 سنة من حياة الجزائريين بشكل جيد برغم المقومات المتوفرة” .
وتبقى الأنظار مشدودة إلى مستقبل البلاد بعد بوتفليقة وهوية “الخليفة” القادم، الذي لم تتحدد معالمه إلى حد الآن.
ويرى مراقبون أن الأحزاب السياسية المكونة للمشهد العام للبلاد، لن يكون بمقدورها إفراز رئيس الجزائر القادم بسبب غياب شخصية تستقطب الشارع.
وعليه، يقول هؤلاء إن رئيس الجزائر القادم سيكون من الشخصيات المستقلة التي تلتف حولها مختلف الفعاليات السياسية والمدنية، سيما في ظل غياب مرشح صريح للسلطة التي قد تضطر للتفاوض مع أحد المرشحين المستقلين، ما قد يؤهل شخصيات كرجل الاقتصاد بن بيتور، أو الحقوقي علي بن فليس لأن يكون خليفة لبوتفليقة.
ويمكن لأحدهما أن يشكل نقطة ارتكاز وسطى بين المعارضة وبين مؤسسة العسكر وحتى بعض سرايا السلطة التي تفضل التغيير الهادئ، كما أنه يحسب على الجيل الجديد الذي ينادي باستلام المشعل